من ريف كرواتيا إلى صفحات التاريخ.. ربطات العنق من القرن السابع عشر إلى اليوم
تشكل ربطة العنق ذاك الإكسسوار الذي لا يستغني عنه معظم الرجال حول العالم، خصوصاً متى تَطلَّب الأمر التحلي بمقدار عالٍ من الأناقة الرسمية أو حضور له إيقاعه. في كل موسم، تُطلّ علينا دور الأزياء العالمية بمجموعات متنوعة ومتجددة. فتارة تأخذ هذه الربطات بضعة سنتيمترات لتصبح أكثر عرضاً، مما يحتم إجراء تعديلات على ياقة السترة المرافقة، وطوراً تتخلى عن بعض السنتيمترات فتصبح أرفع، مما يؤدي بالتالي إلى بلايزر ذات ياقة أرفع.
تتبدل الأهواء، تطلّ أكسسوارات وتختفي أخرى. وحدها ربطة العنق بقيت ذاك المفتاح الراسخ الذي لا يخفت وهجه، رغم أنه لا يتمتع سوى بمزايا جمالية. فهو، على سبيل المثال، ليس أكسسواراً عملياً يكفل الدفء شتاءً، كما إنه لا يضمن مستوى أعلى من الراحة أو العملية. فكيف برز للمرة الأولى؟ وما هي خفاياه؟ لنتعرف أكثر على مسار تطوره، نعرض لكم بعض الحقائق التي لعلّكم لا تعرفونها!
رغم أن ما من وثائق مؤكدة، يُجمع غالبية الخياطين على أن ربطات العنق استهلَّت مشوارها في القرن السابع عشر وتحديدا خلال حرب الثلاثين عاما التي اشتعلت في فرنسا. حينذاك، استعان الملك لويس الثالث عشر بجيش من المرتزقة الكرُواتيين الذين زيّنوا أعناقهم بأوشحة من النسيج الناعم. آنذاك، شكّلت هذه القطعة جزءا لا يتجزأ من زيّهم العسكري. واستُخدمت من أجل إغلاق فتحات السترة، إضافة إلى الغرض الجمالي. هذا المظهر، نال إعجاب الملك لويس، إلى درجة دفعه الى فرضه أكسسوارا إلزامياً في اللقاءات الملكية. كذلك، ومن أجل تكريم الجنود الكرواتيين، أطلق تسمية "لا كرافات" (La Cravate) على هذه القطعة التي لا تزال تحمل إلى يومنا هذا التسمية نفسها بالفرنسية.
تتمع ربطات العنق الأولى التي انتشرت في القرن السابع عشر، بأوجه شبه بسيطة مقارنة بالربطات الحالية. إنما حافظت على انتشارها في أوروبا طوال مئتي عام. لكن ربطة العنق بالشكل الذي نعرفه اليوم، لم تبرز قبل العام 1920. ومنذ ذاك التاريخ خضعت للكثير من التغييرات والتعديلات، التي تفاوتت حدّتها بين الطفيف واللافت.
بين 1900 و1909: في هذه الفترة، اكتسبت هذه القطعة مكانة مميزة. فشكلت اكسسوارا اساسياً في خزانة كل رجل. إنما ما اختلف عن النماذج التي سادت في العقود الفائتة، هو طريقة ربطها. فانتشر ما يسمى عقدة الـ"فور ان هاند" (Four in Hand)، وهي تقوم على اربع حركات اساسية، وكانت حكرا على ربطات العنق، اي انها لم تشمل يوما الاوشحة. ورغم بروز العديد من النماذج لثني ربطة العنق، ظلّ هذا الشكل الاكثر تداولا على الاطلاق بفضل شكله الكلاسيكي الذي لا تتخطاه الموضة. أما النموذجان اللذان راجا الى جانب الشكل المذكور فهما عقدة الفراشة التي اقترنت بالسجادات الحمراء والامسيات الرسمية، اضافة الى نموذج "أسكوتس" (Ascots) الانكليزي الطابع، الذي رافق اللباس الرسمي خلال أوقات النهار.
بين الـ1910 و1919: عرفت هذه المرحلة صعودا للملابس الكاجوال غير الرسمية، على حساب البذلة عموما، مما فرض تراجعا لربطات العنق التي انحسر وهجها. شكّلت الراحة والعملية ركيزتين اساسيتين لأزياء المرحلة.
بين الـ1920 و1929: مثّلت عشرينات القرن الفائت مرحلة مشرقة في تاريخ ربطات العنق. آنذاك، لَمَع اسم جيسي لانغزدورف المتخصصة في صنع هذه القطع في مدينة نيويورك. كان سرّها يكمن في طرق قصّ النسيج على نحو يحافظ على شكل هذا الاكسسوار ومتانته بعد كل استعمال. فلا يحتاج الى كيّ ليعود الى شكله الاساسي. كان هذا الاختراع سببا في بروز العديد من الاشكال والنماذج الجديدة على مستوى العقد. وفي هذه الفترة أيضا، وانطلاقا من بريطانيا، انتشرت النقوش المزدانة بالالوان الصلبة والمخططة افقياً.
بين الـ1930 و1939: انعكست حركة الـ"آرت-ديكو"، التي انتشرت في هذه المرحلة، مباشرة على ربطات العنق. فصارت هذه الاخيرة عريضة وأقصر من السابق، كما صارت تتزيّن بأنماط جريئة مستوحاة من اجواء المرحلة. في موازاة ذلك، اشتهرت عقدة "ويندسور" التي اقترنت بدوق ويندسور.
بين الـ1940 و1949: كان من الطبيعي ان تنعكس أعوام الحرب والدمار، سلبا على الموضة عموما. الرجال كانوا في الصفوف الامامية يستعدون للمواجهة. لذلك، لم يكن في البال اي حساب للاهتمام بالاناقة والاطلالة. كان اللباس العسكري هو السائد. إنما مع انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945، ساد شعور بالتحرّر، وسرعان ما انعكس في النماذج الجديدة لدى اطلاقها في الاسواق. بدا ذلك جلياً على صعيدي الالوان والتصاميم.
بين الـ1950 و1959: في هذه الأعوام تحديداً، استخدمت خامات جديدة في صنع ربطات العنق كما برزت التصاميم الرفيعة. لا يزال هذا الاسلوب يعود الى الواجهة بين الحين والآخر. فهو يعكس صورة الرجل الجنتلمان صاحب الذوق الرفيع، ذاك الذي لا يرضى سوى بالملابس المخاطة تحت الطلب.
بين الـ1960 و1969: بعكس خمسينات القرن الفائت، فإن مرحلة الستينات التي تبعتها، كانت عنوانا للتصاميم العريضة على نحو لافت. فلم يكن غريباً ان يبلغ عرض الربطة 15 سنتيمتراً! وهذه النماذج سُمِّيت "كيبر تاي" (Kipper Tie).
بين الـ1970 و1979: برزت ربطات "بولو" (Bolo Ties). شكلٌ جديد ليس مصنوعاً من النسيج، بل من حبل رفيع يلتف حول العنق ويتجه نحو الاسفل. وتجمع بين طرفيه قطعة من المجوهرات قد تكون مستطيلة او مربعة او مستديرة. لاقى هذا الاكسسوار رواجا غير مسبوق في الولايات المتحدة وتحديدا في أريزونا حيث تحوّل اللباس الرسمي لقوات الولاية ابتداءً من العام 1971.
بين الـ1980 و1989: ليست المرحلة الافضل للموضة عموما. وهذا ما انعكس على هذا الاكسسوار الذي لم يشهد اي جديد يذكر سوى انه استعاد نماذج من الحقبات السابقة. فراجت في الوقت نفسه التصاميم الرفيعة والعريضة الى جانب تلك المصنوعة من الحبال. كان اي أكسسوار يلتف حول العنق مقبولا في هذه الفترة التي شهدت شحّاً لمخيلات المصممين.
بين الـ1990 و1999: الاخطاء التي طبعت المرحلة السابقة، حاول المصمّمون تصحيحها الى حدّ كبير. فعادت هذه القطعة الى حجمها المعتدل، اي ذاك الذي يتراوح عرضه بين 9 سنتيمترات و10. أما النماذج التي لاقت انتشاراً واسعاً، فكانت تلك التي حملت نقوش الحدائق والنبات، اضافة الى نقوش الكشمير المزخرفة. وقد استعيد هذا النمط في الاعوام الاخيرة الفائتة.
بين الألفين والـ2009: فيما لم تشهد الخطوط الخارجية أي تعديل يذكر، تخلّت ربطات العنق عن بعض السنتيمترات فصارت أقل عرضا، أي انها تراوحت بين ثمانية سنتيمترات وتسعة. وفي نهاية المرحلة، عادت التصاميم الرفيعة جدا الى الواجهة.
منذ الـ2010: حاليا، تتوافر ربطات العنق وفق مروحة واسعة من الالوان والقصات والأنسجة والنقوش. ما من خيار واحد موحّد، فهذا الاكسسوار ليس الا تعبيرا عن شخصية صاحبه وتفضيلاته. كذلك، وجد المصمّمون حلا وسطا لعرض هذه القطعة. فصار الخيار الوسط الذي يُجمع عليه كثيرون هو ذاك الذي يتراوح بين سبعة سنتيمترات و7،5. اما بين العامين 2011 و2012 فبرزت النماذج المصنوعة من النسيج المحبوك وصعودا مميزاً للتصاميم التي تحمل نقوش النبات والحدائق.