لماذا وضعت قمة العشرين الابتكار ضمن أهم ملفاتها وكيف يطبق واقعيا؟
أيام قليلة تفصلنا عن عقد قمة مجموعة العشرين في الرياض في المملكة العربية السعودية، وبشعار "اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع"، وُضع الابتكار في مقدمة الملفات الخاصة بالقمة. يبدو هذا الأمر منطقيًا، لا سيّما مع جائحة كوفيد-19 التي أدّت إلى اندثار أفكار وظهور أفكار جديدة، وبالتالي أصبح الابتكار أمرًا هامًا لتحقيق النجاح، وأصبح من المهم استخدامه كاستراتيجية رئيسة في تطوير الأعمال، من أجل خلق أكبر درجة ممكنة من الاستمرارية.
الابتكار: الطريق نحو تشكيل آفاق جديدة
يرتبط مفهوم الابتكار دائمًا مع الإبداع، فإذا كان الإبداع يُساعد على الخروج بأفكار جديدة ومميزة، فإنّ الابتكار هو ما يخلق معنى لهذه الأفكار، ويدرس كيفية تطبيقها في الواقع بالطريقة المناسبة. وبالتالي يمكن تعريف الابتكار ببساطة على أنّه خلق قيمة، من خلال تطبيق حلول جديدة للمشكلات.
يتطلب الابتكار وجود عقلية مختلفة لدى الشخص المسئول عن تضمينه في الأعمال، فبينما يميل الناس إلى الأفكار التي يعرفونها، فإنّ عقلية المبتكر هي التي تجعله يتقبل المخاطر، لأنّه يؤمن بالنتائج التي سيحصل عليها في النهاية. قديمًا لم يكن هناك الاحتياج للمخاطرة، لكن مع تقدم الأعمال والحاجة الدائمة إلى خلق التميّز للتغلب على المنافسة الشديدة، ومع كون التهديدات ستلاحقك نتيجة التغيّرات، فأصبحت عقلية الابتكار عنصرًا رئيسا للنجاح. تتضمن عقلية الابتكار المواصفات التالية:
1- كسر القواعد: الاعتماد على الأساليب والطرق المعتادة في العمل، فغالبًا لا يكون هناك مجال للوصول للابتكار، بسبب الخوف من تبعات هذا الأمر، أمّا عقلية المبتكر فتؤمن بكسر القواعد ومحاولة استكشاف الطرق الأخرى التي يمكن اتّباعها بعيدًا عن المسار الحالي.
2- جمع الأفكار دائمًا: الابتكار يساوي الأفكار، ولذلك يحتاج المبتكر دائمًا للبحث عن هذه الأفكار ومعرفة كيفية الاستفادة منها وتضمينها داخل عمله بما يناسب ظروفه. الأفكار هي سلاح المبتكر في كسر القواعد، حتى يكون في مقدرته اختيار فكرة تقدم إضافة حقيقية في الواقع لا مجرد أفكار على الورق.
3- الإيمان بالمستحيل: والمقصد هو المستحيل بالمعنى المتعارف عليه بالنسبة للأفراد، حيث يتولد لدى الأشخاص قناعة أنّه لا يمكنهم تنفيذ أفكارهم فعلًا، في حين يحتاج المبتكر للإيمان بفكرته وتصورها في الواقع، حتى يكون لديه القدرة على التعامل مع العقبات والاستمرار في تنفيذ أفكاره.
4- تكوين فريق للابتكار: العمل على خلق الابتكارات ليس عملًا فرديًا في النهاية، بل يتطلب وجود فريق قادر على خلق الأفكار، وهذا يحتاج لوجود فريق يمتلك كفاءات متنوعة وطرقا مختلفة في التفكير، بحيث يمكن الاستفادة من هذا المزيج في تقييم الأفكار وتطويرها للوصول إلى الشكل الأمثل لها.
أنواع الابتكارات في الأعمال التجارية
يظن البعض أنّ الابتكار يعتمد فقط على تفاصيل المنتجات أو الخدمات التي تُقدمها الشركات، لكن في الحقيقة فإنّ مجال الابتكار أوسع من هذا الأمر تمامًا، فالابتكار في المنتج والخدمة يعد أحد أنواع الابتكارات، لكن هناك 3 أنواع أخرى يمكن تنفيذها، وفقًا للإصدار الرابع والأحدث من دليل أوسلو الصادر في عام 2018 كالتالي:
1- الابتكار التنظيمي: يعني الابتكار التنظيمي تطوير الاستراتيجيات والطرق المستخدمة في إدارة العمل، وتحسينها بالشكل الذي يعطي أفضل النتائج.
من الأمثلة على الابتكار التنظيمي هي التطوير في طرق العمل، مثل العمل المرن الذي يتيح للموظفين تنظيم جداولهم للعمل اليومي، أو تحويل الوظائف للعمل من المنزل بدلًا من الحضور لمقر الشركة. قامت المملكة العربية السعودية بتطبيق الابتكار التنظيمي، حيث اعتمدت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية نظام العمل المرن، كأحد الأنظمة المستخدمة لدعم المؤسسات والشركات، وتوفير المزيد من فرص العمل.
2- الابتكار في العمليات: يتضمن الابتكار في العمليات تنفيذ طرق جديدة في تنفيذ العمليات داخل العمل، ويشمل ذلك أساليب التشغيل المستخدمة أو التقنيات والبرامج التي تعتمد عليها الشركة في تنفيذ المهام فيما بينها، ويعتبر هذا المجال واسعا جدًا من ناحية الأفكار المستخدمة، نتيجة تطور التكنولوجيا ودخولها في كل شيء تقريبًا.
3- الابتكار التسويقي: يعني الابتكار التسويقي إيجاد وتطوير استراتيجيات مختلفة للتسويق، سواءً سيتضمن ذلك إجراء تغييرات في المنتج أو في التسعير أو التوصيل أو الترويج، باختصار جميع العوامل الرئيسة للمزيج التسويقي، حيث يمكن من خلال هذه التغييرات التأثير في المستهلكين وإقناعهم بالشراء.
بالطبع تطبيق الابتكار ليس سهلًا على الإطلاق، فعلى الرغم من رغبة الجميع في تطبيق الابتكار، لكن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه عملية التنفيذ، منها المهام المطلوبة يوميًا، ومنها التكلفة التي يتطلب الأمر دفعها، وغيرها من المؤثرات التي تؤدي إلى تأجيل تضمين الابتكار في العمل إلى أجل غير مسمى.
لكن في سبيل مواجهة التحديات والتهديدات والمنافسة الشديدة، فلم يعد الابتكار مجرد رفاهية يمكن للشركات تأجيلها، بل أصبحت ضرورة لا بد منها في الوقت الحالي، وهو الأمر الذي جعل الابتكار أهم الملفات في قمة العشرين، لأنّه الخيار الذي يمكنه تحويل المحنة إلى منحة، وفتح مجال واسع للنجاح.
المصادر: