الإبداع أهم صفات قادة الشركات في المستقبل.. لماذا احتل هذه المكانة؟
قام موقع لينكدإن في عام 2019 بتسمية "المهارة الأكثر أهمية في العالم" التي احتلت المرتبة الثالثة أيضاً حسب المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) في قائمة "المهارات العشر التي تحتاجها لتزدهر في الثورة الصناعية الرابعة"، ولكن كان من غير المتوقع أنها ليست علم البيانات أو الذكاء الصطناعي وإنما ميزة الإبداع والابتكار.
تعرّف ناتالي نيكسون الإبداع في كتابها "القفزة الإبداعية" بأنه: "القدرة على التأرجح بين التساؤل والدقة من أجل حل المشكلات وتقديم قيمة جديدة"، وبهذا ندرك لماذا يكون الإبداع أحد أهم العوامل للنجاح في المستقبل. ومع ذلك، يفشل العديد من القادة في تنمية هذه المهارة الأساسية سواء داخل قيادتهم أو داخل شركاتهم، ولقد وجدت إحدى الدراسات على سبيل المثال أن 75% من البالغين يعتقدون أنهم لا يرتقون إلى مستوى إمكاناتهم الإبداعية، ويتعرضون لضغوط من أجل أن يكونوا منتجين بدلاً من مبدعين ومبتكرين.
إن الطريق نحو التقدم الاقتصادي في المستقبل يحتاج إلى مهارة الإبداع بشكل أساسي، أما بالنسبة للقادة الذين لم يقتنعوا بأهمية الابتكار، فيما يلي ثلاث حالات تثبت أولوية الإبداع في العمل:
- الإبداع كمعيار للمنافسة المستقبلية
وفقًا لمسح أجرته كل من "Adobe" و"Forrester Consulting" فمن المرجح أن تحصل الشركات الإبداعية على مركز قيادي في السوق بحصة أعلى بكثير من أقرب منافسيهم. ويؤكد ذلك وارن بيرغر بأن أهمية ميزة الإبداع سوف تزداد في السنوات القادمة قائلاً: "أصبح الإبداع اليوم أكثر من أي وقت مضى هو الأداة التنافسية الأهم في الاقتصاد سواء لرائد الأعمال أو الشركات الكبيرة أو الإبداع الشخصي المنفرد لأنها الميزة التي تجعلنا نبرز ونتميز عن البقية".
وفي هذا الإطار، اقترح تاكر ماريون الأستاذ المساعد في كلية الاقتصاد بجامعة نورث إيسترن أن نقوم بمقارنة صغيرة بين الهواتف المحمولة التي تنتجها أبل وسامسونج: "قد يبدو أن كلا المنتجين متشابهان للغاية ولكن بمجرد التدقيق نجد الميزات الإبداعية الموجودة في أيفون ومنها ميزة التعرف على الوجه على سبيل المثال تجعل المنتج أكثر سلاسة للمستخدم.. إذًا ببساطة إن الإبداع ضروري في الأعمال لأنه يرجح كفة الميزان في الاختيار بين الأفضل".
تُظهر الأبحاث التي أجرتها شركة "McKinsey" أن امتلاك مثل هذا التميز على المدى الطويل والذي يطلق عليه "عامل الإبداع" يمكن أن يحقق عوائد أفضل، ولقد اكتشفنا أثناء إعطاء الشركات درجة الإبداعية استناداً إلى جوائز "Cannes Lions" المرموقة للإعلان والتسويق المتميز، أن نمو الإيرادات للشركات الأكثر ابداعاً وإجمالي العائد للمساهمين فيه أكبر من منافسيهم من الشركات الأقل إبداعاً، كما سجلت الشركات الإبداعية نتائج أعلى في الابتكار و الاختراع ، وخلص المختصون إلى أن "الريادة الإبداعية تندرج في صميم ريادة الأعمال، والابتكار هو محرك النمو الأساسي للشركات".
- ارتفاع قيمة رأس المال البشري
وصلنا إلى الزمن الذي أصبحت فيه الروبوتات جزءاً من الأعمال، وفي حين أنها قادرة على إجراء العمليات الحسابية وتجميع الأجزاء وحتى أنها تكتب الوصفات الطبية بكفاءة أكبر من الأشخاص، إلا أنها مازالت تفتقر إلى اللمسة البشرية التي يلعب الإبداع دورًا أساسيًا فيها. ويجب على قادة الأعمال وفرقهم بدلاً من السعي للتنافس مع الروبوتات أن يعملوا بجد لإكمال التكنولوجيا المتقدمة بسرعة والتي تحيط بنا، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق تبني الإبداع كما أوضح نيل ستيفنسون، مدير المحفظة التنفيذية في شركة التصميم الشهيرة "IDEO": "يعتبر الإبداع الطريقة المثلى التي تمكننا من إضافة قيمة وإعطاء الناس نتائج جيدة مع الحفاظ على التواصل معهم من دون الحاجة إلى استبدال أنفسنا بأجهزة الكمبيوتر".
وبحسب أليكس جراي من المنتدى الإقتصادي العالمي: "إن الكم الهائل من المنتجات والتقنيات وطرق العمل الجديدة، سيكون على الموظفين أن يكونوا أكثر ابداعاً من أجل الحصول على الفائدة المرجوة، قد تساعدنا الروبوتات على الوصول إلى حيث نريد أن نكون بشكل أسرع ولكن لا يمكن أن يكونوا مبدعين كالبشر حتى وقتنا الحالي".
إن التكنولوجيا والإبداع يعملان معاً بشكل أفضل، كما هو الحال مع مساعد الذكاء الاصطناعي لشركة مايكروسوفت "Cortana" الذي طوره فريق متكامل يضم الشاعر والروائي والكاتب التلفزيوني. وتدعم الأبحاث التي أجرتها شركة "Accenture" هذه النظرية لتكشف عن أن الشركات تحقق أفضل مستويات للأداء عندما يتعاون البشر والآلات.
وفي هذا السياق، كتب الباحثون في هارفارد بزنس ريفيو: "يعزز البشر والذكاء الاصطناعي نقاط القوة التكميلية لبعضهم البعض، حيث إن القيادة والعمل الجماعي والإبداع والمهارات الاجتماعية من ميزات الإنسان، أما السرعة والقابلية للتطوير والقدرات الكمية من ميزات الآلات".
- تصميم وبناء المستقبل
بالعودة إلى تحليل "McKinsey" للشركات الإبداعية، فإن ما يقرب من 60% من الذين ينتمون للربع الأعلى قد حددوا أنفسهم على أنهم "صائغو الصناعة أو قادة الابتكار"، في حين عرف ثلثا أقرانهم الأقل إبداعاً عن أنفسهم بنفس الطريقة، لذلك سنجد أن قادة الغد الأكثر إبداعاً لن يسمحوا للمستقبل أن ينكشف أمامهم، إنما سوف يصنعونه بأنفسهم بدلاً من ذلك.
وكتب المختص الاستراتيجي في شركة "Fast" كورتني فيدر: "إن القادة المبدعين يرون الأشياء بشكل مختلف عن أي شخص آخر، ويتعلمون شيئاً جديداً كل يوم، وهذا ما يسمح لهم بتصور المستقبل الذي يرغبون ببنائه". وأوضح مات أدامز من "IDEO"، أن مهارة الإبداع ستكون في غاية الأهمية خلال العقد المقبل، لأنه لن يتوفر أمثلة كافية لحل المشاكل المتزايدة، وبدلاً من التركيز على ما قد حدث، سنحتاج للتركيز على ما سوف يأتي".
ويستطيع القادة الذين يرغبون في تعزيز مهارة الإبداع لديهم وبين فرقهم الاستفادة من مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التي تشمل مكافأة الإبداع، تخصيص وقت للإبداع، تصميم مساحات عمل إبداعية، تحديد أولويات القرارات السريعة وطرح أسئلة مفتوحة دائمًا، كما يمكنهم توظيف فرق متنوعة للحصول على أكبر قدر من الابداع.
ومع ذلك، لا ينبغي على القادة أن ينقلوا الإبداع إلى "مختبر التصميم" أو "مركز الابتكار"، وإنما يجب أن يتأكدوا من تشجيع الإبداع على الانتشار في جميع أنحاء الشركة، كما كتبت نيكسون في كتابها "القفزة الإبداعية": "لا يجب تحديد أو تخصيص أقسام ومساحات للإبداع، لأن الوقت والإبداع لا يمكن أن يكونا منفصلين، حيث إن الإبداع لعبة إنتاجية لذلك هي ضرورية للأعمال التجارية، كما أن الطريقة الأفضل والوحيدة لتحقيق الابتكار المستمر تكمن في الجرأة للقيام بقفزة من أجل بناء قدرة إبداعية على مستوى المؤسسة".