جائحة أخرى في الطريق.. و"كورونا" يساعدنا على التعامل معها
رأى العالم بشكل واضح الآن ما الذي تعنيه كلمة "جائحة" سواء فيما يتعلق بالهلع من الانتشار أو الخسائر البشرية والاقتصادية التي عانتها الشعوب، وتمنى الكل لو أتيحت له الفرصة كي يتحرك أسرع مما حدث في جائحة فيروس كورونا، لكن هذا طبع الأوبئة.. إذ لا تدع فرصة للبشر كي يفكروا.
ولكننا بصدد جائحة جديدة قد تكون أبطأ في النمو كثيرا من فيروس كورونا، لكن آخر الإحصائيات تشير إلى أنها قد تهدد بقتل 10 ملايين شخص سنويا بحلول عام 2050، وسيلة مقاومة هذه الجائحة لا تزال في أيدينا ولكننا نهدرها المرة تلو الأخرى.
تتمثل هذه الجائحة في مقاومة الميكروبات والبكتيريا للمضادات الحيوية.
تلك الجائحة التي تتسبب في قتل البشر يوميا في المستشفيات، أمر قد تتضاعف أرقامه فيما بعد إذ ستعد الأمراض الاعتيادية التي كان "كورس" المضاد الحيوي يعالجها يوما ما غير قابلة للعلاج.. ببساطة لأن عمل المضاد الحيوي قد تعطل!.
الخطأ الأهم هو عدم إكمال "كورس" المضاد الحيوي حتى نهايته، فبعض المرضى يكتفون لدى الشعور بالتحسن بما تناولوه دون إتمام عدد الجرعات التي يوصي بها الطبيب، وهنا يمنحون الميكروبات فرصة استثنائية لفهم طبيعة عمل المضاد الحيوي، تماما كما لو كان خصما يدرس خصمه الذي يهزمه كل مرة.. ولكنه سوف يأتي له يوم ويصبح غير قابل للهزيمة!.. ببساطة لأنه عرف كل أسرار هزيمة خصمه له وتلافاها.
كما أن إنتاج المضادات الحيوية بشراهة كان يؤدي إلى تطور مقاومة البكتيريا لها، انخفض الإنتاج العالمي إلى حد كبير الفترة الماضية قياسا على تلك الحقيقة، ولكن هناك دراسات شبه مؤكدة تشير إلى أن هناك 18 نوعًا مختلفًا من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية منها خمسة باتت توصف بـ"تهديدات عاجلة لصحة الإنسان".
وفي الوقت الذي كانت "البكتيريا" تستغرق فترات أطول لفهم ومقاومة عمل المضاد الحيوي، باتت بعض أنواع البكتيريا تستغرق في المتوسط عاما واحدا فقط حتى تطور مقاومتها، ومن بين أشهر تلك الأنواع البكتيرية مقاومة لعمل المضادات الحيوية: البكتيريا المعوية المقاومة للكاربابينيم (CRE).
جراح أمريكي شهير يدعى مارتي ماكاري يتحدث عن الأمر عبر موقع "مايد بايج توداي" فيقول: "لقد بدأ هذا الوباء بالفعل، لقد رأيت ذلك على نحو متزايد، لم يحظ هذا الوباء بأي اهتمام إعلامي تقريبًا، اليوم ما يصل إلى 30 ٪ من المرضى الذين يعانون من التهاب القولون المعدي الحاد يحتاجون إلى جراحة طارئة، ولا يزال معدل وفيات المرضى الذين خضعوا للجراحة مرتفعًا، رغم أن المضادات الحيوية كانت تعالج هذا المستوى من التقرحات فيما مضى".
كيف يفيدنا فيروس كورونا في التعامل مع هذه الجائحة؟
التعاطي العالمي مع فيروس كورونا حسن قليلا من سلوك الشعوب تجاه مسألة إكمال جرعات المضاد الحيوي حتى نهايتها وفقا لتوصيات الطبيب، ما كان مستحيلا فيما مضى أن يتم ضبطه، ولكن بعودة ظهور أعراض كورونا المزعجة أو تفاقمها والاضطرار إلى المكوث على جهاز تنفس اصطناعي، أو عدم ظهور مسحة سلبية وإحساس المريض بالتقييد الشديد في الحركة والنزول والعمل إلخ.. بات هذا عاملا مهما في تعزيز الوعي تجاه ضرورة إكمال جرعات المضاد الحيوي، ولكن نتمنى ألا يكون الوقت قد فات على تأثير هذا على الجائحة التي تطرق أبواب العالم كله ببطء.. ولكن بتأنٍ شديد.