عائلة بن محفوظ التجارية .. من بيع الفول إلى تأسيس أول مصرف سعودي والانضمام إلى قائمة الأثرياء العرب
• عميد العائلة هاجر من المكلا في اليمن إلى مكة المكرمة مشياً على الاقدام في رحلة استغرقت 29 يوماً
• أول تجارة رابحة للعائلة بدأت بـ 700 ريال مرسلة أمانة من المغتربين إلى أهلهم في المكلا
• مؤسس العائلة بدأ عمله فوالاً في مكة المكرمة ثم مراسلاً قبل أن ينتقل إلى مجال الصيرفة
• أسست العائلة أول بنك في المملكة العربية السعودية - البنك الأهلي التجاري السعودي- وغدا من أكبر مصارف الشرق الأوسط.
• أحد أبناء العائلة حاز المرتبة 26 في قائمة أغنى 50 شخصية عربية 2008 قدرت ثروته بثلاثة مليارات دولار
• أنشئت مؤسسة سالم بن محفوظ الأهلية عام 2012 للاهتمام بإدارة مجالات العمل الخيري الخاص
تنحدر عائلة بن محفوظ التجارية من جنوبي شبه الجزيرة العربية، من مدينة الهجرين في وادي حضرموت باليمن، وهاجر معظم أفرادها قبل نحو مئة عام إلى الحجاز، وسكنوا جنوبي المملكة، بشروره ومكة وجدة والرياض والدمام، ولهم فروع أخرى منتشرة في الإمارات وسلطنة عمان وقطر والهند وإندونيسيا وماليزيا.
تمكن عميد العائلة سالم بن محفوظ، وهو الأمّي الفقير، بحسّه الفطري وذكائه العملي، أن يقود أفراد أسرته، لتصبح رائدة في العمل المصرفي، ويحوز هو لقب "أبو المصارف السعودية"، لدوره في تأسيس أول مصرف سعودي - البنك الأهلي التجاري السعودي الذي غدا أكبر مصارف الشرق الأوسط.
امتدت أعمال العائلة إلى قطاعات أخرى، فاستثمرت في العقارات والتجارة والصناعة، وجيلاً إثر جيل أسس أفرادها الكثير من الشركات الكبرى، ما جعلها على قائمة أغنى العائلات في المملكة العربية السعودية، وحصل أحد أبنائها خالد بن محفوظ، على المرتبة 26 في قائمة "أرابيان بيزنس"، لأغنى 50 شخصية عربية عام 2008، وقدرت ثروته بثلاثة مليارات دولار.
الرحلة إلى الحجاز
يرتبط اسم عائلة بن محفوظ التجارية، بمؤسسها سالم بن أحمد بن الشيبة بن محفوظ، المولود عام 1330هـ / 1910م في قرية الهجرين من قبائل كندة، في حضرموت، وتزوج وعاش فيها عشرين عاماً، قبل أن يقرر الرحيل بتجارته إلى الهند.
ولكن نصيحة أحد أصدقائه جعلته يغير وجهته إلى الحجاز، واستغرقت رحلته من المكلا إلى جيزان، إلى مكة المكرمة، 29 يوماً مشياً على الأقدام. ولمّا وصل إلى أم القرى، لم يوفق في الحصول على عمل، فضاقت حاله، وعزم على الرجوع إلى بلده. ولمّا عرف أقرانه، حمّلوه أمانة قدرها 700 ريال إلى أهلهم، فاشترى بها بضائع جديدة وحملها معه إلى المكلا، وهناك باعها وكسب فيها وسلّم الأمانة إلى أهلها وعاد إلى الحجاز.
تأسيس أول بنك سعودي
في بادئ الأمر عمل عميد أسرة بن محفوظ التجارية، فوالاً بمكة المكرمة، ثم مراسلاً عند عائلة الكعكي في الصرافة، ثم فكر في فتح شركة صرافة باسمه، ولكن الكعكي لمعرفتهم به وثقتهم بقدراته، شاركوه في شركة الصرافة.
وبعد مدة، بحسب ما رواه الشيخ سالم، في أحد اللقاءات الصحيفة، عرض فكرة تأسيس بنك سعودي على وزير المالية ابن سلمان آنذاك، فأعجب بالفكرة وطلبه لمقابلة الملك عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، كي يعرضها عليه، وكان اللقاء، ووافق الملك على الفكرة، وظهر إلى العلن أول مصرف سعودي - البنك الأهلي التجاري السعودي- وغدا أكبر صرح مصرفي في الشرق الأوسط.
انطلاق البنك، كان نقطة تتحول كبيرة في مسار العائلة، حيث تعززت معرفتهم وحازوا ثقة المستثمرين في عالم الصرافة والمعاملات البنكية، وغدوا مرجعاً في مجالهم، وشقوا طريقهم إلى الشهرة والثراء.
وحرص عميد الأسرة سالم بن محفوظ، على رعاية أبنائه، وكانوا خمسة وهم محمد، وخالد، وعبد الإله، وصالح، وأحمد. ومن المعروف عنه، رغم أنه أمّي، حبه للعلم والتعلم، فانطلق من مكانته شيخاً لآل محفوظ، يجمع أفراد عائلته ويرسلهم إلى لبنان ولندن، ينهلون من العلم، ثم يأخذهم يتدربون ويعتلون أرفع المناصب في البنك الأهلي التجاري.
تقاسم التركة بين الأبناء
على مدار السنوات التالية، انضمّ أبناء سالم إلى الاستقرار المتنامي للشركات العائلية، عندما توفي سالم عام 1994، قسّمت التركة بين خالد الذي ورث حيازة والده في البنك الأهلي التجاري، وإخوته الأربعة الآخرين الذين وحّدوا ميراثهم إلى شركة قابضة تدعى "سدكو" (السعودية الاقتصادية والتنمية).
بروز خالد بن سالم بن محفوظ
بعد وفاة الأب المؤسس، برز الشيخ خالد بن سالم (مواليد 1949)، كان ترتيبه الثاني بين الأبناء، وقد تمكن بعلمه وخبراته وعلاقاته أن يقود أعمال العائلة، ويكمل مسيرة والده في عالم المصارف وغيرها من المجالات.
منذ صغره، درس خالد بمدارس "الفلاح" في جدة، ثم أكمل دراسته في لبنان، وقيل إنه درس بـكلية "فكتوريا" بمصر، ثم أرسله والده إلى المملكة المتحدة، ليدرس بمدرسة معروفة ببريطانيا، كان يدرس بها أبناء زعماء بعض الدول، مثل جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية (سابقاً)، وغيرهم، فضلاً عن أبناء الشخصيات الكبرى في بريطانيا، وأبناء بعض العائلات السعودية المعروفة، كالميرة وبن لادن.
وعرف عن خالد بن سالم، تحمله المسؤولية في سن مبكرة، حيث تزوج في العشرين من عمره، وهو مازال في بريطانيا، ثم انتقل إلي مدينة نيويورك، ليتدرب لمدة سنتين أو ثلاث، ليعود بعدها إلى جدة ويعمل متدرباً في قسم العلاقات الدولية في البنك الأهلي.
وتدرج الشيخ خالد، بعد ذلك في السلم الوظيفي بالبنك، حتى تقلد منصب الرئيس التنفيذي في الثمانينات، ويقال إنه هو الذي صنع البنك الأهلي بعلاقاته الواسعة، وكان من رواد الصناعة المصرفية، وكان ذا عقلية متفتحة وصاحب خبرة طويلة.
ومن أهم القرارات التي اتخذها الشيخ خالد، في تاريخ البنك الأهلي التجاري، قراره الجريء بتحويل إدارته من مؤسسة عائلية ذات مسؤولية محدودة، تلعب فيها العلاقات والمصالح الشخصية دوراً رئيساً إلى شركة مساهمة تدار بشكل مؤسساتي منظم، بحيث إن لمجلس الإدارة كامل الصلاحيات في اتخاذ القرارات التي تصبّ في مصلحة البنك.
وفي عام 1997، باع أكثر من 20 % من حصته في البنك، بقيمة 1.8 مليار دولار، لمستثمرين سعوديين، وبعدها باع 50 % من حصة العائلة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي. وفي عام 2002، باعت العائلة مجدداً ما تبقى من حصتها للصندوق نفسه. وكان الشيخ خالد، رغم هذه الخطوة، لا يزال يُعدّ أحد كبار المستثمرين السعوديين، داخل المملكة وخارجها، حيث كانت له، رحمه الله، استثمارات في إفريقيا وأوروبا والأمريكتين، وغيرها. وكان جريئاً في اتخاذ قراراته.
إسهامات ودعم للفنانين
تنوعت إسهامات عائلات محفوظ لدعم المجتمع، فقد أقام الشيخ خالد بن سالم، عدداً من المشروعات، منها مركز "المحمل التجاري" الذي يقع في قلب مدينة جدة، ويعدّ من معالمها الحضارية، ومستشفى السلامة سابقاً (مستشفى الملك فيصل التخصصي حالياً)، ومستشفى "طيبة" بالمدينة المنورة، والمجمّع الخيري في أبها، الذي تكلف أكثر من 200 مليون ريال. وله عدد من المشروعات الخيرية، منها بناء مركز "الكشف ومعالجة أورام السرطان" الذي تبرع له بأكثر من 23 مليون ريال، ودعم طلاب المنح في جدة، خاصة في البحث العلمي، وكذلك دعمه للأبحاث الاقتصادية والمؤسسات الصغيرة.
ومن المعروف عن خالد بن محفوظ، فضلاً عن كونه رجل أعمال ومصرفياً، كتابته للشعر الغنائي، باسم "الناصر"، وقد غنى قصائده نخبة من الفنانين العرب، مثل محمد عبده وعبدالله الرويشيد وراشد الماجد وعبد المجيد عبدالله وشمس، وغيرهم. وكانت تربطه بالوسط الفني علاقات طيبة، ودعم عدداً من الفنانيين والفنانات العرب.
توفي الشيخ خالد بن سالم الذي يعدّ أهم أقطاب العائلة في مدينة جدة، عن عمر يناهز الستين عاماً في آب / أغسطس 2009 ، بعد أزمة قلبية مفاجئة.
قدرت ثروته عام 2009 بثلاثة مليارات دولار، وجاء في الترتيب 26 ضمن قائمة "أرابيان بيزنس" لأغنى 50 عربياً لعام 2009 .
الجيل الثالث يكمل المشوار
بعد وفاته، تولى ابنه رجل الأعمال عبدالرحمن، قيادة دفة أعمال العائلة، فهو يرأس حالياً منصب رئيس مجلس إدارة شركات عدّة، ومن بينها "المرجان للتطوير العقاري المحدودة"، و"المرجان للاستثمار".
بينما يتولى أخوه سلطان، المنشآت الصناعية وشركات الاستثمار في العالم، وقلده الرئيس اللبناني وسام الأرز، برتبة كومندور لإسهاماته الكثيرة.
بينما تولى الشركات العقارات والشركات التجارية والصناعية، محمد بن سالم، الذي يعود إليه الفضل في تحديث الإدارة في البنك الأهلي التجاري، وصالح بن سالم يتولى الأعمال الخاصة.
وينضم إليهم محفوظ بن سالم، أحد أبناء عمومتهم، وكان المدير الإقليمي للمنطقة الغربية للبنك الأهلي التجاري، رجل المهمات الصعبة، كما يقال عنه، له كثير من المشاريع الناجحة، وقد قلده خادم الحرمين الشريفين، وسام الدرجة الأولى عام 1992، للأعمال الاقتصادية في وطنه المملكة العربية السعودية.
مؤسسة خيرية ومشاريع بالجملة
تسهم عائلة بن محفوظ في دعم المجتمع السعودي، وقد أنشأت "مؤسسة سالم بن محفوظ الأهلية" للاهتمام بإدارة كل مجالات العمل الخيري الخاص بأبناء الشيخ سالم، رحمة الله عليه، وذلك عام 2012 ، في محافظة جدة بمنطقة مكة المكرمة.
وأبرز مشاريع المؤسسة، دورة الملك سعود العلمية، ونماذج كيغن للتعلم التعاوني، والمدينة الشبابية، وتطوير أكاديمية أثر للموهبة، والتأهيل لسوق العمل والبيت الآمن، وغيرها الكثير من البرامج والإسهامات الخيرية.