أسرتك كلها معك في العمل؟ مشكلة يعاني منها الجميع
صديق لي وخلال وصفه لمكان عمله استخدم صفات وعبارات مثيرة للاهتمام. فزميله المتذمر، كما يقول، يذكّره بوالدته المصابة بالهوس الإكتئابي. ومديره نسخة طبق الأصل عن شقيقه المتعجرف. الكلمات التي اختارها بشكل لاتلقائي جعلتني أفكر بالمرات التي قمت أنا شخصياً أو شخص ما أعرفه في مكان العمل بتشبيه شخص بفرد من أفراد أسرتنا. ما جعلني أفكر بما هو مخيف بالنسبة لي على الأقل، هل أمثل أنا لشخص ما في مكان العمل فردا «مكروها» من أفراد أسرته أيضاً؟
هذه المواقف وعملية الربط هذه شائعة جداً اكثر مما يخيل إليكم.. وهي في الواقع تفرض الكثير من التحديات على كل الأطراف المعنية بالموقف. ولكن المدربين التنفيذيين وعلماء النفس يؤكدون أن هناك طرقا تمكننا من التحايل على الأمر وحتى التعامل مع الموقف أو الشخص الذي يذكرنا بفرد من أفراد عائلتنا أو شخص ما لا يروق لنا من أفراد عائلتنا.
العائلة تحدث للجميع
على كل واحد منا أن يقر ويعترف لنفسه بأن المشكلة لا ترتبط فقط بالأشخاص الذين يعانون من العصبية أو الأشخاص الذي يعانون من عدم الاستقرار العاطفي. كل مكان عمل تعيس على طريقته الخاصة، وكل واحد منا يُظهر ديناميكيات وأنماط العائلة في العمل طوال الوقت. أي شخص يبلغكم بأنه لا يعاني من أي نزاعات أو مشاكل في العمل هو من الفئة التي تمضي حياتها وهي تحاول إرضاء الآخرين.
فكروا بالأمر بهذه الطريقة، الأشخاص الذين ندخل معهم في حرب نفسية معقدة يملكون ما جعلنا ننفر منهم منذ البداية، والمدير الذي كل ما يقوله يستفزنا هو شخص يملك خصالا تجعلنا لا يمكننا احتمال كلمة واحدة منه. وبما أنه في تركيبة البشر النفسية كل شيء يعود إلى العائلة، فهؤلاء يذكروننا بخصال نكرهها أو أثرت بنا سلباً ويملكها بعض أفراد عائلتنا. وفي المقابل نحن أيضاً نمثل للآخر الفرد المكروه هذا أو ذاك من أفراد أسرته.
إليكم هذه القصة الحقيقة التي صادفت سيلفيا لافير التي تملك شركة تدرب فيها الموظفين والعاملين والمديرين في المؤسسات. سليفيا كانت سابقاً تعمل في مجال الاستشارات العائلية، وفي مؤتمر من المؤتمرات حيث كان تلقي كلمة لها عن الأهل وعلاقتهم بالمراهقين تقدم منها مدير تنفيذي لشركة للأدوية وسألها ما إن كان يهمها أن تجري جلسات علاجية لفريق المديرين في شركته لأنهم «يتشاجرون» بشكل دائم.
في بداية الأمر لم تكن متأكدة تماماً ما إن كانت خبرتها في مجال النزاعات العائلية سيفيدها في مجال الأعمال، ولكنها اكتشفت لاحقاً أن الغالبية الساحقة من القواعد التي تسري على النزاعات العائلية تسري على النزاعات بين الموظفين.
بدل الأهل هناك المديرون، وبدل الأشقاء والشقيقات هناك الزملاء والزميلات، وبدل المصروف هناك الرواتب. مكان العمل يشبه الحياة العائلية بشكل مخيف. أمر باتت الشركات الكبرى تدرك أهميته وتعترف بوجوه، فبعض من زبائن لافير الكثر هم أفيون، مايكروسوفت، غوغل وغيرها من الشركات الكبرى حول العالم.
مدير في شركة ضخمة عملت معه سألته في إحدى الجلسات عن والده، رفض بداية الأمر الحديث عنه ولكنها ضغطت عليه طالبة منه ذكر على الأقل صفة أو صفتين يملكها.. حينها كان رده بأن والده كان رجلاً يدعي أنه يعرف كل شيء، وبأن كلمة الفصل يجب أن تكون عنده وليس عند أي شخص آخر.
لاحقاً سألته عن موظف يعتبره «شوكة في خاصرته».. وكان رده: «إنه الموظف الفلاني الذي لا يصمت والذي يظن أنه دائماً على حق». بعد الحديث مع الموظف المكروه تبين أنه هو أيضاً يكره مديره لأنه يذكّره بوالده الذي كان دائماً يجعله يشعر بأن كل ما يقوم به غير كافٍ.
المشاكل والعائلة والعمل
إبراز أسوأ ديناميكيات العائلة في مكان العمل كان موضع اهتمام عدد من الباحثين الذي قرروا وضع النظريات موضع دراسة والنتائج التي تم التوصل إليها مثيرة جداً للاهتمام. الدراسة شملت مجموعة من المديرين التنفيذيين في شركات مختلفة وتبين أن الذين كانت علاقاتهم بأجدادهم ممتازة يمنحون اهتماماً كبيراً لحملة الأسهم من خارج الشركة. أما الأشخاص الذين كانوا بلا أشقاء أو شقيقات فيتعلقون بمدير الفرق، بينما بقية الأفراد ضمن الفريق العامل هم طرف ثالث غير مؤثر بالنسبة إليهم.
في المقابل الأشخاص الذين كانوا سعداء بالعمل ضمن فريق تنفيذي وصفوا أسلوب المدير المهيمن في التواصل بنفس الطريق التي وصفوا بها أهلهم. الشخص الذي تربى مثلاً في عائلة تعتمد النقاش كسبيل لحسم الأمور لا يمكنه أن يتأقلم مع مدير لا يشعر بأنه معني بشرح الأسباب خلف هذا الطلب أو ذاك.
المشكلة هي أنه رغم أن العلاقة قوية ولكن معرفة أنها موجودة كان شبه معدوم، وقلة قليلة فقط تمكنت من وصل النقاط ببعضها البعض وإدراك ما يقومون به.
في الواقع لو قام كل واحد منكم بالتفكير ملياً بالمدير الذي تحبونه أو تكرهونه أو بالزميل الذي يستفزكم حتى من دون أن يتكلم والتفكير بأشخاص في حياتكم ستجدون النقاط المشتركة التي تجعل مشاعركم تجاههم منطقية لأنكم أصبحتم تعرفون السبب حالياً.
ولكن الأمر أكبر من ذلك، ولا يتعلق فقط بمعرفة أسباب المشاعر، فهي أيضاً يمكنها أن تؤثر على حظوظ النجاح. في تلك الدراسة تبين أن عدم القدرة على فهم الأسباب التي تحرك الشخص جعلت عددا كبيرا من المديرين التنفيذين يفشلون في مهامهم وفي لعب دورهم كما يجب.
ما هي الخلاصة؟
لو افترضنا أنك في مكان عمل حيث الكل يظهر أسوأ ديناميكيات العائلة، فهل عليك الرحيل؟
ليس بالضرورة، هناك مقاربة تمكّن الشخص من مراقبة وفهم الراوبط بين ما يحدث في مكان وما يحدث أو حدث في العائلة، والتي تضمن له الخروج فائزاً على الصعيدين. عندما يدرك الشخص أنه يكره زميله لأن تصرفاته نسخة طبق الأصل عن شقيقه، حينها يمكن مواجهة الشقيق بما يحدث ومحاولة فهم الدوافع والأسباب التي تجعله يتصرف بهذه الطريقة. هذه المقاربة لا تحل المشاكل على الصعيد العائلي فحسب، ولكنها أيضاً تساعد على فهم الزميل وبالتالي تسهل عليك حياتك المهنية.
المصدر: ١