هوارد شولتز.. مؤسس ستارباكس الذي أحدث ثورة في صناعة القهوة بالعالم
بفضل هوارد شولتز، بات الأمريكيون الآن يعرفون ما هو مشروب اللاتيه، ولا يمانعون من إنفاق 4 دولارات مقابل شراء كوب من القهوة، ولكن لا تقتصر نجاحات شولتز على تأسيس سلسلة مقاهي ستارباكس العالمية فقط، ولكنه أحدث ثورة في عالم صناعة القهوة.
قادمًا من بدايات متواضعة في بروكلين، نقل شولتز إحساسًا بالعدالة الاجتماعية إلى الاستراتيجية التي اتبعها في إدارة ستارباكس، وخلال السنوات القليلة الماضية حمل على عاتقه مسؤولية نشر العدالة في الولايات المتحدة، واتخذ موقفًا معاديًا لسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
في ديسمبر الماضي، أعلن شولتز أنه سيتنحى عن منصبه كمدير تنفيذي لشركة ستارباكس، ولكن بصفته رئيسًا للشركة فكان لديه المزيد من الوقت للتركيز على كيفية مساعدة الشركة على كسب المزيد من الأموال، وتحقيق نجاح أكبر. بالنسبة لشولتز، فإن الثورة التي أشعلها في عالم صناعة القهوة كانت بداية الطريق نحو تغيير الولايات المتحدة جذريًا.
نقطة فارقة في حياة شولتز
وُلد شولتز في بروكلين، نيويورك عام 1953، ونشأ في كنف أبوين تسربا من التعليم، ويقول إنه شهد واحدة من أكبر اللحظات الحاسمة في حياته، في سن السابعة عاد إلى المنزل ليجد والده جالسًا على الأريكة لا يستطيع التحرك بعد وضع جبيرة تبدأ من وركه وتصل إلى كاحله بسبب تعرضه للإصابة في العمل.
كان والد شولتز يعمل سائق شاحنة ولم يكن لديه تأمين صحي، وقتها شعر بالمرارة الشديدة، والأسف على وضع الكثير من الأمريكيين الذين كانوا يعيشون حالة مشابهة لتلك التي يعيشها والده.
في الوقت نفسه، كانت والدة شولتز تساعده على استكمال تعليمه كي يفتح أمامه المزيد من الأبواب ويعثر على فرص أفضل، حتى حصل على منحة للالتحاق بجامعة ميشيجان بفضل تفوقه في الرياضة، ولكن عند الوصول إلى الكلية قرر أنه لن يلعب الرياضة على الإطلاق.
عمل شولتز في مجموعة من الوظائف الغريبة كي يتمكن من الإنفاق على نفسه خلال دراسته الجامعية، فعمل ساقيا في حانة، وكذلك باع كميات من دمه في إطار بعض الدراسات والأبحاث الطبية، وبعد التخرج عمل في المبيعات في عدة مؤسسات منها زيروكس للطباعة، حتى تعرف على ستارباكس.
عمر الحموي.. قصة نجاح رجل الأعمال الذي خدم 90 % من سكان العالم
ثورة في عالم صناعة القهوة
طوال فترة السبعينيات وأغلب الثمانينيات، كانت ستارباكس مكانًا لتحميص البن أولاً ومقهى ثانيًا. ولكن في مطلع الثمانينيات بعدما انضم شولتز إلى الشركة وأصبح مقتنعًا بأنه بمقدورها فعل ما هو أكبر من ذلك، وتأكد من رغبته في افتتاح فروع لمتاجر الشركة في كل مكان.
لم يرغب شولتز في بقاء ستارباكس كما هي شركة تملك مجموعة من السلاسل الصغيرة، فغادر الشركة لفترة قصيرة في منتصف الثمانينيات لأنه لم يكن قادرًا على إقناع مؤسسي الشركة على تغيير أسلوبهم في الإدارة، وتحويلها إلى سلسلة مقاهٍ عالمية وليس مجرد مكان لتحميص البن.
في عام 1987، استحوذ شولتز على علامة ستارباكس التجارية وعلى 17 متجرًا تابعة لها، ومن ثم قرر بدء خطته التوسعية.
عندما فُتح أول فرع لستارباكس في نيويورك، وقتها كتبت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً تتحدث فيه عن مشروب اللاتيه، وشرحت كيفية نطقه الصحيح.
على مدار سنوات نمت ستارباكس، وفي الفترة ما بين عامي 1998 وصولاً إلى 2008 زاد عدد المتاجر من 1886 إلى 16.680، وساهم في تحقيق هذا النمو تعامل شولتز مع الأمر ليس مجرد سلسلة من المقاهي ولكن حولها إلى مجموعة من المتاجر التي تتميز بطبيعة لم تكن موجودة من قبل.
تغيير أكبر من مجرد صناعة القهوة
لدى ستارباكس الآن أكثر من 27.300 متجر في 75 دولة، وقدّر صافي أرباحها في عام 2017 بحوالي 22.4 مليار دولار، وتبلغ القيمة السوقية للشركة حوالي 84 مليار دولار، فيما انضم شولتز إلى قائمة المليارديرات بعد تجاوز إجمالي ثروته حوالي 3 مليارات دولار.
بالإضافة إلى قيادته وسياسته في الإدارة التي ساعدت الشركة على تحقيق نمو غير متوقع، خاصة بعد عودته إلى منصب المدير التنفيذي في عام 2008، أظهر شولتز اهتمامه الدائم بالقضايا الاجتماعية.
في عام 2011، شجع شولتز المواطنين على التوقف عن التبرع للحملات السياسية بناءً على معتقداتهم وانتمائهم الديني، في عام 2015، قاد حملة لمواجهة وحشية الشرطة والعنصرية إزاء الأقليات في المجتمع الأمريكي.
زادت شعبية شولتز خاصة خلال الانتخابات الأمريكية لعام 2016، بعد إعلان تأييده لهيلاري كلينتون، مُرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة الولايات المتحدة وقتذاك، وكانت المرة الأولى التي يُعلن فيها عن تأييده لمرشح في السباق الانتخابي.
التفاني في القضايا الاجتماعية
بعد فترة من الوقت، قرر شولتز التنحي من منصبه كمدير تنفيذي لستارباكس من أجل تكريس المزيد من وقته للعمل على بعض القضايا الاجتماعية، وخلال تفانيه في العمل على هذه الأمور، انتشرت الشائعات بشأن احتمالية دخوله إلى عالم السياسة.
قال موظف سابق لدى ستارباكس عمل لدى ستارباكس لما يقرب من عقد من الزمان إن شولتز كان مُهتمًا بالسياسة، ولكنه كان يفعل ذلك بهدوء شديد. حسب المُقربين من رائد الأعمال والملياردير الأمريكي فإنه لديه تطلعات كبيرة لإحداث فرق في الولايات المتحدة، بداية من قضايا الهجرة وصولاً إلى الإصلاح الضريبي، ولكن في عام 2017 أعلن أنه لن يترشح لرئاسة الولايات المتحدة كما روّجت الشائعات، لأن الوصول إلى البيت الأبيض ليس الطريقة الوحيدة لإحداث التغيير، على حد قوله.
وعلى مدار سنوات، تمكن شولتز من قطع شوط طويل من فتى صغير انكسر قلبه لرؤيته والده العاجز عن العمل والانفاق على أسرته في بروكلين، إلى أحد أهم رجال الأعمال المليارديرات في الولايات المتحدة.