جان كوم.. من مهاجر عمل بتنظيف الأراضي إلى الملياردير مؤسس واتساب
لم تكن طفولة ونشأة جان كوم سهلة، إذ اضطر إلى الهجرة مع جدته ووالدته في السادسة عشرة من عمره من أوروبا إلى الولايات المتحدة هربًا من التوترات السياسية والاضطهاد الديني، حيث عملت والدته كُمربية للأطفال في كاليفورنيا، بينما واصل كوم دراسته وعمل كعامل نظافة في محل بقالة.
خطط والده للانضمام إلى كوم ووالدته بمجرد استقرارهما في الولايات المتحدة ولكنه مرض وتوفي بعد خمسة أعوام، ولم يكن قادرًا على الذهاب إلى العائلة. أصيبت والدة كوم بمرض شخصه بالأطباء بالسرطان وتوفيت بعد ثلاثة أعوام من وفاة الأب.
قصة نجاح ماثيو بولتون.. الرجل الذي وقف وراء ظهور العملات المعدنية الحديثة
التعليم الذاتي وكره الدراسة
وُلد جون كوم في قرية صغيرة خارج العاصمة الأوكرانية كييف، وكان الولد الوحيد لربة منزل ومدير في موقع بناء أشرف على تأسيس العديد من المستشفيات والمدارس. لم يكن في منزله مياه ساخنة، ونادرًا ما تحدث أبواه في الهاتف لأن أقرب هاتف كان خارج البلدة.
قبل الرحيل ومغادرة أوكرانيا وضعت والدته في حقائب السفر أعداد كبيرة من الأقلام والدفاتر لتجنب شراء مستلزمات المدرسة من أدوات مكتبية وغيرها عند وصولهم إلى الولايات المتحدة. ورغم ما تبدو عليه هذه الحياة من قسوة ولكن كوم لا يزال يشعر بالحنين لهذه الحياة الريفية البسيطة التي عاشها في إحدى فترات حياته.
بالنظر إلى المحن التي واجهها كوم في حياته فإنه من الطبيعي أن يقوم ببعض التصرفات السيئة ويقع في المشاكل، كره كوم المدرسة وأثارت العلاقات الضحلة بين طلاب المدارس الثانوية حفيظته.
وأنهى مرحلة التعليم الثانوية بصعوبة، ولكن خلال فترة المراهقة التي قضاها في الولايات المتحدة لم يتوقف يومًا عن تعليم نفسه أشياء جديدة، أصبح خلال العشر سنوات تلك مُهتمًا بالحواسيب الآلية والشبكات واشترى كتبًا وكتب ارشادية تتناول هذه المواضيع من المكتبة القريبة منه، وكان يُعيدهم بعد الانتهاء من قراءتها لاستعادة المال.
علّم كوم نفسه هندسة الاتصالات والتحق في نهاية المطاف بجامعة سان خوسيه لدراسة علوم الكمبيوتر والرياضيات أثناء مشاركته في مجموعات الشبكات، إلا أن الدراسة في الجامعة لم ترقه، وقال: "كنت أكره المدارس".
خلال دراسته الجامعية عمل كوم في وظيفة بدوام جزئي في شركة محاسبة كبيرة تُدعى Ernst & Young، وتولى مهمة التدقيق في أمن الكمبيوتر، وكانت شركة ياهو من الشركات التي عمل معها، وعرض عليه المسؤولون هناك الحصول على وظيفة لدى شركة التكنولوجيا، فقرر ترك دراسته الجامعية فور حصوله على وظيفة بدوام كامل في ياهو.
شعر كوم بالملل من العمل في ياهو، فقرر ترك الوظيفة وكان في عامه الـ31 ليسافر حول العالم مع صديق كان قد استقال من عمله ياهو في الوقت نفسه، تقدم الاثنان للعمل لدى فيسبوك ولكنهم لم يوفقا.
بعد عامين اشترى كوم هاتف آيفون، وحاول صنع تطبيق يسمح لاستخدامه بإجراء المحادثات بين بعضهم البعض، ولكنه أصيب بالإحباط بعد عجزه عن انجاز العمل، وكاد أن يفقد الأمل.
قصة نجاح أمريكية
واصل كوم عمله على تطبيق المحادثات حتى أعلن في عام 2009، كان في عامه الـ33، إنشاء منصة المحادثات النصية واتساب مع زميله السابق في شركة ياهو بريان أكتون.
بعد الانتهاء من العمل على واتساب جلس كل من جون كون وزميله أكتون على الطاولة الموجودة في مطبخ منزل الأخير وأرسلا الرسائل إلى بعضهما البعض على واتساب، وكانا قد اخترعا بالفعل العلامة المزدوجة التي تُخبر الطرف الآخر أن الرسالة وصلت بالفعل. هدفا الاثنان إلى أن يكون تطبيق المراسلات الخاص بهما يضمن لمستخدميه عيش تجربة أكثر ثراءً من تجربة المراسلة العادية SMS وMMS التي تسمح للمستخدمين بإرسال الصور مع الرسائل النصية.
تطبيق عالمي
وفي عام 2014 كان عدد مُستخدمي التطبيق حول العالم يصل إلى 400 مليون شخص، وباع الاثنان الشركة إلى فيسبوك مقابل الحصول على 19 مليار دولار، وعرضت فيسبوك على كوم وأكتون وظائف لديها، ولكن العرض أصبح أفضل كثيرًا مع مرور الوقت.
كان تطبيق المراسلة المجاني الوحيد المتاح هذه الفترة كان الـBBM المتاح على هاتف بلاك بيري، ولكنه لم يسمح إلا لمستخدمي هذا الهاتف فقط بالتواصل معًا. وكذلك كان هناك تطبيق G-talk وسكايب، ولكن سكايب كان فريدًا من نوعه لاسيما وأنه يسمح للمستخدمين بالولوج إليه بإضافة رقم هاتفهم.
كان تطبيق المراسلة المجاني الوحيد المتاح هذه الفترة كان الـBBM المتاح على هاتف بلاك بيري، ولكنه لم يسمح إلا لمستخدمي هذا الهاتف فقط بالتواصل معًا. وكذلك كان هناك تطبيق G-talk وسكايب، ولكن سكايب كان فريدًا من نوعه لاسيما وأنه يسمح للمستخدمين بالولوج إليه بإضافة رقم هاتفهم.
بحلول عام 2017، وصل عدد مُستخدمي واتساب بشكل شهري حول العالم إلى 1.3 مليار شخص، ليتحول جون كوم من طفل عاني في أوكرانيا الشيوعية إلى ملياردير أمريكي صاحب أشهر تطبيق محادثة في العالم، ليؤكد بذلك قوة الحرية، وريادة الأعمال وتعليم الذات.
وفي عام 2018 أعلن كوم أنه سيغادر واتساب وسيستقيل من مجلس إجارة فيسبوك بسبب خلافات داخلية مع الشركة، وكتب في مجلة WIRED "لقد نشأت في مجتمع يتم فيه التنصت عليك وتسجيل كل شيء تقوم به، لا يُحق لأحد التصنت، أو تصبح وقتها دولة شمولية، وهي الدولة التي هربت منها في طفولتي للمجيء إلى دولة أخرى تتمتع بالديمقراطية وحرية التعبير، هدفنا هو حمايتها".
بالنسبة لكوم، فإن نجاح واتساب لم يعود بالفائدة عليه وحسب ولكنه أفاد أعداد كبيرة من الأشخاص، إذ أنه هيئ لهم مناخ يسمح لهم بالتواصل الآمن، وحرية تساعد رواد الأعمال على الابتكارات التي تُحسن حياتنا وتعزز أحلامنا، ويؤكد أن التعليم الذاتي هو أفضل طريق للوصول لتحقيق الأمر.