الموضة لم تسلم من "كورونا"... لكنها تواصل مسيرتها الربيعية
لا شك في أن موسم المبيعات الحالي، تلقى ضربة موجعة بعدما مُنِي بخسائر فادحة يصعب تقدير حجمها. ولعل قطاعات الموضة والسياحة والسفر هي الأكثر تضرراً، مقارنة بكل القطاعات الاقتصادية. إذ إن سلوك المستهلك شهد تبدّلاً جذرياً خلال أسابيع الحجر المنزلي الذي لفّ العالم. المطارات أُغلِقت، الساحات والشوارع مقفرة، فيما المتاجر على أنواعها مقفلة. ومعها تضررت الدورة الاقتصادية إلى درجة لم يعد يمكن الحديث عن مواسم جديدة في المحال التجارية. وحدها المتاجر الإلكترونية، تمكنت من تحقيق عائدات في ما يخص بعض المنتجات. أما سلاسل المحال الشعبية كـ"إتش أند إم"، فأعلنت تسريح عدد كبير من موظفيها في العالم.
باختصار، الموسم الحالي من ربيع وصيف 2019 و2020، أصيب بخسائر فادحة، حتى قبل أن يتسنّى له أن يُطلّ علينا في المتاجر بجديده الذي رأيناه على منصات الموضة العالمية. لا بل إن قطاع صناعة الموضة والأكسسوارات وأدوات الرفاه برمته، نال حصته من الخسائر في الأسابيع الأولى لبدء انتشار فيروس "كورونا" في أوروبا.
في بداية الأزمة، كثرت التقارير عن الخسائر في أسواق المدن الكوسموبوليتية، كباريس ولندن، حيث تراجعت أعداد السياح الخليجيين والآسيويين الذين يُبدون اهتماماً لافتاً بالأسواق الفاخرة، مقارنة بسواهم من السياح. وما فاقم الأزمة هو استحالة الحصول على بعض المواد الخاصة بصناعة الموضة من الصين التي تحتضن أهم المصانع وأكبرها. يضاف إليها الكارثة التي حلّت بإيطاليا وهي المصدّر الأهمّ للموضة. ورغم عدم توافر أرقام دقيقة عن حجم الخسائر، فلا بدّ من الإشارة إلى أن حجم مبيعات قطاع الموضة في إيطاليا وحدها، بلغ 146 مليار يورو، في عام 2019. رقم كفيل بإعطاء صورة تقريبية عن الخسائر التي ستتكشف تباعاً كجبل الجليد الذي بانهياره سيؤثر حتماً في قطاعات أخرى.
ومع توالي الأيام، واتساع رقعة المصابين بالفايروس المشؤوم، ألغت الكثير من دور الأزياء المرموقة عروضها المنتظرة لربيع 2021، ضمن أسابيع الموضة من ميلانو إلى باريس ولندن، وذلك
تجنّباً لتعريض صحّة العاملين لديها والحضور لأي أخطار صحية. قرار الإلغاء هذا، قابله اكتفاء بعض دور الأزياء بنشر صور لمجموعاتها الخاصة. في المقابل، خطت بعض الدور الأخرى خطوة إضافية، كما فعلت دار "جورجيو أرماني" التي أعلنت إقفال معاملها في شمال إيطاليا والتبرع بأكثر من مليون يورو للقطاع الصحي في البلد المنكوب. فيما قرر المليونير الفرنسي برنار أرنو، تسخير كل المختبرات والمعامل المتخصصة في صناعة عطور ومستحضرات التجميل ضمن مجموعة "إل.في.آم.آش" التي يملكها، لإنتاج مطهرات، وتوزيعها مجاناً على المستشفيات والناس بهدف سد العجز الحاصل في هذا القطاع. كذلك أعلنت شركة " Sociedad Textil Lonia" الإسبانية وهي المتخصصة في صناعة منتجات دار "كاروليا هيريرا"، تصنيع مواد طبية من أقنعة وقفازات لمصلحة المستشفيات تلبية للحاجة المتزايدة.
ورغم أن الصورة وإلى حين كتابة هذه الأسطر، لا تزال قاتمة وضبابية، قررنا المضي في إعداد ملف الموضة إيماناً منا بأن عجلة الحياة ستستمر وستتغلب على هذا الكابوس الذي طوّق العالم بأسره.
وفي ظل المكوث في المنزل، بات لديكم متسع من الوقت للتعرف إلى أجمل إطلالات الرجل في هذا الربيع؟ إليكم التفاصيل:
ديور: الأناقة المطلقة
العنوان الأبرز لهذا الموسم، هو الأناقة المطلقة. وكانت دار "ديور"، رائدة في مجموعتها لهذا الموسم، اذ ان مصمم الدار كيم جونز غرف من إرث ديور العريق من أجل الباس الرجل بذلات رسمية، تجمع بين الحداثة والكلاسيكية. والنتيجة خطوط واضحة، تؤطر قامة صاحب الأسلوب، مكلّلة بلمسات، تعكس مقداراً عالياً من الرفاه والذوق الرفيع. وقد استخدم أقمشة الساتان، فيما لجأ إلى المجوهرات لتزيين ياقة السترة الرسمية، ومن أجل لمسة معزّزة حضرت الأحزمة المصنوعة من القماش، لتمنح البذلة بعداً هندسياً لافتاً. وقد شاء جونز التركيز على الألوان الحيادية الزاهية التي تعكس روح الموسم، من الرمادي إلى البيج والأبيض. ولأن الربيع لا يخلو من تفتّح البراعم، لم يتردد في الاستعانة بالزهري والبرتقالي والأخضر من أجل نكهة "ربيعية" ممتعة.
بيرلوتي: فلتحيا الرياضة
على عكس دار "ديور"، سلكت دار "بيرلوتي" درباً مختلفة ركّزت فيه على الألوان النابضة والأحادية، مع حضور لافت للأقمشة المزدانة بلطخات لونية نابضة أيضاً، لتبرز جوّ الموسم المتفتِّح. بدت المجموعة عصرية جداً، رغم أنها استلهمت الكثير من الماضي العريق للدار. إنما المدير الفني للدار كريس فان آيك، حرص على إضفاء أسلوب حداثي جداً، فقد استعان بملامح عادة ما تحملها الأزياء الرياضية، ليزيّن بذلات الربيع الكلاسيكية. وقد نجح في تقديم نماذج تجمع بين التاريخ العريق للدار، ونظرته المستقبلية. ومما لفتنا على المنصة، تلك السحابات التي زيّنت أسفل السراويل الرسمية المنسّقة مع سترات بصفين من الأزرار. كما أن الاستغناء عن المعطف الربيعي الواقي من المطر، وتعويضه بسترة رياضية منتفخة، منسّقة مع البذلة نفسها، ليس إلا من "حيل" المصمّم الرامية إلى تقديم ترجمة مختلفة للبذلة. وفي بعض التصاميم، اختفى القميص المزرّر وربطة العنق، لتحلّ محلهما كنزة قطنية رياضة (هودي).
هيرمس: الأناقة المسترخية... مثالية
بدا رجل "هيرمس" يمشي بخفّة وثقة مطلقة، على منصة ربيع 2020. هذا المزاج غير المبالي، بدا واضحاً على صعيد القصّات والأحجام والتنسيقات اللونية عموماً، ما جعل المجموعة تنبض بروح الربيع والصيف الحرّة، ومن دون الكثير من التكلف، إنما في ظل الحفاظ على ملامح تلك الأناقة "الخفية". وقد أدّى الحرفيون دوراً جوهرياً في إعداد هذه المجموعة التي اتّسمت بالجلود والكشمير المطرز، ما يعكس الخبرة والدقة في العمل اليدوي الحرفي.
السحابات والخطوط والمربّعات وتعدّد الطبقات، ونقوش الخداع البصري، والتناقض اللوني والألوان الزاهية، كالأصفر والزهري، فضلاً عن الأطياف الحيادية كالبيج والرمادي، كلّها تناغمت بشكل رائع في مجموعة هيرمس لربيع وصيف 2020. باختصار، قدمت مجموعة "هيرمس" نموذجاً مثالياً لمفهوم التنسيقات المتجدّدة للراغبين في مجموعة كبسولة.