إلى أين ستتجه الأعمال التجارية بعد كوفيد-19؟
شهد العالم في منتصف عام 2020 واحدا من أكثر الأحداث رعبًا للبشرية والتي ما زلنا لا نعرف عنها سوى القليل، فلا يستطيع أي شخص أن يتنبأ إذا كان وباء كورونا في طريقه إلى الانحسار أو إذا كان سيحقق عودة قاتلة في عام 2021 كما فعلت الإنفلونزا الإسبانية في بداية القرن العشرين، وهل ستتمكن الحكومات حول العالم عبر سياسات نقدية تشجيعية كحزم الإنقاذ و الدعم المباشر للشركات و الأفراد من إنعاش الاقتصادات بأكملها أم أنها ستعزز أسعار الأصول والأسهم فقط بشكل فقاعي؟ وهل سيزداد نتيجة لذلك نسب التضخم في العالم أم سيستمر الانكماش الاقتصادي؟ وعلى الرغم من الغموض الذي مازال مسيطرًا، ظهرت بعض القواعد والتوجهات التجارية التي ستأخذ مكانها في الفترة القادمة ومنها:
- ازدهار قطاع التكنولوجيا
يرى خبراء وادي السيلكون أن معدل تطور التكنولوجيا شهد انتعاشًا كبيرًا، فهي كانت من أكبر قطاعات التجارة العالمية قبل انتشار جائحة كوفيد-19، ولاتزال حتى اليوم في تحول مستمر يضمن نمو هذه الصناعة.
ويعتقد العديد من قادة التكنولوجيا مثل بات غلسينجر من "VMware" وسكوت جوثري رئيس "Microsoft Azure"، أن الوتيرة الأساسية للتطور الرقمي هي أسرع مرتين أو ثلاث مرات مما كانت عليه قبل خمس سنوات، حيث ظهرت شركات جديدة نسبيًا بسرعة كبيرة مثل "ServiceNow" و"Atlassian" كمنصات رقمية وهي الأساس الحيوي لأي شركة تقنية.
أقوى ركود منذ قرن..كم يستغرق تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة كورونا؟
كان قطاع التكنولوجيا ينمو بشكل متسارع ما قبل جائحة كوفيد-19 وازداد نموه بقوة أكبر بعدها، حيث نجد أن الاستثمارات في مشاريع التقنية لاتزال تشهد إقبالًا كبيرًا، في حين جاء الطلب الأكبر على التكنولوجيا من قبل المديرين التنفيذيين والمديرين الماليين للمحافظ الذين أكدوا أهمية سرعة العائد من الاستثمار بحيث يكون العائد أسرع خلال أسابيع فقط وليس سنوات.
- الأسواق تتطلع إلى الأسوأ
تمكنت أسهم أغلب الشركات من الصمود أكثر من المتوقع بالنظر إلى انهيار التجارة الشبيه بالكساد الكبير في الربع الثاني من العام، إلا أن قطاع التكنولوجيا مازال يشهد ارتفاعاً كبيرًا. ووصف كامبل هارفي الأستاذ في كلية ديوك فوكوا للأعمال ما تشهده الأسواق من انتعاش مؤخرًا بأنه سريع إلى حد ما ولكن ليس بشكل "V-shape" وإنما بشكل "skinny U"، وقد تستغرق العودة إلى مستويات يناير 2020 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بين 18 إلى 24 شهرًا. وباستثناء حدوث إغلاق ثان بسبب كوفيد-19، ستكون معدلات النمو مثيرة للإعجاب بحلول الربع الثالث مقارنة مع انهيار مارس 2020.
- انتعاش ريادة الأعمال
في الوقت الذي كانت تشهد بعض القطاعات مثل التكنولوجيا والاتصالات والشحن استقرارًا، تضررت بشدة العديد من الشركات العائلية الصغيرة كما ارتفعت معدلات البطالة بشكل كارثي بين الشباب، وستؤدي هذه العوامل إلى ازدهار ما يسمى "ريادة الأعمال من أجل البقاء".
يظهر التاريخ أن هذا النوع من ريادة الأعمال والذي اعتمده المهاجرون الجدد وعلى سبيل المثال موجات الهجرة التي استقرت في الولايات المتحدة في مطلع القرن الماضي، على أنها أكثر ديمومة من الشركات الناشئة التي أسسها رجال الأعمال الأثرياء.
وفي فترة أقرب وهي فترة السبعينيات في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعد من أسوأ السنوات التي مرت على الاقتصاد الأمريكي ، حيث تضاعفت أسعار البنزين أربعة أضعاف، كما شهدت تقلبات سياسية عالمية وفقدت سوق الأسهم أكثر من 45% من قيمتها.
ومع ذلك، ولدت شركات عظيمة في ذلك العقد الصعب مثل "Apple"، "Charles Schwab"، "FedEx"، "Microsoft" و"Oracle".
- الإعتماد على سلاسل توريد أقصر و محلية
أصبحت الصين مع بداية هذا القرن مركزًا هاماً للتصنيع والتوريد العالمي، في حين بلغت ذروة القيادة العالمية للصين في عام 2017 ، حتى ظهور وباء كوفيد-19، فأصبح من الضروري التركيز على سلاسل التوريد الأقصر والأكثر إقليمية.
كتب الأستاذ في كلية الأعمال بجامعة هارفارد ويلي شي في العدد الأخير من "MIT Sloan Management Review": "إن الخلل الذي أحدثه الفيروس التاجي الجديد شيء مختلف عما عرفناه، وسلط الضوء على مخاطر انقطاع سلاسل التوريد لكل بلد على نطاق غير مسبوق. فلا يوجد أحد يمكن أن يتنبأ بما حدث في أوائل عام 2020 عندما توقف ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأغلق بشكل كامل جميع الاتصالات اللوجستية الخارجية، مما دفع العديد من الشركات للاعتماد في تعاملاتها على الموردين الإقليميين و تخفيض اعتمادها على مورديها في الصين".
- قانون "Wriston" لتدفق رأس المال المالي والبشري
تنبأ المصرفي والتر رتسين في كتابه "The Twilight of Sovereignty" الذي صدر عام 1992، بأن الرأسمالية العالمية ستجبر الدول على الاهتمام و تقدير رأس المال سواء المالي أو البشري، و ذلك لتغير المعادلات الجيوسياسية العالمية في بداية التسعينات، فإذا كان لدى الناس والمال القدرة على الحركة فإنهم سيذهبون إلى حيث يتم الترحيب بهم ويبقون حيث يعاملون بشكل جيد.
رغم أن الرأسمالية العالمية آخذة في التراجع خلال 28 سنة الماضية، ولكن تدفق المال وأصحاب المواهب باتجاه الدول الرأسمالية الغنية يبقى قوة لا يستهان بها ولا يمكن إيقافها بأي شيء سوى بالديكتاتورية ، عبر المنع المباشر للأفراد و الشركات من الحركة خارج تلك الدول ( كالستار الحديدي السوفيتي سابقاً).
وإذا تم تطبيق قانون "Wriston" حالياً في الولايات المتحدة، حيث ستتباطأ عملية الفتح في بعض الولايات و بمافي ذلك وادي سيلكون وسياتل على سبيل المثال ، إلا أن المال والموهبة لن تنتظر إلى الأبد تحت الإغلاق الكامل ، وسوف تنتقل إلى ولايات أو دول أخرى أكثر انفتاحاً على الاستثمار والابتكار في مجال التكنولوجيا سواء داخل الولايات المتحدة أو في العالم، فهي ستذهب حيث تجد فرصة للانطلاق من جديد.