السلام بالخشم.. قصة أشهر طريقة للتحية في الخليج
منوعات 21 أغسطس 2019
تختلف عادات التحية والترحيب بالضيوف من بلد الى آخر، وإن كانت معظمها تتشابه بشكل عام من ناحية السلام باليد وتختلف من ناحية تقبيل الخد أو عدمه.
لكن لدول الخليج العربي طريقتهم الخاصة التي تختلف بشكل كلي وجذري عن غالبية عادات إلقاء التحية في العالم؛ فالسلام بالخشوم هي العادة المتوارثة والمتأصلة المتبعة في شبه الجزيرة العربية.
أقصر امتحان للذكاء في العالم.. اختبر نفسك
تفاصيل التحية وأصولها
التحية هذه هي عبارة عن تقبيل الأنف من خلال ضرب الأنوف ببعضها البعض مرةً واحدةً أو مرتين أو ثلاث مرات. لكن العادة هذه تختلف باختلاف الشخص والمكانة والمناسبة.
بشكل عام عندما يلتقي أي شخصين فهما يتصافحان، ثم يبدأ كل واحد منهما بلمس طرف أنف الآخر، وأحياناً قد تتم دون مصافحة. يمكن أن يقوم الشخص المبادر بوضع يده اليمنى على الكتف الأيسر للشخص الآخر، وعليه فإن الذي يتلقى المصافحة عليه أن يقوم بالمثل. ثم يلامس كل منهما أنف الآخر من مرة إلى 3 مرات بشكل سريع ودون كلام. بعد الانتهاء تبدأ مرحلة السلام والسؤال عن الأحوال.
لكن حين تكون التحية مع شخص يكبر المبادر سنًّا أو مكانة فيجب تقبيل الأنف أولاً ثم يلمسه بأنفه مباشرة مرةً واحدةً فقط. عند بعض القبائل، وفي حال كان الابن يسلم على والده أو على شخص يكبره سنًّا من العائلة فحينها عليه تقبيل رأسه أيضًا.
أما في حال أقبل ضيف على مجلس من المجالس فعليه أن يبدأ بالسلام على صاحب المكان ورب العائلة، وليس بالضيوف أو وفق الترتيب أو من يجده أمامه. بعد السلام على صاحب رب البيت حينها ينتقل إلى الآخرين الذين على يمينه.
أما في حال أراد أحدهم الاعتذار فالآلية هي بتقبيل الأنف، وحين يقول لك أحدهم «خشمك» أو «هات خشمك» فعليك عدم الممانعة على الإطلاق؛ لأنه دليل تقدير واحترام ومكانة مميزة لك عند الآخر.
لماذا تختلف اللهجات العربية بين دولة وأخرى؟
لماذا التحية بالأنوف؟
الأنف أو الخشم يمثل العزة والرفعة عند الرجل العربي، وقد ورد في كثير من أبيات الشعر والأمثال الشعبية، كما إنه يرتبط من الناحية اللغوية بعدد كبير من الصفات التي تجسد الخصال التي يعتز بها الرجل العربي.
الأنف لا يمكن الاستغناء عنه؛ فهو عضو للتنفس، كما إنه واضح تمامًا في الوجه، فلا تمكن تغطيته، وبالتالي يجسد الوضوح التام. يعتبر من السمات الوراثية التي تدلل على أصل الإنسان، كما إن العرب قديمًا الذين كانوا بارعين جدًّا في علم الفراسة كانوا يعتمدون على الأنوف لمعرفة الخصائص السلوكية والنفسية للشخص من النظر إلى ملامحه كالعيون والأنوف وغيرها.
الأنف عند العرب مرتبط بخصال عديدة منها الكبرياء، فمثلًا حين نقول «رغمًا عن أنفه» وذلك حين يتحدى أحدهم الآخر، كما يرتبط بالانتصار والهزيمة «مرغ أنفه بالتراب»، والتدخل «حشر أنفه».
الخشم أيضًا له رمزيته الخاصة عند سكان شبه الجزيرة العربية، فهو بالإضافة إلى ما ذُكر من دلالات المجد والشموخ فهو يعبر بصدق عن الروابط، فحين تخاشم أحدهم فأنت لا تلقي التحية عليه فحسب، لكنك تعبر عن عمق العلاقة بينكما وتميزها.
في المقابل فإن العلماء والخبراء يؤكدون أن التحية بالأنواف عادة قديمة جدًّا عند عدد من الشعوب العربية وغير العربية، وهي ترتبط بواقع أنها تمكن الشخصين من شم بعضهما، وهذه النقطة مهمة جدًّا؛ لأن البشر تثق بشكل تلقائي بمن يملكون الرائحة نفسها.
القمر ما زال يحير العلماء.. هذه ألغازه العصية عن الحل
اندثار العادة
رغم كونها من التحيات التي تعبر عن أجمل الخصال وأرقاها لكنها بدأت تندثر شيئًا فشيئًا لأسباب عديدة. السبب الأول والأكثر أهمية يرتبط بسلامة الشعوب الخليجية خصوصًا في ظل انتشار فيروسات كورونا وإنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها خلال السنوات الماضية. وعليه فإن التحذيرات كانت تصدر عن الحكومات مطالبةً المواطنين بالامتناع المؤقت عنها.
لكن إن كانت التحذيرات تلك مؤقتةً فإن الأسباب الأخرى غير مؤقتة على الإطلاق. فمثلًا في الكويت التحية بالخشوم باتت محصورةً ببعض القبائل لا أكثر، بينما قررت الغالبية الساحقة التخلي عنها حتى إن بعض أبناء الجيل الحالي لا يعرفون معانيها أو آلية تنفيذها.
الأمر نفسه ينسحب على دول الخليج الأخرى؛ حيث باتت الفئات الشابة تفضل التحيات الأخرى الأكثر «عصرية». فحتى المصافحة العابرة باليد لم تعد ترضي الفئات الشبابية التي تفضل صيحاتها الخاصة المستوحاة من الغرب. وفي الواقع التحول هذا طبيعي ففي كل المجتمعات تندثر عادات وتقاليد معينة بحكم أنها لا تتناسب مع الواقع المعيش لهم، ناهيك بأن نزعة التمرد على العادات والتقاليد سمة عالمية للشباب.
البعض يبدي أسفه على تخلي الشباب عن هذه العادة باعتبار أنها متوارثة، ولا تعبر فقط عن هويتهم بل عن خصالهم التي يتميزون بها عن غيرهم.. خصال الرجل العربي صاحب العزة والكرامة والتواضع والأصالة وتقدير الآخرين.
بالنسبة لأهل الخليج الذين ما زالوا يتمسكون بهذه التحية فهي مفتاح القلوب والطريق للتعبير عن الحب والاحترام. فالتحية هذه بالنسبة إليهم تنشر المودة والألفة والانسجام والتقارب بين أبناء المجتمع الواحد.