البقاء في وظيفة واحدة أم التنقل بين الوظائف: كيف تتخذ القرار؟
لم يعد سوق العمل بسيطًا مثل الماضي، بل أصبح الأمر مركبًا ومعقدًا جدًا. توجد العديد من التفاصيل التي لا بد من الاهتمام بها، والكثير من التساؤلات والأفكار التي تطرح نفسها بقوة. من بين هذه التحديات هي أنّك لا تعرف هل يجب عليك البقاء في وظيفة واحدة طوال حياتك؟ أم الأفضل التنقل بين الوظائف؟ على الرغم من كون هذا خيارًا شخصيًا، لكنّه من أهم أسئلة التطور الشخصي.
البقاء في وظيفة واحدة
يتعلق الجزء الأول بالبقاء في وظيفة واحدة. بالنسبة للبعض هذا هو الخيار المناسب، مثلًا من يبحثون عن وظيفة في الحكومة، يتولونها من لحظة تخرجهم وحتى سن التقاعد. لماذا يفضل الأفراد البقاء في وظيفة واحدة؟ ولماذا هذا الخيار مضر أحيانًا؟
لماذا يفضل الناس البقاء في وظيفة واحدة؟
يمكننا بسهولة بالطبع فهم الأسباب التي تدفع الأشخاص للبقاء في وظيفة واحدة باستمرار. إذ الأمر طبيعي ومنطقي للغاية، وجميعنا نفعل ذلك، ونبحث عن الشيء ذاته؛ الأمان الوظيفي. لنفصّل هذا الأمر بعض الشيء في النقاط التالية:
1- ضمان الوظيفة: أنت تضمن عملك في الوظيفة الحالية، وتحصل على راتبك بشكل مستمر، بالتالي لديك قدر من الضمان بشأن حياتك. على العكس من ذلك، إذا قررت ترك وظيفتك والبحث عن شيء جديد، سيضعك هذا في موقف صعب بعض الشيء، إذ لا يوجد ضمان أنّك ستجد وظيفة أخرى.
2- رحلة الوصول إلى الوظيفة: عندما تبدأ في البحث عن وظيفة، وترسل سيرتك الذاتية، وتجري مقابلات العمل، فأنت تضع في ذهنك المجهود المبذول من أجل هذا الأمر. لا أحد يرغب في تكرار هذه الأمور، وهو في الوقت ذاته لا يضمن النتيجة، وأنّه سيكون المرشح المناسب للوظيفة.
3- التفكير في قابلية النجاح: أنت الآن تعمل في وظيفة، وتجيد تنفيذ المهام المطلوبة منك، وربما تكون في وضع جيد. لكنّك لا تعرف هل سيكون هذا الوضع مع الوظيفة الجديدة؟ هل سيكون لديك القدرة على تعلم المهام والوصول إلى نتائج جيدة؟ هل ستكون قادرا على التأقلم مع الظروف وبيئة العمل بسهولة؟
ما المشكلة من التواجد في وظيفة واحدة دائمًا؟
على الرغم من جميع المميزات من التواجد في وظيفة واحدة، يمكن لهذا أن يسبب بعض المشكلات لك، سواء فيما يتعلق بك على المستوى الشخصي، أو يرتبط مع مسئولي التوظيف.
1- المشكلة الخاصة بك: التواجد في وظيفة واحدة قد يؤثر على نموك مع الوقت، فأنت لا تتعلم أي شيءٍ جديد. لا سيّما إذا لم تكن تتطور في الدرجة الوظيفية أو حجم المهام المسندة إليك، بالتالي تمارس ذات المهام من اللحظة الأولى لك في الشركة. ستكون النتيجة هي أنّك لا تملك أي مهارات جديدة في حياتك.
2- المشكلة الخاصة بالتوظيف: قد يظن مسؤولو التوظيف أنّ السبب لبقائك في وظيفة واحدة، هو عدم امتلاكك للمرونة الكافية في العمل، وبالتالي ليس لديك القدرة على النجاح في الوظيفة الجديدة. كما يؤشر هذا سلبًا ويترك انطباعًا أنّك غير مهتم بحياتك المهنية بالقدر الكافي. حسنًا إذا كان الوضع كذلك، فهل الأفضل التنقُّل بين الوظائف؟
التنقل بين الوظائف
هل يعني هذا أنّ التنقل بين الوظائف هو الخيار الأفضل؟ بالطبع لا يمكن الجزم بذلك أبدًا. فهذا أيضًا أحد الخيارات المناسبة التي يمكن الاعتماد عليها، لكن لا يمكن النظر إليه على أنّه الخيار الوحيد. بل في الواقع يجب فهم مؤثراته السلبية جيدًا.
ما الفائدة من التنقل بين الوظائف؟
على العكس من البقاء في وظيفة واحدة، يمكن للتنقل بين الوظائف أن يؤدي إلى اكتساب العديد من الخبرات لدى الأشخاص، ويزيد من المهارات التي يتمتعون بها. عندما تعمل في مجموعة كبيرة من الوظائف، بالتبعية سيكون لديك القدرة على القيام بالعديد من الأشياء.
بالنسبة لمسؤولي التوظيف، هذا مؤشر على امتلاكك لخبرات متنوعة، لا سيّما إذا كانت المهام التي عملت بها مختلفة من مكان عمل لآخر. إذ من المحتمل حتى مع كون نوع الوظيفة ثابتا، أن تختلف المهام المطلوبة من مكان لآخر.
يشير أيضًا العمل في وظائف مختلفة إلى امتلاكك للقدرة على التأقلم مع أي بيئة عمل، لا سيّما إذا كانت الشركات التي عملت بها تتنوع في الحجم، وفي الثقافة الداخلية كذلك. يعني هذا امتلاكك للمرونة والقدرة على التعامل مع الأحداث المختلفة داخل الشركة.
ما مشكلة التنقل بين الوظائف؟
يفيد استطلاع رأي لبولهورن أن 39% من مسؤولي التوظيف، يرون أنّ السبب الأكبر لعدم توظيف مرشح، هو امتلاكه لتاريخ من التنقل بين الوظائف، لا سيّما إذا كان ترك العمل يحدث قبل قضائه في الوظيفة مدة سنة كاملة.
بالنسبة لهم هذا مؤشر سلبي أحيانًا كثيرة. ضع نفسك بدلًا منهم وفكّر بالأمر: سأقوم بتعيين شخص وأقدم له التدريبات اللازمة، وأمكّنه من فهم نظام العمل، ليتركني لاحقًا بعد فترة قليلة، وأضطر إلى البحث من جديد عن شخص آخر، إذاً الأفضل هو البحث عن شخص آخر من البداية.
لذا، ترك الوظائف والتنقُّل من بينها كثيرًا ليس شيئًا إيجابيًا بالمرة، بل هو أمر يحتاج إلى التفكير جيدًا قبل القيام به، مع وجود أسباب حقيقية لذلك، لا مجرد فقط الشعور بالملل من العمل. ويبقى السؤال: ماذا أفعل؟ هل أركّز على وظيفة واحدة؟ أم أركّز على التنقل؟
كيف يمكنك اتّخاذ القرار؟
لا تريد الانتظار حتى تجد نفسك في هذا الموضع، بل يمكنك التفكير من الآن في هذا الأمر، وأن تضعه في ذهنك باستمرار، حتى تكون قادرًا على تحقيق أفضل نتيجة. يمكنك فعل ذلك من خلال طرح الأسئلة التالية على ذاتك، في كل مرة ترغب بترك وظيفتك بها:
1- ما الأسباب التي تدفعني للرغبة في ترك العمل؟ هل هي أسباب صحيحة مثل: وظيفة أفضل، راتب جيد، درجة وظيفية أعلى. أم هي مجرد أسباب واهية مثل الشعور بالملل؟
2- هل تغيير الوظيفة الآن هو عامل مساعد بالنسبة لي؟ وهل هذا هو الوقت المناسب للمضي قدمًا في حياتي المهنية؟ أم سيؤثر على حياتي المهنية سلبًا؟
3- إذا لم يكن هذا التوقيت المناسب، هل يوجد شيء يمكنني فعله لتحسين الأمور داخل العمل؟ وما الأشياء التي يجب القيام بها لضمان أنّ هذه الوظيفة ستناسبني لمدة عام؟
4- هل قرار تغيير الوظيفة الآن قد يؤثر في المستقبل على إمكانية توظيفي في عمل جديد؟ مثلًا هل قضيت فترة مناسبة في عملي الحالي أم أغادر بعد فترة قليلة من الوقت؟
5- كيف يمكنني إقناع أصحاب العمل أنّ وجودي معهم ليس شيئًا مخيفًا؟ وكيف سأبرر لهم الأسباب من ترك وظيفتي الحالية أو ما سبقها من الوظائف؟
يمكنك من خلال الإجابة على الأسئلة الخمسة السابقة، الوصول إلى تصور واضح بشأن القرار الحالي. بالطبع لا توجد قاعدة ثابتة، ولا إجابة نموذجية للأسئلة. لكن من المهم بالنسبة لك دائمًا، تذكّر أهمية التوازن بين الأمرين. لا تتعامل مع الأمر على أنّه هدف تسعى إليه، لكن وفقًا لوضعك الحالي وما تراه الأنسب لك من أرض الواقع.