العقل البشري في زمن كورونا.. عندما تؤدي كثرة المعلومات إلى مزيد من عدم اليقين
هل سيكون هناك لقاح لفيروس كورونا قريباً؟ هل نحن أمام موجة ثانية من الفيروس؟ هل تحور بعد ظهور أعراض غريبة على المصابين الجدد في الصين؟ أي معلومات عليّ الوثوق بها؟ أي مصادر هي الأكثر موضوعية حين يتعلق الأمر بالإحصائيات الخاصة بكورونا؟
عشرات الأسئلة نطرحها على أنفسنا يومياً، وأضعاف مضاعفة تطرحها الوسائل الإعلامية. يومياً نجد أنفسنا أمام كم هائل من المقالات الصحفية، التقارير الإخبارية التلفزيونية ومنشورات على مواقع التواصل وعدد لا يعد ولا يحصى من التقارير الصادرة عن مؤسسات طبية من مختلف دول العالم. ومع ذلك لا يوجد حتى الآن إجابة واحدة واضحة وصريحة عن أي من الأسئلة المطروحة.
نصيحة وارين بافيت للمديرين: لا توظفوا شخصا لا يتحلى بهذه الصفات
العقل البشري وتفاعله مع عدم اليقين
كبشر نميل إلى النفور في حالة عدم اليقين وبالتالي نجد أنفسنا نحاول تقليصها أو التخلص منها مهما كان الثمن. فلا أهمية لواقع ما إن كان اليقين الذي نبحث عنه إيجابيا أو سلبيا، فالعقل يريد فقط المعرفة، على سبيل المثال، الدراسات أظهرت أن الإنسان عادة يكون أكثر هدوءاً وأقل قلقاً وتوتراً عندما يعلم بأنه سيتلقى صدمة كهربائية، لكنه يختبر القلق والتوتر الشديدين حين يتم إبلاغه بأن هناك نسبة ٥٠٪ لتعرضه للصدمة الكهربائية. وكي نترجم المثال على أرض الواقع، فإن انعدام الأمان الوظيفي حالياً والخوف مما قد يحصل له تداعيات صحية سلبية أسوأ من خسارة الوظيفة بالفعل.
الشعور بعدم اليقين ليس حالة طبيعة بالنسبة لنا، وحين نعيش الحالة يتم إرسال إشارات للدماغ بأن الوضع ليس على ما يرام. العقل يبدأ بالبحث عن المعلومات من أجل جعل الأمور أكثر وضوحاً، وهذه الرغبة العارمة من أجل حل الأمور والتخلص من مشاعر عدم اليقين هي التي تجعل العقل يحلل المعلومات بشكل أكثر منهجية وأكثر عمقاً على أمل العثور على إجابات.
ولكن جائحة كورونا أوقعتنا في مأزق كبير.كبشر، كما سبق وذكرنا، ردة فعلنا الأولى هي محاولة فهم ما يحصل للتخلص من مشاعر عدم اليقين ولكن مع كورونا هناك الكثير من عدم الوضوح وعدم اليقين المرتبط بالفيروس نفسه وتأثيراته، ما يعني أن رحلة البحث عن الحقيقة عقيمة. فما الذي يمكن فعله لمنع العقل من دفع نفسه إلى حافة الانهيار؟
ما يجب معرفته قبل التطرق إلى المقاربات الأفضل هو أن عدم اليقين متعدد الأبعاد وهناك بالحد الأدنى ٣ أنواع منه وهي الاحتمالية، الغموض والتعقيد. وللتأقلم مع كل نوع يجب اعتماد استراتيجيات إدراكية هدفها تحليل المعلومات بشكل فعال واستراتيجيات عاطفية من أجل تخفيف حدة التوتر والقلق.
عدم اليقين الاحتمالي
عدم اليقين الاحتمالي يشير إلى المواقف التي يصعب فيها التحقق من مستويات المخاطر بحيث لا يعرف الشخص ما الذي سيحدث ولا يعرف أيضاً النتائج التي ستسفر عنها تلك المواقف. مثلاً في وضعنا الحالي الأسئلة التي قد يطرحها الشخص على نفسه قد تكون عما إن كان معرضا للإصابة أكثر من غيره أو عن نسبة إمكانية تعرضه للإصابة مقارنة بغيره من الذين ينتمون للفئة العمرية نفسها أو ضمن المكان الذي يعيش فيه؟
آلية التأقلم المعرفي تجعل الشخص يبحث عن الإجابات، أولاً ما على الشخص فعله هو معرفة أن نسبة تعرضه للإصابة هي نفس نسبة تعرض الآخرين ضمن المجموعة. قد يخيل للبعض بأن «المعرفة» هذه بديهية ولكن الدراسات أثبتت أن كل واحد منا يميل إلى التقليل من شأن المخاطر حين تتعلق بنا وبالتالي يخيل إلينا بأن الجميع سيصابون بكورونا إلا نحن.
القناعة هذه تندرج تحت ما يسمى «التحيز الإيجابي للذات» ويجب التخلص منها. وعليه ما يجب فعله هو الاقتناع بأنك معرض للإصابة حالك حال الآخرين ثم التركيز على الوسائل التي تعرفها للتقليل من نسبة تعرضك للإصابة.
عاطفياً من الأهمية بمكان تقبل الواقع الذي تحدثنا عنه أعلاه لأن ذلك يعني أنك بت تملك «أرضية مشتركة» مع الآخرين ومن هنات يمكنك التواصل مع الذين يكترثون لأمرك للحصول على الدعم الذي تحتاج إليه.
عدم اليقين الغامض
الغموض يرتبط بالمواقف التي نجد أنفسنا فيها أمام معلومات غير دقيقة وغير كافية أو متناقضة. مثلاً تم إبلاغنا بأن الفيروس يمكنه أن ينتقل عبر الأسطح، ثم لاحقاً تم نفي ذلك لعدم وجودة الأدلة، ثم تم الحديث عن انتقاله عبر الأسطح مجدداً مقابل تأكيد من قبل عدد كبير من المنظمات الصحية حول العالم بأنه ينتقل عبر الهواء حصراً. فما الذي تعنيه هذه المعلومات المتناقضة لك ولتصرفاتك خلال الفترة هذه؟ فهل يجب عدم لمس الأسطح أو الحفاظ على التباعد الاجتماعي مع الآخرين فقط؟
في إطار آلية التأقلم المعرفي ما يجعل فعله هو دمج مختلف مصادر المعلومات للحصول على أوضح صورة ممكنة والتأكد من أن المعلومات التي يتم الحصول عليها هي من مصادر موثوق بها. كما يجب تجنب الشعور بالإحباط من المعلومات المتناقضة، فكوفيد ١٩ فيروس جديد والعلماء ما زالوا يحاولون فهم تأثيره وآلية تطوره. فلو عدنا إلى معضلة الأسطح، التأقلم المعرفي يحتم عليك أن تضع إمكانية انتقال الفيروس عبره، رغم أنه لا يوجد تأكيد على ذلك.
ولكن أحياناً نحتاج إلى تأقلم عاطفي خصوصاً حين يتعلق الأمر بالغموض وعدم اليقين. التأقلم العاطفي هنا هام للغاية لأنه يتمحور حول معرفة متى على الشخص التوقف عن البحث عن المزيد من المعلومات. الكل ومنذ أشهر يتعرض لكميات هائلة من المعلومات والأخبار وبالتالي الإنهاك النفسي في ذروته. البحث الدائم عن الوضوح لن يؤدي سوى إلى مزيد من الغموض حالياً ما يعني أنه يجب معرفة متى يجب التوقف والاكتفاء بما تم الاطلاع عليه.
عدم اليقين المعقد
عدم اليقين المعقد يرتبط بالمواضيع المعقدة التي يصعب فهمها. على سبيل المثال، الفئة التي يصعب عليها فهم الأرقام تجد صعوبة في فهم كل التقارير والتحليلات التي ترتبط بنسب الإصابات والوفيات بسبب كورونا، أو فئة أخرى تجد صعوبة في فهم المعلومات التي تتحدث عن التداعيات الاقتصادية لكورونا على العالم.
في إطار التأقلم المعرفي ما يجب فعله هو إما اللجوء إلى شخص مطلع كي يفسر كل هذه المعلومات بشكل أوضح وإما البحث عن المصادر التي تفسرها بأبسط الطرق الممكنة. والشخص الذي يتم اللجوء إليه يجب اختياره وفق أسس منطقية فقط بعيداً عن العاطفة فليس كل شخص نعرفه ونقدره يمكنه أن يوفر ما نحتاج إليه من معلومات.
مجدداً يجب معرفة متى يكون البحث عن المعلومات مفيدا ومتى لا يكون كذلك. مثلاً ربما ما تحتاج إليه حالياً هو معرفة المقاربات التي يجب القيام بها من أجل حماية نفسك وعائلتك فقط وليس فهم النموذج الوبائي في العالم. المسار الصحيح للتأقلم المعرفي هنا هو جعل ما هو معقد بسيط ثم تحويل المعلومات البسيطة المفهومة الى أفعال مثلاً إرتداء الكمامة عند الخروج من المنزل.
التأقلم العاطفي مع اللا يقين والغموض هو البحث عن مخارج للهروب من الواقع المعقد. فلا داعي للشعور بالذنب لعدم مشاهدة نشرات الأخبار كلها، يمكنك مشاهدة الأفلام ونسيان كل ما يحدث من حولك لبعض الوقت. أو يمكن الهروب من التوتر الخاص بك خلال الفترة الحالية بجعل حياة الآخرين أقل توتراً من خلال التبرع بالمال أو الطعام أو غيرها من الأمور.
اعتماد الخطوات التي تحدثنا عنها ستساعد الفرد على التعامل مع عدم اليقين المعلوماتي ما يعني أنه سيملك القدرة العقلية والنفسية للتعامل والتأقلم مع أمور أكثر أهمية يواجهها حالياً.
المصدر: ١