مدينة القطيف.. رحلة تحوّل من استخراج اللؤلؤ إلى تصدير النفط
هاجر الآلاف إليها لكونها كانت مليئة بالثروات مثل اللؤلؤ واشتهرت بالتمور والماء العذب، وفي العصر الحديث تحولت لواحدة من أكثر المدن تصديرًا للنفط بواقع إنتاج يتخطى الـ 800 ألف برميل يوميًا، إنها القطيف المدينة التي أجاد أهلها الصناعات الاستهلاكية، وروى المؤرخون أنها كانت مسكونة منذ العصر الحجري وما قبله أيضًا، وعرفت العديد من الهجرات التاريخية منها وإليها.. في هذا التقرير سنتعرف أكثر على تاريخ المدينة العريق، انطلاقا من حملتنا "لمتنا سعودية" التي أطلقتها مجلتا "الرجل وسيدتي" استعدادا للاحتفال باليوم الوطني السعودي 90.
تاريخ القطيف العريق
عراقة وقدم منطقة القطيف تعطيها تاريخًا ليس اعتياديًا، حيث إنها وفي العصر القديم والجاهلي مرت بالعديد من الأحداث بداية من سيطرة نبوخذ نصر عليها مرورًا بالملك قورش الذي بنى الدولة الفارسية وسيطر على منطقة الخليج بأكملها، وصولًا إلى فترة الازدهار التى شهدتها المنطقة عندما حطم الاسكندر المقدوني الدولة الفارسية.
شهدت منطقة القطيف فترة ازدهار واستقلال حولتها لمنطقة تجارة حولت مدينة الجرهاء التابعة للقطيف لواحدة من أغنى مدن الأرض وقتها، واستمرت القطيف في حالة ازدهار حتى ما دق الرومان أبواب جنوب الجزيرة العربية، وحولوا التجارة العالمية عن المنطقة، مما جعلها تفقد مكانتها تجاريًا، وعندما آتى عصر فجر الإسلام أرسل النبى لأهل القطيف والبحرين يدعوهم للإسلام واقتنع بعضهم ودخل في الإسلام.
شهدت القطيف تحت حكم الأمويين حالة من عدم الاستقرار، وكان يبحث أهلها عن الأمن ولكنهم لم يجدوه أبدا، وكان الاضطهاد والجرائم مصيرهم في هذا التوقيت، إلى أن دخلها الخوارج وأخذوا مكان الأمويين، إلى أن تمكن العباسيون من السيطرة عليها، بعدها قام المواطنين في القطيف بحركة واسعة ضدهم أكثر من مرة ويتم إجهاضها إلى أن تركوها وأتى إليها القرامطة، وبعدهم تأسست دولة العيونيين، ومن ثم عصر البرتغاليين الذي أتوا إلى منطقة الخليج.
القطيف.. نقطة تحول
دخلت القطيف مرحلة أخرى في عصر المملكة العربية السعودية، حيث حظيت المدينة كغيرها من المدن بالاهتمام والمشاريع التنموية، والتى أعلن عنها سمو أمير المنطقة الشرقية محمد بن فهد بن عبدالعزيز، بحزمة وصلت إلى 248 مليون ريال، وهو ما يعكس اهتمام القيادة السياسية لخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالقطيف.
الرياض قلب السعودية النابض .. كيف تحولت من قرية صغيرة لمدينة عالمية؟
استكمال المشاريع التنموية بالمحافظة، هذا هو الهدف من ضخ تلك الحزمة من الأموال إلى القطيف، وهو ما ظهر من خلال اهتمام ورعاية أمير المنطقة الشخصية للقطيف والذي كان له أفضل أثر على تسارع وتيرة التقدم والتنمية بها، حيث تم تخصيص تلك الأموال لإنشاء شبكة طرق وتوسعة مستشفى القطيف المركزي التى تخدم المنطقة، إضافة إلى إنشاء مراكز صحية بمبلغ يصل لـ 85 مليونًا، وغيرها من المشاريع التنموية الأخرى.
وشهدت القطيف نقطة تحول بعدما كانت تعتمد على الزراعة والتجارة والصيد في فترة ما قبل القرن العشرين وحتى آياه، واعتمد مواطنيها على الصيد كونها كلها تطل على الخليج، انتشرت ايضًا الفلاحة في العديد من المناطق المحيطة بالقطيف، فيما كان التجار ينتشرون في معظم قرى القطيف وقتها بالمناطق التى تُجاور الأسواق القديمة بعضها كان للأسماك وآخر للمواشي أو البضائع العادية.
ظل السواد الأعظم من أهل القطيف يعملون في تلك الحرف الثلاث، إلى أن تحولت منطقة القطيف إلى واحدة من المدن الشهيرة في صناعة النفط مؤخرًا، حيث تحولت المدينة إلى واحدة من أكبر المدن المصدرة للنفط في العالم، بعدما صعدت شركة أرامكو إنتاجية حقلي القطيف وأبو سعفة إلى 800 ألف برميل يوميًا، من الخام العربي الخفيف وذلك بتكاليف وصلت إلى 3.5 مليار ريال.
مشروع جزيرة سوق السمك المركزي في القطيف، الذي يتكلف أكثر من 78 مليون ريال للتطوير والتشغيل، حيث أكد عبداللطيف آل الشيخ، وزير الشؤون البلدية والقروية إن هذا المشروع يُعد أكبر سوق سمك بمنطقة الخليج العربي، وهو عبارة عن شبه جزيرة صناعية تبلغ مساحتها أكثر من 120 ألف متر مربع، بطريق يصل إليها عرضه 30 مترًا، ويصل طول الجزيرة لـ 1480 مترًا.
القطيف.. لؤلؤة السعودية
بخلاف ما تمتلكه المدينة من معالم سياحية تاريخية وأثرية سوف نتحدث عنها لاحقًا، تحتضن المدينة العديد من الفعاليات الثقافية من مهرجانات تراثية يتم تنظيمها بشكل سنوي، أبرزها : «واحتنا فرحانة، مهرجانات الدوخلة الوطني، التراث والطبق الخيري، الوفاء»، وتستهدف المدينة من تنظيم تلك الفعاليات لإحياء الموروثات الشعبية وإبراز الهوية الثقافية والتاريخية للمدينة.
هذا فيما تمنى مدينة القطيف بالعديد من الأماكن التاريخية والأثرية، وأبرز تلك المناطق الأثرية التى تحتضنها المدينة هي قصر تاروت، تم بناء هذا القصر بين عامي 1515 -1521، وكان محاطًا بسور عريض مشيد من المواد الطبيعية كالطين والحجارة، وبُني على أنقاض لهيكل عشتاروت من آلهة الفينيقيين، وتقبع بجانبه علامة أثرية هامة وهي عين العودة، وتزاحم تلك المناطق العديد من الأماكن الأثرية الآخرى مثل حي الديرة الأثري.
قلعة القطيف الأثرية أو بقاياها هي واحدة من أهم المعالم السياحية التاريخية في القطيف، حيث تقطع تلك القلعة في وسط المدينة، هذا بخلاف العديد من المعالم الأخرى مثل قصر الشيخ محمد الفيحاني القائم بمدينة دارين، وأيضًا مدفن جاوان الأثري القابع في شمال مدينة صفوى، هذا بخلاف حمام أبو لوزة-أحد العيون والينابيع التاريخية- والذي يعتبر مثالًا على الإبداع المعماري المحلي.
قصر عبد الوهاب باشا والذي يقع على ساحل مدينة دارين، قام ببنائه رجل يُدعى محمد بن عبد الوهاب الفيحاني، في عام 1884م، والذي كان يعمل في تجارة اللؤلؤ وقتها، وكان يقوم بتصديره إلى دول العالم، وسُمى القصر باسمه.
القطيف .. أكلات شهيرة
الجريش: هي أكلة شهيرة في القطيف والعديد من مناطق المملكة، وتتكون من قمح مطحون يتم طهوه بعد خلطه مع الماء، ويضاف إليه اللبن في بعض الأحيان.
القرصان: يُعد القرصان من أشهر الأطباق التى يتم طهيها في مدينة القطيف ومناطق آخرى بالملمكة، ويتكون أيضًا من اللحم مع الخضار والخبز الذي يُعد بطريقة مخصوصة لتناول هذا الطبق.
المفطح: تشتهر تلك الأكلة في العديد من مناطق المملكة الشمالية والوسطى ومنها القطيف، وهي عبارة عن خروف كامل يتم تركه لينضج، دون تقسيمه إلى أجزاء ويتم وضعه في السيخ وطهوه على النار، ويعتبر وجبة الضيوف والولائم.