لماذا تعتبر المملكة أكثر الدول تمويلا لمكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي ؟
استكمالا للسياسيات التى تعتمدها المملكة العربية السعودية، في مكافحة الإرهاب في المنطقة، والمناطق المجاورة، باتت المملكة أكثر الدول الممولة للحرب علي الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، بعد أن تعهدت بالتبرع بمائة مليون يورو للقوة الأفريقية المشتركة التى تشكلت من أجل مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل، وذلك بفارق كبير عن أمريكا التى تعهد بالتبرع بـ60 مليون دولار فقط.
يأتي هذا فيما بحث اجتماع دولي عُقد في العاصمة الفرنسية بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون أمس، سبل توفير الدعم السياسي والعسكري والمالي للقوة الأفريقية المشتركة التي تشكّلت مطلع العام الحالي من أجل مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي.
دول العالم تدعم القوة
وكان من أولى النتائج الملموسة لهذه القمة، أن تعهدت السعودية بتقديم مائة مليون يورو للقوة المشتركة، وبذلك باتت أكبر دولة مموّلة لمكافحة الإرهاب في الساحل، فيما وعدت الإمارات بتقديم 30 مليون يورو. وسبق لواشنطن أن أعلنت عن مساعدة تصل قيمتها إلى 60 مليون دولار.
وشارك في اجتماع أمس، قادة الدول الأفريقية المشكلة للقوة المشتركة المسماة "جي 5"، وهي بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، إضافة إلى الرئيس ماكرون ورئيسي حكومتي بلجيكا وإيطاليا، وممثلين عن الولايات المتحدة، والسعودية التي مثّلها وزير الخارجية عادل الجبير، والإمارات، والاتحادين الأفريقي والأوروبي، والأمم المتحدة.
وناقشت القمة الوضع السائد في مالي؛ حيث فشلت الأطراف حتى اليوم في تنفيذ اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه بعد التدخل الفرنسي العسكري في هذا البلد بمساعدة الجزائر. وكان لافتاً أمس، أن الجزائر غابت عن القمة إذ لم ينجح الرئيس ماكرون في إقناع المسؤولين الجزائريين خلال زيارته الجزائر الأسبوع الماضي، بالمشاركة في اجتماع سيل سان كلو.
تفاصيل في القمة
قمة في ضاحية سيل سان كلو الواقعة غرب باريس، أمس، وأخرى في بروكسل، خلال شهر فبراير (شباط) المقبل، وقبلهما قرار في مجلس الأمن يحمل رقم "2391"، صوت عليه بالإجماع في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إضافة إلى الإعلان عن دعم سياسي ومساهمات مالية وعسكرية... كل ذلك دعما للقوة الأفريقية المشتركة المسماة "جي5" التي تتكون من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا، والتي أطلقت في الربيع الماضي، وغرضها الأول محاربة التنظيمات الإرهابية الناشطة في بلدان الساحل. وهذه التنظيمات تحمل أسماء متعددة؛ منها "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، و"المرابطون"، و"بوكو حرام".
قمة أمس جاءت بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وجمعت إليه وإلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسي حكومتي بلجيكا وإيطاليا، وممثلين عن الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة العربية السعودية التي مثلها وزير الخارجية عادل الجبير، والإمارات، والاتحادين الأفريقي والأوروبي، والأمم المتحدة، رؤساء الدول الخمس المعنية وبعثات أفريقية أخرى، مما يجعل من اجتماع أمس مؤتمرا دوليا بامتياز
ثلاثة أهداف للقمة
أما الأهداف من القمة فهي ثلاثة: الأول، الدفع باتجاه توفير الدعم السياسي والعسكري للقوة المشتركة للدول الخمس وجعلها قادرة على القيام بمهامها في ربيع العام المقبل على أبعد تقدير، علما بأن الغرض هو أن تتشكل من 5 آلاف عنصر وتكون قادرة على العمل المشترك في البلدان الخمسة. والهدف الثاني، توفير الأموال الضرورية لإطلاقها؛ ، إذ إن حاجاتها المالية تقدر بـ250 مليون يورو بداية ثم ما لا يقل عن 60 مليون يورو في العام.
وأخيرا، انكبت القمة على التداول بالوضع السائد في مالي؛ حيث فشلت الأطراف في مالي حتى اليوم في تنفيذ اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه بعد التدخل الفرنسي العسكري في هذا البلد بمساعدة الجزائر. والمدهش، أمس، أن الجزائر، رغم أنها معنية بالدرجة الأولى بموضوع الإرهاب في منطقة الساحل، غابت عن القمة، ولم ينجح الرئيس ماكرون في إقناع المسؤولين الجزائريين، خلال زيارته الجزائر الأسبوع الماضي، بالمشاركة في اجتماع سيل سان كلو.
أولى النتائج الملموسة برزت من خلال الإعلان عن الالتزامات المالية للأطراف المشاركة. وحلت المملكة السعودية في المرتبة الأولى بالتزامها بتقديم 100 مليون يورو للقوة المشتركة، فيما وعدت الإمارات بتقديم 30 مليون دولار.
وسبق لواشنطن أن أعلنت عن مساعدة تصل قيمتها إلى 60 مليون دولار. بيد أن الطرف الأميركي يريد أن يتحكم بكيفية تقديم المساعدات مباشرة للقوى العسكرية المفروزة من كل بلد من البلدان الخمسة وليس المرور بالصندوق المشترك. كذلك كان الاتحاد الأوروبي قد وعد بتقديم مبلغ 50 مليون يورو وطلب من كل دولة من دول الساحل الخمس أن توفر 10 ملايين يورو.
حلول لمواجهة قد تطول لسنوات
لكن هذه المساهمات وإن كانت تقترب في مجموعها مما هو مطلوب للانطلاق، إلا أنها لا تحل معضلة توفير الأموال لعمل طويل المدى. وتدل تقديرات المسؤولين والخبراء على أن محاربة الإرهاب عملية ستأخذ سنوات وسنوات. لذا، فإن المطلوب من مؤتمر بروكسل المقبل أن يجد الحلول لتمكين القوة المشتركة التي تحظى بدعم دولي من أن تعمل بشكل فعال وأن تستمر في عملها.
من جانب آخر، يمكن عدّ مؤتمر أمس ناجحا بسبب الإجماع على دعم ومساندة القوة الأفريقية التي قامت الشهر الماضي بأول عملية عسكرية ميدانية مشتركة. وإذا كانت باريس تقف في الصف الأول بسبب ماضيها الاستعماري وحضورها العسكري في منطقة الساحل حيث تنشر في إطار ما تسميها "عملية بركان" 4 آلاف رجل إضافة إلى قوة جوية وقوات كوماندوز، إلا أنها لم تعد وحيدة بفضل وجود 14 ألف عسكري في مالي في إطار قوة "مينوسما" وبفضل الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي.
أوروبا تنخرط في مكافحة الإرهاب بأفريقيا
وقالت مصادر رسمية فرنسية إن الحضور الألماني - الإيطالي - البلجيكي وحضور ممثل عن الاتحاد الأوروبي، غرضه إظهار "انخراط" أوروبا في مسألة الأمن ومحاربة الإرهاب في أفريقيا.
وتريد باريس أن تخفف من العبء الذي تتحمله في أفريقيا حيث تدخلت عسكريا مرتين في السنوات الأخيرة: الأولى في مالي في عام 2013 ،والثانية في جمهورية أفريقيا الوسطى في العام الذي تلاه. لكن باريس تتخوف من "البطء" في إطلاق القوة المشتركة ليس فقط بسبب التمويل؛ ولكن بسبب استعادة لمجموعات الإرهابية أنفاسها في المنطقة وقيامها بمجموعة من العمليات العسكرية التي تبين أنها ما زالت فاعلة في ثلاثة من البلدان الخمسة. وفيما دعت مالي إلى الإسراع في إعداد القوة المشتركة، كرر ماكرون أنه "يتعين التحرك سريعا في الساحل ووضع حد للمسار الحالي" حيث "سجل الإرهابيون نجاحات عسكرية وأخرى رمزية".
تخوفات فرنسية أفريقية
وتتخوف فرنسا من أن تنجح التنظيمات الإرهابية في إعادة تشكيل عناصرها وأن تقضم مساحات من الأراضي كما كان وضعها في السابق؛ أي قبل العملية العسكرية الفرنسية في مالي، وذلك رغم ضعف عدد العناصر الإرهابية الذي يقدر بما يتراوح بين 500 و800 عنصر في مالي وحدها.
وفي المؤتمر الصحافي الذي تلا القمة، قرع ماكرون ناقوس الخطر. وقال الرئيس الفرنسي: "علينا أن نربح الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، والحال أنها مشتعلة، وهناك عمليات هجومية كل يوم، وثمة دول مهددة، (ولذا) علينا أن نكثف جهودنا". والهدف الذي عينه ماكرون هو "إحراز انتصارات في الفصل الأول من عام 2018 "وهو ما دعا إليه أيضا الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا الذي وعد باستمرار الجهود من أجل أن "يحل السلام فعليا في مالي".
من جانبها، قالت المستشارة الألمانية إنه "م يعد من الممكن الانتظار". وكان واضحا من خلال ما قيل علنا وما تسرب عن الاجتماع أن الأوروبيين والأميركيين مارسوا ضغوطا على الأفارقة لحث الخطى والإسراع في تشكيل الأطر العسكرية والهيكلية التنظيمية، فيما هم يتكفلون بتوفير التمويل والعتاد والتخطيط والمعلومات.