رائد الأعمال علي الزهراني لـ «الرجل»: حققت أرباحًا مضاعفة بسبب كورونا
ترك علي الزهراني الدراسة، وغادر بلدته الصغيرة، دون أن ينهي المرحلة الثانوية، قاصدًا مدينة جدة، يحدوه الأمل بالحصول على وظيفة في إحدى الجهات الحكومية، على اعتبار -أنها الأمان بعد الله- لكن البحث لم يكلل بالنجاح، ولم يكن سهلاً قط، أو بالأحرى لم يجد أي وظيفة شاغرة.
يتابع الزهراني رواية ما حدث معه معترفًا أن فكرة الانضمام إلى العمل في محلات الذهب لم تكن واردة قط في حساباته، ولم يفكر فيها يومًا. ويضيف: "المصادفة جعلتني أمام هذا الخيار، حين وجدت أن الغرفة التجارية في جدة قد أعلنت عن دورات تأهيلية للشباب السعودي في البيع داخل المحال المختصة بالذهب والجواهر، انضممت لها، وطورت من دراساتي فيها دورة بعد أخرى".
وقال إنه من أوائل السعوديين الذين تلقوا التدريب في هذا القطاع، إذ كانت الدورة التدريبية الأولى من نوعها، وقد قدمتها غرفة التجارة في جدة بعد إعلان سعودة قطاع البيع في محلات الجواهر.
ويلفت مرة أخرى إلى أنه لم يكن يملك الشغف أو الرغبة، ولكن لم يكن أمامه خيار آخر، ما جعل دخوله هذا المجال أمرًا لا مفر منه، فهو الفرصة الوحيدة المتاحة أمامه في ذلك الوقت.
النصيحة المفتاح
"انتهت الدورات التأهيلية وأُلحقنا بالمحال التجارية براتب لم يتجاوز 1500 ريال"، يكمل الزهراني روايته مضيفًا "حقيقة أنا لم أكن مقتنعًا لا بالوظيفة ولا بالراتب، ولكن دائمًا خلف النجاح دعم من يد خفية، لعل هذا الدعم هو ما جعلني حاليًا من المستثمرين في هذا القطاع، وأمتلك خبرة واسعة جدًا".
ويكشف عمن كان وراء هذا الدعم قائلاً "أدين بهذا النجاح إلى رجل لا يزال كنزًا من المعلومات، وهو المعلم الأول في الدورة التدريبية، وممثل الغرفة التجارية محمد عزوز، نائب رئيس طائفة الصاغة، وحقًا هو من جعلني أستمر، وتنبأ لي بما أنا عليه الآن". مشيرًا إلى أنه اقتنع بالنصيحة، بل كانت المفتاح الذي فتح كل باب موصد، حيث أدرك أن هذا المجال فيه من الخير الكثير، وأن الهدف المستقبلي بحسب معلمه أن يكون صاحب العمل وليس العامل.
رفض العائلة
عمله الجديد لم يسر على أحسن وجه، فقد واجه علي الزهراني رفض العائلة لعمله، خصوصًا من جهة والده بحكم أن الحقبة الزمنية الماضية كانت ترفض عمل السعودي في المحال التجارية بوظيفة بائع، يوضح "عندما علم والدي بطبيعة العمل، واجهت رفضًا قاطعًا، فضلاً على رفضه ترك الدراسة، وكنت قد وقعت عقدًا للعمل بائعًا في أحد محلات الذهب، وتحملت ثلاث سنوات من الرفض والغضب من الوالد، لم تنته إلا بعد أن بدأت أتطور في العمل، وأحقق تقدمًا ملحوظًا".
دراسة مع العمل
تدرج الزهراني بمهامه الوظيفية وزاد راتبه الذي بدأ بـ"1,500" ريال، ثم "3,000"، ثم "4,500" إلى أن وصل إلى "5,000" ريال.
وانتقل من شركة لأخرى، حتى انضم لفريق عمل جواهر "لا زوردي" بائعًا، وانتهى به المطاف بعد ثمانية عشر عامًا متواصلة في منصب المدير الإقليمي للمنطقة الغربية.
إنجاز آخر في سجل الزهراني، فدون أن يتخلى عن عمله استكمل دراسته الثانوية، ثم دخل الجامعة وهو على رأس عمله، ليجمع بين الأمرين، ويتخرج في الجامعة، بشهادة بكالوريوس إدارة أعمال.
عام التحولات
بعد كل هذه الخبرة الطويلة، والتنقل ما بين شركة وأخرى، قرر رائد الأعمال علي الزهراني امتلاك عمله الخاص والتحول من الوظيفة إلى رائد أعمال، افتتح سجله التجاري تحت اسم "شركة إيمرلد للذهب والجواهر" بتاريخ 1 -1 – 2020، وبحسب قوله: "كان التاريخ مميزًا، والسنة أكثر تميزًا".
وأضاف قائلاً: "الفكرة كانت مبنية على النصيحة التي بدأت بها مشواري، بأن أصبح ذات يوم صاحب شركة خاصة في قطاع الذهب والجواهر، وسعيت بكل جهد وصبر لأحقق هذا الهدف، وكان لي ما أردت، ووصلت لقناعة في عام 2019 بأن أصبحت جاهزًا نفسيًا وماديًا وعمليًا للبدء بالتنفيذ، وترك الوظيفة للدخول إلى عالم التجارة صاحبَ عملٍ خاص".
ويضيف: "تقدمت إلى أحد البنوك للحصول على قرض، ولكن للأسف لم يكن من ضمن بنوده دعم المشاريع في مجال الذهب، حينها توجهت للخطة البديلة، وهي البحث عن شريك، ووُجد، وهو أحد الأصدقاء في المجال ذاته، وعملنا معًا، وبيننا ثقة متبادلة، وبدأنا بدراسة السوق، ومن ثم كل الفرضيات لقيام المشروع، حتى كان القرار بافتتاح أول محل خاص بتاريخ 1-1- 2020، وهو تاريخ مميز بكل تفاصيله، وأحداثه، وأرباحه".
وأوضح أن البداية كانت برأس مال يقارب 5 ملايين ريال سعودي، استطاع جمعها من عمله، وبيع بعض الأراضي التي منحته مردودًا ماديًا جيدًا.
وينوه الزهراني بأن مجال الذهب يعتمد في نجاحه على المعرفة، والسمعة الطيبة، والعلاقات بين التجار، موضحًا أنه تمكن من كل المقومات وهو ما سهل حصوله على بضاعة "بالآجل" من بعض التجار، على أن تسدد بعد البيع وجمع الأرباح.
أسرار الذهب
يشرح رائد الأعمال علي الزهراني أن مجال الذهب والجواهر مرتبط بشكل مباشر بالبورصة العالمية، التي هي بدورها مرتبطة بالدولار والنفط والذهب، قائلاً: "يعتمد المجال على بورصة عالمية سعرها لحظي، هذا العامل الأول. العامل الثاني يعتمد على صياغة القطعة ومصنعيتها، وهل هي شغل يدوي أم شغل آلة؟ أما العامل الثالث في تجارة الذهب فهو التكلفة التي يتكلفها التجار وكيفية إضافتها على سعر القطعة، خصوصًا عندما تكون القطعة من النوادر ومتميزة، فهنا التاجر يتمسك بالقطعة حتى يسخر له الله من يقيمها ويدفع ثمنها".
وبيّن أنه حتى اللحظة لم يتعمق في قطع الألماس ولكن "أفضل أنواعه تأتي من جنوب إفريقيا كخام، ومن ثم يجري قصه في بلجيكا لأنها الأفضل". وعلى الرغم من أن للألماس رواده في السعودية فإن علي الزهراني ركز في تجارته على الذهب لعدة أسباب، من أهمها: "يمكن إعادة كسره وصياغته بكل سهولة، وتشكيله كقطع جديدة، بعكس الألماس، الذي يكلف التاجر مبالغ عالية، في حال جرت إعادة صياغة القطعة".
وأوضح أن الذهب لديه متنوع الوجهة والحرفية، حيث يستورد من إيطاليا، وتركيا، والهند، ودبي، معتمدًا القطع الكاجوال (الزي الدارج)، التي تميل لروح "البراند".
كورونا والمفاجأة
خلافًا لمعظم المشاريع التي أصيبت بخسائر، حمل عام كورونا 2020 بشائر خير غير متوقعة للزهراني، ولكن كيف حدث هذا؟ يروي الزهراني "كان افتتاح أول فروعنا في مدينة جدة في تاريخ 1 -1 – 2020، ولم نكن نعلم قط ما سيحل بنا، وكانت النية مواجهة التقلبات السوقية، والانخفاض الاقتصادي الذي يسود العالم، ولكن ما حملته كورونا كان خلافًا للمتوقع تمامًا، حيث قررنا افتتاح المحل بحكم أن المحل أصبح جاهزًا بكل مقتنياته وتفاصيله، وكانت الانطلاقة بحضور كبار تجار الذهب والجواهر، وقناة mbc، وكانت بداية قوية جدًا".
لكن الفرحة سرعان ما تحولت لخيبة، يوضح الزهراني "بعد ثلاثة أشهر من الافتتاح كان قرار الإغلاق بسبب انتشار الوباء، ما جعلني أدخل في حالة من الإحباط والحزن واليأس، خصوصًا أن المشروع حصد كل ما أملك، ووضعت فيه «تحويشة العمر»".
لكن هذا لم يكن النهاية، يستكمل الزهراني: "بعد شهر من هذا الحال، قررت التوجه للموقع الإلكتروني، والبيع عن طريقه، إضافة إلى مواقع السوشيال ميديا، على الرغم من تخوفي، حيث إن الجميع اعتاد استكشاف القطع والوزن. دارت في خاطري كثير من التساؤلات من حيث اكتساب ثقة الزبائن بأن البيع صحيح، والقطع كما هي في مواقع السوشيال ميديا، ولكن عقدت النية، وأعلنت عن المحل، وكيفية الشراء من خلال الموقع وكانت المفاجأة".
حقق رائد الأعمال علي الزهراني نسبة مبيعات مضاعفة عما حققه خلال الثلاثة أشهر الأولى من الافتتاح، وقد رجع السبب في ذلك لعدة عوامل من أهمها: إغلاق كل المحال التجارية ومن ثم توجهت النساء إلى الشراء "أونلاين"، كثير من الناس أصيب بفوبيا انهيار الاقتصاد فتوجهوا للاستثمار أو الادخار عن طريق شراء الذهب بكل أشكاله وأنواعه، الخفيف منها والسبائك، فهو الملاذ الآمن، إضافة إلى أن الزبون بعد عملية الشراء أصبح لديه قناعة أن ما يشاهده على إنستغرام وسناب من قطع هي نفسها التي تصل إلى يده، من حيث الشكل والحجم، ولعلها في بعض الأحيان تكون أجمل على الطبيعة. منوهًا بأنه حقق زيادة في نسبة المبيعات ما بين 25 -30 % عما قبل كورونا.
مفاتيح النجاح
مفاتيح النجاح لخصها خبير الذهب علي الزهراني قائلاً: "الأمانة هي أهم مفاتيح العمل في مجال الذهب والجواهر، ولكل من يريد الدخول إلى عالم الأعمال من هذا الباب عليه أن يبدأ بالسبائك لعدة أسباب، السعر الواضح على شاشة البورصة العالمية، إضافة إلى أنها معفاة من الضرائب، فالذهب ملاذ آمن للاستثمار وعملة عالمية لا تفقد قيمتها على مر الزمن. أيضًا عليه تعلم قراءة التغيرات اللحظية لأسعار البورصة، وهناك كثير من المواقع، يستطيع رائد الأعمال تحميلها والتعلم منها، وبالممارسة يمكن أن يتقن هذا الجانب بكل سهولة. أخيرًا عليه أن يمتلك سمعة طيبة لأن سمعة التاجر هي رأس ماله الحقيقي".
وعن حجم التنافس قال: "المنافسة قوية خصوصًا داخل السوق السعودي، إضافة إلى أن حجم الدعاية والإعلان حاليًا تغير، حيث إن هذا الجانب مهم جدًا، وعلى كل تاجر ألا يغفل عن هذا الجانب خصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الأقرب لمخاطبة الزبون"، موضحًا أن الأثر الذي تحدثه قوي جدًا، وهذا ما لاحظه خلال السنتين الماضيتين.
الرياض وجهتنا
وعن خططه المستقبلية قال: "بعد افتتاح فرع مدينة جدة، وهو الفرع الأول، أبرمنا شراكة استراتيجية بيننا وبين محلات روبي، ما جعلنا نمتلك فرعين في المدينة نفسها، ونعمل حاليًا على افتتاح الفرع الثالث في العاصمة السعودية الرياض، لتحل المنطقة الشرقية رابع الفروع خلال الفترة القادمة، وبذلك نكون قد حضرنا في أهم المدن الرئيسة السعودية".
وعن التوجه لعمل تعاقدات مع جهات حكومية ووزارية، وغيرها، يكشف الزهراني "سيكون لدينا تركيز أكبر على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنشاء موقع إلكتروني لزيادة نسبة المبيعات وربطه بشكل مباشر مع البورصة العالمية، بحيث يكون الزبون على اطلاع بسعر القطعة والتغيرات اللحظية الطارئة عليها".
اقرأ أيضًا رائد الأعمال المهندس فوزي طلال سليماني: حولنا المباني الفارغة لفنادق عالمية ونطمح لنصبح شركة مشغلة
تاريخ بالذهب
ولم تتوقف طموحات رائد الأعمال علي الزهراني، فهو يعمل حاليًا على توثيق تاريخ الدولة السعودية، من خلال قطع ومشغولات ذهبية مستوحاة منها، تروي قصة توحيد الجزيرة العربية، وعصور التطور والنهضة، حتى رؤية 2030، فيما يعكف على أن تكون علامته التجارية عالمية يشارك بها في المعارض الدولية.