طلال أبو غزالة: الملك سلمان أديب مفوّه يدرك هواجس من يقابلهم.. ودودُ وقريب ودعمني وأنا شابّ..
- يجب ألا ننتظر ماذا سيحدث! إن أفضل طريقة للتنبّؤ بالمستقبل، أن نصنعه وأن نكون طرفاً فيه.
- أنام بهناء وبالي مطمئنّ لأنّني أحبّ.. وأقرأ كل يوم أربع ساعات
- كي تتنبّأ بالمستقبل اصنعه.. أو كن طرفاً فيه
- الانتصار على المعاناة أكثر من مجرّد جملة وتحمّلي للمسؤولية شكّل كياني
- كان والدي ذا شخصية عظيمة. وكانت شخصيته مهيبة، ومهيمنة، ومبادراً ورياديّاً
- أحنّ إلى مشاعر الجلوس مع عائلتي والجلوس فوق سطح منزلنا، وإلى سهراتنا العائلية
- كنت أسير نحو ساعتين على الأقدام بين صيدا والغازية لأنني أريد أن أتعلم
- نكبة عام 1948 والتهجير القسري فرضت عليّ وأنا طفل في العاشرة ظروفاً معيشية استثنائية
- يتطلبُ النجاح قدراً من المغامرة المحسوبة النتائج، وليس المخاطرة التي لا يمكن الحدس بنتائجها
- أمقت فكرة العطلة، لأنني أرى فيها تعطيلاً للقدرات، وعدوّاً للإنجاز، لا أتردد بالعمل في العطل والمناسبات.
- تمتاز شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالقرب والودّ
- من حقنا أن نتطور وأن نجاري التطورات التي تسبقنا ولن ينتظرنا العالم كي نصل إليه
- أصدرت بياناً صحفياً عن صفقة القرن: "وعد من لا يملك بأن يعطي ما لا يملك لمن لا يستحق لا يلزم أحداً"
- المحبة لم تحقق لي النجاح فحسب، بل حققت لي الراحة النفسية، فأنا أنام بهناء وبالي مطمئن لأنّي أحبّ.
يشكو بأن عدد ساعات اليوم هي أربع وعشرون ساعة فقط، يمقت فكرة العطلة ولا يتردد أن يعمل في المناسبات والأعياد، يرى أن الوقت هو المادة الأغلى والأثمن والأكثر ندرة وقيمةً بين الثروات؛ إنه الطفل الذي نزح من يافا قبل 72 سنة، وحمل صندوق البوظة على ظهره في طرقات الغربة، ليعيل عائلته ويتولى مسؤوليتها.
أوصاه والده بالارتباط بالأرض، وطلب منه أن يفكر دوماً بأنه مزارع، رافقته هذه الفكرة وتبنّاها باعتزاز، واليوم وقد ناهز الثمانين، لا يجد ما يندم عليه، يقرأ أربع ساعات كل يوم، وينام قرير العين، لأنه تعلم أن يحب حتى من يحاربه، يدعو إلى "مارشال" عربي، ويحلم بدولة عربية واحدة، وبجواز سفر عربي واحد، بلا حدود ولا عُقَد، ولا مشكلات، ويقول بكل تواضع إنه لا يفهم بالسياسة ودهاليزها.
إنه الدكتور طلال أبو غزالة رجل الأعمال وصاحب مجموعة ""طلال أبوغزالة العالمية" التي تضمّ نحو 140 شركة، تتوزّع على معظم بلدان العالم، ضيف هذا العدد من مجلة "الرجل"، في حوار يغرف من ذاكرته، ويعرض خلاصة تجربته في عالم الأعمال ويناقش جوانب متعددة من قناعاته وافكاره.
ذكريات الطفولة
كيف تصف البيئة التي ولدت بها، أقصد العائلة والأهل؟
● كنت أرافق والدي في زياراته وأعماله، وأرى كيف يعامل الناس، فتعلمت الكثير منه، وكنت محظوظاً في تلك الفترة أن أراقب وألاحظ ما يجري وتعامل الكبار، وأعجب بشغف بما يدور حولي.
كان والدي ذا شخصية عظيمة. ومهيبة، ومهيمنة، ومبادراً ورياديّاً، أوصاني بالارتباط مع الأرض؛ فكان يقول إن المُزارع هو أكثر الناس وطنية وإخلاصاً، لأنه مرتبط بهذه الأرض ليس كالآخرين، ويجب أن تفكر دوماً بأنك مزارع لكي ترتبط بأرضك، وما زلت حتى اليوم أعتزّ بهذه الفكرة التي زرعها والدي في نفسي.
وأذكر أنه كان وكيلاً لشركات زيوت السيارات، ولديه مخازن كبيرة خارج مدينة يافا، ولهذا كانت أسرتي ميسورة الحال، وكان الحاج توفيق والدي شخصية معروفة، وقد سُمّي الشارع الذي كنا نملك فيه منزلاً في يافا باسم شارع أبوغزالة.
وكذا والدتي كانت ربَّة بيت تهتم بشؤوننا وتؤمِّن مستلزمات حياتنا، ناشرة الحب والأُلفة والحنان أينما حلت.
في طفولتك ما أكثر المواقف أو الحوادث التي حفرت عميقاً في نفسك ووجدانك؟
●لقد حَدَثَ حريق كبير في يافا، فجاء من يخبر والدي بعد الحريق، أن مخازننا من الزيوت قد احترقت جميعها، فهمّ والدي بالسؤال عن الناس، وهل اتُّخذت إجراءات لحمايتهم من الحريق. وقبل مدّة حدث حريق في أحد مكاتبنا في الخُبر في السعودية، وجاء من يخبرني أن المكتب بأكمله قد احترق، وكان تصرفي مماثلاً لتصرف والدي، وبادرت فوراً بالسؤال عن الموظفين.
وهناك مواقف كثيرة حدثت مع والدي، تعلمت منها أن المبادئ هي التي تصنع النجاح. وذات مرة كان عند والدي قضية في المحكمة، ورفض أن يوقع على إقرار طلبته المحكمة يقول فيه إنه سيقول الحقيقة، فرفض وخسر القضية وهو راضٍ، وقال يومها: أنا أدرك بأنني خاسر للقضية، وأنا مدرك أن ذلك لعدم تجاوبي والتوقيع، ولكنّي سأكسب كرامتي وضميري وخلقي واسمي وسمعتي وشرفي.
والكل كانوا شاهدين بأن الحاج توفيق أبو غزالة، رفض أن يكتب الإقرار لأنه التزم بأن الإقرار يجب أن يكون شهادة حقيقية، لأنه لا يقول إلا الحقيقة دائماً وليس في المحكمة، وهذا واحد من دروس كثيرة تعلمتها من الوالد. هذه القيم زرعها والدي في نفسي ولا تزال، وأفخر وأعتزّ أن أتمثّل بهذا الرجل الكبير الذي علّمني ورعى عائلتنا الكبيرة. لقد أتاح لي كنوزاً من المعرفة والحكم، استفدت منها في مراحل الحياة، وورثت عنه حبه والتزامه بالعمل. حيث كان يُشرف بنفسه على أعماله ويستيقظ مبكراً، وكان يقول: (الأرزاق توزع قبل بزوع الشمس)، هذه الحكمة استهدي بها إلى اليوم.
هل تتذكر أو تحنّ إلى شيء من معالم البيت أو المكان الذي ولدت وعشت فيه في يافا لمدة 10 سنوات، قبل أن تحل النكبة (1948) وترحل مع العائلة؟
●أحنّ إلى الجلوس فوق سطح منزلنا، وأحنّ إلى سهراتنا العائلية هناك. أحنّ إلى تفاصيل منزلنا التي ما زالت تعشّش داخل ذاكرتي، وأتذكر منها الممرّ الطويل، وعلى جانبيه سبع غرف للنوم، فضلاً عن صالات جلوس وطعام واستقبال، كما أحنّ إلى رؤية باب منزلنا وقراءة اسم والدي عليه قبل الدخول، وإلى مروري بشارع (أبوغزالة) الذي مازال يحتفظ باسمه شاهداً تاريخياً لحقّنا هناك في وطننا.
بائع بوظة متجول
بدأت بالعمل طفلاً، حملت صندوق البوظة على ظهرك وكافحت لتأمين لقمة العيش لعائلتك ؟ ماذا علمتك تلك التجربة؟
●كان والدي قدوتي الأولى وفي يوم ما أخبرني أنه عليّ أن أتولى شؤون الأسرة، بحُكْم كِبَر سنِّه، وكان عليّ وأنا تلميذ أن أتحمل مسؤولية عائلة بأكملها، وأُنفق عليها، فبحثت عن عمل يحقق دخلاً يعود على أسرتي بما يكفي احتياجاتهم ومستلزماتهم الحياتية؛ وكنت سعيداً بمعاناتي التي أعدّها انتصاراً على ظروفي.
مسيرتي عبر السنين تعني لي الانتصار على المعاناة؛ لأن الظروف الصعبة التي واجهتها في مرحلة الطفولة جرّاء النكبة عام 1948 وتهجير أهلها قسراً، فرضت عليّ وأنا طفل في العاشرة من العمر ظروفاً معيشية استثنائية، وبرزت أمامي مسؤوليات أخرى تجاه عائلتي، فامتهنت مهناً عدة. وفي مرحلة ما عملت بترجمة الكتب، وقبلها عملت بائعاً جوالاً للبوظة، وقادتني الظروف الصعبة للعمل في سوق الخضار في ساعات الفجر الأولى، قبل التوجه إلى المدرسة. هذه الأعمال وإن كانت صعبة على فتى صغير، فإنها لم تنل من عزيمتي بقدر ما أعطتني خبرة كبيرة في كيفية التعامل واكتساب الرزق وهو الأمر الذي أفادني في السنوات اللاحقة.
تروي قصصاً تعكس معاناتك في مرحلة الطفولة- قصة الجاكيت مثلاً - وكأنك كنت ومازلت تكافح لتثبت للآخرين أنك تستطيع الانتصار على فقرك وتجاوز ظروفك؟
●وأنا طفل في تلك المرحلة، كانت من نعم الله عزّ وجلّ، ومن نعم الحياة أنني عندما كنت في بلدة الغازية في لبنان، ووصلنا إلى بداية العام الدراسي، لم يكن هناك مدرسة في البلدة، كان والدي دائم التفكير بأن أكون أنا وإخوتي في مدرسة تؤمّن أفضل تعليم، كانت المدرسة الأمريكية البروتستانت في صيدا، وكان من أصعب الصعوبات الوصول إليها، لأن المسافة كبيرة، نحو ساعتين سيراً على الأقدام بين صيدا والغازية، إنما أريد أن أتعلم، وقررت أن أتعلم.
وهنا ربّ العزة أعطاني أجرين أن أذهب وأرجع، وهذه وهبتني نعمة الصحة أن تجبر على السير كل يوم 4 ساعات، تتخلّلها نوبات من التفكير مع نفسك، وأن تسير والشجر من حولك، مساحة للتفكير لا حدود لها. وكنت أسأل نفسي ماذا أعمل؟ ربما يصعب التصديق أن ما رسمته لحياتي من خطة، كانت خلال هذه المسيرات من الغازية إلى صيدا وبالعكس؛ كان السؤال والتفكير دائماً ماذا أريد أن أعمل؟
لم يكن لدى والدي حينها قدرة على شراء سترة؛ ممّا دعا والدتي أن تصنع لي سترة من "البطانيّة" التي رويت لكم قصتها في كتابي؛ إن الانتصار على المعاناة أكثر من مجرّد جملة.
رب أسرة بعمر 15 سنة
تحمّلت مسؤولية العائلة بالنيابة عن والدك، وأنت بعمر 15 سنة، كيف أثرت تلك التجربة في حياتك اللاحقة؟
●تحمّلي للمسؤولية شكّل كياني فيما بعد، لا قيمة للإنسان إن لم يمارس إنسانيتيه باحترام عائلته، ثم ممارسة دوره في الاهتمام بعائلته ورعايتها. يقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام "خيركم خيركم لأهله وأنا خيري لأهلي"، وشعوري بالرضا يقابله شعور بالقناعة عمّا أنجزته، لكن يوجب عليّ أن أتهيّأ لمواصلة الكفاح، فالحياة لا تتوقّف عند مشروع أو إنجاز، وفيها يوجد الفشل والنجاح، ولا يعني الفشل النهاية فمن رحم المعاناة تتحقّق الحياة، وكما قالت الحكمة المعبّرة: "إذا رماك الناس بالطوب، فاجمع هذا الطوب لتسهم في تعمير بيت، وإذا رموك بالزهور فوزّعها على الذين علّموك والذين أخذوا بيدك وأنت تكافح عند سفح الجبل".
كيف تمكنت من التفوق وأنت تعيش مع إخوتك الـ 12 في غرفة واحدة؟
●أبي هو السبب وراء تفوقي، فقد رأى الخير فيّ، وظنّ أنني مشروع الخير له وللعائلة، فكان عليّ تحمل المسؤولية بعمر صغير وأن أعتمد على ذاتي، فتعددت أعمالي في اليوم نفسه، من بيع المثلجات إلى العمل في سوق الخضار، ثم أعود إلى البيت في السابعة صباحاً، لأستحمّ وأذهب إلى مدرستي.
بعد عودتي من المدرسة كنت أدرّس في ثانوية البنات مادة اللغة الإنكليزية - شكسبير، لبناتٍ من جيلي، ثم كنت ترجمت لمصلحة دور نشر بعض الكتب الأجنبية، وأفادني عملي في التدريس والترجمة بتحسين لغتي الإنكليزية، وتدربي على التخطيط، بما تعلمته أثناء ترجمتي لكتاب [الاستراتيجيات والإجراءات (Strategies & Tactics)] لتروديسكي؛ الذي يتحدث عن التخطيط الطويل الأجل والقصير.
ما الهوايات المبكرة التي مارستها أثناء الدراسة؟
●لا أذكرُ أنني قضيتُ طفولتي باللهو واللعب، لم أقض طفولتي كباقي الأطفال، بل كلّفني والدي حملَ مسؤولية عائلتي، وكنت أعدّ ذلك من أهم واجباتي في الحياة.
طيلة أيام الأسبوع هي للعمل والعمل فقط، أن يعمل الإنسان ويبدع ويحقق إنجازات هذه أعظم هواية الآن، ولكن إذا أتيح لي بعض الوقت فإني أُقبل على المزيد من المطالعة والقراءة، وسماع الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا.
بعد كل هذا العمر؛ هل أنت راضٍ عن اختيار دراستك (إدارة الأعمال)؟ ولو لم تذهب إلى هذا المجال، فماذا كان يمكن أن تتخصّص؟
* كان أمامي تخصصان لأتابع دراستي في الجامعة، وأحمد الله تعالى على كل شيء. أتذكر عندما قررت في أي مجال أريد أن أتخصص، كان أمامي خياران: اللغة الإنجليزية في كلية الآداب، والتجارة وإدارة الأعمال، وبعد التفكير عقدت النية على أن ألتحق بكلية الآداب وأدرس الإنجليزية، لكن مشيئة الله تعالى تتقدم مشيئتنا؛ وانتهى التقديم للغة الإنجليزية، وقبلت في التجارة وإدارة الأعمال؛ فتذكرت حينها دعاء والدي لي، وهو يحاول إقناعي بدراسة هذا التخصص، بأن ييسّر لي الله ما هو خير، فتوكلت على الله وقلت: "الخيرةُ فيما اختاره الله تعالى". وإنني وبحمد الله راضٍ عن تيسير رب العالمين لي هذا الاختيار في التجارة إدارة الأعمال.
دخول عالم الأعمال
ما أول مشروع عمل خاص لك؟ وكيف تدبرت أمره؟
●تأسيس شركة خاصة؛ حيث بدأت العمل من سيارتي، في البداية لم يكن لديّ أي إمكانات مادية، وكم كانت مفاجأتي عندما لحق بي عدد كبير من الموظفين، ممن كانوا يعملون معي في شركة سابا، وكانوا قد اتخذوا القرار نفسه الذي اتخذته، ولكنني رجوتهم بالعودة، فلا رواتب لديّ لأمنحها لهم، ولا حتى مكان عمل، لكنهم أصروا على أن يبقوا معي، من دون مقابل إلى أن يتوافر لديّ المال. بدأت العمل من سيارتي إلى أن قدم لي المرحوم عبد العزيز الشخشير، غرفة من غرف مكتبه حتى تمكنت من استئجار مكتب.
عبر مرحلة طويلة بدأت عام 1972، حيث كانت الخطوة الأولى الأصعب التي تلاها مشوار الألف ميل، بدأ المشوار بمكتب لتدقيق الحسابات باسم شركة "طلال أبو غزالة وشركاه الدولية" «تاجي» وسرعان ما تحول إلى مؤسسة متعددة الأذرع والاتجاهات.
أسست نحو 140 شركة في الإدارة والخدمات القانونية وتقنية المعلومات ..إلخ، برأيك ما أهم الأشياء التي تصنع النجاح؟ لماذا أنت نجحت في حين فشل الآخرون؟
●يتطلبُ النجاح قدراً من المغامرة المحسوبة النتائج، وليس المخاطرة التي لا يمكن الحدس بنتائجها. بهذا المنطق والفهم الناضج للأمور قمنا في "مجموعة طلال أبوغزالة العالمية"، بالمغامرات المستندة قبل خوض غمارها، إلى الدراسة المعمَّقة والإدارة المركَّزة لموارد مؤسستنا. كما أن إيماني بما يحفّ عالم الاقتصاد والمال من مخاطر، وأن الفرق بين رجل أعمال ناجح وآخر غير ناجح، هو القدرة على التركيز على الجانب الإيجابي من المغامرة – أكسب ذلك مؤسستنا ثقة القيادات ودعم المسؤولين، واستطعنا منافسة كبرى الشركات الأجنبيّة وانتزاع دفّة القيادة في مهنة المحاسبة وتدقيق الحسابات. وبمرور السنوات توسّعت رقعة أعمالنا وتزايد عدد مكاتبنا بفضل النّزاهة والالتزام والمستوى المهنيّ الاحترافيّ، فضلاً عن الخطّة التي وضعناها لتطوير المؤسسة والتي أقول عنها: "رسالتنا في خدمة العالم باقية، وكلّ ما نفعله اليوم ما هو إلّا تمهيد لما سنفعله في الغد، ونتطلّع إلى المزيد من التطوّرات المؤثّرة بما نفعله وبالطّريقة التي نتبعها لفعله، بينما تحرز المنطقة المزيد من التّقدّم باتّجاه التحوّل إلى مجتمع قائم على المعرفة".
ماذا نحمي؟
لديك 150 مركزاً لحماية الملكية الفكرية في العالم، ومؤسستك رائدة في هذا المضمار، ولكن نحن العرب، ماذا نحمي، ونحن مجرد مستهلكين ومتطفلين ومقلدين للحضارة ومنتجاتها، وفرصتنا شبه معدومة في اقتصاد المعرفة الحقيقي؟
●إنّ لتطبيق المُلْكيّة الفكريّة جوانب عدة، فعندما أنشأت شركة أبوغزالة للملْكيّة الفكريّة (AGIP) في الكويت في عام 1972 تحت اسم "تي. إم. بي. إجَنْتس"، في وقت كانت فيه الملْكيّة الفكريّة تخطو خطواتها الأولى في المنطقة العربيّة. ومنذ انطلاقتها بذلنا جهودنا لتحسين البنية التّحتية للملْكيّة الفكريّة في العالم، ولهذا عملنا على التّنسيق مع الحكومات العربيّة والمنظّمات المتعدّدة الأطراف، لاستحداث نظام فعّال للملْكيّة الفكريّة، وعبر هذا النّظام الجديد، مُنحت الشركات الكبرى المتعدّدة الجنسيّات الفرصة للتّوسّع والتّخطيط لاستثمارات رئيسة في المنطقة، لأنّها أصبحت مطمئنّة إلى أنّ استثماراتها محميّة بشكل مناسب.
ما أهم التحديات أمام الاقتصادات العربية لإحداث تنمية حقيقية؟ وماذا ينقصنا كي نلتحق بركب الدول المتقدمة؟
●إن أفضل طريقة للتنبّؤ بالمستقبل، أن نصنعه وأن نكون طرفاً فيه، يجب ألا ننتظر ماذا سيحدث! وألّا يمنعنا تأخرنا في الإنتاجية، من أن نوجد سبلاً لإدخال الرّبح بالتطوير التقني والمنافسة والابتكار، وعلينا تطوير برامج التعلم والتدريب المهاري والتقني والفنّي المواكب لاحتياجات الانتقال من الدولة الرعويّة إلى الدولة الانتاجيّة، والانتقال بتعلّم التخصصات، من إطارها التقليدي إلى إطارها التقدّمي وإنقاذها من خروجها عن السرب وبقائها خارج دائرة الزمن.
علاقتي بالقيادة السعودية
كيف تصف علاقتك بالمملكة العربية السعودية عموماً، وبالملك سلمان بن عبد العزيز، خصوصاً، وأنت على معرفة قديمة به، منذ كان أميراً للرياض، يحفظه الله؟
●تمتاز شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالقرب والودّ، إنه قريب من كل من يلتقيه؛ لأنه يتمتّع بقدرات هائلة ومتعددة، فمع المثقّفين تجده مثقّفاً، ومع الشّعراء هو شاعرٌ بليغ، ومع الأدباء هو أديبٌ مفوّه، ويدرك هواجس وتطلّعات ورغبات مَن يقابلهم من رجال الأعمال، ويحرص دائماً على طمأنتهم وحثّهم على المبادرة وتطوير أعمالهم ومشاريعهم، مقدّماً لهم الرّعاية والدّعم والتّسهيلات بكل سخاء، ويطلب في توجيهاته وحواراته معهم أن تَنظُرَ خططُهم ومشاريعُهم إلى المستقبل، لا أن ينحصر تفكيرها بتحقيق أرباح آنيّة سريعة. الملك سلمان دائمُ الشّكر لله عزّ وجلّ، على ما أنعم الله به على هذه البلاد المباركة، ويقول: علينا أن نستفيد من هذا الخير لتطوير البلاد وخدمة العباد. وكان يركز على فئة الشباب ويحرص على بناء جيل مؤهَّل وقادر على حمل المسؤولية والاستمرار في تنمية الوطن وتطويره، ويقول: نريد أن ندعم أيّ مشروع عربي يخدم الشباب.
لقد دعمني سموّه وأنا شابّ في بداية الطريق، وتعلّمتُ منه كيف أبادر لدعم الشّباب، وقد كان لي شرفُ المشاركة في دعم شباب الأعمال في المملكة، عبر مبادرة مركز الأمير سلمان لشباب الأعمال، وشعارُها "المبادرة أساس النجاح". وأذكر أنه أوجد في إمارة الرياض دائرة لحسم المنازعات في الأعمال لمعالجة القضايا بالسرعة القصوى ومن دون إجراءات معقّدة، وطلب من مكتبنا هناك أن نكون ضمن هذه الدائرة، وكلّفنا أن نعدّ التقارير الماليّة كوننا خبراء في الأمور المالية، فكان خادم الحرمين يستقبلني يوميّاً في مكتبه -لمدة أسبوع - ويُجلسني إلى جانبه، وكنت أتعلّم منه كيف يدير العمل ويتّخذ القرارات، فقد كان يقرأ الملفات والأوراق بالكلمة، وكأنّه أراد أن يعلّمني أسلوب اتّخاذ القرار، وفعلاً تعلّمتُ الكثير في هذه الزيارات، لا سيما أن ديوانه كان مفتوحاً للمواطنين جميعهم. لقد تعلمت منه القراءة، فلقد كان يقرأ كثيراً أكثر من أيّ أستاذ جامعيّ، فهو قارئ من الدّرجة الأولى ويتواصل مع الصحفيين من كل أنحاء العالم، حتى بات يوصَفُ بأنّه الوجه الإعلامي للمملكة، ويتمتع بعلاقات واسعة مع الكتّاب والمثقفين ورجال الإعلام في داخل المملكة وخارجها، يحاورهم ويستمع إليهم، وكان لا ينام قبل أن يطالع التقارير المهمة والصحف والمجلات المحلية العربية والعالمية، وأذكر أنه فاجأني في أحد اللقاءات بالسؤال عن مقالة كتبها أحد الأصدقاء عني في مجلة لبنانية لم أكن أعلم بها بعد. وكان يقول لي إن العلم والكفاءة عنصران مهمان وضروريان، لكن الأهمّ أن يترافق ذلك مع الخُلق والأمانة، وهذه الثقافة من المبادئ التي تعلّمتُها منه.
وضع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رؤية المملكة 2030 ويقود مشروعاً للتغيير يصفه بعضهم بـ "ثورة من الأعلى"؛ كيف تنظر إلى التحولات الجارية في المملكة؟
●من حقنا أن نتطور وأن نجاري التطورات التي تسبقنا ولن ينتظرنا العالم كي نصل إليه، إنّ لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رؤية واضحة وهو ما عرف باسم رؤية 2030 ، تلك الرؤية التي تسير بخطة مرسومة نحو التطور والتغيير الجذري، وعليه يمكن للمملكة العربية السعودية تحقيق التمكين والديمومة، وعلى كل من هم حول الأمير محمد بن سلمان أن يساندوه في فكرته، وأن يقفوا معه؛ كي يتمكنوا جميعاً من الوصول إلى برّ الأمان.
إن ما صنعه الأمير محمد، ليس بالأمر الهيّن اللين، بل هو أمر معقد وصعب، إلا أنه بإرادته وعزيمته وبتوجيه من القيادة العُليا من لدن الملك سلمان سيتحقق المراد، وستتحول السعودية، من دولة تعتمد على المنتج النفطي في ميزانيتها إلى اعتماد متعدد التوجّهات، والحقول. وأدعو الله تعالى أن تصل المملكة بفضل حكمتها وحكمائها إلى ما تخطط له من تقدم وازدهار.
لا أفهم في السياسة
كنتَ عضواً في مجلس الأعيان الأردني؛ هل لديك طموح لأداء دور سياسي يوازي مكانتك الاقتصادية في الأردن أو المنطقة؟
●علمني أبي أن 80 % من الحياة تجارة و20 % منها سياسة، ثم ألا ترى أنني لو تركت مؤسسة طلال أبوغزالة العالمية الآن، فسوف أعرضها لتحديات كبيرة، وسأكون في موضع الاتهام لو أن إحدى شركاتي قامت بأي نشاط، أو تقدمت بأي عطاء، أنها فازت لأنني تدخلت أنا في ذلك بصفتي أشغل منصباً سياسياً.
أنا رجل أعمال ولا أفهم في السياسة ودهاليزها، وإذا كان لي رأي مخالف في السياسة لأحد، فإن هذا يبقى بيني وبين نفسي لا أجهر به. إن واجبي هو أن أحافظ على البيئة التي أعمل فيها مستقرة آمنة. حتى تبقى دائرة علاقاتي في حدود الأعمال التي أقوم بها. أريد أن أكون صديقاً للجميع، محافظاً على الجميع وأقدم لكل من يستأجر خدمات شركاتي أفضل ما يكون.
ما رأيك بالموجة الثانية مما يعرف بالربيع العربي (لبنان، العراق، السودان، الجزائر...)، هل عالمنا العربي بحاجة إلى ثورات؟
●أنا ضد استعمال كلمة ربيع. لماذا لم تسمَّ النهضة الأوروبية الأولى عام 1848 بالربيع الأوروبي، بل سميت النهضة الأوروبية. العالم العربي مقبل على نهضة، إذا ما أحسن العرب استغلال قدراتهم ومصادرهم، فستنقل الشعوب العربية إلى مرحلة جديدة من البناء.
وبعد الخراب الذي شهدته سنوات ما عرف بـ"الربيع العربي"، وأسميه بالدّمار العربي، علينا ضرورة إيجاد "خطة مارشال المعرفية للعالم العربي"، في محاكاة للمشروع الاقتصادي الذي أعلنه وزير الخارجية الأمريكي السابق جورج مارشال، لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
كيف ينظر أبوغزالة إلى ما يعرف بصفقة القرن؟
●أصدرت بياناً صحفياً عنها: "وعد من لا يملك بأن يعطي ما لا يملك لمن لا يستحق لا يلزم أحدا"، أمريكا دولة عظمى، حقها أن يكون لديها موقف، وإن كنت أختلف معه كلياً، وهو موقف خطأ وجائر، ولكن هذا موقف، أمّا الذي يحقّ له أن يقرر فهو من يملك صك الملكية الحقيقية، وهم الأربعة وعشرون مليون فلسطيني الأصل الموجودون في فلسطين، من النهر إلى البحر، وفي المخيّمات وفي أرجاء العالم. أما قرارات من لا يملك فلا تعني شيئاً.
لا تنتظروا أحداً
تُعير الشباب اهتماماً خاصّاً؛ بماذا تنصح شباب اليوم؟ وبماذا عليهم أن يتزودوا للمستقبل؟
●باعتقادي الشباب هم مصدر الابتكار والإلهام والريادة التي تشكل المساهم الرئيس في التغيّر والتحوّل في عالمنا.
إن تمكين الشباب العربي من وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتفعيل مشاركتهم في استخدامها وتوطينها وإنتاجها، سيسهل تحقيق احتياجاتهم وسيسهم في تحقيق طموحاتهم وإنجاز مخططات التنمية المستدامة لأوطانهم. أرى أن جيل اليوم من الشباب قد تفوق بصورة رائعة عن طريق تسخير روحه المتمردة للإبداع الإيجابي، ويمكن للشباب أن يكونوا مصدراً للابتكار الإيجابي نحو الأفضل، ومن واجبهم أن يأخذوا زمام المبادرة دون انتظار تمكينهم من أحد، وأدعوهم إلى أن يحددوا قدرهم بأيديهم، وأن يستفيدوا من قدراتهم؛ لهذا لا أتردد في وضْع ثقتي بالشباب الذين يمنحون الأمّة حيويّتها، فالأمم الشّابة هي أممُ المستقبل. أدعو الشباب إلى التعلم وتطوير مهاراتهم، وبناء أفكار ومشاريع، بالاستفادة من الشبكة العنكبوتية، وما توفره من كم هائل من المعلومات ومساواة في الفرص والحضور بين المستخدمين في العالم.
انا محظوظ بأولادي
يخاطبك ابنك بصفة المعلم والرئيس، إلى أي مدى من الصحيح صنع مسافات بيننا وبين أبنائنا؟ وكيف نزيلها من دون أن تتأثر سلطة الأب القائد؟ وبماذا تنصح الآباء بعلاقتهم مع الأبناء؟
●إنني مؤمن بالمؤسسة العائلية وأعدّها هي الناجحة. إن خطاب أبنائي يمثل خلقهم الذي تربيت عليه مع والدي. إن سرّ نجاحها يكمن بفصلها عن العلاقات الشخصية. ولأن مجموعة طلال أبوغزالة العالمية هي إحدى كبرى الشركات العائلية الريادية، فعليّ أن أسير في سبيل إنجاحها ودعمها ومواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها، على غرار الشركات العائلية العالمية، مثل شركة بي إم دبليو وفورد وفولكس واغن وهينكل وميرك وغيرها.
في الأردن أسهمنا في تأسيس "جمعية الشركات العائلية"، و"مركز حوكمة الشركات العائلية"، وغايتاهما غير ربحيتين وهما متخصصتان في تعزيز الوعي بأهمية الدور الذي تؤديه الشركات العائلية في الاقتصاد الدولي ونشره. لقد تبنّيت قواعد ومبادئ ناجحة استندت إليها في استدامة مجموعة شركاتنا العائلية، أهمها: فصل العلاقات العائلية/الشخصية أثناء العمل، وأعتقد أنني والدٌ صعبٌ، فالعمل معي ليس سهلا أبداً، فكلما كانت صلة قرابتي بمن يعمل معي قوية وقريبة ومحبباً إليَّ، قسوتُ عليه أكثر، وفي ذلك حكمة، إنني أريده متميزاً ومبدعاً. أعدّ نفسي محظوظًا لأن الله وهبني أولاداً ذوي خُلق وأدب، يعدّون أنفسهم موظفين مخلصين كغيرهم، لا يميزون أنفسهم مُلاّكاً أو أنهم أفراد من العائلة.
أقرأ 4 ساعات كل يوم
ترى أن الدراسة عملية مستمرة، وقلت إنك تقرأ الآن وأنت في الثمانينات أكثر من أي طالب، فماذا تقرأ؟ ولماذا؟
●نعم، ما زلت تلميذاً أدرس في رحاب العلم. كلّ يوم أتعلم من الحياة وأقرأ من العلم وأعتزّ وأنا في مثل هذه السن المتقدّمة من العمر، بأنّني مشغوف بالبحث والتعليم أكثر مما كنت عليه بالأمس، ولهذا أقضي كلّ يوم تقريباً أكثر من أربع ساعات متواصلة في الدراسة، وليس مجرّد القراءة، ما يتيح لي الفرصة للإلمام بالموضوعات التي يجب أن يكون المتخصّص في علوم الاقتصاد والمحاسبة ملمّاً بها، والمشكلة التي تواجهني هي بكل تأكيد ما يعانيها معظم رجال الأعمال الكبار في العالم، بأنّ عدد ساعات اليوم أربع وعشرون، لا تكفي حجم المهام التي يجب إنجازها، ومنها ما يحتاج إليها الإنسان من ساعات لا تنتمي إلى ساعات العمل، ويُستغنى عنها.
ما الكتاب المفضل لديك؟ وماذا تقرأ؟
●في الوقت الحالي أفضّل قراءة كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، أقرأ الكتب التي تشرح العلاقة المستقبلية التي سوف تنشأ بين الإنسان والآلـة الذكية، كما أن جُلّ وقتي هو للقراءة عن المدارس الذكية والجامعات الذكية، والتعليم الذكي المستند إلى تقنيات المعلومات والاتصالات، وذلك يدعم مشروعنا الرائد "كلية طلال أبوغزالة الجامعية للابتكار".
قصص نجاحك أصبحت حافزاً تتناقلها وسائل الإعلام، دعنا نسأل عن الأخطاء؛ ما أكبر خطأ ارتكبته في حياتك؟ وهل أنت نادم على فعل مرّ؟
●لا أتذكر بأنني قد ندمت على شيء قمت به في حياتي. منذ ولدت ولديّ طموحات جريئة، لذلك كل خطوة كنت أخطوها كانت لسبب ما، وكانت تحتمل الصواب والخطأ. وحدها الشجرةُ المثمرة تُلقى عليها الحجارة، وليس هناك مِن ناجح إلا ويدفع ضريبة نجاحه، أحياناً تثور في طريقه المشكلات، وأحياناً أخرى يتربّص به الذين لا يتمنّون الخير حتى لأنفسهم. لستُ استثناءً، بل لعلّي واجهت ما لم يواجهه سواي، بالنظر إلى ما حققته، لكنني بقيت أتعامل مع هذه المسألة بإيجابيّة وضمن القوانين، ولم أتردد في توجيه الشّكر إلى كلّ مَن حاربني، لأن هؤلاء بموقفهم هذا يَدفعونني إلى إطلاق المزيد من طاقتي لبلوغ مستويات جديدة من النجاح. كما علّمتني التجربة أنه لا وجود لليأس في قاموس الحياة، وأنّ أيّ فشل يشكّل فرصة لمبادرة جديدة، وبهذا اليقين والرضا لا أكنّ العداء لأحد.
وصايا عشر
يطلقون عليك صفة "المعلم"؛ ما وصاياك العشر، وفقاً لأهميتها بالترتيب؟
1. السعادة قرار: قرر أن تكون سعيداً دائماً.
2. التفاؤل يجلب الحظ: كُن دائماً متفائلاً يأتِك الحظ.
3. كُن بطبيعتك تلميذاً دائماً: لا تتوقف أبداً عن التعلُّم.
4. رحِّب بالصعوبات والفشل: حوّلها إلى نعمة ونجاح.
5. كلمة متقاعد تعني... "مُت" وأنت "قاعِد": لا تتقاعد أبداً.
6. كما أن قلبك لا یتوقف عن النبض، لا تتوقف. اعمل؛ الراحة مضرّة.
7. خصومك یساعدونك في حمایتك من نفسك: أحبَّهم كما تحبّ من یحبّوك.
8. ابحث عن التمیز والأسبقیة في الریادة: قاوم غریزة السیر وراء الجموع.
9. إن الهدف من تعلُّمك يجب أن يكون أن تصبح مخترعاً: اخترع، أبدع، ابتكر.
10. في المدرسة نتعلم الدروس ونمتحن. في العمل: نواجه الامتحانات ونتعلم الدروس
السعادة قرار والتعاسة قرار، وكأنك تجرد المفاهيم من اشتراطاتها المادية، في فهمك للحياة؟
●السّعادة لا تتحقّق في غياب المشكلات والصّعاب والتّحديات وأحياناً الفشل فقط، سواء على صعيد الحياة اليوميّة أو على صعيد العمل، فالمَخرَج للسعادة هو العمل وليس ندب الحظّ.
لقد وصفني البروفسور جون سمول، ذات مرة بأن قال: "هذا الرّجل لا يحبّ الخوض في المشكلات، ويبتعد عن كلّ ما يسبّب الأذى له أو لغيره، ولا يحبّ أن يضع نفسه في أيّ صراع مع أحد، فهذه الشّخصيّة لا بدّ أن تحظى باحترام الكبير والصّغير. إن فلسفة المحبة أساسية في حياتي، وقد جعلت مني منذ البداية إنساناً سعيداً؛ لأن الحب يولد السعادة بعكس الكره الذي يضرّ بصاحبه أكثر مما يفيده. إن المحبة لم تحقق لي النجاح في عملي فحسب، بل حققت لي راحة نفسية، فأنا أنام بهناء وبالي مطمئن لأنّي أحبّ.
تقدس العمل ولا تأخذ إجازات، وتدعو لإنفاق الحياة والوقت كل الوقت في العمل! أليس في ذلك بعض مغالاة وتطرف؟
●قال أفلاطون: أنا أحب سقراط ولكنني أحب الحقيقة أكثر. والحقيقة في هذه الحال، هي أنني عندما أطالب بالعمل وزيادة الإنتاجية أتكلم بصفة مواطن يدرك أن نمو اقتصادنا وتحسن أوضاعنا العامة مرتبط بإنتاجيتنا. وكذلك قدرة الدولة وجاهزيتها لتقديم الخدمات اللازمة للمواطنين وخصوصاً في حالات الضرورة.
إن ديمومة العمل تمكنك من أن تبقى في حالة من النشاط والحيوية، كما أن القيام بالعمل ليس طلباً للرزق فقط، بل علينا أن ننظر إليه على أنه سلوكٌ خلّاق لتحقيق الذات والتعبير عن جدوى الوجود ومغزى حياة الإنسان واستخلافه في الأرض. لذا لا أتردد في العمل حتّى في عطلة نهاية الأسبوع، وفي المناسبات والأعياد، وأمقت فكرة العطلة، لأنني أرى فيها تعطيلاً للقدرات، وعدوّاً للإنجاز، وخفضاً للناتج القومي الوطني؛ فلا يجوز للإنسان أن يستريح، بل عليه أن يغير نوع العمل، فالعقل لا يحتاج إلى راحة، أما راحة العينين فهي بتغيير المنظر، وهذه نصيحة طبيب العيون لي الذي زرته وكنت أشكو من تعبهما من القراءة، فأخبرني الطبيب أن العيون لا تتعب كما القلب، وإن القلب إنْ توقف، أي استراح، مات الإنسان.
المبادرات الاجتماعية والوقت
أنت ضمن قائمة المئة شخصية عربية الأكثر تأثيراً في المسؤولية المجتمعية؛ ما أهم ما يقدمه الإنسان إلى أخيه الإنسان؟
سعينا على مدى عقود من الزمان في "طلال أبوغزالة العالمية" إلى خدمة المجتمع العربي بكل أقطاره. لم نبخل على المواطن بفكرنا أو علمنا مادياً أو معنوياً، بل كرّسنا موظفينا لخدمة مبادراتنا الإنسانية والاجتماعية التي نقدمها لأبناء وطننا أينما كانوا، في أوطانهم أو في المهجر، حتى أصبحت تلك المبادرات طابعاً سلوكيّاً يؤثر في قضايا المجتمع ويتأثر بها، وأطلقنا مبادرات اجتماعية متميزة، منذ تأسيس مجموعتنا الدولية عام 1972.
إن المسؤولية الاجتماعية تجسيد لعلاقة الشراكة الصالحة مع المجتمع، وهي نتائج إدراك الفرد والشركة بفضل المجتمع والتعبير عن الامتنان لذلك الفضل.
تترأس وتنتمي إلى مجالس عشرات الجمعيات والمؤسسات في مجالات متنوعة، محلياً وإقليمياً ودولياً، هل حقا تجد الوقت لإدارة كل تلك المسؤوليات؟
●علّمني والدي أن الوقت هو المادة الوحيدة الني يمكن أن تصنعنا من العدم. هو المادة الأغلى والأثمن والأكثر ندرة وقيمةً بين الثروات، وهو المادّة الوحيدة غير القابلة لإعادة الإنتاج والتّصنيع، فكلّ دقيقة فيه تنتهي بعد مرورها وتصبح من الماضي.
لقد دفعني ذلك إلى بلوغ نقطة التوازن بين قبول انقضاء الزمن، والسّعادة بالانتقال إلى الزّمن اللاحق الذي لا بدّ أن يحمل معه مُتَعَهُ الخاصة وجديده الذي لم يُكتَشف بعد، وكذلك التصالح مع السّلطة العليا للزمن؛ بوصفه يحدّد لنا مدّة صلاحيتنا التي علينا الاستفادة القصوى منها. فهذا الفهم يقع في صلب المعنى الذي أراده الله تعالى من استخلاف الإنسان في الأرض.
أحلامي ليست مستحيلة..!
ما أحلامك؟ ما الأشياء التي لم يسعفك الوقت أو الظرف للقيام بها وترغب في فعلها؟
●إنّني أتطلّع إلى اليوم الذي يصدر فيه جواز سفر عربي موحّد لكلّ مواطن عربي. ليس مستحيلاً أن تكون هناك دولة عربية واحدة بجواز سفر عربي واحد، بلا حدود ولا عُقَد، ولا مشكلات، وأن نبني السوق العربيّة الواحدة والمستقبل العربي الواحد. وليس أمامنا من مفرّ إلّا قدرنا وهو القدر العربي الواحد.
بعد العمر الطويل، ما العبارة التي ترغب في أن تكتب على شاهد قبرك؟
●"العلمُ حياة، والمعرفةُ أمان، والأخلاقُ سِياج"