أعمق ما حفرته يد الإنسان في العالم
الرجل: دبي
تحدى قراء موقع رديت إحدى رسوم BBC المصورة مؤخراً متسائلين كيف تمكن البشر من حفر الأرض يدويا لأعماق تصل إلى مئات الأمتار. لذا بحث الموقع في الموضوع للعثور على القصص الكامنة وراء الجهود البشرية للوصول إلى أعمق حدود في باطن الأرض.
عند النظر إلى أعظم الإنجازات الإنسانية الهندسية، من الطبيعي أن ننظر نحو الأعلى، فكر مثلا في الأهرامات المصرية، أو كاتدرائية القديس بطرس، أو ضريح تاج محل– وجميع المباني الضخمة التي قربتنا قليلا من السماء. في حين تبقى المحاولات النادرة للوصول إلى أعماق باطن الأرض هي الأقل شهرة.
وقد سلط BBC الضوء على بعض من هذه الإنجازات التي جرت تحت الأرض في إحدى الموضوعات بعنوان “رحلة إلى مركز الأرض”، وأثار الناس العديد من التساؤلات على موقع رديت، وهناك سؤال بعينه استرعى انتباه الموقع، وهو: كيف تمكن أسلافنا من حفر أنفاق بمئات الأمتار في باطن الأرض؟ ومن ثم تعمق قليلا في التنقيب لاستعراض هذه الجهود التي جرت تحت الأرض.
فيما يتعلق بالجمال المعماري شديد التعقيد، لا يمكن لمدينة “ديرينكويو” إلا أن تكون بين مصاف أعظم الأنفاق المذهلة المحفورة يدوياً. إذ تمتد إلى حوالي 60 مترا (196 قدما) تحت منطقة كابادوكيا في تركيا، فيما تضم دهاليزها 20 ألف مواطناً (بما في ذلك منازلهم ومصانع النبيذ والمدارس الخاصة بهم).
وهي تتألف من خمسة مستويات، وتوجد بها كنيسة عند النقطة الأقل انخفاضاً. وتقع كابادوكيا فوق صخور رخوة وبركانية، وهناك اعتقاد أن سكانها بدأوا في نحت المساكن تحت الأرض في وقت مبكر من عام 700 قبل الميلاد. وقد حفر الناس إلى أعماق بعيدة في القشرة الأرضية مستخدمين المزيد من الدماء، والعرَق، إلى جانب المِجرَفَة.
كانت البداية في أوائل السبعينات من القرن الثامن عشر وحتى عام 1914، حين توغل 50 ألف عامل في مدينة كيمبرلي بجنوب أفريقيا عبر 22 مليون طن من أديم الأرض أثناء بحثهم عن الماس تحت الأرض. وفي النهاية، وصولوا إلى عمق 240 مترا قبل أن تتوقف العملية. وغالبا ما توصف هذه الحفرة باسم “الحفرة الكبيرة”، كما تُعرف به حاليا، وهي أكبر حفرة تحفر باليد.
وبالرغم من ذلك، فإن الأرقام المسجلة لا تزال نادرة، ومن الممكن أن تكون هناك مناجم أخرى محفورة باليد تمكنت من إزاحة كميات أكبر من تراب الأرض وصخورها بشكل عام.
أما بئر “وودنغدين” التي تقع بالقرب من برايتون في المملكة المتحدة، فتعد أعمق حفرة سطحية حفرتها الأيدي البشرية في العالم، وذلك بالرغم من كونها أصغر في الحجم الإجمالي، إذ يصل عمقها إلى 390 مترا تحت الأرض، وهو عمق يماثل طول مبنى إمباير ستيت، بل أوسع قليلا بمتر واحد – وتميل إلى أن تكون صدعا أكثر منه إلي حفرة.
يبدو أصل الحكاية مثل مادة يمكن أن ترد في إحدى روايات تشارلز ديكنز، حيث بنيت البئر لتوفير المياه إلى إحدى المدارس الصناعية، واشتملت الأيدي العاملة على أفراد من الإصلاحية المحلية. فمن الواضح اعتقاد “الحرس” أن العمل الشاق سوف يمثل رادعاً لأي شخص يظن أن الإصلاحية مكان سهل لانتشاله من الفقر.
وإذا كان لدى “الفقراء المعدمين” بارقة أمل في التظاهر مسبقا بالمرض، فمن المفترض أن يقضي العمل المُضني على ذلك تماما. فقد استمر العمل في البئر على مدار 24 ساعة يوميا، وعلى ضوء الشموع.
وفي محور بئر يبلغ اتساعه 4 أقدام، تمركز رجال الرفع متكدسين على منصات أسفل المحور لرفع التراب والصخور إلى أعلى، وإنزال الطوب إلى أسفل عند زملاء لهم يعملون في القاع– والذين يثبتون ذلك الطوب بالإسمنت في موقع يعزز من تحمل الوزن الهائل بالأعلى.
وفي النهاية، شعر أحد هؤلاء العمال كما لو أن الأرض تتحرك تحت قدميه. وها قد عثروا على الماء في نهاية المطاف، وصنع العمال حدودا لمحور البئر سريعا قبل أن ترتفع المياه من حولهم.
واليوم بالطبع تتيح لنا التكنولوجيا إمكانية الوصول إلى أعماق جديدة. وقد تم شق منجمي توتونا وإمبوننجج في جنوب أفريقيا عبر أربعة كيلومترات من الصخور بفضل المتفجرات والمثاقيب الهوائية والإلكترونية العملاقة.
إذ استغرقت آلات الرفع ساعة كاملة للوصول إلى القاع، حيث تصل درجة حرارة الصخور المحيطة الملتهبة إلى 59 درجة مئوية (138 فهرنهيت) –والتي تحتاج إلى “وحدة تبريد” ضخمة لتبريد الهواء داخل المنجم. وتعد درجة الحرارة هذه أكبر من أعلى درجة حرارة سجلت مطلقا على سطح الأرض.