«سترة البومر» هكذا كتبت تاريخها طوال أكثر من 80 عاماً
يبدو أن الموضة التي تستلهم من المجالات العسكرية عشرات التصاميم، ترى في هذه البقعة، التي لا تمتّ أساساً إلى الفن بصلة، منبعاً للأفكار القابلة للتدوير وإعادة التدوير. ويبدو المستقبل القريب، على الأقل، سيبقى مديناً لـ"الميدان" بالكثير من اللحظات الأنيقة.
فمن يحاول أن يتعمق أكثر ببعض القطع الأيقونية الراسخة في خزانة الرجل، يدرك أنها مأخوذة من ساحات القتال والمعارك: من معطف "بيربيري برورزوم" الأيقوني، إلى سترات الطيارين التي تستولي على جزء كبير من الأناقة الرجالية، انطلاقاً من الأعوام الأربعة الأخيرة، وصولاً إلى القمصان والإكسسوارات المطبوعة بالكثير من اللمسات العسكرية.
ما سر العلاقة بين الموضة والجيش
لعل الهالة والغموض والسلطة التي تحيط بالضابط العسكري، وغالباً ما تجعله محط الأنظار، تشكل مجتمعة السبب؛ هذه الميزات، تضاف إليها مجموعة القيم المتجذرة فيه تجعله صاحب شخصية مميزة، يبحث عنها الرجل في لا وعيه.
ولعلّ الموضة تبحث عن تلك الصورة الجذابة لذاك الذي لا يهاب شيئاً، وتسعى لترجمتها في تصاميم مختلفة تلبي حاجات الرجل العصري.
على أي حال، من يمعن النظر في كثير من القطع الرجالية المستوحاة من الأجواء العسكرية، يدرك أنها تمزج البُعدين العملي والجمالي في قالب واحد.
الواقع أن سترة الدراجين، تجذرت في الحروب التي طبعت القرن الفائت، ولا تزال محافظة على حضورها، بفضل الترجمات والتعديلات التي خضعت لها على أيدي مجموعة كبيرة من المصممين العالميين.
وإليكم أبرز المحطات في رحلة البومر جاكيت خلال أكثر من 80 عاماً
- في أربعينات القرن الفائت، شهدت سترتا A2 وB-15 عصرهما الذهبي.
إزاء تطوّر تكنولوجيا الطيران الحربي، احتاج الطيارون إلى لباس خارجي يحميهم من الطقس البارد، من دون أن يؤثر في قدراتهم على التحرك.
الإضافات التي دخلت إلى قمرة القيادة جعلتها أضيق، فبرزت حاجة جديدة للطيارين، وهي نسيج يضمن الدفء من دون أن يتطلّب مساحة ضخمة.
فانتقل المصمّمون تدريجاً من الجلود صوب الصوف والنايلون المقاوم للرطوبة والماء.
لولا تأثير سترتين مختلفتين: أي A2 وB-15، لما كانت سترة البومر المنتفخة، شقت طريقها نحو خزانات الحاضر.
الأولى مصنوعة من الجلد الطري وتتمتع بجعبتين كبيرتين عند الجانبين، فيما الثانية تأتي أكثر انتفاخاً، بما أنها مصنوعة من قماش النايلون المقاوم الماء، وتتمتع بتفاصيل من الفرو عند حدود الياقة.
إنفوجراف| دليلك الكامل لارتداء الوشاح.. 6 نصائح تجعلك أكثر تألقاً
- لدى انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتحديداً خلال عامي 1949 و1950، برزت في الواجهة سترة MA-1، بعد إجراء تعديلات على سابقتها B-15.
الفرق الأساسي يكمن على مستوى الياقة. فاستبدل بالفرو نسيج مترابط، منعاً لحدوث أي مشكلات تقنية لدى استخدام المظلات.
كما أدخلت إليها تعديلات عملية، منها تفاصيل بلون البرتقال النابض من الداخل، لتتمكن فرق الإنقاذ من العثور على الطيار في حال تعرضه لحادث سقوط.
- مع اندلاع حرب فيتنام، استُبدل باللون الأزرق الداكن الأخضرُ الزيتي، لضمان التمويه، وهو الميزة التي تعدّ في صلب العمل العسكري الميداني، فيما حافظ النايلون على حضوره بما أنه مقاوم للمطر.
- بعد انقضاء الحرب الكورية، وتحديداً خلال حقبة الخمسينات، دخلت سترات البومر الحيّز العام. فلم تعد سترة MA-1 حكراً على خزانات العسكر.
ميزتان أساسيتان سهلتا انتشارها: وزنها الخفيف وقدرتها على ضمان الدفء.
هكذا وجد فيها سكان أوروبا وأستراليا "استثماراً آمناً". إذ إنها شكلت قطعة أنيقة وعملية تصلح للأجواء المناخية الباردة الممتدة من أيلول وحتى آخر الربيع، أي حين تراوح الحرارة بين 10 درجات تحت الصفر و10 درجات فوق الصفر.
المؤكد أنه خلال هذه المرحلة الانتقالية، أي من الميدان العسكري إلى الشوارع العالمية، شهدت هذه السترة تعديلات أساسية. فاستُبدل بالصوف الاكريليك، منعاً لتعرضها لتآكل الحشرات. كما عمل المصنّعون على تغيير الخامة بشكل يجعلها قادرة على تحمل كميات أكبر من المطر.
- مع هذا الانتشار، لم تتردد الشرطة في تبنّي هذه السترة ضمن لباسها الرسمي، خصوصاً أن الكثير من أفرادها يمضون ساعات طويلة من العمل خارج المكاتب.
- تزامن خروج هذه السترة من خزانة العسكر إلى المتاجر، خلال ستينيات القرن الفائت وثمانينياته، مع بروز مرحلة ثورية، تمردية في أوروبا والولايات المتحدة واليابان.
ففي هذه المرحلة، أخذت جماعات "حليقي الرأس" (البانك) الانكليزية تنسق هذه السترة مع قمصان قطنية وسراويل جينز وجزمات "دكتور مارتن" الضخمة.
راحوا يتبنون أنماطاً مختلفة من هذه السترات، منها -65 وM-51.
كما انتقلوا من لوني الأخضر العسكري والأزرق الداكن إلى الأحمر البرغندي.
في المقابل، نسّق اليابانيون الذين برز لديهم اهتمام كبير بالملابس الأمريكية، وفق أسلوب أكثر رصانة والتزاماً.
- في ثمانينيات القرن الفائت، دخلت سترة MA-1 المنتفخة أجواء هوليوود.
صارت أشبه بتلك القطعة العصرية الـ"كول" التي لا غنى عنها. كان ستيف ماكوين أول من ارتداها في فيلم "ذا هانتر" the hunter (الصيّاد) عام 1980، تبعه هاريسون فورد، حين ادى دور "إنديانا جونز" في فيلم "ريدرز اوف ذا لوست أرك" " Raiders of the Lost Ark " (غزاة تابوت العهد المفقود).
اللحظة الأشد تأثيراً في ساحة الموضة، كانت مع توم كروز في فيلم "توب غان" عام 1986. حينذاك، ارتدى ذاك الاسمر الجذاب سترة A-2 الجلدية، التي سرعان ما اكتسحت الأسواق العالمية بشكل جنوني.
- انطلاقاً من عام 2000، أخذت هذه السترة، على تعدد نسخاتها، تعتلي المنصات العالمية.
تطل حيناً بشكل رصين يحاكي رجل الاعمال الكلاسيكي، وحيناً آخر بشكل مرح يجعلها تلائم عطلات نهاية الأسبوع.
أما خطوطها فمتعددة، أحياناً منتفخة، وأحياناً أخرى ترسم قوام الرجل الرفيع. مهما تعددت الخيارات المتاحة، تبقى هذه السترة قطعة أساسية تجمع بين الأسلوب المتميز والأناقة الشخصية والمرونة في التحرك.