رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد علي: لن أبقى إلى الأبد.. سأرحل.. والنساء أقل فساداً من الرجال
• أكثر من أيّ بلد في العالم، بالنسبة لنا فإن ضمان الديمقراطية يعني ضمان وجودنا.
• أطلب الصفح من الناشطين والسياسيين الذين دفعوا ثمن التضحيات ومن الشباب الذين أردوا التغيير ولكنهم فقدوا حياتهم.
• خيارنا هو ثقة بعضنا ببعض وتضميد جراحنا والعمل معاً لتطوير بلدنا.
• الاختلاف ليس لعنة عندما نتحاور ونتفق على مبادئنا، فإن ذلك يجلب النعم.
• علينا أن نبني ديمقراطية تشاركية تسمح بسماع أصوات الجميع، وأن يستفيدوا منها.
• "لدينا خيار واحد فقط، وهو أن نكون متحدين من أجل العيش معاً.. وإلّا سيقتل بعضنا بعضاً.
• ما أعمل عليه يرفع الإثيوبيين. هذا ما أريده، وهذا ما أقوم به.
• المرأة ستساعد في محاربة الفساد، لأنها أكثر كفاءة وأقل فساداً من الرجل.
لا يملك عصا سحرية، لكنه نجا من حادثة اغتيال، وأحبط محاولتي انقلاب، وواصل مشروعه الإصلاحي بخطى ثابته، واعداً أبناء شعبه بقطيعة نهائية مع حقبة طويلة من التفرّد بالسلطة والتوتر والانقسامات، في بلد يسكنه نحو 80 مجموعة عرقية مختلفة.
بدأ مشروعه الإصلاحي قبل نحو سنة ونصف السنة، بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع الحظر عن مئات المواقع الإلكترونية، وإجراء مصالحات بين مكونات الشعب، والانفتاح على المعارضة وإنهاء الحرب مع إريتريا، ورفع حالة الطوارئ، وفتح قطاعات حكومية كبرى أمام القطاع الخاص.
قضى قسطاً من حياته متنقلاً بين مدرجات الجامعات، وثكنات الجيش، فنال حصته من التعليم العالي، وحصته من الخبرات العسكرية، قبل أن يتفرغ للسياسة، ويصل إلى رئاسة وزراء بلده إثيوبيا، ليكون أصغر رئيس وزراء في القارة السمراء.
أدّى دور الوسيط في حل النزاع بين قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري، وصفق له الحضور طويلاً، أثناء توقيع الاتفاق، ووصفته مقدمة الحفل برسول السلام.. اختارته مجلة "الرجل"، ليتصدر غلافها، وتتوقف عند أهم محطات حياته الشخصية والعامة.
النشأة والطفولة
ولد آبي أحمد علي، يوم 15 أغسطس/آب 1976، في بلدة صغيرة تدعى بيشاشا (Beshasha) بولاية أوروميا جنوب غربي إثيوبيا، والده مسلم من عرقية أورومو، سُجن ذات يوم للاشتباه في كونه من مؤيدي جبهة تحرير أوربا، وأمه مسيحية من عرقية أمهرية، وقد زرعا فيه قيم التسامح وقبول الآخر، والتعايش منذ أن كان طفلاً، علما انه اول شخصية ذات اصول مسلمة يصل الى هذا الموقع القيادي في بلاده.
عاش طفولته وسط أسرة كبيرة العدد، فهو الابن الثالث عشر لوالده المتزوج من أربع نساء، والابن السادس والأصغر لأمه (الزوجة الرابعة لوالده)، كان والداه يطلقان عليه لقب "أبيوت"، ويعني الثورة، ما يشير إلى حماسهما للثورة.
يقول آبي أحمد بأنه في طفولته "كان مجتهداً في دراسة القرآن ومهتماً بالتعلم والدراسة، وقضاء معظم وقته مع المسنّين".
والدته تقول "أتذكر آبي صبياً صغيراً يحب أن يكون مثالاً لأصدقائه". بينما قال شقيقه الأكبر تيروي، "شجع أصدقاءه دائماً على الدراسة والتعلم". وأضاف "كان آبي مختلفًا عن معظم الأطفال في عمره. لقد أرادوا أن يصبحوا تجار قهوة أثرياء، لكن آبي كان مختلفًا تمامًا".
دراسته
درس الابتدائية في مدرسة محلية، مثل بقية أقرانه من الإثيوبيين، وتابع دراسته في ثانوية مدينة أجارو المجاورة لبلدته، ثم انتقل إلى العاصمة أديس أبابا، وحصل من جامعتها على بكالوريوس في هندسة الكومبيوتر، عام 2001، ونال الماجستير عام 2005. ثم حصل من جامعة غرينتش في لندن، على الماجستير في إدارة الأعمال عام 2011.
وتابع دراسته إلى أن نال الدكتوراه عام 2017 ، من معهد دراسات السلام والأمن، التابع لجامعة أديس أبابا، وكان موضوعها "الرأسمال الاجتماعي ودوره في حل النزاعات المحلية". ونشر مقالًا بحثيًا عن استراتيجيات إزالة التصعيد في القرن الإفريقي، في عدد من المجلات المتخصصة المكرّس لمكافحة التطرف العنيف، واهتمامه الدراسي والبحثي هذا، سينعكس على سلوكه السياسي لاحقاً، حيث أدّى دوراً مهماً في إنهاء حالة التوتر والانقسام بين مكونات الشعب الإثيوبي.
وفضلاً عن تحصيله العلمي، يتحدث آبي أحمد، لغات محلية عدة رئيسةـ منها الأورومو والأمهرية والتغرينية، مع الإنكليزية، ويصفه معارفه بالانفتاح الفكري والحداثة وحب المعرفة.
المسار العسكري
المسار الآخر الذي اتخذته حياة آبي أحمد، بالتزامن مع إصراره على تحصيله العلمي، ظهر بالتحاقه، وهو فتى صغير ( 14عاماً) بالنضال المسلح مع رفاقه فى "الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو(إحدى جبهات الائتلاف ضد حكم نظام منغستو هايلا مريام العسكري 1974- 1991)، حتى سقط حكم الأخير، بعدها تحوّل إلى جندي في قوات الدفاع الوطني الإثيوبية عام 1993.
ووقع الاختيار عليه عام 1995، ليكون ضمن عناصر حفظ السلام الأممية التي انتشرت في رواندا، بعد الإبادة الجماعية التي حصلت في هذا البلد، وشيئاً فشيئاً، تخصّص داخل المؤسسة العسكرية في الاتصالات والاستخبارات. وخلال حرب الحدود بين إثيوبيا وإرتيريا بين عامي 1998 و2000، شارك آبي أحمد، بتلك الحرب ورقّي إلى رتبة ملازم أول، وقاد فريقاً استخباراتياً. في حين أن أعلى رتبة وصل إليها في مسيرته العسكرية، كانت العقيد.
وفي تلك المرحلة من حياته، شغل عضوية مجلس إدارة عدد من الوكالات الحكومية التي تعمل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإعلام، وأنشأ عام 2007 ، وكالة أمن الشبكات الإثيوبية (إنسا).
تفرغ للسياسة
المسار الثالث في حياة آبي أحمد، كان السياسة؛ فرغم أنه لم ينقطع عن ممارستها في شبابه، أثناء دراسته وحياته العسكرية، فإن الانعطافة الكبيرة باتجاه احتراف السياسية، أتت عام 2010، حين غادر وكالة "إنسا"، ليتفرغ للعمل السياسي بصورة رسمية ومباشرة.
وكان قد بدأ عمله السياسي التنظيمي عضوًا فى "الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، وتدرج إلى أن أصبح عضوًا فى اللجنة المركزية للحزب، وعضوًا فى اللجنة التنفيذية للائتلاف الحاكم بين 2010 و2012 ، وهو في الثلاثينات.
اهتمامه بالشأن العام دفعه إلى عمل من نوع مختلف هذه المرة، حيث انتخب عضوًا في البرلمان الإثيوبي عن دائرته فى 2010، وخلال خدمته البرلمانية، شهدت منطقة جيما(مسقط رأسه)، بضع مواجهات دينية بين المسلمين والمسيحيين، وتحول بعضها إلى عنف، وأسفرت عن خسائر فى الأرواح والممتلكات.
وأدّى آبي أحمد دورًا محوريًا، بالتعاون مع عدد من المؤسسات الدينية ورجال الدين، فى إخماد الفتنة الناجمة عن تلك الأحداث، وتحقيق مصالحة تاريخية فى المنطقة. وترى بعض المصادر المهتمة بمسيرة رئيس الوزراء، أن نجاحه في مهمته تلك، كان نقطة تحول كبيرة في رصيده وصعوده قائداً سياسياً.
في عام 2014 ، خلال وجوده في البرلمان، أصبح آبي أحمد، المدير العام لمركز معلومات العلوم والتكنولوجيا. وفي عام 2015 أعيد انتخابه فى مجلس نواب الشعب الإثيوبي، كما انتخب عضوًا فى اللجنة التنفيذية لـ"الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو".
وتولى من 2016 إلى 2017 ، وزارة العلوم والتكنولوجيا في الحكومة الفيدرالية، قبل أن يترك المنصب ويتولى منصب مسؤول مكتب التنمية والتخطيط العمراني بإقليم أوروميا. ثم نائب رئيس إقليم أوروميا نهاية 2016. ثم ترك كل هذه المناصب ليتولى رئاسة الحزب.
اصغر رئيس وزراء افريقي
لم يبلغ آبي أحمد الثانية والأربعين من العمر، حين اختارته اللجنة المركزية لحزب "المنظمة الديمقراطية لشعب أوروميا"، رئيساً جديداً للحزب، في 22 فبراير/شباط 2018 ؛ ما مهّد الطريق أمامه لانتخابه رئيساً لوزراء إثيوبيا، خلفاً لرئيس الوزراء المستقيل هايلي مريام ديسالين، ورئيساً للائتلاف الحاكم، وليصبح بذلك أصغر رئيس وزراء في القارة السمراء، وأول رئيس وزراء من قومية أورومو، في تاريخ إثيوبيا القديم والحديث، في بلاد تعدّ فيها رئاسة الجمهورية منصباً شرفياً، وفقاً لنظام الحكم.
وأدى اليمين الدستورية، رئيساً للوزراء في إثيوبيا في 02 أبريل/نيسان 2018، بعد مصادقة البرلمان.
ومن على منبر البرلمان، خاطب أبناء شعبه قائلاً "بطريقة ما، فإن العالم يتطلع بشوق إلى انتقال بلدنا الديمقراطي، وبطريقة أخرى، إنهم ينتظرون في خوف أيضًا. إن لدينا بلداً خاطر آباؤنا بعظامهم وبدمائهم من أجل الحفاظ على وحدته، وهذه هي الطريقة التي نتعلم بها من أخطائنا، لتعويض بلدنا. إنني أطلب الصفح من أولئك الناشطين والسياسيين الذين دفعوا ثمن التضحيات، وللشباب الذين أردوا التغيير ولكنهم فقدوا حياتهم"
وتابع "الآن أكثر من أيّ بلد في العالم، بالنسبة لنا فإن ضمان الديمقراطية يعني ضمان وجودنا، وعلينا أن نضع في أذهاننا أن إثيوبيا هي ملكنا جميعًا، وعلينا أن نبني ديمقراطية تشاركية تسمح بسماع أصوات الجميع، وأن يستفيد الجميع منها".
ثورة يقودها رئيس
منذ وصوله إلى السلطة أطلق آبي أحمد، مئات السجناء السياسيين، وأوقف الرقابة التي كانت مفروضة على مئات المواقع، وأنهى حالة الحرب التي استمرت 20 عاماً مع إريتريا، ورفع حالة الطوارئ، وخطط لفتح قطاعات اقتصادية رئيسة أمام مستثمرين من القطاع الخاص، بما في ذلك الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة.
الإفراج عن السجناء لاقى انتقادات، خاصة بالنسبة لأولئك الذين سجنوا بسبب الفساد والإرهاب، وردّ رئيس الوزراء ببساطة "السجن والتعذيب، وهو ما فعلناه ، ليس دستوريًا أيضًا". وأضاف "الإرهاب يشمل استخدام القوة للبقاء في السلطة بشكل غير دستوري".
وتابع "هل ينصّ الدستور على أنه يمكن تعذيب أي شخص حكمت عليه محكمة، ووضعه في غرفة مظلمة؟ لا؛ التعذيب، ووضع الناس في غرف مظلمة، عمل إرهابي".
وفي أول خطاب له، تعهّد آبي أحمد، بانفتاح على المشهد السياسي وإطلاق الحريات السياسية ومحاربة الفساد، مع تطوير الاقتصاد، ورفع وتيرة النموّ، وإقامة العدل والإنصاف والمساواة، والعمل على توحيد مكوّنات الشعب الإثيوبي.
الترجمة العملية لما وعد به آبي أحمد، لم تتأخر كثيراً، في أبريل/ نيسان 2018، إنهاء خلاف حدودي قائم بين إقليمي "أوروميا" و"الصومال"، كان تسبب في سقوط كثير من القتلى، وتهجير الآلاف، كما صوّت البرلمان الإثيوبي في السادس من مايو/أيار 2018 ، على رفع حالة الطوارئ التي فُرضت منتصف فبراير/شباط الذي سبقه.
فضلاً عن تغييرات في المؤسسات الأمنية والعسكرية، ما دفع بالمعارضة الإثيوبية المستقرة في إريتريا إلى التخلي عن الخيار المسلح، وربطت ذلك مباشرة بالخطوات التي قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي اصطحب معه على متن الطائرة، في رحلة عودته من زيارة رسمية قادته إلى مصر، اثنين من قادة المعارضة المستقرة في إريتريا، ورفع حركات معارضة مسلحة من قائمة المنظمات الإرهابية، وصدر قانون العفو العام عن الأفراد والجماعات قيد التحقيق، والمدانين بتهمة الخيانة وتقويض النظام الدستوري والمقاومة المسلحة.
الامير محمد بن سلمان يشيد بـ آبي احمد
خلال اتصال هاتفي اجراه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
عبر عن تقديره له على الدور الذي قام به في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية، مؤكدًا وقوف المملكة مع كافة الجهود التي تسهم في أمن واستقرار المنطقة.
"رسول السلام"
قاد آبي أحمد، سياسة خارجية وصفتها وسائل الإعلام الغربية بـ"المذهلة"، قياساً بالمدة الزمنية القصيرة التي مضت على وجوده على رأس الحكومة الإثيوبية، فقد تبنّى سياسة"تصفير" المشكلات مع دول الجوار، وتمكن من كسر عزلة إثيوبيا التي استمرت سنوات عن العالم الخارجي . فزار جيبوتي والسودان، لإحكام التنسيق الأمني، ثم مصر لطمأنتها على حصة مياه النيل. والمحطة الأهم بهذا السياق تمكنه من إنجاز مصالحة تاريخية مع إريتيريا، أنهت أكثر من عقدين من القطيعة الشاملة والحرب بين البلدين.
وفي السودان، أخيراً، أدّى دور الوسيط في حل النزاع بين قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري، وصفق له الحضور طويلاً، أثناء توقيع الاتفاق، ووصفته مقدمة الحفل برسول السلام، حيث قالت "منذ حطت طائرته في مطار الخرطوم، بزيّه الأبيض وأناقته الزاهدة، تفاءل شعبنا بقدم رسول السلام. وظلت الابتسامة التي صافح بها الجميع، هي الطريق الذي رسم مسارات التفاوض رغم التحديات".
وعلى مستوى التقارب بين شعوب المنطقة، اتخذت حكومة آبي أحمد، خطوة جريئة بفتح الباب لكل المواطنين الأفارقة لدخول إثيوبيا، من دون تأشيرة مسبقة، وتسهيل إجراءات التأشيرة للجنسيات الأخرى، بأخذها إلكترونيًا في دقائق.
تحطيم الجدار وبناء الجسر
لا يشبه ضيفنا من سبقوه في هذا المنصب، فهو يعانق السياسيين في الأماكن العامة، ويأخذ صورًا ذاتية (سيلفي)، مع المعجبين، وابتسامة عريضة تملئ وجهه.
وزاد من معجبيه كثافة حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي، فحساب مكتبه على" تويتر"، ينقل كل نشاطاته اليومية أولاً بأول، فضلًا عن تزويد وكالات الأنباء والصحف العالمية، بالأخبار والفعاليات وأبرز التصريحات، إلى جانب تنظيم معارض خاصة بالصور التي توثق أبرز لقاءاته ونشاطاته.
الرسالة التي يحرص آبي أحمد، على توجيهها إلى الجماعات المتنوعة في بلاده، ويكثف رؤيته لمستقبل بلاده، تتألف من أربع كلمات "إنزل الجدار، وبناء الجسر"، في اشارة إلى ضرورة تجاوز الهويات العرقية لمصلحة الهوية الوطنية الجامعة إثيوبيا، البلد الذي تسكنه أكثر من 80 عرقية، ويعدّ ثاني أكبر بلد إفريقي من حيث عدد السكان (104 ملايين).
ويتابع بالاتجاه نفسه قائلاً "إذا كنت تريد أن تكون فخرًا لجيلك، فعليك أن تقرر أن أورومو، وأمهرا، وولايتا، وغوراغز، وسيليت ( هويات عرقية اثيوبية) كلها إثيوبية".
ويضيف "لدينا خيار واحد فقط، هو أن نكون متحدين، ليس بالتعاون والمساعدة فقط، بل إننا نتحد من أجل العيش معًا، أما الخيار الآخر، فهو التقاتل".
ويستدرك "ومع ذلك، لن يختار أي شخص عاقل ذلك؛ لذا، ينبغي أن يكون خيارنا هو تبادل الثقة، وتضميد جراحنا معًا، والعمل معاً لتطوير بلدنا".
وكي لا يكون كلامه مثالياً مجرداً، فإنه يلفت إلى أنه "في أي بلد، من المؤكد أنه سيكون هناك اختلافات في الأفكار، فالاختلاف ليس لعنة، عندما يسمع بعضنا إلى بعض، وعندما نتفق، بناءً على مبادئنا، فإن ذلك يجلب النعم، وعبر النقاشات، فإننا سنعثر على الحلول".
الجميع تحت سقف القانون
ينطلق آبي أحمد، من رؤيته لتحقيق للعدالة بين مواطنيه من مساواتهم أمام القانون، وعدم الانحياز إلى جماعة ضد أخرى؛ يقول "ليس في أجندتي استخدام مجموعات معينة، لمهاجمة مجموعات معينة، أو لدفع مجموعات محددة أو قمع الناس؛ ما أعمل عليه، هو العمل الذي يرفع الإثيوبيين، هذا ما أريده، وهذا ما أقوم به".
ويوضح قائلاً "يجب أن يحصل الجميع على معاملة متساوية في مواجهة القانون، ينبغي ألا تستخدم السلطة أداة للانتقام. عندما نحترم سيادة القانون، يجب أن يكون وفقًا لذلك، عندما تتخذ الحكومة إجراءً، هناك من يقول إن هذا القرار اتخذه شخص من مجموعتي العرقية أو مجتمعي، وما لم ينتهِ هذا النوع من التفكير، فلن يكون لدينا مستقبل مستدام".
مواجهة الانقلابين بالتمارين الرياضية
مشروع آبي أحمد، الإصلاحي، لم يكن دون تحديات، ففي صباح يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2018، فوجئ رئيس الوزراء الإثيوبي بنحو 250 من أفراد القوات الخاصة بالجيش الإثيوبي الذين كانوا في مهمات مختلفة في أديس أبابا وحولها، يقتحمون مكتبه، حاملين الأسلحة، للتعبير عن غضبهم وشكاواهم المتعلقة بالأجور ومطالب أخرى.
تمكن أحمد، من امتصاص غضب الجنود، واحتوى الموقف بأن أمرهم بالقيام بتمارين رياضية (تمارين الضغط)، ومارسها معهم، ثم انخرط في حديث ضاحك معهم.
وروى لاحقاً ما جرى قائلاً " لولا الحكمة التي تعاملت بها مع أفراد القوة، لكانت الأمور خرجت عن السيطرة".
الحدث يبدو في ظاهره هزلياً، ولكن آبي أحمد، وصف حادثة اقتحام مكتبه بأنها "كان أخطر محاولة لإجهاض التغيير في البلاد".
يتذكر عندما خاطب الجنود المتمردين قائلاً "لقد كنت جندياً، وإذا وقع منكم أي تصرف خطأ، فلن تقتلوني، قبل أن أقتل خمسة أو ستة منكم". وتابع أنه في غضون ساعة، كان الانقلاب الناشئ قد انتهى.
وكشف عن تظاهره أمام كاميرا الإعلاميين بأن الوضع "طبيعي"، لأنه لو لم يفعل ذلك، لساءت الأمور ووقعت "فتنة بين الجيش والشعب الذي سيأتي للدفاع عن التغيير".
وتابع أن ما قام به من تعامل مع هذه القوة كان من "منطلق المسؤولية التي حمّلها له الشعب".
وأشار رئيس الوزراء إلى أفراد القوة التي اقتحمت المقر "أقروا بالخطأ ويكشفون في الوقت الراهن عن من حرضهم للقيام بهذا العمل المخالف".
يعود بالسجناء على متن طائرته
لا يقتصر اهتمام آبي أحمد، على المواطنين الذين تعرضوا للسجن داخل البلاد، فبعد انتخابه رئيساً للوزراء في نيسان 2018، أطلق مئات المعتقلين، لأن السجناء الإثيوبيين خارج إثيوبيا، كانوا على جدول أعمال زياراته للخارج.
وتناقلت الصحافة عودة آبي أحمد، من زيارة إلى السودان أخيراً، بمفاجأة، تمثلت باصطحابه أكثر من 100 امرأة من ضحايا الاتجار بالبشر، كنّ محتجزات في السودان، على متن الطائرة التي أقلته من الخرطوم إلى أديس أبابا.
وفي زيارته إلى مصر، حزيران العام الماضي 2018 اصطحب من القاهرة 32 مهاجراً إثيوبياً غير شرعيين، كانوا محتجزين، وأطلقتهم السلطات المصرية، على خلفية الزيارة. وعاد بهم إلى بلاده على متن طائرته.
السعودية وجهته الأولى خارج إفريقيا
تحظى العلاقة مع المملكة العربية السعودية، بأهمية خاصة لدى رئيس الوزراء آبي أحمد، فقد كانت وجهته الأولى في أول زياره له خارج إفريقيا.
وتعدّ السعودية، من بين الدول الأوائل التي أرسلت رسائل تهنئة إلى الدكتور آبي أحمد، على انتخابه رئيساً للوزراء. ورعت بقيادة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، اتفاق جدة للسلام، الذي وقعه الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، في سبتمبر/أيلول 2018 الذي عرف بـ"اتفاقية جدة للسلام" بين البلدين، ليطوي البلدان صفحة أطول نزاع في القارة الإفريقية.
وجاء التوقيع بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ووزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
ثورة جندرية
يرى آبي أحمد، أن إنصاف المرأة، مكون أساسي في مشروعه التنموي، ويثق بأن »المرأة ستساعد في محاربة الفساد، لأنها أكثر كفاءة وأقل فساداً من الرجل «، وهذا يفسر اتخاذ خطوات وصفت بالجريئة، لفتح الأبواب على مصاريعها أمام النساء لقيادة البلاد.
فحين شكل وزارته، اختار نصف حقائب وزاراته من النساء (عشر نساء وعشررجال)، وكلّفهن وزارات سيادية، كانت حكراً على الرجال. وقال مفاخراً بفريقه النسوي»وزيراتنا سيحطمن الفكرة القديمة بأن النساء لا يصلحن للقيادة. «خطواته تلك لم تكن للتباهي، كما يجري عادة في كثير من الدول النامية، فقد اختار عائشة محمد، وزيرة للدفاع، وباتت أول امرأة تتولّى هذا المنصب الحساس والمهم. وأكمل خطواته الجريئة في تقويض تقاليد الحكم القديم، باستحداث »وزارة السلام «وكانت من نصيب الوزيرة الشابة مفريات كامل، وهي وزارة لها ثقلها النوعي، حيث يتبع لها جهاز الشرطة الفيدرالية، وأجهزة الاستخبارات.
وصفت الصحافة ما قام به آبي أحمد بـ» ثورة جندرية«، حيث لم تتوقف خطواته الإصلاحية عند الوزيرات، فقد اختار الدبلوماسية سهلي - ورق زودي، لرئاسة البلاد، لتكون أول سيدة تترأس إثيوبيا. وتبعه اختيار السيدة مآزا أشنافيفي، لرئاسة المحكمة العليا، لتغدو أول سيدة تتولى المنصب أيضاً.
تزوج زميلته في الجيش
تزوج آبي أحمد، زيناش تياشيو (Zinash Tayachew) ، وقد التقاها أثناء خدمتها في قوات الدفاع الإثوبية، وهي مسيحية أمهرية، ولهما ثلاث بنات وابن بالتبني. ويظهر الزوجان معاً في مناسبات عدّة، حيث نقلت الصحافة الإثيوبية أخيراً مشاركتهما في زراعة نحو 800 شتلة من في منطقة CMC، وزيارة مستشفى، والمشاركة في تنظيفه. ما يشير إلى أدوار متكاملة في علاقة زوجية تسودها المحبة والتفاهم.
وتداول رواد موقع "تويتر"، صورة جديدة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، برفقة عائلته، المكونة من زوجته و3 بنات.
وتظهر زوجته وبناته في الصور، وهنّ يرتدين ملابس شعب الأورومو التقليدية، في إشارة إلى انتماء هذا الرجل وعائلته، إلى هذه القبيلة العريقة في إثيوبيا.
أما عن الهويات التي تستحوذ على اهتماماته، فيكشف أولئك الذين يعرفون آبي، بأنه متحمّس للصحة واللياقة البدنية. وكان يتردد على صالات رياضية في أديس أبابا، حيث كان لديه اشتراك في أكثر من نادٍ ومركز رياضي.
لن أبقى في مكتبي
يَعدُ رئيس الحكومة آبي أحمد، مواطنيه بالاستمرار في مسيرة الإصلاح، وإجراء انتخابات حرة في عام 2020، ولكنه ينبه إلى أنه "رغم الجهود الإصلاحية لحكومته، فإنها تواجه تحديات بينها الإرهاب والجريمة المنظمة والفساد التي تهدد الاستقرار الداخلي".
يقول في لقاء مع صوت أمريكا "أنا فقط أخطط لرفع إثيوبيا إلى مستويات عالية، وإيقاظ الجمهور للمشاركة في ذلك.. ليس لديّ أي نيّات سيئة أخرى".
ويضيف "لا أعتقد أنه من المناسب البقاء في السلطة لفترات طويلة. ومادمت أمتلك السلطة، فأعتقد أنه ينبغي عليّ استخدامها لتغيير حياة الناس. ولكن في إطار جهودي المبذولة لإحداث التغيير، قد تكون هناك أخطاء، ولكن كل نيّتي وأفعالي، هدفها رفع مستوى إثيوبيا وضمان تطورها".
ويؤكد عدم تمسكه بالسطة من أجل السلطة، "أنا متأكد أنني لا أستطيع أن أبقى هنا إلى الأبد؛ لا أعرف متى سأرحل، ولكنّي أريد مغادرة هذا المكتب".
ويصف خبير في القرن الإفريقي لوكالة "فرانس 24 " التغييرات التي قام بها آبي أحمد، بالكبيرة والمثيرة للدهشة. ويضيف "كل هذا معجزة. نحن مدينون بهذه التغييرات إلى رجل ذكي يدعى آبي أحمد، نشر التفاؤل في الداخل والخارج، ولكن التحدي الآن، هو إدارة تلك التوقعات الكبيرة، وتنفيذ الإصلاحات في بيئة سياسية لم تتغير نسبيًا.
ويعتقد بأن آبي أحمد يتمتع بقوة كبيرة، ويحظى بدعم هائل، وحقق قدراً كبيراً في زمن قصير. لكن الأدلة تشير إلى أن أكبر التحديات لاستكمال أجندته التحويلية، ما زالت تنتظرنا.