عائلة العبار التجارية.. بدأت دون منزل خاص بها واليوم تناطح السحاب في مشاريعها العقارية
تملك عائلة العبار التجارية واحدة من أهم شركات التطوير العقاري في العالم - شركة إعمار العقارية - في رصيدها عدد من المشاريع الضخمة، كبرج خليفة، أعلى برج في العالم، ومول دبي، أكبر مركز تسوق في العالم، وغيرها من المشاريع الهامة، وتعتبر أكبر مقاول تغليف وتزجيج المباني المعمارية في الشرق الأوسط.
بدايات عائلة العبار الامارتية كانت متواضعة، كان مؤسسها لا يملك منزلاً خاصاً به، وانتقل بعائلته من ظروف الفاقة والفقر، ليتربع اليوم بعد عدة قرون على عرش أعمال تطوير العقارات في الخليج العربي.
أعمال العائلة واستثماراتها توسعت وامتدت إلى مجال الألمنيوم والفولاذ المقاوم للصدأ (العبار للألمنيوم)، والزجاج المعالج (العبار للزجاج المعماري)، وعملت كمورد لقطاع البناء، وكمزود للحلول المعمارية الشاملة، وتسعى اليوم للدخول في مشاريع التعليم على مستوى الشرق الأوسط.
وداعاً أيها الفقر
ظروف نشأة عائلة العبار كانت متواضعة، فقد عانت الفاقة، ولكن بفضل كفاح أبنائها تمكنت أن تصبح رائدة في التطوير العقاري، وغدا اسمها مرادفاً لأهم الأبراج ومشاريع البناء الضخمة في بلادها الإمارات، وكان لمؤسسها محمد العبار، الفضل في قيادة دفة أعمال واستثمارات العائلة، وقد عرف عنه حبة لارتداء الزيّ الإماراتي، ووجوده الدائم في مكان العمل وليس في مكتبه، وعشقه لرياضة الغولف.
ولد محمد العبار في الإمارات عام 1956، والده كان قبطاناً بحرياً يسافر إلى دولٍ إفريقية، مثل الصومال بقصد التجارة، بينما هو واظب على دراسته، وتمكن من الحصول على منحة دراسية للالتحاق بجامعة سياتل في الولايات المتحدة الأمريكية، وحصل منها على بكالوريوس في إدارة الأعمال عام 1981. كما حصل على الدكتوراه الفخرية في الإنسانيات عام 2007، وأصبح ضمن مجلس أمناء الجامعة.
يقول محمد العبار: أنظر إلى هذا المنزل الكبير الذي أعيش فيه، وأشعر بنعمة رب العالمين، عندما أتذكر أنني ولدت فقيراً وفي أسرة فقيرة بالراشيدية، لم يكن لديها منزل، وكان والدي يعمل قبطاناً لمركب صغير، ولكنه لم يتعلم القراءة.
ويحكي العبار قصة طريفة يدلل بها على بساطة أسرته، فيقول عن تاريخ ميلاده: سألت أمي ذات مرة عن تاريخ ميلادي، فقالت إني أتذكر أنه كان في شهر ربيع الثاني، وعندما وضعتك كان أحد الجيران قد اشترى سيارة لاندروفر، وضحكت وقلت لها يا أمي تربطين يوم ميلادي بسيارة «لاندروفر»، والله عجيبة. وبالبحث في تاريخ السيارة والسؤال من الجيران استطعنا تحديد التاريخ، ويبدو أنه كان عام 1958، كما أعتقد.
تأسيس
تعلقت آمال العائلة بابنها محمد، فبعد إنهاء دراسته وعودته إلى دبي، تولى العديد من المناصب الإدارية التي فتحت له أبواب الفرص والقوة، لبناء إمبراطورية العائلة في مجال الإعمار والتشييد، حيث بدأ مع العائلة تأسيس شركاته الخاصة وتنفيذ مشاريع معمارية هامة.
أسس العبار شركة Eagle Hills، وترأس مجلس إدارتها. كما أسس وترأس شركة "إعمار" العقارية وهي واحدةٌ من أهم شركات التطوير العقاري في العالم، وكان أهم أعمالها تطوير برج خليفة، أعلى برج في العالم، ومول دبي، أكبر مركز تسوق في العالم، بالإضافة إلى برج خور دبي الذي يرتفع لأكثر من 3000 قدم، وأوبرا دبي بـ 2000 مقعد، وبناء مارينا دبي، أكبر مارينا صناعية في العالم، إلى جانب مدينة الملك عبدالله الاقتصادية.
نمو وتوسع
كبر اسم عائلة العبار مع نمو وتوسع أعمالها، ووصل رجل الأعمال محمد العبار لمنصب كبير مستشاري الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، ورئيس وزرائها، حاكم دبي، وعمل في السابق مديراً عاماً لدائرة التنمية الاقتصادية في دبي.
يقود العبار أعمال عائلته، عبر مجموعات استثمارية ضخمة، وهو مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة موارد إفريقيا الشرق الأوسط، والمؤسس وأحد كبار المساهمين في شركة RSH المختصة في بيع منتجات الموضة في سنغافورة، وتملك أكثر من 700 متجر في آسيا والشرق الأوسط.
كما غدا اسم العبار حاضراً في عدد من المؤسسات الوطنية والعالمية، من خلال تبوّئه لعدد من المناصب الهامة، فهو عضو مجلس دبي التنفيذي، ومجلس دبي الاقتصادي، وساهم في نمو القطاع غير النفطي في بلاده. كما عمل نائبًا لرئيس مركز دبي التجاري العالمي، ورئيسًا لشركة دبي للكابلات، وعضو مجلس هيئة الأوراق المالية والسلع في الحكومة الاتحادية، وهو صاحب فكرة مهرجان دبي للسياحة والتسوق، الذي اجتذب الملايين إلى الإمارة، وفتح الأنظار في المنطقة على أهمية سياحة التسوق، ويخطط اليوم لجعل مجموعة إعمار العقارية الذائعة الصيت، أكبر شركة عقارية في العالم، من حيث القيمة السوقية.
زجاج وألمنيوم
يعود ارتباط عائلة العبار بالألمنيوم والزجاج، إلى الستينيات من القرن الماضي، حيث عمل مؤسسو العبار على أبواب ونوافذ المباني المنخفضة الارتفاع، وفي مرحلة لاحقة أدت الخبرات المتراكمة ونمو الأعمال في هذا المجال، إلى تشكيل شركة العبار للألمنيوم في ثمانينيات القرن الماضي.
ومن أجل تلبية الطلبات المتزايدة لقطاع البناء المزدهر، تم تشكيل أقسام متخصصة وأنشأت مجموعة العبار، مجموعة متكاملة من الأعمال التي تركز على الحائط الساتر الألومنيوم، والطلاء والزجاج المعماري والفولاذ المقاوم للصدأ. تعمل كل منها كوحدات أعمال مستقلة ولكنها مترابطة فيما بينها يكمل بعضها بعضاً لكل مشروع.
وبعد 50 عامًا - ارتبط العبار بأرقى مبنى في العالم، ويعد الانتهاء من منصة برج خليفة وملحقاته شهادة مناسبة على نمو أعمال العائلة.
ولعائلة العبار دور فعال في بناء دبي، فقد تم افتتاح فندق برج العرب الشهير ذي الـ 7 نجوم، وفندق الإمارات التاريخي، وما تسمية العائلة "تحفة أعمالها": المبنى 3 والكونكورس 2 في مطار دبي الدولي، في فترة مثيرة من التوسع، بلغت ذروتها مع استكمال برج خليفة.
ولتنفيذ هذه الأعمال كان لا بدّ من الاستعانة بالمهندسين وأصحاب الكفاءات توظيف الآلاف من العمال في جميع أنحاء الإمارات، وآسيا، لتقوم العائلة مع هذا "الجيش" من العمال والموظفين بكل الأعمال التي تقع بين مستوى الأرض وأعلى مبنى، بحسب تعبير مؤسس العائلة التجارية محمد العبار.
استثمارات دولية
واصلت عائلة العبار توسعها، ودخلت استثماراتها نحو 16 دولة، ويعتبر مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، من أكبر مشاريعها، وتنظر العائلة إلى العمل في الشقيقة مصر بإيجابية، مشيراً إلى أنه يتم البحث عن فرص استثمارية في عدة مناطق منها العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة أكتوبر ومناطق أخرى. ومازال الحديث مستمراً (لتحديد المشاريع المقبلة للشركة في مصر) ويكشف محمد العبار أن "هناك أشياء سيتم الإعلان عنها خلال الأشهر المقبلة".
وعن تجربته العائلة في الأسواق العالمية التي تدخلها "إعمار"، وخاصة من جانب الشركاء المحليين، يقول العبار: أحيانا يوقعك سوء الحظ في شريك يكون مسماراً في ظهرك منذ أول يوم، وأحياناً يوقعك في شريك يقول: اكتب عقد الشراكة، ودوّن فيه ما تريد، وأرسله لي كي أوقعه فوراً. لأن الثقة التي تولدت بيننا بسرعة، جعلت ذلك ممكناً، واستطرد قائلاً: لقد تعلمنا درساً كبيراً، بعد دخولنا السوق المصري وهو ضرورة دراسة شركائنا والتحري عنهم جيداً، قبل اتخاذ القرار.
وكان للعبار دور مميز في مجلس الأعمال العربي، بعد لقاءات مع آخرين في منتدى دافوس منذ سنوات، وقد تركه منذ فترة قصيرة، ويقول "أشك أن هذا المجلس سيستمر بعد خروجي ودعونا ننتظر".
وعن أصدقائه يقول العبار "لي صداقات كثيرة في العالم العربي والخارجي، ولكن أبرز أصدقائي رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، والمستشار الألماني السابق شرودر، وقد قابلت بيل غيتس، وأعجبني تفكير هذا الرجل، فهو شخصية عبقرية فعلاً". واستطرد قائلاً: ويا سلام لو جلست مع الرئيس الهندي شخصية هادئة وعميقة التفكير..".
تأثير كورونا
كان من الطبيعي أن تتأثر أعمال العائلة في جائحة كورونا، ولكن إلى مدى، يقول العبار "إن جائحة كورونا أثرت في قطاع السياحة والقطاعات المتعلقة به. وأمام الشركات مدة سنة يجب خلالها ضبط الأوضاع المالية لتجاوز هذه المرحلة". موضحاً أن "القطاع العقاري المصري هو الأفضل أداء بين الأسواق العربية، رغم أزمة كورونا. والوضع المالي لإعمار جيد، وستمر المرحلة الحالية بفضل الإدارة الجيدة". لقد قمنا بتقليل المصروفات ونتوقع تعافي قطاع الفندقة خلال عام".
ولم تخف العائلة بأن الجائحة أدت لإلغاء بعض المشروعات لشركة إعمار العقارية، ولكن، بحسب محمد العبار، فإن الامور تعود حاليا لطبيعتها. وقد أعلنت الشركة تراجع صافي أرباحها في النصف الأول من 2020، بنسبة 35%، إلى 2.007 مليار درهم، أو ما يعادل 546 مليون دولار. وعزت الشركة تراجع أرباحها إلى تراجع الإيرادات بنسبة 22%، لتصل إلى 9 مليارات درهم.
وقالت الشركة إن مبيعاتها العقارية في النصف الأول بالإمارات، بلغت قيمتها 3.23 مليار درهم، وأن إجمالي المبالغ المستحقة على المشروعات قيد الإنجاز، بلغ 41.7 مليار درهم، سيتم احتساب إيراداتها خلال السنوات المقبلة. كما تراجعت تكاليف الإيرادات بنسبة 10%، في حين سجلت الشركة خسائر من حصتها في شركات شقيقة بقيمة 286 مليون درهم، بارتفاع نسبته 40%، عن الفترة المقابلة من العام الماضي.
كنتاكي وبيتزا
توسع آخر للعائلة في مجال بعيد عن مشاريع العقارات وتطويرها، حيث اشترت مجموعات العبار الاستثمارية "مجموعة أمريكانا" التي تمتلك سلسلة وجبات سريعة في الشرق الأوسط ودجاج كنتاكي وبيتزا هت، من صاحب أغلبية الأسهم فيها.
بلغت قيمة تلك الصفقة نحو 2.36 مليار دولار عام 2016. كما أسست عائلة العبار منصة "نون.كوم"، لينافس فيها منصة علي بابا وأمازون، وكان بإحدى شركاته من أحد المنافسين لشراء سوق دوت كوم، الصفقة التي حصلت عليها أمازون في النهاية.
الجيل الثاني
بدأ الجيل الثاني للعائلة شيئاً فشيئاً يتسلل إلى مواقع العمل، حاملاً معه كفاءات وتجارب وأسماء جديدة، والثابت الوحيد اسم العائلة.
فقد صعد اسم رائدة الأعمال الإماراتية سلامة العبار، وهي مؤسسة ومديرة متجر "سيمفوني" في "دبي مول" الذي تم افتتاحه عام 2008، إضافةً لكونها مؤسس موقع "باي سيمفوني" الإلكتروني. ومن إنجازاتها الأخرى في عالم الأناقة، والحصول على تراخيص من 7 في الشرق الأوسط، إضافة إلى / "تيمبرلي لندن" و"بورو 24 والتعاون مع مجلة "فوغ" الإيطالية في تجربة الموضة من "فوغ دبي"، وتوسيع تجارتها الإلكترونية، من خلال تقديم مجموعة من المصممين أمثال رزان العزوني ومدية الشرقي، إلى جانب ألكساندر مكوين وسان لوران، وهي الأولى في المنطقة من حيث تقديم بيئة مرحبة بالمصممين المحليين الصاعدين.
وقد عملت العبار سابقاً، محللة في شركة "إرنست ونونغ" بين 2007 و 2008، وهي حاصلة على بكالوريوس في إدارة الأعمال، وبكالوريوس في العلوم.
مع الاسم الآخر من الجيل الجديد في العائلة، نكتشف مجالات عمل جديدة تقترن باسم العبار، حيث يعتبر راشد محمد العبار، وهو كذلك رائد أعمال إماراتي، شريكاً ومؤسساً لمؤسسات العبار، منذ مطلع 2012. كما أنه الشريك المؤسس في موقع "سيفي.كوم" الإلكتروني منذ2013، وعمل سابقاً في مجال الدمج والاستحواذ في "بنك ستاندرد تشارترد، بين عامي 2011 و 2012 ، وفي مجال أسواق المال لدى بنك""HSBC"، وهو حاصل على ماجستير في المحاسبة والعلوم المالية عام 2008، وبكالوريوس في إدارة الأعمال عام 2007 من "جامعة سان دييغو" بالولايات المتحدة.
وللتعليم نصيب
تؤمن عائلة العبار التجارية بأهمية التعليم في حياة الشعوب وتقدمها، وتعتبره السبب الذي قادها إلى الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، حيث تخطط إعمار لتطوير وإنشاء مجموعة من المعاهد التعليمية، ضمن مجمعاتها السكنية في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا وشبه القارة الهندية.
وتوضح عائلة العبار بأن مشروعها التعليمي، بأنه تأتي كمبادرة من إعمار التوسعية، نحو قطاع التعليم في إطار رؤية الشركة الاستراتيجية، في أن تصبح أكثر الشركات قيمة في العالم، وسوف ترتكز مبادرة إعمار على توفير أرقى مستويات التعليم للطلاب، عبر مناهج دراسية متكاملة معترف بها عالمياً، مثل استحواذ إعمار على مؤسسة «رافلز كامبوس» يعد تجسيداً لالتزامها بتوفير خبرات أكاديمية دولية في جميع مراكزها التعليمية المستقبلية، التي تأتي تلبية للطلب المتزايد على التعليم الممتاز في الأسواق الرئيسية.