جوني ديب لـ"الرجل": انا انسان منبوذ.
لونس أنجلس- باتريشيا دانهر:
جوني ديب دخل الخمسين من العمر هذا العام، ودعوني اقول انه ما يزال الرجل الثابت عند الشدائد، ولا خوف عليه من ان يفقد منزلته هذه في وقت قريب. وفي الآونة الأخيرة انفصل ديب عن شريكته وأم طفليه التي عاش معها فترة طويلة، وهي الممثلة والمغنية الفرنسية فانيسا باراديس، كما انه ابتعد عن الخمر أيضاً، يبدو انه اخذ يقترب من الفصل الثاني من حياته المشوّقة، من خلال ادخال تغييرات مهمة جداً على عاداته وممارساته، وربما بإتاحة المجال لبعض ما هو جديد منها.
ازمة منتصف العمر..
التقيت ديب مرات عدة، وهو بحميميته ودفئه نفسيهما، كما عهدته في كل مرة جلسنا سوية، هو من باب التندّر طلب من النادل بيرة خالية من الكحول، وحرص على ان اكون قد لاحظت ذلك. ثم قال لي ضاحكا "إنها بيرة مزيفة، هل هذا مقبول؟ سمعت ان الألمان يصنعون نبيذاً مزيفاً جيداً، ويجب ان اجربه في المرة القادمة. ودعينا نترك مسألة العمر خارج حديثنا، وفيما اذا كنت أواجه أزمة منتصف العمر كوني بلغت الخمسين، اعتقد ان الامر لا يختلف عن بلوغ الأربعين أو الثلاثين، ففكرة الاحتفال بعيد الميلاد أجدها دائماً نوعاً من الحلية التافهة. واعلم أنها عشر سنوات من عمري، لكن لم استيقظ فجأة لأقول يا الهي ظهري يؤلمني!
ودعيني اجيب عن سؤالك عن أزمة منتصف العمر. فهي حدثت لي وكنت يومها في العشرين من عمري. وكنت أنهمك في كثير من مداواة النفس. فكنت اسأل نفسي أسئلة فلسفية من قبيل ما هي الحياة؟ ولماذا أنا موجود هنا؟ وما الذي عليّ ان أقوم به؟ فهل تهمك أيّ منها.
وفي حينه اخترت ان أخفف من تلك العملية بالكحول والمخدرات. وكانت تلك أزمة منتصف العمر بالنسبة لي. واليوم لا اشعر بشرارة مشحونة بطاقة هائلة تجعلني اتحمّس غدا لشراء مازيراتي او فيراري بألوان عدة أو اي شئ من هذا القبيل؛ إن كان هذا ما يدور في ذهنك. بل أنا مرتاح جداً في شاحنتي القديمة".
فيلم الحارس الوحيد..
التقيت ديب في بيشوبز لوج رانتش في سانتا فيي، حيث جرى تصوير بعض مشاهد فيلمه الأخير "الحارس الوحيد". النقاد لم يعجبهم الفيلم وعوائده كانت مخيّبة الى حد ما، لكن ديب لا يقلقه هذا. وهو نجم ثريّ خاصة من عوائد سلسلة أفلامه "قراصنة الكاريبي" التي عمل في إنتاجها الى جانب كونه مثل دور البطولة للكابتن المحبوب جاك سبارو. ودارت شائعات عن كونه تسلّم نحو 35 مليون دولار عن كل سلسلة من أفلام قراصنة الكاريبي. والسبب الاهم من هذا هو كون ديب ينحدر من أصول سكان أمريكا الأصليين، اذ كانت جدته قد نشأت بين قبائل تشيروكي من قبائل الهنود الحمر، فأراد ان يؤدي دوره في الفيلم بشكل صحيح ومنصف، بعد ما كان يراه من إجحاف بحق تونتو في أفلام هوليود السابقة التي صورته تصويراً ينم عن عنصرية وضيق أفق.
يقول ديب "هذا المسلسل التلفزيوني شاهدته في طفولتي وسحرتني شخصية الحارس الوحيد تونتو، لكن حتى كطفل في الخامسة أو السادسة من العمر كنت اشعر ان هناك شيئاً غير منصف في القصة. فكيف يمكن ان يتعيّن على الرجل الأحمر القيام بهذا وذاك، ولا يكون سوى مرافق؟ ولماذا الولد ذو الشعر الأبيض هو المهيمن والمحبوب بتلك الدرجة؟
ولكوني قضيت الكثير من الوقت مع مارلون براندو ورأيت دفاعه المستميت عن حقوق قبائل الهنود الحمر السكان الأصليين في أمريكا، بدأت افكر ان كل ما بوسعي ان افعله، هو ان اقوم بتمثيلهم بالشكل الصحيح. وكان أملي بأن يصبح تونتو عين الجمهور المراقب وأذنيه، فاقتربت من شخصيته كشخصية الممثل بإستون كيتون في السينما الصامتة، وأردت تقليل الحوار الى ادنى حد ممكن، فتركت لملامح وجهه ان تنقل الحوار وهي تتحدث الى الجمهور أكثر بكثير من القصة. وهذا ما كنت أؤمن به دائماً.
جوني ديب ممثل .. موسيقار .. منتج
ديب لم يكن ممثلاً وكفى. فهو موسيقار ومنتج بارع وله أصدقاء كثر. وفي السنوات القليلة الماضية أخذ يعمل على إنتاج فيلم وثائقي عن حياة صديقه المغني وعازف ألغيتار كيث ريتشاردسون. وسجل أكثر من أربعين ساعة من المقابلات معه ومن حفلاته الموسيقية. كما قرأ مسوّدة النسخة السمعية لكتاب عن السيرة الذاتية لريتشاردسون.
يقول ديب: أستأنس كثيراً بصحبة كيث. وفي احد الايام تشجّعت وسألته عن لحن أغنيته Make No Mistake فقد مرت سنوات عليها، وكنت نسيت اللحن مع ان لي اذناً موسيقية جيدة. فأمسك كيث بغيتاره وبدأ يعزف لي اللحن. وستكون تلك من اللحظات التي تبقى راسخة في ذاكرتي، وتلك الصورة ستظهر أمام عيني يوم أموت.
يضيف ديب "نحن سنبدأ قريبا بجمع المواد للفيلم الوثائقي ثم ننظر في ما جمعناه. لكن لسنا على عجل. كما وصلتني مع كتابه مسوّدة النسخة السمعية وطلب مني كيث نفسه قراءة المسوّدة، وهذا شرف لي ان يكون اختارني لقراءة كلماته، وقد يبدو شيئاً من التبجّح ذكر أسماء فنانين مهمّين بنى كيث صداقته معهم ونجح على ما يبدو في الإبقاء عليها. فصداقته مع شيين ماك غوان تعود الى أكثر من عشرين عاماً. وكان كيث قد ظهر في فيديو موسيقي “That Woman’s Got Me Drinking”." R
التمثيل مجرد عمل..
احب تمثيل الشخصيات. وأتقصّى أفكاراً وشخصيات مختلفة ربما تسنح لي الفرصة لتمثيلها. وأعرف جيدا في قرارة نفسي أن التمثيل لا يعني شيئا؛ انه مجرد حركات في الحياة. بالطبع أتمنى ان تكون الحركات التي اديتها في الأفلام تساعد في شيء ما أو في جعل من يقرون بأنفسهم. لكنها في النهاية مجرد سينما وإذا بدأت القنابل تنفجر حولنا بعد دقيقتين، عندها سنعلم جميعاً ما الذي يهمّ فعلاً. إذن التمثيل بالنسبة لي مجرد عمل وتذكري انه مجرد عمل.
عائلة جوني ديب..
منذ أكثر من عام تدور شائعات عن كونه يواجه مشكلات في زواجه، منذ ان شارك في إخراج الفيلم The Rum Diaryوتورط في علاقة مع أمبر هيرد التي تقاسمت معه بطولة الفيلم، وما يزال يتواعد معها. ديب وزوجته باراديس كان لهما منزل في باريس لفترة طويلة، وما يزال يشعر بارتباطه بتلك البلاد بعد انفصالهما. ولهما مشاريع عدة يعملان عليها منذ سنين، وبضمنها فيلم عن الروائية الفرنسية سيمون دي بو فوار. يقول ديب انهما سيواصلان العمل معاً في المستقبل.
ولداه للي روز (14 سنة) وجاك (11) من المعجبين بمشاهدة أفلامه، ولو ان ديب نفسه يندر ان يجلس ليشاهد نفسه على الشاشة ويقول " لا اشاهد نفسي في الافلام وما زلت اجد ذلك صعباً. وكلما جلس ولداي لمشاهدة احد أفلامي فهما عادة يقومان بذلك عندما أكون خارج البيت. وإذا حدث ودخلت الغرفة أتراجع فوراً وأذهب الى مكان آخر. وهما ما زالا يشاهدان الافلام التي مثلت فيها القراصنة وفيلم تشارلي ومصنع الشوكولاتة، اما زوجتي السابقة فانيسا فيعجبها شخصية الكابتن جاك وكذلك ايد وود"
لا يتردد ديب بالقول "منذ ولادتي تقريباً شعرت دائماً بأني منبوذ. هذا ما شعرت به دائماً ولم اشعر إطلاقا بأني أنتمي الى أي مكان، لم انتمِ الى أي جماعة خلال سنوات دراستي العليا وقبل تركي الدراسة. والشخصيات التي مثلتها في أفلامي جميعها خارجة عن الانتماء تقريباً. وهناك بالتأكيد علاقة تربط بعضها ببعض. وما زلت اشعر بأني خارج أي انتماء. ما زلت ذللك الطفل وسعيد بكوني جاهلا بقدر ما اسمح لنفسي بذلك. لم أرَ نفسي إطلاقا جذاباً أو اني جذاب جنسياً. وهي فكرة تافهة بالنسبة لي.
فكرة التمثيل برمتها يراها ديب ضرباً من الجنون. ويقول ضاحكاً وهو يهزّ برأسه " انه أمر تافه ان يقف شخص من الخارج ليشاهد كل هذا التمثيل يجري. أعني انه جنون فعلاً. وهناك لحظات أقول فيه حسناً انت والد طفل ما، وهذا ما عليك ان تفعله كي تكسب معيشتك. وها انت تقفز وتؤدي أصواتاً من اجل معيشتك وانت والد طفل ما. انه شعور غريب".
وأنا مازالت متحمّساً لعملية الابتكار مثلما كنت دائماً. لقد أحببته دائماً. وأحب ان اعمل في الشرق الأوسط المنطقة التي لها تراث أدبي غني وقديم. فانا أحاول دائماً إيجاد شيء مختلف أو ان أضيف شيئاً الى شخصية ما أمثلها. وأعتقد ان أسوأ جريمة في السينما هي ان تجعلها مملّة بالنسبة لجمهورك. وأنا أحاول ان اقدم كل مرة شيئا مختلفا بقدر الإمكان لأفاجئ الجمهور. وإذا شعرت ان فكرة ما جرى تمثيلها من قبل ويطلب مني المخرج أداء الدور نفسه، أقول له لا حتى وان كان مخرجاً عظيماً".
أزمتي مع الشهرة..
لكن ديب ما يزال فعلاً يواجه صعوبة مع الشهرة ومع ملاحقات المصورين الباباراتزي له، فلا يقدر أن يمشي في الشارع دون ان يضايقه الناس من حوله. يقول ديب " لا يمكن التعود على مثل هذه الأشياء وإذا اعتدت عليها فأنت معتوه حقاً. أعني أني اقدر كل ذلك بشكل عميق جداً، لكن هناك حدود لما يمكن تحمّله ولذلك لا أغادر مسكني ولا اذهب الى أي مكان. ولماذا يجب ان اتحمّله؟
ولفترة طويلة حاولت ان أكون صادقاً وصريحاً عن حياتي الشخصية، لكن هذه الأيام الإنترنت متاحة لأطفالي وبإمكانهم قراءة الحقيقة والكذب والرواية والشائعات وكل هذا يغذيهم. ولذلك قررت الآن ان لا أتحدث عن أي شيء، وإذا بدأت الشائعات تدور، فدعها تدور، وإذا اضطررت إلى الجلوس مع أطفالي فسأشرح لهم ان كل هذا هو جزء من مخاطر المهنة بالنسبة لي ولوالدتكم، وأنه ليس بيدنا التحكم به".