علمياً.. هذا ما تفعله القراءة بعقولنا
يقول الجاحظ «إن الكتاب إن نظرت فيه، أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوّد بيانك، وفخّم ألفاظك، وبجَّح نفسك، وعمّر صدرك، ومنحك تعظيم العوام، وصداقة الملوك...».
جائزة «المليار القادم».. كيف ستلهم أصحاب المشاريع العملية لتقديم تقنيات مبتكرة؟
ويروى أن الجاحظ كان يمضي ساعات عند الوراقين في العصر العباسي، ليقرأ تلك الكتب التي لم تكن بحوزته. وأطلق عليه “شهيد الكتاب” إذ يروى - والعهدة على الراوي أن كومة من الكتب سقطت على رأسه، في أثناء انهماكه بالقراءة، ففارق الحياة. تلك المسيرة الحافلة التي جعلته أيقونة القراءة في تاريخنا، جاءت على ما يبدو، لما اكتشفه من لذتها، فما بالنا لو قرأ الجاحظ ما توصل إليه العلم الحديث من تأثير القراءة في عقولنا التي سطر منها المتخصص في مجال القراءة د. ساجد العبدلي 19 دراسة.
من هذه الأبحاث ما اكتشفه علماء في جامعة إدنبرة وكلية كينغز لندن، في دراسة نشرت عام 2014 في مجلة «جمعية تطور الطفل» البريطانية SRCDJ، حيث تبين في اختبارات أجريت على التوائم لمدة عشر سنوات، أن الشقيق الذي تخطى شقيقه بكمية القراءة، تفوق بصورة ملحوظة في اختبارات الذكاء العقلي، وتفوق في اختبارات الذكاء غير اللفظية أيضاً، كالمنطق والاستنتاج.
هل يتحكم مساعد العملاء الافتراضى بعمليات خدمة العملاء بحلول 2020 ؟
كما أن القراءة التي لا يدرك البعض قيمتها، هي التي اكتشف باحثون عام 2001 بأنها تزيد المعرفة العامة بمقدار ما يقرأ المرء. غير أن اللافت في هذه الدراسة التي نشرت في دورية “التوجيه المباشر” JDI، تتمثل في أن من بنوا معرفته من خلال القراءة، كان لديهم “إدراك أعمق وأدق للعالم من حولهم، مقارنة بأولئك الذين بنوا معرفتهم من مشاهدة التلفزيون، بل في الواقع، تناسبت مشاهدة التلفزيون عكسياً مع ازدياد المعرفة”.
دراسة جديدة تكشف مكاسب المملكة من الذكاء الإصطناعي بحلول 2030
وحتى الحوار العابر بين بالغين نافسته القراءة، من جهة أنه يضيف ما معدله 17 كلمة جديدة في الألف، تفيد في بناء الثروة اللغوية، في حين أن البرامج الحوارية الراقية، تكسب متابعيها 23 كلمة جديدة في الألف. أما كتب الأطفال، فتمنحهم 31 كلمة جديدة في الألف، بحسب دراسة صدرت في دورية «التدريس المباشر» الأميركية، عام 2001، بعنوان «تأثير القراءة في العقل». وتبين أن الصحف والمجلات التي لا قد يلقي البعض لها بالاً، تعدّان مصدراً لا يستهان به في تعزيز المخزون اللغوي.
وحتى الأدب، كالروايات والقصص التي ربما يعدّها بعض عشاق القراءات الجادة ليست ذات قيمة، فإن بحثا علمياً نشر عام 2013، كشف لنا أن القراءة تحسن عمل العقل الذي يعده علماء النفس عاملاً حيوياً في بناء علاقات إنسانية ناجحة. وهذه القصص والروايات تجنح بالإنسان بعيداً عن ضغوط الحياة، لما يعمله الخيال في ذهن القارئ.
وهذا يعني أن القراءة ليست فعلاً جاداً فقط، بل هي "أفضل وسائل الاسترخاء علمياً"، فبعد أن حاول مركز دراسات العقل التابع لجامعة ساسكس البريطانية، استعادة الهدوء للمشاركين، بعد تعرضهم لاختبارات بدنية وذهنية، جاءت القراءة على رأس قائمة الاسترخاء، ثم حلّ بعدها الاستماع إلى الموسيقى، وتناول فنجان من الشاي أو القهوة، أو تمضية بعض الوقت في نزهة.
إذن القراءة هي بالفعل جهد مريح، وممتع، ومفيد ويبعث على الاسترخاء. وهو ما حاول أن يخبرنا به جدنا الجاحظ، قبل نحو 1200 عام، وبالرغم من ذلك، ما زالت أمتنا لا تقرأ، كما تقرأ الشعوب المتقدمة.