هل حان الوقت للاستثمار في الطاقة المتجددة؟
الانبعاثات السامة من الاستهلاكات العالمية للمنتجات المعاصرة ومخلفات المصانع تترك أثرًا سلبيًا على صحتنا وتدريجيًا تتكرر محاولات التخلي عنها وإيجاد البديل الأمثل، وهنا زاد الاهتمام بدور الطاقة المتجددة وتطورت المساعي للاعتماد عليها في حياتنا اليومية بدلاً من الوسائل الأخرى التي تخلّف وراءها وسائخ مقلقة.
الانتقال إلى الطاقة المتجددة كوسيلة رئيسة والاعتماد عليها بالكامل لن يكون خطوة سهلة التطبيق أو بسيطة الإنجاز بل تحتاج إلى فترة زمنية ليست بقليلة وتكاليف مادية كبيرة، فهل من المنطقي إذًا وضع أموالنا للاستثمار بها إن كانت رحلتها لا تزال طويلة؟
ألم تبدأ الرحلة بالفعل؟
المستثمر المندفع بشجاعة للخطو في عالم الطاقات المتجددة قد يناقش بحقيقة انطلاق الخطوات الفعلية لتحويل أساسات التشغيل والتصنيع في دول كثيرة إلى عوامل وأصول قابلة للتجديد وأقل ضررًا على صحة كوكبنا.
لا يمكن إنكار هذه الحقيقة فقد بدأت بالفعل عمليات الابتكار لوسائل توليد الطاقة المتجددة منذ عشر سنوات وأكثر وفتحت أبوابها وقتها لعددٍ كبيرٍ من المستثمرين ثم دخلت في غيبوبة بعدها وعاد العمل عليها بوتيرةٍ بطيئة. إذًا يمكن الاعتراف بأن رحلة الانتقال بدأت بالفعل ولكن المطبات الخطيرة التي اصطدمت بها سابقًا هو السبب الرئيس وراء المخاوف وضرورة طرح السؤال وليس فقط أهميتها المالية التي يبحث عنها الجميع.
العواقب التي وقفت في طريق الطاقة المتجددة سابقًا هي غالبًا ما كانت نتيجة تخلف الحكومات في منحها الدعم المطلوب وتكاليفها الكبيرة مقابل مخاطرة هائلة لم يكن من الواضح قيمة الأرباح المتوقعة ونتائج الدخول بها، فقد فشلت الطاقة المتجددة نفسها في احتلال مساحة كافية من اهتمام الشركات الكبيرة والحكومات وذلك يعني أنها مهما حاولت سوف يكون من الصعب على الشركات المُستثمرة أن تجد مكانة نجاحة لنفسها وتحافظ عليها.
وبالفعل عدد شحيح للغاية من الشركات تمكن من النجاة في هذه الاستثمارات وبحالة واحدة تمثلت بالنمو البطيء للإيرادات وحصد الأرباح على المدى البعيد، أما معظم الشركات الأخرى فكان من الأفضل لها تحويل نوعية أعمالها أو إغلاق أبوابها تفاديًا لخسائر فادحة إن لم تكن قد وقعت فعلاً.
حقائق كهذه ترسم صورة سوداوية ربما حول الفكرة ولكن هذا ليس المغزى المقصود منها وإنما سردها بهذا الشكل ينبع من ضرورة توضيحها والحديث عنها لتبدو معالم النقاش أكثر شمولاً وضرورات طرح السؤال أكثر منطقية، وفي الحقيقة ما قيل حتى الآن هو فقط جزء من جوانب الموضوع الرئيسة أو بالأحرى الجزء التاريخي والجزء الذي يستعرض المخاوف وراء الاستثمار.
ارتفاع الفرص في 2021
لقد سجلت دراسات السوق معلومات تؤكد أن شركات الطاقة المتجددة والنظيفة بلغت ذروة غير مسبوقة بنموها وتوسعها في سنة 2020 وكان ذلك ردة فعل سريعة لتصريحات حكومية أبرزها من الولايات المتحدة حول وعود وخطط للانتقال إلى تكنولوجيا الطاقة المتجددة والنظيفة بالكامل خلال 2025 .
بالنسبة للكثير من الشركات - وأغلب المستثمرين على حد سواء - لم يكن من المهم تحقيق هذا الهدف بقدر التزام الحكومات بمحاولة تحقيقه والسعي لدعمه قدر الإمكان، فكان يكفي لتصريحات حكومية رسمية أن تنعش الأسواق هذه التقنيات وتقلبها رأسًا على عقب فمن الطبيعي أن يستمر النهوض أكثر وأكثر مع شق المزيد من الطرق لصعود تقنيات كهذه نحو الأمام.
حيث نرى اليوم فارقًا كبيرًا بعدد الشركات المهتمة بين 2020 ومنذ عشرة سنوات تقريبًا، وبعضها شهد ارتفاعًا ضخمًا بقيمة السهم الواحد ولكن لم يكن هذا مهمًا برأي بعض الخبراء الذين ينظرون إلى هذه السوق نظرة تفائلية ويعتبرونها حديثة الولادة ومن الممكن أن تستوعب عددًا كبيرًا من الشركات الأخرى وكلاً من المستثمرين السابقيين والجديدين يستطعون العثور على النجاح المرضي، والسبب هو التحديات الكثيرة المثبتة بوجه الحكومات في الوصول إلى هدفها سابق الذكر وبالتالي يمكن استغلالها بأشكال مختلفة وابتكار طرق للتوسع أكثر.
إنّ التدخل الحكومي مهم جدًا لمواجهة التحديات الجوهرية برأي الخبراء، والتي هي تحديات تأمين بيئة مناسبة للانتقال الكامل والتدريجي إلى الطاقة المتجددة والنظيفة وتوفير مناطق لإنشاء أساليب تخزين الطاقة وحالة مركبات الكهرباء (كبديلة لمركبات الوقود التقليدية). فقد صرحت رابطة صناعات الطاقة الشمسية SEIA في الولايات المتحدة عن تسجيل رقم قياسي غير مسبوق بقيمة الاستثمارات وخطط التصنيع والنمو للعام القادم، وتتوقع استمرار هذ النمو الإيجابي إلى حلول 2023 حتى لو لم يتم الإفصاح أكثر من الحكومة الأمريكية عن اهتماتها وما تخطط للقيام به.
وفي الجانب الآخر، صرح المختبر الوطني للطاقة المتجددة NREL عن توقعاته بازدياد الاستثمار في البطاريات أو مخازن الطاقة المتجددة بشكل كبير خلال الأعوام الحالية وحتى 2024 وعلى أن تتضاعف أكثر في 2025 ، وهي الأخرى تضع هذه التوقعات دون الأخذ بعين الاعتبار مغريات حكومية جديدة في الفترة القادمة.
دراسة المخاوف المتصيدة
يا ترى هل لا تزال مخاوف البارحة واقعة الحدوث في حاضر اليوم؟ مع انتهاء سنة 2020 باتت مخاوف كهذه محتملة الحدوث لكن جزئيًا فقط وليس من المحتمل بعد الآن تكرار سيناريو الماضي بأكمله خلال السنوات التالية بل أبرز المخاوف الآن أصبحت تشتمل على ثلاث أشياء :
- وتيرة العمل البطيئة جدًا وبالتالي انتظار الأرباح كثيرًا
- دفع تكاليف كبيرة مقابل إيرادات وأرباح متواضعة
- تحول الشركة المُستثمر بها إلى نوعية عمل بعيدة بالكامل واحتمال هبوط قيمة الأسهم نتيجة ذلك
من الطبيعي تفاوت احتمالية حدوث كل خطر من هذه المخاوف، وفكرة تحول الشركة إلى بيئة عمل مختلفة بالكامل هو الاحتمال الأقل ونادر الحدوث لأنه لا يبتعد كثيرًا عن خسائر الإغلاق الكامل ومن النادر للشركات في وقت التطلعات المستقبلية كهذا أن تبتعد عن فرصة جيدة للمستقبل وتتوجه لسوق صناعية بعيدة إلا بحالة واحدة وهي التأكد بنسبة شبه 100% من وجود أرباح كبيرة في تلك السوق الجديدة.
قضية دفع تكاليف كبيرة مثيرة للاهتمام أكثر من غيرها بالنسبة لبداية طريق المستثمر لأنه سوف يفكر دومًا بالأرباح على المدى القصير خصوصًا بالنسبة لتغطية التكاليف الأولية والشعور بالاطمئنان حيال عدم الخسارة، وهي فعليًا محتملة الحدوث أكثر من غيرها بل الأكثر احتمالاً بين كافة المخاوف الأخرى لأن المستثمر سوف يحصل بهذه الحالة على أرباح دورية لكنها منخفضة القيمة إلا أنها ليست سيئة إن استقرت على المدى البعيد فسوف تؤدي إلى تغطية تكاليف الاستثمار وتجميع الأرباح في نهاية المطاف.
وتيرة العمل البطيئة سبق وحدثت وقد تتكرر حسب ظروف الشركات وهذا يتوقف على ذكاء المستثمر ودراسته بعناية للشركة التي اختار التعامل معها وإن كانت تمتلك ما يكفي من الخبرة والبديهة للتعامل مع سوق "متجددة" كهذه أم تنظر إليها نظرة تكلفة وربح تقليدية دون الأخذ بعين الاعتبار ما تتطلبه السوق من الاستغلال الأمثل للفرص المتاحة وإيجاد الأفضل من بينها.
يعتقد بعض الخبراء أن انتظار انخفاض أسعار الأسهم حتى تكون احتمالات الاستثمار ممكنة أكثر فكرة عالية المخاطرة بالنظر إلى الاهتمام المتزايد و "الحماس" المرتقع تدريجيًا لما يمكن إنتاجه وتطبيقه في حياتنا اليومية من الطاقة المتجددة ومشتقاتها، وإنما الرؤية الأفضل قد تكون الإطلاع على الفرص المتاحة اليوم ودراستها أبعاد مخاطرها.
المصدر : 1