قدرة السيطرة على الأفكار هي جوهر الذكاء العاطفي.. فكيف تستفيد منه في عملك؟
هل سبق وأن قابلت شخصاً ما يمتاز بأنه ذكي وناجح في عمله، لكنه في الوقت ذاته صعب المراس، بمعنى أنه ربما يكون شخصاً سلبياً مثلاً أو لا يستمع لآراء الآخرين أو يميل لإلقاء اللوم على غيره؟.. من المرجح أن كل منا سبق وأن التقى بمثل ذلك الشخص من قبل، وعموماً يمكن القول إن مثل هؤلاء الأشخاص يتمتعون بذكاء العقل، لكن ليس بـ"الذكاء العاطفي".
ما المقصود إذن بمصطلح "الذكاء العاطفي"؟
في البداية، تجدر الإشارة إلى أن القدرة على السيطرة على الأفكار من العوامل المهمة للنجاح في العمل والحياة الشخصية، لكن السيطرة على الأفكار غالباً ما تبدأ بإدارة المشاعر والسلوكيات، وهذا هو جوهر الذكاء العاطفي، والذي يُقصد به باختصار القدرة على إدراك وفهم مشاعرك ومشاعر المحيطين بك وإدارتها بطريقة مثمرة وصحية.
يذكر أنه توجد مجموعة من السمات التي يمتاز بها الأشخاص الذين لديهم مستوى جيد من الذكاء العاطفي، ومن بين هذه السمات:
- الوعي الذاتي: يمكن لمثل هؤلاء الأشخاص فهم مشاعرهم، وبالتالي يمكنهم إدارتها بشكل أفضل.
- التحكم في النفس: في استطاعتهم أن يأخذوا لحظة للتفكير في مشاعرهم وانفعالاتهم، بدلاً من التصرف بطريقة اندفاعية.
- تحقيق الأهداف: هم أشخاص منتجون ولديهم القدرة على تحقيق الأهداف قصيرة المدى وطويلة المدى بشكل فعال.
- التعاطف: مثل هؤلاء الأشخاص قادرون على فهم وإدراك مشاعر ووجهات نظر الآخرين بدون الحكم عليهم، وهو ما يجعلهم مناسبين للعمل بفعالية مع الآخرين وقيادتهم أيضاً.
- المهارات الاجتماعية: هم أشخاص ودودون ولديهم القدرة على العمل ضمن فريق بنجاح.
- المرونة: هم يدركون جيداً أن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وإنما هي مزيج من التجارب الجيدة والسيئة، من النجاحات والإخفاقات، ويمكنهم التعامل مع التجارب السلبية دون السماح لها بأن تعيقهم عن السعي لتحقيق أهدافهم.
كما يتبين مما سبق فإن الذكاء العاطفي من شأنه أن يساهم في تحقيق النجاح سواء على مستوى الحياة المهنية أو الشخصية؛ والذكاء العاطفي لا يُقصد به محاولة تجنب أو تجاهل المشاعر السلبية، بل محاولة فهم وإدارة مثل هذه المشاعر بطريقة تفيدك في حياتك؛ فعلى سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالغضب لقيام أحد عملائك بإعطائك تقييم أداء سيئ تعتقد أنك لا تستحقه، فإن الانفعال أو الصراخ سوف يزيد الأمور سوءاً بالنسبة لك، وكذلك فإن الاعتراض على التقييم أو التعامل بشكل عنيف مع العميل سيضر بعملك.
وبدلاً من كل ذلك يمكنك أن تتوقف لحظة وتبدأ في تحليل مدى صحة أو ملاءمة ذلك التقييم، فربما يوجد شئ يمكنك إصلاحه، وإذا كان لا يوجد شئ تقوم به، يمكنك ببساطة إدراك أنه ليس في استطاعتك جعل الجميع سعداء طوال الوقت، والانتقال إلى العميل أو المهمة التالية.
الذكاء العاطفي عامل حيوي للنجاح (خاصة إذا كنت تدير عملاً من المنزل):
إدارة عمل من المنزل ليس بالأمر السهل، وغالباً ما يكون ذلك مصحوباً بالتوتر والضغط النفسي، لذا فأنت في حاجة إلى أن تكون قادراً على إدارة مشاعرك والتعامل معها بشكل سليم، وإلا ستكون الأمور صعبة للغاية بالنسبة لك؛ ويذكر أن العديد من الأشخاص الغير قادرين على تحقيق النجاح في تجربة العمل من المنزل، يواجهون صعوبة في إدارة المشاعر السلبية والتعامل معها، وفي حال تعرضوا للفشل في مهمة ما فقد يعتبروا ذلك مبرراً للاستقالة.
إن عواطفك تلعب دوراً كبيراً في إدارتك لعملك، إذ أنها قد تؤثر على أمور عديدة متعلقة بمسار العمل وحياتك المهنية، ومنها:
- موقفك من عملك: فعندما تحقق نجاحاً فمن المؤكد أنك ستشعر بالسعادة، لكن عندما تمر بتجربة فشل، قد تشعر بأنه ليس لديك أي حافز للمواصلة وربما حتى تفكر في التخلي عن كل شئ ما لم تكن قادراً على إدارة عواطفك.
- سلوكك: إذا كنت تشعر بالاكتئاب، فسيكون من الصعب بالنسبة لك أن تواصل عملك، مما يؤثر على إنتاجيتك.
- طريقة تعاملك مع الآخرين: عند الشعور بالغضب أو الإحباط، فمن الممكن أن تصب جام غضبك وإحباطك على المحيطين بك، حتى لو لم يكونوا سبباً في شعورك هذا.
متى تكون في حاجة إلى الذكاء العاطفي في عملك؟
من أبرز المواقف التي تحتاج إلى التمتع بمستوى جيد من الذكاء العاطفي حتى تتمكن من تجاوزها دون أن تؤثر عليك سلباً أو تعوقك عن هدفك:
- التعرض لانتكاسات أو إحباطات أو إخفاقات.
- تلقي نقد أو تقييم سلبي.
- التعامل مع العملاء صعبي المراس.
- المرور بتغيير غير متوقع.
- ضيق الوقت المتاح أمام مواعيد تسليم العمل النهائية.
كيف يمكنك تنمية مستوى الذكاء العاطفي؟
إذا كانت ردود فعلك أو استجابتك العاطفية للتحديات أو الإخفاقات سلبية عادة، فلا داعي للقلق، حيث أنه في إمكانك تحسين وتنمية مستوى ذكائك العاطفي من أجل التعامل مع مثل هذه المواقف بطريقة إيجابية.. عليك فقط اتباع الطرق التالية:
- تنمية الوعي الذاتي: المقصود بذلك تعلم كيفية إدراك وفهم مشاعرك، من خلال الانتباه إلى الإشارات الجسدية التي غالباً ما يكون لها أساس عاطفي مثل الخمول عند الاكتئاب أو التوتر عند التعرض لضغوط أو سرعة دقات القلب عند الغضب.
- التحكم في رد الفعل: يعد أحد أصعب الأمور المتعلقة بعملية تحسين الذكاء العاطفي، إذ أن ردود الفعل أو الاستجابة العاطفية غالباً ما تكون تلقائية، لكن بدلاً من السماح لانفعالك بالسيطرة عليك خلال الأزمات، خذ لحظة للتفكير حتى تصل إلى الرد أو الاستجابة المناسبة للموقف، والتي تعود عليك بأفضل نتيجة.
- التفكير الإيجابي: ربما يكون صعباً إذا كنت تشعر بإحباط، لكن كلما ازداد تركيزك على الجانب الإيجابي في الحياة والعمل، كلما ازداد شعورك بالسعادة.
- تقبل النقد: بدلاً من اعتبار التعليقات السلبية بمثابة إهانة شخصية، يمكنك الاستماع لها والتفكير فيها وتحليلها لتحديد إذا ما كان في إمكانك الاستفادة منها في تحسين المنتج أو الخدمة التي تقدمها، وإذا لم يكن ذلك، تستطيع مواصلة في عملك.
- الانتباه إلى طريقة تواصلك مع الآخرين: يمكن لطريقة الكلام ونبرة الصوت التأثير بشكل كبير على رد فعل الآخرين تجاهك وانطباعهم عنك؛ ومن المهم بالنسبة لك أثناء التواصل أن تكون مستمعاً جيداً، أي تنتبه ليس فقط إلى ما يقال، لكن إلى تعابير الوجه ولغة الجسد ، حتى تستطيع فهم مشاعر المحيطين بك والتعامل معهم بشكل مناسب.
من الضروري ألا تستخف بأهمية الذكاء العاطفي ودوره في تحسين أدائك في العمل، فكلما كنت قادراً على التعامل مع التجارب السلبية والمشكلات في العمل والحياة الشخصية بطريقة صحيحة، كلما ازداد شعورك بالسعادة والثقة، وأصبحت علاقتك بالمحيطين بك أفضل.