لنتذكر عمالقة من عصرنا.. محمود درويش شاعر العرب
«هزمتك يا موت، الفنون الجميلة جميعها هزمتك، يا موت الأغاني في بلاد الرافدين، مسلة المصري، مقبرة الفراعنة، النقوش على حجارة معبد هزمتك.. وأنت إنتصرت». كتبها محمود درويش ورحل.
في التاسع من آب/أغسطس من العام ٢٠٠٨ رحل الشاعر الفلسطيني محمود درويش عن عالمنا تاركاً خلفه إرثاً لا يتجاوزه الزمان أو المكان.
الشاعر الفلسطيني الذي حمل ألقاباً عديدة يملك أكثر من ٣٠ ديواناً في الشعر والنثر بالإضافة الى ٨ كتب تجاوزت شهرته العالم العربي وترجمت أعماله الى عدة لغات والأهم أنه حمل قضية شعبه الى كل بقاع العالم خلال كلماته وصوته الجهوري الذي لا يشبه سوى نفسه.
البداية.. والنهاية
في ١٣ مارس/آذار عام ١٩٤١ ولد محمود درويش في قرية البروة في الجليل في فلسطين. سنوات قليلة ووجد الطفل نفسه يغادر بلاده بعد نكبة ٤٨ وفي لبنان أمضى عاماً كلاجئ . ولكن الأسرة عادت متسللة عام ١٩٤٩ الى قريتها لتجدها مدمرة بالكامل فكانت القرية الجديدة المجاورة لقريته الأصلية منزله الجديد.
إلتحق في شبابه بالحزب الشيوعي الإسرائيلي وعمل في مجلة الجديد وصحيفة الإتحاد وخلال سنوات لاحقة أصبح مشرفاً على تحرير المجلة.
تم إعتقاله أكثر من مرة من قبل السلطات الإسرائيلية منذ عام ١٩٦١ بسبب نشاطه السياسي.. وإستمر الحال على ما هو عليه حتى عام ١٩٧٢ حين غادر فلسطين بإتجاه موسكو ومن هناك الى القاهرة حيث إلتحق بمنظمة التحرير الفلسطينية ثم انتقل الى لبنان حيث عمل في موسسات النشر والدراسات التابعة للمنظمة ليعود ويستقيل منها بعد إتفاقية أوسلو.
بدأ كتابة الشعر في المرحلة الإبتدائية وكان همه القضية الفلسطينية، آخر قصائده كانت بعنوان «أنت منذ الآن غيرك» عام ٢٠٠٧ وفيها إنتقد التقاتل الفلسطيني. شعره مقسم حسب المراحل التي مر بها، فهناك مرحلة الإرتباط بالوطن والقضية وهناك مرحلة المنفى وطبعاً قصائد الحب والتأملات الشخصية.
لدرويش ما يزيد على ثلاثين ديواناً من الشعر والنثر بالإضافة إلى ثمانية كتب ومن دواوينه عصافير بلا أجنحة، أوراق الزيتون، أصدقائي لا تموتوا، عاشق من فلسطين، العصافير تموت في الجليل، حالة حصار وغيرها.
وفي التاسع من آب/أغسطس توفي درويش في الولايات المتحدة بعد خضوعه لعملية جراحية للقلب ودفن في الثالث عشر من الشهر نفسه في رام الله.
لكل معاناة.. قصيدة
أحن الى خبز أمي
لعلها القصيدة التي يعرفها كل صغير وكبير في العالم العربي بعد أن قام بغنائها مارسيل خليفة. القصيدة هي«إعتذار» منه لوالدته وقد كتبها وهو في السجن عام ١٩٥٦. علاقة درويش بأمه كانت معقدة بعض الشيء كما يقول، فهو الأوسط بين شقيقين، وكان يتم إحتسابه مع الكبار عند تحميل المسؤوليات ويتم إحتسابه مع الصغار عند التوبيخ ما جعله يشعر خلال سنوات الطفولة بأن أمه لا تحبه مثل باقي إخوانه.. وبما أن والده كان من النوع الذي يحب التعبير عن مشاعره فإن قناعته تلك تعززت. عندما تم إعتقاله وسجنه جاءت أمه لزيارته وهي تحمل معها القهوة والخبز ولكنها منعت من إدخالها.. سمعها درويش تحاول بكل ما أوتيت من قوة إقناعهم وحين سمح لها بالدخول حضتنه كما لو كان طفلاً صغيراً وأجهشت بالبكاء فإنهار ذلك الوهم الذي هيمن عليه لفترة طويلة وإكتشف بأنه ظلمها فكتب لها قصيدة إعتذار..
أحن إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر في الطفولة
يوماً على صدر يومِ
وأعشق عمري لأني
إذا متُّ، أخجل من دمع أمي.
نسب صادمة لحالات الطلاق في المملكة !.. تعرف على 5 أسباب وراء تفاقم الظاهرة
بطاقة هوية
عندما عاد درويش«بطريقة غير شرعية» الى قريته المدمرة وجد نفسه يعيش كلاجئ مجدداً وإنما هذه المرة في بلده. ولأن العائلة كانت غائبة أثناء أول إحصاء إسرائيلي للعرب ولانهم كانوا «غير شرعيين» أصبحوا «حاضرين غائبين».. بلا بطاقات هوية وبلا جواز سفر. كان محمود درويش «مقيماً» في بلاده يتنقل ببطاقة سفر. وضعه هذا جعله يكتب قصيدة «بطاقة هوية» عام ١٩٦٧.
«سجل أنا عربي، ورقم بطاقتي خمسون ألف».. صرخة غضب أدت الى وضعه في الإقامة الجبرية في العام نفسه.
أصدقائي لا تموتوا
في التاسع من تشرين الثاني عام ١٩٨١ كان محمود درويش مع صديقه ماجد أبو شرار في روما حيث كانا يشاركان في مؤتمر عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. هناك شهد درويش على إغتيال صديقه التي وضعت قنبلة تحت سرير فكتب قصيدة «أصدقائي لا تموتوا».
وفي الحب أيضاً
محمود درويش العاشق المعذب ترك للعاشقين حول العالم الكثير من القصائد لعل أشهرها قصيدة ريتا. حكاية ريتا إكتنفها الغموض لبعض الوقت إذ أن البعض ظن أنها رفيقة السلاح بحكم أن الأبيات تقول «بين ريتا وعيوني بندقية».. ولكن ريتا كانت إسرائيلية وإسمها الحقيقي تمار بن عامي.. واقع أحدث صدمة بين محبي درويش خصوصاً وأنه ذكرها في ٣ قصائد وهي «ريتا والبندقية» وذكرت أيضاً في ديوان «آخر الليل» و«ريتا أحبيني» في ديوان «العصافير تموت في الجليل».
وفق رواية تمار بن عامي فهي تعرفت لدرويش في حفلة لشبيبة الحزب الشيوعي الإسرائيلي وكان الحب فورياً. ولكنها إختارت لاحقاً أن تصبح جندية في سلاح البحرية الإسرائيلية فكانت نقطة التحول في قصة الحب التي انتهت. فدرويش وفي إحدى المقابلات قال «حرب يونيو ١٩٦٧ أنهت قصة الحب».
«أنا العاشق السيء الحظ، تمر قلبي علي
أنا العاشق السيء الحظ، نرجسة لي وأخرى علي»
هكذا يصف درويش حياته العاطفية، فهو وبالإضافة الى قصة حبه مع ريتا تزوج مرتين، ولكن الطلاق كان مصيرهما.