يحمل اسم الجامعة العريقة.. هذه حكاية قميص أوكسفورد
الغالبية الساحقة من الرجال ارتدت أو تملك قميص أوكسفورد حتى ولو لم تكن تعرف أنه كذلك. القميص هذا الذي يتميز بخصائص تتعلق بمقاسه وبموديله جعلته من القمصان الأكثر تنوعاً إذ يمكن اعتماده للنمط الكاجوال كما يمكن اعتماده ليكون جزءاً من الطلة الرسمية.
قميص أوكسفورد متعدد الاستخدامات وعملي وأنيق في الوقت عينه. وبطبيعة الحال مر بمراحل مختلفة حتى وصل للشكل النهائي الذي نعرفه اليوم. ولكن حكاية وتاريخ قميص أوكسفورد قد يكون غريباً بحكم أن اسمه يشي بأن له علاقة بجامعة أوكسفورد العريقة بيد أن الواقع مختلف. كما أن مساره التاريخي قصير نسبياً مقارنة بقطع الملابس الأخرى التي لها مسار ضارب في عمق التاريخ.
فما هي قصة القميص الذي يعتبر واحداً من القطع الأساسية والذي يصلح لمختلف المناسبات ويتماشى وبشكل مثالي مع الغالبية الساحقة من قطع الملابس والذي يبدو جميلاً وأنيقاً على الجميع بغض النظر عن الطول أو شكل الجسم أو حجمه؟
البداية : لماذا أوكسفورد؟
خلال الفترة الأولى من القرن التاسع عشر كانت أسكتلندا تعتبر عاصمة القماش الأوروبية وقلبها النابض. مصانع النسيج كانت منتشرة على نطاق واسع في أسكتلندا وكانت الغالبية تعمل في ذلك المجال. في واحد من تلك المصانع كان هناك رجل يعمل في مجال النسيج ويختبر أنماط حياكة مختلفة للقمصان، وبعد فترة من التجارب والابتكار طرح ٤ أنواع من القمصان بأربعة أنماط حياكة مختلفة، القمصان كلها سميت على أسماء الجامعات الشهيرة والمعروفة وهي ييل، كامبرديج وهارفرد وطبعاً أوكسفورد.
أنماط الحياكة الخاصة بكل من ييل وكامبريدج وهارفرد لم تشق طريقها الى الشهرة وذلك لأن الإقبال عليها لم يكن كبيراً وبالتالي لم تحقق نسبة مبيعات مرتفعة فكان القرار بوقف إنتاجها. ولكن قميص أوكسفورد صمد وحقق شهرة كبيرة وما زال حتى اليوم منتشر على نطاق واسع. وعليه لا يوجد إسم للشخص الذي يقف خلف القميص الشهير هذا لأن هويته غير معروفة كما أن التسمية لا علاقة لها بالجامعة ولا حتى بالمحيط الجغرافي لها إذ تم إبتكاره في إسكتلندا.
السر في الحبكة
ما يميز قميص أوكسفورد عن غيره من القمصان لا يتعلق بنوعية القماش ولكن بأسلوب الحياكة والطريقة التي تجعله واحداً من القمصان الأجمل والأكثر عملية. بشكل عام هناك العديدة من المقاربات للأقمشة المنسوجة وهي تحدد وفق نوع الألياف التي تشكل النسيج أو طول الألياف أو الهيكل. لناحية النسيج هناك النسيج المنسوج النفي والنسيج المنسوج الممزوج والنسيج المتقاطع. النسيج المتقاطع أو المتشابك يشير إلى الأقمشة المنسوجة من خيوط أو خيوط من ألياف مختلفة في اتجاه الاعوجاج واللحمة ، مثل خيوط الاعوجاج مع خيوط الاعوجاج والأقمشة المرتبطة باللحمة ، والغزل مع خيوط الاعوجاج في اتجاه الاعوجاج.
خيوط الاعوجاج هي الخيوط التي تحاك إلى أعلى أو أسفل أو بخط مواز لخط عمودي وهمي أما اللحمة فهي الخيوط التي تمر من حافة الى حافة أو من حاشية قماش إلى الأخرى بشكل أفقي.
قميص أوكسفورد مصنوع من نوعين مختلفين من الخيوط الذين يتم حياكتهما بنمط السلال، أي أن النمط المعتمدد في السلال تم إعتماده لحياكة المقصان. الخيطان الأثقل وزناً والذين هما خيطا الإعوجاج يتم تمريرهما فوق خطي اللحمة الأقل وزناً وثم أسفل خيطاً منها. عادة الخيوط التي تحاك باتجاه واحد تكون بلون مختلف بشكل طفيف والذي يكون أبيض بشكل عام. الاختلاف باللون بين الخيوط والتكرار لنمط حبكة السلة يمنحان قميص أوكسفورد التميز الخاص به.
لا تتنازل عن أناقتك ..كمامات رسمية فاخرة مقابل 300 دولار (صور)
مميزات قميص أوكسفورد
القميص بالإضافة الى آلية الحياكة الخاصة به التي تحدثنا عنها يملك مميزات أخرى فهو مزود بزرين يثبتان الياقة وهذا ما يجعله يبدو أكثر أناقة من غيره من القمصان. القميص أيضاً خفيف الوزن ما يعني أن المتانة الخاصة به لا تأتي على حساب الوزن. قميص أوكسفورد التقليدي يتضمن جيبين على كل جانب ولكن حالياً هناك أنماط مختلفة تتنوع بين الكاجوال والذكي. الطلة الذكية التي تتطلب ربطة عنق لا تحتاج الى قميص بجيبن وذلك لأنه سيتم اعتماد السترة. القمصان هذه تبدو مثالية مع أقمشة أخرى طبيعة غير لامعة كالقطن والصوف والجينز وغالبية قمصان أوكسفورد الكلاسيكية تأتي بلونين هما الأبيض والأزرق الفاتح.
شهرة القميص
القميص وجد شهرة كبيرة خلال فترة الـ ١٩٣٠ عندما قرر فريق البولو في الهند البريطانية إعتماد القميص هذا. اللاعبون وجدوا في قميص أوكسفورد ضالتهم فهو كان خفيف الوزن، يسمح للهواء بالمرور ولا يحبس الحرارة كما أن الأزرار كانت تمنع الياقة من التحرك خلال ممارستهم لعبة البولو وتثبتها بشكل مريح. وطبعاً لا ننسى واقع أن قميص أوكسفورد كان أقل ثمناً من القمصان الأخرى خلال تلك الفترة وبالتالي تم العثور على قميص بنوعية جيدة وبكل المواصفات التي يبحث عنها الفريق وبسعر أقل من القمصان التي كانوا يعتمدونها سابقاً.
ومن هناك انطلقت شهرة القميص، فانتقل من ملاعب البولو في الهند البريطانية إلى أمريكا حيث اعتمده طلاب رابطة الأيفي والتي هي رابطة رياضية تجمع ثماني جامعات هي الأشهر والأقدم في أمريكا.
رحلة الانطلاق إلى أمريكا يمكن القول إنها كانت عن طريق الصدفة ففي العام ١٨٦٠ كان جون إي بروكس يشاهد مباراة البولو في إنجلترا عندما لفت نظره قيام اللاعبين بارتداء قمصان بأطراف ياقة مثبتة الى الجهة الأمامية. حمل الفكرة معه إلى أمريكا وبدأ في الـ ١٩٠٠ بتصنيع القمصان بقماش أوكسفورد و وبأزرار تثبت الياقة.
ورغم أن البداية كانت من الطلاب واللاعبين ولكن القميص انطلق ليصبح أكبر من ذلك بكثير. الانتشار الكبير بدأ بين أوساط الطلاب في بريطانيا وكجزء من اللباس الموحد ولكن الرئيس جون كينيدي نقله الى مستويات مختلفة حين إعتمده ليكون جزءاً من طلاته. لاحقاً بدأ طلاب رابطة الأيفي يدخلون تعديلات فدمجوا القميص مع الشورت وقاموا بإعتماده مع أحذية اللوفر وفي بعض الحالات كان يتم تركه ينسدل فوق السروال رغم أن النمط الشائع حينها كان وضع القميص أسفل السروال.
الفترة هذه هي مرحلة انتقالية في عالم الموضة وليس فقط لقميص أوكسفورد، فالفئة الشابة بدأت تبتعد شيئاً فشيئاً عن النمط الرسمي والأناقة المحددة من قبل المجتمع من دون إلغائها. الدمج بين الراحة وبين التراث بدأ يتحول ليكون أناقة مبنية على أقل جهد ممكن والتي أصبحت حجر الزاوية لموضة «البربي» التي راجت في الستينات والسبعينات والتي ما تزال قواعدها ثابتة حتى يومنا لكونها تتمحور حول اعتماد الأنماط والألوان الكلاسيكية.
قميص أوكسفورد شق طريقه إلى هوليود وبدأ عدد كبير من النجوم مثل بول نيومن وستيف مكوين يتبنون أناقة القميص هذا. بشكل عام كل رجل في أي مجال كان وفي أي منصب كان اختار قميص أوكسفورد ليكون جزءاً من طلته منذ انتشاره. ولأن طلة كل شخص تختلف بشكل جذري عن الآخر ظهرت أنماطاً مختلفة لألية تنسيقه ولعل الواقع هذا يبرر شهرته الكبيرة فهو أصلاً يتماشى مع الغالبية الساحقة من الملابس ولكنه في الوقت عينه يملك ميزة الأناقة.
التبدلات التي طرأت على القميص
في الواقع قميص أوكسفورد لم يشهد على تعديلات عديدة لناحية تصميمه. آلية الحياكة ما زالت هي نفسها والألوان المعتمدة ما تزال هي نفسها وإن كان حالياً هناك ألوان مختلفة ولكن الموديلات الكلاسيكية ما تزال بالأبيض أو الأزرق الفاتح.
بإختصار القميص الذي يعتبر من القمصان الأكثر شهرة حالياً وإعتماداً حول العالم يحمل معه سر لم نتمكن من معرفته حتى اليوم وهو اسم الشخص الذي ابتكره والسبب الذي جعله يطلق عليه اسم جامعة معروفة وإن كان البعض يميل إلى نظرية أن الشخص الذي ابتكر القميص كان يريد أسماء منمقة لها كي يتمكن من الترويج لها فقرر اختيار أسماء الجامعات الأكثر عراقة.