الوظيفة والمشروع الخاص: كيف تختار ما يناسبك؟
"إذا لم تملك حلمًا خاص بك، ستضطر للعيش في أحلام الآخرين"، واحدة من العبارات التي تستخدم للتأثير في الأفراد لإقناعهم بضرورة بدء مشروعهم الخاص. بالطبع لا يكره أحد هذه الفكرة بالتأكيد، لكن في الحقيقة الأمر ليس سهلًا على الإطلاق، بجانب أنّه ماذا لو قرر كل فرد امتلاك مشروع خاص به، من سيعمل معه في هذه الحالة؟ لن يجد أحد أفرادا ليوظّفهم، لأنّ الجميع مشغولون بتأسيس شركاتهم الخاصة، وبالتالي فالأمر غير منطقي على الإطلاق.
مع انتشار ريادة الأعمال كمفهوم، ترتب على ذلك ظهور العديد من المعتقدات، بعضها يُصدره الناس من عدم فهمهم للتجربة، والبعض الآخر من أجل الترويج للفكرة وبيعها، ومنها يمكن تحقيق ربح. لكن أيًا يكن الهدف من ذلك، فالواقع أنّه لا يوجد شيء يقول إنّ المشروع الخاص أفضل من الوظيفة، أو العكس. يعتمد الأمر على كل شخص وأسلوب حياته، واختيار الأنسب له بناءً على ذلك.
المشروع الخاص: تنفيذ أفكارك على أرض الواقع
بعيدًا عن مميزات وعيوب المشروع الخاص، فمن المهم إدراك أنّ بدأ المشروع لا يعتمد على رغبتك في الحصول على الامتيازات، بل امتلاكك لفكرة معينة ترغب في تنفيذها، فبدون الفكرة لا يوجد شيء لتفعله، والاعتقاد بإمكانية تنفيذ أي فكرة متشابهة مع الأفكار الموجودة في الواقع هو أمر خاطئ تمامًا، لأنّ فكرة المشروع تُبنى على وجود ميزة مقترحة تؤمن بقدرتك على تقديمها للعملاء، وبالتالي إمكانية تحقيق النجاح.
مميزات المشروع الخاص
1- لا يوجد حد أقصى للربح: كلّما كنت قادرًا على تطوير نموذج العمل الخاص بك، وإيجاد فرص أكبر لتحقيق الدخل، فسيمكنك تحقيق المزيد من الأرباح من مشروعك. لا يوجد حد أقصى على الإطلاق، ويمكنك التفكير في قصة نجاح شركة آبل، كيف بدأت ستيف جوبز مشروعه من جراج منزله، وكيف أصبحت الشركة الآن تحقق المليارات.
2- جداول مرنة للعمل: لن تضطر للعمل في الدوام المحدد، من التاسعة صباحًا إلى الخامسة مساءً كما يحدث مع أغلب الوظائف، بل يمكنك وضع جداول العمل لتتوافق مع رغبتك وظروفك، فأنت المسئول عن كل شيء في النهاية.
3- أنت المتحكم في العمل: بالطبع ليست الميزة في هذا الأمر هي السلطة، لكنّها تتمثل في أنّك تملك القدرة على تطوير الفكرة ووضع خطط العمل، فلن تجد أحد يضع لك الحدود على طريقة تنفيذ الفكرة، بل يمكنك دائمًا اختيار الطريقة المناسبة وتنفيذها حسب رؤيتك، هذا يمنحك فرصة كبيرة للتجربة ثم التغيير والتعديل للاستجابة للواقع.
عيوب المشروع الخاص
1- عمل أكبر وربح أقل: في البداية ستضطر إلى بذل مجهود كبير مع تحقيق ربح أقل، وذلك لأنّك ستضطر إلى تحمل العديد من التكاليف للتشغيل وبدء العمل، وستحتاج إلى الإنفاق على التسويق والعمليات.
2- المزيد من المخاطرة: لا يوجد ضمان كامل لنجاح العمل، بالطبع أنت تقوم بإعداد نموذج وخطة عمل لفكرتك، وتفكر في كيفية إدارة المخاطرة جيدًا، لكن لا يعني ذلك في النهاية تحقيق النجاح بالضرورة، وفي جميع الأحوال فأنت تجد نفسك في حالة من القلق نتيجة هذا الأمر.
3- إدمان العمل: لا تعني الجداول المرنة أنّك قادر على الراحة والعمل في الوقت الذي تريده، بل غالبًا قد تجد نفسك تعمل لفترات أطول، حتى مع اختيارك للوقت. وهذا يترتب عليه شعور بالضغط المستمر والإرهاق، لكنّك تجد نفسك مضطرًا لذلك حتى تكون قادرًا على إدارة جميع تفاصيل العمل.
الوظيفة: البحث عن الاستقرار من البداية
يرى البعض أنّ الوظيفة ضرورية ولا بد منها حتى لو كنت ترغب في البدء في مشروعك الخاص، وذلك حتى تحصل على الخبرات المناسبة، وتتعرّف على سوق العمل عن قرب، وتطوّر من مهاراتك وقدراتك بحيث تزداد قدرتك على تنفيذ مشروعك. لكن في النهاية قد يكون العمل في وظيفة هو هدف محدد لك من البداية، ولا تنوي تغييره طالما تملك الفرصة التي تناسبك.
مميزات الوظيفة
1- دخل ثابت: يمكنك بشكل دائم معرفة مقدار الدخل الخاص بك، فهو المقابل الذي تحصل عليه كراتب في نهاية الشهر، وإذا هناك أي مميزات فستعرفها عند كتابة عقد العمل الخاص بك. يؤدي وجود دخل ثابت إلى شعور بالاستقرار في حياتك.
2- مزايا إضافية: يمكنك الحصول على بعض المميزات الإضافية في وظيفتك عن المشروع الخاص، مثل التأمين والإجازات مدفوعة الأجر.
3- ضغط أقل: أنت لا تشغل بالك بأي شيء يخص مكان عملك سوى تأدية المهام المطلوبة منك، وفي وقت العمل المحدد لذلك، وبعد انتهاء الدوام يمكنك الذهاب إلى منزلك دون أن تشغل بالك بأي شيء آخر.
عيوب الوظيفة
1- لا يمكنك زيادة دخلك: من نفس الميزة، فإنّ دخلك معروف غالبًا بصورة ثابتة ومستمرة، وهذا يعتبر عيبا في كونك غير قادر على إيجاد دخل أكبر من نفس مصدر العمل، تحتاج إلى هذا الأمر في بعض الأحيان عندما تزداد المسئوليات ولا يمكنك سدادها من دخلك الحالي، ولا يكون هناك حل مناسب سوى العمل في وظيفة أخرى إضافية.
2- صعوبة تحقيق شغفك: في النهاية أنت تعمل في مؤسسة تسعى لتنفيذ خطة معينة خاصة بها، وأنت يجب عليك الالتزام بهذا الأمر، مما يجعل هناك صعوبة بالنسبة لك في تحقيق شغفك إذا لم يتفق مع عملك.
3- جدول عمل ثابت: العمل في وظيفة في موعد محدد قد يعتبر عيبًا أحيانًا، عندما تملك ارتباطات في نفس التوقيت ولا يكون في مقدرتك الالتزام بها نتيجة للعمل، وفي بعض الأوقات لا يكون لديك الرصيد الكافي من الإجازات، أو ظروف العمل تمنعك من ذلك.
ما بين الخيارين: كيف تختار الأنسب لك؟
أي من الاثنين هو الأفضل؟ لا يمكن الحكم بأنّ هناك أفضلية لواحدة على الأخرى، يعتمد الأمر فقط على اختيار الأنسب لك، فإذا كنت تملك شغفًا وتحب المجازفة، يمكنك اختيار البدء في مشروعك الخاص، وإذا كنت تبحث عن الأمان والعيش دون توتر فالوظيفة هي الأنسب حاليًا، أما إذا كنت لا تعرف بعد فيمكنك تنفيذ الخطوات التالية:
1- حدد خطتك: ما الذي تريده بالضبط؟ وما هي الأشياء التي تسعى إلى تنفيذها في حياتك؟ سيساعدك وجود هدف محدد على تحديد المسار الأفضل بالنسبة لك. في هذه النقطة يتطلب الأمر قدرًا من الواقعية، فجميعنا بالتأكيد نرغب في تحقيق أرباح واسعة، لكن هذا الأمر لا يتوفر دائمًا، وكذلك حتى مع رغبتنا في الأمان فإنّ أحيانًا بسبب ظروف العمل فنجد تهديدات بشأن استمرارية الوظائف.
لذا يجب امتلاكك لهدف معين وبعد ذلك وضع خطة تساعدك في تحقيق هذا الأمر، بالوضع في الاعتبار الظروف المتغيرة للسوق، وكيفية إدارة أي تغيير.
2- لا مانع من التجربة: الوظيفة أم المشروع الخاص؟ في بعض الأحيان قد لا يكون هناك مانع من التجربة، العمل في وظيفة لفترة من الوقت وتجربة المشروع الخاص بعد ذلك، هذا الخيار الأفضل لزيادة إمكانية النجاح، فالعمل في وظيفة يمنحك خبرات أكبر لتطوير فكرة مشروعك بالشكل الأمثل.
لا يعني هذا الدعوة إلى التجربة في المطلق، ولكن المقصد أنّه حتى مع عدم معرفتك بالمسار المناسب لك، فيمكن للتجربة مساعدتك في الحكم، وليس معنى عملك في الوظيفة أن تستمر إلى الأبد، أو العكس. الترحيب بالتجربة والاستفادة من نتائجها سيساعدك كثيرًا في التعرّف على الأنسب لك.
3- ضع خطة لإدارة العيوب في اختيارك: غالبًا نتحرّك بالرغبة في تحقيق مميزات الشيء، لكن هناك رغبة أخرى تحركنا وهي الاختيار لتجنب عيوب الشيء الآخر. لذا بدلًا من التفكير بهذه الطريقة، يمكنك التفكير في كيفية إدارة العيوب.
مثلًا، لو قررت البدء في مشروعك الخاص، فيمكنك العمل مع شركاء بدلًا من العمل بمفردك، هذا سيساعدك على توزيع المهام بينكم وتقليل الضغط، ويمنحك مساحة أكبر للراحة. أما في حالة التوظيف فيمكنك البحث عن جهة عمل تستخدم نظام العمل المرن، والذي يتيح للموظفين اختيار المواعيد المناسبة لهم للعمل، وفيما يتعلّق بالشغف، فحاول اختيار شركة تتوافق أهدافها مع أهدافك الشخصية.
هذه ليست الحلول الوحيدة بالطبع، لكن دائمًا هناك أفكار يمكنك إيجادها لإدارة العيوب في اختيارك، وبالتالي تضمن تحقيق أقصى استفادة منه. ادرس كل شيء جيدًا، دعك من الشعارات، ولا تضع في ذهنك أي شيء سوى اختيار الأنسب لك أنت فقط.
المصادر: