العلا.. أعظم تحفة عرفها الزمن
أبهرت محافظة العلا في المملكة العربية السعودية العديد من الزوار على مدار السنوات السابقة فهي تعتبر من الأماكن التاريخية والثقافية الاستثنائية الزاخرة بالتراث الطبيعي والإنساني، وهي أول موقع في المملكة تم تسجيله في قائمة التراث العالمي لليونسكو.
ومع بداية العام الجديد، كشفت الهيئة الملكية لمحافظة العلا عن أول حملة دعائية تسلط الضوء على المحافظة كمركز رئيسٍ للثقافة والتراث في المملكة العربية السعودية تحت عنوان "العلا - أعظم تحفة عرفها الزمن".
ومن المتوقع أن يشهد هذا العام انتعاشًا في قطاع السفر والسياحة بعد عودة الحياة إلى طبيعتها، لذلك كان هدف حملة العلا الجديدة استقطاب المسافرين المحليين ضمن إطار سعيها إلى تعميق مشاعر الفخر والمحبة لسكان المملكة تجاه محافظة العلا والتذكير بأهميتها التاريخية وسحر تكويناتها الصخرية الطبيعية.
تقع مدينة العلا في الشمال الغربي للملكة العربية السعودية على بعد 1100 كيلومتر من الرياض، وتتضمن واحات خضراء وجبال من الحجر الرملي ومواقع إنسانية يعود تاريخها إلى عهد الحضارتين الديانيّة واللحيانيّة، بالإضافة إلى المراكز التجارية للأنباط حتى العصر الإسلامي، فقد كانت لقرون طويلة نقطة عبور القوافل على طريق تجارة البخور الذي يربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، حيث استقطبت المدينة الحجاج والمسافرين الذين كانوا يلجؤون إليها طلبًا لمواردها الوفيرة في واحاتها الخصبة، واشتهرت بكرم ضيافة سكانها وأصالتهم.
تمتلك العلا متاهات من التكوينات الصخرية الدرامية وواديا واسعا مغطى ببساتين النخيل والحمضيات والكثبان الرملية المتدحرجة التي لم يطأها إنسان، وما زالت تخفي ثروة من العجائب الطبيعية وأسرارا مدفونة في طبقات التاريخ البشري العظيم، ويمكن أن تفتخر مواقع قليلة بمثل هذا المزيج الغني من التراث والثقافة والجمال الطبيعي.
موقع الحِجر
يعد موقع الحِجر الذي يعرف باسم "مدائن صالح" الأكثر شهرة وأول موقع تراث عالمي لليونسكو في المملكة، ويمتد على مساحة 52 هكتارًا، وكان في قديم الزمن المدينة الجنوبية الأساسية من مملكة الأنباط، وتحتوي على 110 مدافن محفوظة جيدًا مع واجهات حجرية ذات نقوش متقنة تحيط بالمدينة المسورة، ويحتوي جبل البنات على واحدة من أكبر تجمعات المقابر التي تتكون من 29 قبرًأ منحوتًا على جميع جوانب صخر الحجر الرملي، كما يوجد العديد من النقوش المحفوظة التي توضح ملكية المقابر.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن الوجود البشري يعود إلى مابعد الألفية الأولى قبل الميلاد، كما كان موقع المدينة النبطية من نهاية الألفية الأولى قبل الميلاد إلى الألفية الأولى بعد الميلاد، وشهدت المدينة ذروة شهرتها من أواخر القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الثاني الميلادي، وتعتبر مدائن صالح من مناطق الحدود الجنوبية في الإمبراطورية الرومانية.
الخربية (دادان)
تقع في الشمال الشرقي من محافظة العلا وهي من أهم الاكتشافات فيها، كانت عاصمة دادان ولحيان وتتميز بدقة بنائها من الحجر وتطل على واحة الوادي، يعود تاريخها إلى أواخر القرن التاسع وأوائل القرن الثامن قبل الميلاد في عهد مملكة دادان، وما بين القرن الخامس إلى الثاني قبل الميلاد في عهد مملكة لحيان.
تعتبر من أكثر المدن تطورًا خلال الألفية الأولى قبل الميلاد ضمن شبه الجزيرة العربية نظرًا لقربها من طرق تجارة البخور، وتمتلك محطات سكك حديد الحجاز إلى جانب "مقابر الأسود" والآلاف من الفنون الصخرية والنقوش القديمة التي يعود تاريخها إلى الحضارات الصفوية والآرامية والثمودية والمعينية والإغريقية واللاتينية. وبعيدًا عن الأنشطة التجارية، استغل سكان دادان خصوبة المنطقة لزراعة أنواع مختلفة من المحاصيل.
جبل عكمة
بالقرب من مدينة دادان القديمة يقع جبل عكمة الذي يعد من أكبر المكتبات المفتوحة في المملكة ضمن الطبيعة الصحراوية الجميلة التي تحتوي أهم النقوش والكتابات الأثرية باللغات الآرامية والدادانية والثمودية والمينائية والنبطية التي تبطن وجوه الجرف وصخوره، يسافر بنا الموقع إلى الألفية الأولى قبل الميلاد حيث ترك زوار المنطقة أثارهم عبر رسومات للبشر والحيوانات والآلات الموسيقية.
أما النقوش العربية في الجبل الأقرع تجعل من العلا موقعًا مهمًا في دراسة اللغة العربية ويتجاوز عددها 450 نقشًا عربيًا قديمًا منها نقش زهير في الشرق الذي يعد من أقدم نقوش العصر الإسلامي التي يعود تاريخها إلى عام 24 للهجرة (644 ميلاديا).
المدينة القديمة
سيتم افتتاح مدينة العلا القديمة في أوائل فبراير 2021 للاطلاع على الذاكرة الحية للمدينة التي تأسست في القرن العاشر الميلادي وبقيت مأهولة إلى قبل 80 سنة من تاريخ إنشاء المملكة العربية السعودية مما يجعلها تثير إحساسًا عميقًا بالعاطفة لمكان كان مأهولًا في الماضي غير البعيد، كما كان مستوطنة أساسية على طول طريق الحج من دمشق إلى مكة المكرمة لتكون من الأماكن الهامة لتجمع الحجاج والمسافرين والمستوطنين الدائمين على مرّ العصور.
تقع المدينة القديمة في أضيق جزء من وادي العلا على ارتفاع طفيف لتمتلك إطلالة ساحرة على قلعة موسى بن نصير التي يعود تاريخها إلى القرن العاشر على أقل تقدير، وتضم ما يقرب من 900 منزل و400 متجر و5 ساحات جميعها مبنية من الحجر والطوب بطريقة متصلة ببعضها البعض مما يجعلها محصنة تمامًا وتلميحًا إلى أن الدفاع كان أولوية لسكان المدينة الأوائل.
جبل الفيل
تقع صخرة الفيل المذهلة في رمال الصحراء الذهبية وتتسلق ثلاثة طوابق في سماء المملكة العربية السعودية، وتشتهر باسم جبل الفيل لتكون واحدة من أروع العجائب الجيولوجية لمدينة العلا، إن جذع هذا الجبل مصنوع من الحجر الرملي الأحمر المحفور بفعل القوى الطبيعية على مدار ملايين السنين من تآكل الرياح والمياه، ويعزز جمال الهيكل من خلال بحر رملي ناعم يحيط به مرصع بالنتوءات الصخرية ذات الأشكال المميزة.
وادي الثقافة والفنون
حافظت مدينة العلا منذ العصور القديمة حتى اليوم على كونها منارة في أشكالها العضوية الصخرية الحمراء، وأشجار النخيل الخضراء المزدهرة والتباين المذهل للسماء الزرقاء الساطعة مع المناظر الطبيعية الصحراوية، ومصدر إلهام رائع لكل من الفنانين المعاصرين الذي يتأملون روعة المنحوتات والسكان المحليين الذين يدرسون الحرف اليدوية التقليدية.
وسيوجد العديد من البرامج التي تسلط الضور على الفنون والثقافة المتميزة للأنباط القدماء وغيرهم من المقيمين التاريخيين في العلا، كما سيجد الفنانون المعاصرون طرقًا إبداعية للتعبير عن أنفسهم وسط المناظر الطبيعية الاستثنائية في العلا عبر معارض ومنشآت مبتكرة ومسارات فنية والكثير من الفعاليات التي تحتفي بتراث العلا الفني المتميز.
المغامرات الممتعة
لا تخلو الرحلة إلى تاريخ العلا من المغامرات الشيقة والممتعة كتجربة الانزلاق في الهواء عبر سلسلة من الجبال الصخرية الخلابة، والرحلات الخارجية إلى الصحراء الذهبية حيث تقام مسابقات عبر الكثبان لعربات تجرها الحيوانات، بالإضافة إلى مسارات المشي الطويل عبر التكوينات الصخرية والوديان الخفية والجمال الهادئ في العلا.
وفي الليل، يمكن الاستمتاع بمغامرة فلكية ساحرة مليئة بالنجوم والليالي المقمرة مع خبراء فلك محليين، حيث تخلق المساحات المفتوحة الشاسعة في الأراضي الصحراوية النائية بعضًا من أكثر الأجواء المظلمة التي تحسد عليها في العالم مما يجعلها مكانًا مثاليًا لمشاهدة الكواكب.