هذا اليوم العظيم الذي ينتظره المسلمون ويجتمعون به وسط أجواء من البهجة والسرور والاحتفال. ويتزين الرجال عند ذهابهم إلى صلاة العيد، وسنجد أن لكل عيد فضلاً وسبباً كبيراً في مشروعيته.
وعلى غرار هذا اليوم العظيم الذي يبدأ بصلاة العيد، سنذكر في هذه المقالة تفصيليا حكم صلاة العيد ووقتها وآداب هذا اليوم.
حكم صلاة العيد
صلاة العِيدينِ مشروعة بالإجماعِ، واختَلف أهلُ العِلمِ في حكم صلاة العيد، على ثلاثة أقوال:
القول الأول في حكم صلاة العيد:
أنَّ صلاة العيدينِ واجبةٌ على الأعيانِ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة، وبه قال ابنُ حبيبٍ من المالِكيَّة، وهو روايةٌ عن أحمد، واختاره ابنُ تيميَّة، وابنُ القيِّم، والصَّنعانيُّ، والشوكانيُّ، وابنُ باز، وابنُ عُثيمين.
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
قال اللهُ تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2].
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ هذا أمرٌ من الله، والأمر يَقتضي الوجوب.
ثانيا: من السُّنَّة
عن أمِّ عطيةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالتْ: (أمَرَنا- تعني النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أن نُخرِجَ في العِيدينِ: العواتقَ، وذواتِ الخدورِ، وأَمَر الحُيَّضَ أنْ يعتزِلْنَ مُصلَّى المسلمينَ) .
وجه الدلالة:
أنَّ الأمرَ بخروج النِّساء يقتضي الأمرَ بالصَّلاة؛ وذلك لأنَّ الخروجَ وسيلةٌ إلى الصَّلاة، ووجوب الوسيلةِ يستلزمُ وجوبَ المتوسَّل إليه، وإذا أمر بذلك النساءَ، فالرِّجالُ من باب أَوْلى.
ثالثا: أنَّ صلاة العيدينِ مِن أعظمِ شعائرِ الإسلامِ:
والناسُ يَجتمعون لها أعظمَ مِنَ الجُمُعةِ، وقد شُرِع فيها التكبيرُ، فلو كانتْ سُنَّةً فربَّما اجتمع الناسُ على تركِها، فيفوتُ ما هو من شعائرِ الإسلامِ؛ فكانت واجبةً صِيانةً لِمَا هو من شعائرِ الإسلامِ عن الفوتِ.
رابعًا: أنَّها صلاةٌ شُرِعتْ لها الخُطبة: فكانتْ واجبةً على الأعيانِ، كالجُمعةِ.
القول الثاني في حكم صلاة العيد:
أنَّها سُنَّةٌ مؤكَّدة، وهو مذهبُ المالِكيَّة، والشافعيَّة، وقولٌ للحنفيَّة، وروايةٌ عن أحمد، واختارَه داودُ الظاهريُّ، وهو قولُ عامَّة أهلِ العِلمِ من السَّلفِ والخَلفِ.
الأدلَّة:
أولا: من السُّنَّة
- عن طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رجلًا جاءَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يسألُه عن الإسلامِ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ اللهُ على عبادِه، فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلَّا أنْ تطوَّع)).
- عن عبدِ اللهِ بن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَثَ مُعاذًا رَضِيَ اللهُ عنه إلى اليَمنِ، فقال: ادعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ، فإنْ هم أطاعوا لذلك، فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ قد افتَرَضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ...)).
ثانيا: أنَّ صلاةَ العيدينِ صلاةٌ مؤقَّتة، لا تُشرَعُ لها الإقامةُ؛ فلم تجِبِ ابتداءً بالشرعِ كصلاةِ الاستسقاءِ والكسوفِ.
ثالثا: أنَّ صلاةَ العيدينِ لو كانتْ واجبةً لوجَبَتْ خُطبتُها، ووجَب استماعُها كالجُمُعةِ.
القول الثالث في حكم صلاة العيد:
صَلاةُ العِيدينِ فَرضُ كفايةٍ، وهو مذهبُ الحَنابِلَةِ، وقولٌ عند الحَنَفيَّة، وقولٌ للمالكيَّة، وقولٌ عند الشافعيَّة، وعليه فتوى اللَّجنةِ الدَّائمة.
أولا: الأدلَّة على وُجوبِها
قال اللهُ تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2].
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ هذا أمرٌ مِنَ اللهِ، والأمر يَقتضي الوجوبَ.
ثانيا: لأنَّها لو لم تجِبْ لم يجبْ قتالُ تاركيها، كسائرِ السُّننِ؛ يُحقِّقه أنَّ القتالَ عقوبةٌ لا تتوجَّه إلى تاركِ مندوبٍ، كالقَتْلِ والضربِ.
ثالثا: لأنَّها إظهارٌ لأبَّهةِ الإسلامِ.
أدلَّة كونِها على الكِفايةِ:
أولًا: من السُّنَّة:
عن طلحةَ بن عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أهلِ نجدٍ، ثائر الرأس، نَسمَع دويَّ صوته ولا نَفْقَهُ ما يقولُ، حتى دنا من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا هو يسألُ عن الإسلامِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خمسُ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ، فقال: هل عليَّ غيرُهنَّ؟ قال: لا؛ إلَّا أنْ تطوَّع، وصيامُ شهرِ رمضان، فقال: هل عليَّ غيرُه؟ فقال: لا، إلَّا أن تطوَّع، وذكر له رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الزكاةَ؛ فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلَّا أن تطوَّع، قال، فأدْبَر الرجلُ، وهو يقول: واللهِ لا أزيدُ على هذا ولا أنقصُ منه! فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أفْلَحَ إنْ صَدَق).
وجه الدلالة:
أنَّ قوله: (إلا أن تَطَوَّع) استثناء من قوله: (لا) أي لا فرضَ عليك غيرها.
ثانيا: أنَّها لا يُشرع لها الأذانُ، فلم تجبْ على الأعيانِ، كصلاةِ الجنازةِ.
ثالثا: لأنَّها لو وجبتْ على الأعيانِ لوجبتْ خُطبتُها، ووجَب استماعُها كالجُمعةِ.
رابعا: لأنَّها صلاةٌ يتوالَى فيها التكبيرُ في القيامِ، فكانتْ فرضا على الكِفايةِ، كصلاةِ الجنازةِ.
حكم الأَذان والإقامة للعيد
قال ابنُ القيِّم رحمه الله: "كان - صلى الله عليه وسلم - إذا انتهى إلى المصلَّى، أخذ في الصَّلاةِ من غيرِ أذانٍ، ولا إقامةٍ، ولا قولِ: الصلاةَ جامعةً، والسنَّةُ أن لا يُفعَل شيءٌ من ذلك".
قال الشيخ عادل العزّازي: (وقد استحبَّ بعضُ الأئمَّةِ قولَ: "الصَّلاةَ جامعةً"، ففي "الأُم"للشَّافعي: ".. وأحِبُّ أنْ يأمرَ الإمامُ المؤذِّنَ أنْ يقولَ في الأعياد ومجامعِ النَّاسِ":الصَّلاةَ جامعةً"، وقد ذهب إلى ذلك أيضًا ابنُ حزمٍ في "المحلَّى"، وعلَّل ذلك أنَّه إعلامٌ للنَّاسِ، وتنبيهٌ على خيرٍ)، وعلى هذا فلا نُنكِرُ على مَن يقول: الصلاة جامعة، ولكنْ لا يعتقد بأنّ ذلك سُنَّة.
حكم صلاة العيد حال إغلاق المصليات بسبب كورونا
ما حكم صلاة العيد نظرا للظروف التي يمر بها العالم في جائحة كورونا؟
إذا أمكن أن تقام صلاة العيد في مصلى واحد من مصليات المدينة مع اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية، فهذا هو الأولى بلا شك، لتحصيل إقامة هذه الشعيرة، سواء قلنا: إنها سنة مؤكدة. أو قلنا: إنها فرض كفاية.
وفي هذه الحالة لا إشكال في حكمها بالنسبة لمن لم يتمكن من الحضور لأي سبب كان، لأن حكمَه هو حكمُ من فاتته صلاة العيد مع الإمام، فيقضيها بعد انتهاء صلاة الإمام، فإن شاء صلاها على صفتها من التكبيرات الزوائد، وإن شاء ترك هذه التكبيرات، فالأمر واسع، ولكن فعل التكبيرات الزوائد أولى؛ إذ الأصلُ أن القضاء يحكي الأداء، ويمكن أن يصليها أهل البيت جماعة بدون خطبة اكتفاءً بخطبة الإمام.
قال الإمام البخاري في صحيحه: إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وكذلك النساء، ومن كان في البيوت والقرى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا عيدنا أهل الإسلام».
وأمر أنس بن مالك مولاهم ابن أبي عتبة بالزاوية فجمع أهله وبنيه، وصلى كصلاة أهل المصر وتكبيرهم. وقال عكرمة: «أهل السواد يجتمعون في العيد، يصلون ركعتين كما يصنع الإمام» وقال عطاء: «إذا فاته العيد صلى ركعتين» . اهـ.
وإذا لم يمكن ذلك، ولم تقم صلاة العيد مطلقا، فالذي نراه أنه يشرع أن تصلى فرادى، أو يصليها أهل كل بيت جماعة، فإن صلاتها في هذه النازلة في البيوت، أولى بالمشروعية من قضائها ممن فاتته في الأوقات المعتادة التي تقام فيها.
وبهذا أفتى جماعة من أهل العلم في هذه النازلة، وصدرت قرارات من جهات علمية مختلفة.
وقت صلاة العيد
بعد أن تعرفنا على حكم صلاة العيد، لا بد من معرفة وقتها:
عن عبدِالله بن بُسرٍ رضي الله عنه- صاحبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم - أنَّه خرج مع النَّاسِ يوم فطرٍ أو أضحى، فأنكرَ إبطاءَ الإمامِ، وقال: "إنا كنَّا قد فرَغنا ساعتَنا هذه، وذلك حينُ التَّسبيح"، ومعنى"حينُ التَّسبيحِ"؛ أي: وقتُ الضُّحى.
ويبدأ وقت صلاة الضحى من بعد شروق الشمس بربع ساعة تقريباً، وعلى هذا فيُستَحبُّ التَّعجيلُ لصلاةِ العيد، ويُكره تأخيرُها.
ختاما، ويعد أن ذكرنا حكم صلاة العيد، نوصي الآباء بتعليم صغارهم صفة صلاة العيد قبل الذهاب إلى المصلى، ذلك لأن الأطفال يسعدون بارتداء الملابس الجديدة وترديد تكبيرات العيد.
المصادر: