مالكوم إكس.. دروس في الإصرار
حين نذكر نماذج الإصرار في التاريخ ونختار من بينها الأكثر دلالة وتعبيرًا وتأثيرًا، فبالتأكيد لن يمكننا أن نتجاهل القوة والإصرار وعناد الكل من أجل الفكرة التي وجدت في مالكوم إكس، ذلك الداعية الإسلامي المدافع عن حقوق الإنسان، الذي غير تاريخ مظلومية المسلمين وذوي الأصول الإفريقية في أمريكا حين كانت ترزح تحت نير التعصب الطبقي والعنصرية.
الفاجعة
بداية التأثر في حياة مالكوم إكس بما شاب حياته من عنصرية، كان حادثًا أليمًا حدث في صغره، حين رأى والده يُقتل على يد مجموعة من العنصريين البيض بسبب نشاطاته السياسية المناهضة للتصرفات الطبقية، وكان له عم أُعدم دون محاكمة نظرًا لعرقه الإفريقي.
لم تأت المصائب فرادى على رأس مالكوم الصغير كما كان يحلو لأهله تسميته، إذ أودعت أمه وهو بعمر 13 عامًا في مستشفى للأمراض العقلية بسبب إصابتها بانهيار عصبي، ما حكم على حياته بمشوار صعب وقاسٍ من غير مرجعية الأب والأم.
اقرأ أيضًا: بروفايل| من هو محمد نصار؟
لا ينكر مالكوم إكس أن كل هذه البدايات أثمرت تعصبًا وأشياء "يأسف عليها" على حد تعبيره، والدليل أنه بعد حبسه بتهمة السطو والسرقة وهي الفترة التي تحول فيها للإسلام وعرف أنه "الدين الصحيح للرجل الأسود" على حد وصفه، ثم خروجه ليتبع بعض أفكار الجماعات المسلمة، عاد عن كثير من أفكارها، ونبذ التعصب ضد البيض مطالبًا إياهم بفعل الشيء ذاته، وقال بالنص: "لقد كنت متبلد الإحساس، كنت موجهًا وآسف على ما وصلت إليه".
منذ تلك اللحظات التي كانت في منتصف ستينيات القرن العشرين، كان مالكوم إكس بعمر 39 عامًا، ذروة النضج الفكري التي وصل إليها، التي قادته ليكون مؤثرًا حقيقيًا، ولتكون أفكاره الجديدة نتاجًا لخبرات متراكمة سلبية وإيجابية وهذه هي صبغة المؤثر الحقيقي أيًا كانت فكرته، تلك التجارب التي تجعل تأثيره يتعدى حدود المرحلة الزمنية والمكانية التي عاش فيها.
استقلاليته
قبل ذلك كان مالكوم إكس قد أيقن أن البوابة الحقيقية للتخاطب البناء مع الآخرين وإجبارهم على احترام الأقليات، تبدأ من تنقيح الأفكار التي يشترك فيها المرء مع مؤيديه ورؤية بعضها كما لو كانت مقدسة، في حين أنه ينبغي التفكير فيها.
فمالكوم إكس اختلف مع المنظمة التي أيدها وأعلن إسلامه على يديها وهي منظمة "أمة الإسلام" التي كان يرأسها إليجا محمد، الذي كان على سبيل المثال يرى في الرئيس الأمريكي جون كينيدي مؤيدًا لحقوق السود، بينما انتقده مالكوم إكس علنًا برغم انتمائه للمنظمة.
اقرأ أيضًا: بروفايل إبراهيموفيتش: طفولة محطمة للاعب الخارق
انتهى المطاف في النهاية بمالكوم إكس منشقًا عن المنظمة، ليؤسس منظمة "المسجد الإسلامي" التي بنيت أسسها الفكرية على أفكار واضحة، أهمها ضرورة نبذ التعصب من كل الجوانب، وليس فقط من البيض تجاه السود، وله مقولة شهيرة هي أن "نبذ كل السود يساوي نبذ كل البيض".
نقطة الخلاف الرئيسة التي انطلق منها مالكوم إكس في أفكاره، هو أنه كان يرى الدين الإسلامي دينًا عالميًا، وليس مخصصًا للتعامل مع مظلومية المواطن الأمريكي ذي الأصل الإفريقي فحسب، وهذه نداءات قد لا تعجب الكثيرين ممن يفضلون الخطاب العنصري دائمًا ويرونه الأحق بالاتباع.
بنيت تلك الأفكار تدريجيًا في ذهن مالكوم إكس، واستمد منها خطابه الجديد، وكانت مبنية على زيارة من مالكوم إكس لأداء فريضة الحج، واستقلاله طائرة من القاهرة يصفها بأنها "حملت كل الألوان" إلى المسجد الحرام، فأيقن أن الدين الإسلامي يتجاوز نقطة اللون ليكون حقًا دينًا عالميًا لكل متبعيه لا ينشغل باللون أو العرق أو أي نقطة خلافية لا دخل للإنسان في تحديدها، وهذا هو نبذ العنصرية في أزهى صوره، وأدق تعابيره.
يد الغدر
أداة مالكوم إكس البارزة كانت القدرة الخطابية المبهرة، كان يستطيع التأثير في الجموع بقوة صوته وسلامة منطقه وترتيب أفكاره وعدم خروجه عن النص، وبرسالته الجديدة التي قالت للمسلمين إنهم أنفسهم يمارسون العنصرية نوعًا ما، وعليهم أن يتركوها إذا أرادوا لغيرهم أن يعاملهم بالمثل، مع عدم إقراره للآخرين بالعنصرية تجاه المسلمين، كيف هذا وقد دفع حياته ضريبة لتلك التوجهات ومن على منصة يدعو فيها الناس إلى أفكاره حول الإسلام الحق.
اقرأ أيضًا: أفضل طريقة لإعداد بروفايل على linked In تلفت بها الأنظار
فيُقدر أن يقع مالكوم إكس فريسة يد الغدر وكان بعمر 40 عامًا. إرهاب غامض المنشأ، قيل إنه من المنظمة التي انفصل عنها التي لم ترض عن توجهاته، وقيل إنها "مؤامرة أكبر من ذلك بكثير"، لكن المؤكد أن القاتل الوحيد الذي اعترف بمشاركته في الجريمة ويدعى توماس هاجان كان ينتمي حقًا لتلك المنظمة التي لم ترضها وسطية مالكوم إكس، ودفاعه عن حقوق الإنسان قبل أي شيء.