محمد كاظم الأنصاري :من سيارة شحن إلى مجموعة شركات
الدوحة – إسماعيل مرزوق
محمد كاظم الانصاري رجل أعمال قطري بدأ من الصفر، وبعد رحلة كفاح ومثابرة، أصبح واحداً من كبار رجال التجارة والاقتصاد في قطر، رجل شديد التواضع، واستطاع أن يبني قلعة صناعية كبرى ويبلغ مكانة اقتصادية رفيعة.
تعدّ مجموعة شركات الكاظم من ضمن كبرى الشركات في قطر، وتم إطلاقها في عام 1970، وتنوّع نشاطها إلى مؤسسة ذات سمعة عالمية في مجالات عدة: الهندسة، والعقارات، والصيانة، والمياه، والمصاعد ومراكز التجميل.
ومحمد كاظم الانصاري، مؤسّس مجموعة الكاظم في قطر، التي كانت بدورها الأساس لانطلاقة محمد كاظم في توسيع وتنويع استثماراته التجارية والاقتصادية.
تعددت مشروعاته التجارية من مشروع واحد إلى كثير من المشروعات؛ ورغم المطبّات الصعبة التي تعرض لها خلال مشواره التجاري، فإنه لم ييأس بل تقبلها بروح رياضية، كونه رجلاً رياضياً وعسكرياً (عقيد سابق) بالقوات المسحلة وحارساً للمنتخب القطري، ورئيساً للنادي الاهلي. ونشأ فى أسرة تجارية وشرب التجارة من جده ووالده، ولم يرث منهما أموالاً كغيره، بل ورث الصبر وتحمل المسؤولية، بعد أن تعرض جده ووالده للخسائر الكبيرة.
فجده كان يمتلك أسطولاً من السفن البحرية وله ست سفن، وكان ينقل المواد الغذائية والبناء بين العراق ودول الخليج في الثلاثينات، ولكن فجأة خسر جده كل شيء بعدما غرقت هذه السفن، ومات متأثراً بالمرض نتيجة حزنه الشديد على تلك الخسارة. ومن هنا تعلم من جده الصبر والمثابرة. أما والده فقد كان يعمل في "أرامكو" في مشروعات صغيرة، خلال وجوده في السعودية، واستقرّ بها فترة طويلة لممارسة تجارته الصغيرة، من خلال بيع المواد الغذائية، إلى أن مات بعد فترة عصيبة من المرض.
يقول الأنصاري لقد تعرّضت لأيام صعبة عندما توفي والدي بعد صراع مع المرض، حيث كان يعالج في لبنان لأكثر من سبع سنوات، وأرسلته الدولة على نفقتها إلى بيروت عام 1955.
ولم أره لمدة عامين، وأتذكر وأنا صغير ذهبت مع عمي إلى الشيخ خالد بن حمد آل ثاني واصطحبني معه بالطائرة لزيارة والدي في بيروت، بعدما علم بأني لم أره منذ عامين.
وبعد وفاته تعرّضت للمتاعب وازدادت علينا أعباء الحياة، وتعلمت الاعتماد على النفس والصبر لتحقيق الذات.
ويقول الأنصاري لقد نشأت في أسرة تجارية، فأنا لست تاجراً وليد مصادفة، ولكنني من عائلة كل أفرادها يعملون في التجارة، فعدا والدي وجدي، كان هناك عمي الأكبر حسن محمد كاظم تاجراً للؤلؤ والذهب في البحرين. وعمي حسين محمد كاظم عمل في تجارة الأدوية، وكانت له صيدليات عدة في قطر، وأكثر من بلد عربي آخر، وكان أول شخص ينشئ صيدلية في الدوحة، وبعدها تعددت صيدلياته وانتشرت في قطر والوطن العربي.
أما عمي الأصغر إسماعيل فكان تاجر أخشاب في السعودية، وكل أقاربي يمارسون التجارة، فابن عمتي علي الوزان كان رئيس غرفة تجارة البحرين في الخمسينات، وابن عمتي عبدالله بن إبراهيم الباكر، من كبار التجار في عائلة الباكر، وتجارته ممتدة بين قطر والإمارات والبحرين والقاهرة. ولم اعتمد على أحد وبدأت من الصفر، وتذكرت مقولة والدي - رحمه الله - الاعتماد على النفس فضيلة وعزّ النفس ميزة. وتعلمت الاعتماد على النفس والصبر لتحقيق الذات. ورغم ما تعرضت له من بعض الخسائر، فإنني اكتسبت من الخبرة ما يؤهلني إلى مزيد من النجاحات التي أتت رويداً رويداً، حتى أصبحت أقف على قدميّ بمفردي وليس بمساعدة الآخرين.
اول صفقات حياتي (كادر)
أتذكر أول صفقة في حياتي من خلال شراء سيارة " تانكر" ماء لنقل المياه، وسيارة شحن، ولكن مع كثرة المتاعب قررت بيع السيارتين، واتجهت للعقارات بالمصادفة، حيث اشتريت قطعة أرض في منطقة المطار القديم، بمبلغ 36 ألف ريال، وبعد يومين من شرائها عُرض عليّ بيعها بمبلغ 40 ألفاً. وبعد بضعة أسابيع بعتها بـ 45 ألف ريال، وأدركت أن تجارة العقارات مفيدة، حيث اشتريت قطعة أخرى حققت منها عائداً مجزياً. وقمت بشراء منزل بمبلغ 600 ألف ريال، واستغرب الكثيرون من تلك الصفقة، بعد إجراء بعض الإصلاحات وبعته بمبلغ كبير. تطورت أعمالي وأقمت أول شركة في حياتي.
ويقول: توسّعت أعمالي وبدأت اطرق أبواب العقارات والتجارة والصناعة، حيث بدأت في بناء الفيلات وبيعها في مدينة خليفة، وأقمت 616 فيلا في مناطق عدة، بالإضافة إلى بناء مدرسة و48 فيلا أخرى، وتم تأجيرها للجالية المصرية لمدة خمس سنوات، بوساطة السفير المصري.
كم عدد العاملين في شركاتك؟
بدأت أول مشروعاتي التجارية بعامل ومهندس واحد، ومع مرور الوقت ارتفع عدد العاملين إلى نحو ثلاثة آلاف عامل، بعد أن دخلت مجال تصنيع الملابس الجاهزة وتصديرها.
هناك محطات ومطبّات كثيرة تعرضت لها؟
- التجارة علمتني أشياء كثيرة، أهمّها الصبر وتحمّل المسؤولية؛ ففي عام 1975، افتتحت مخبزاً في ألمانيا لإنتاج الخبز العربي، بمشاركة صديق لبناني وآخر ألماني، وللأسف تعرضت للنصب والخسارة والتلاعب بشكل كبير، وخسرت الصفقة كلها، بل وخسرت أكثر من 600 ألف دولار. بعدها تعرضت لبعض المتاعب، وافتتحت مركز عطور في البحرين، ومصنعاُ للملابس الجاهزة أيضاً.
لحظات لا أنساها(كادر)
كنت لاعباً في صفوف النادي الأهلي القطري، ولعبت للمنتخب القطري لكرة القدم وأشهرها ضد البرازيلي بيليه، عندما زار فريق سانتوس البرازيلي الدوحة، وكنت رئيساً للنادي الأهلي أيضاً بعد اعتزالي.
وعلى المستوى التجاري، توسّعت أعمالي من خلال إقامة مركز تجميل ومواد البناء والبلاط، ثم مصنع الملابس الجاهزة، وكذلك مجال نقل الحجارة من الفجيرة. وهذه باختصار ملامح من تلك المسيرة.
لقد أعطت الدولة 25 رخصة تجارية لتصنيع الملابس الجاهزة، فحصلت على رخصة واشتريت رخصة أخرى من احد التجار، وأصبح معي رخصتان لصناعة الملابس الجاهزة: الأولى تضمّ مصنعاً فيه 2000 عامل والأخرى 1000 عامل. وفي الوقت نفسه، سافرت مع وزير التجارة إلى أمريكا.
عملت لمدة 10 سنوات في صناعة الملابس الجاهزة، وهذه كانت أصعب مرحلة أمرّ بها، نظراً لارتفاع عدد العاملين ومتطلباتهم ورواتبهم. ولكن بعد فترة طلبت الدولة إيقاف هذين المصنعين لعدم وجود حصة "كوتاه" من أمريكا، حيث أقرّت أن قطر لا تحتاج إلى المساعدة، ومن هنا تم إيقاف المصنعين وترحيل العاملين، ومع إيقافهما لم اخسر، بل لم اكسب ما كنت احلم به.
بعدها رجعت مرة أخرى للعقارات، وأسّست شركة مصاعد كهربائية، بعد ان حصلت على الوكالة الحصرية لشركة "ماشيبا" الماليزية. ثم أقمت اكبر مركز عطور في البحرين، وكنت وكيلاً لإحدى الشركات العالمية للعطور، وفتحت في مجمع الشيراتون بالبحرين، ولكن لم يكتب لنا النجاح، وخسرت نحو مليون و200 الف دولار. ورغم خسارتي فإنني محظوظ في التعامل تجارياً خارج قطر.
متى تم إنشاء مجموعة الكاظم؟
في عام 1972، وهي تضم عقارات وتوريد الأحجار والكنكري"الزلط" والمصاعد وعدداً من الشركات الأخرى.
كيف تقضي أوقاتك رغم مشاغل العمل المستمرة؟
اقضي معظم أوقات عملي في المكتب بمجموعة الكاظم، حيث أحب إدارة العمل بنفسي، لأن الحضور الشخصي شيء مهم.
أين تقضي إجازتك؟
احرص سنوياً على زيارة إسبانيا، خاصة في أوقات الصيف، عندما نجتمع والأسرة لاختيار بلد المصيف، فيكون الاختيار إلى إسبانيا. لقد سافرت إلى دول كثيرة جداً، وأجمل مدينة تشدني هي مربيّا في إسبانيا. وأمارس الرياضة يومياً، كوني حارساً لفريق الأهلي والمنتخب القطري.
هل أولادك يسيرون على نهجك؟
لي أربعة نجوم هم اولادي، يعيشون في انجلترا للتعليم؛ فناصر (20 عاماً) يدرس في تخصص السياحة والتجارة، وأخواته: أميرة الابنة البكر تدرس العقارات والتجارة، ومريم في الثانوية العامة وتطلعاتها دراسة الطب، وريم صغرى بناتي تدرس في المرحلة الثانوية، ولكن تطلعاتها دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية. ولم أتدخل في اختياراتهم وأترك لهم حرية اختيار كل منهم حياته ومستقبله.
أين الرياضة في حياتك الآن، رغم انك كنت حارساً لمرمى النادي الأهلي؟
الرياضة شيء مهم في حياتي اليومية، ولا يخلو يوم من ممارسة الرياضة، وهذا الشيء تعلمته من الصغر كوني حارساً لمرمى الأهلي ورئيساً للنادي أيضاً، بل وكنت عسكرياً، وتعلّمت أن أنام باكراً وأستيقظ باكراً، بالإضافة إلى هواية تربية الخيول، حيث امتلك إسطبل خيول يضم 22 خيلاً في نادي الفروسية، وأشارك في معظم البطولات المحلية والعالمية، وحصلت على الكثير من الجوائز في بطولة العالم بدبي وكأس ولي العهد وبطولات كثيرة في انجلترا وأيرلندا.
هل تتذكر أبرز المواقف مع والدك؟
لاشك أن من المواقف التي لا أنساها عندما زرت أبي في بيروت أثناء مرضه، وقال لي "تذكر مراقبة الله في أعمالك".
من تتذكر من زملاء الدراسة؟
علاقتي بزملاء الدراسة قوية، رغم أن مراحل التعليم كانت ما بين الدوحة ومصر، عندما مرضت امي وسافرت بها إلى القاهرة للعلاج، ويومها قررت الحصول على الثانوية العامة من مصر، والتحقت بمدرسة الأورمان الثانوية، وحصلت على الثانوية العامة "علمي".
وبعد عودتي للدوحة حصلت مرة أخرى على الثانوية العامة قسم أدبي، حتى التحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة. ومازلت على اتصال بزملاء الدراسة علي عبد اللطيف المسلماني وسيّار الماعود، ويعملان بالخارجية، ونظراً لحالة الانشغال الدائم نجتمع على فترات متباعدة لإعادة الذكريات.
هل ترى نفسك في احد ابناءك ؟
بالطبع ابني ناصر يأتي إلى الشركة من وقت إلى آخر، حسب إجازته، حيث يدرس في انجلترا. ويأتي للمجموعة للاطلاع على كل الأمور واكتساب الخبرة، ليكون رجل المستقبل.
أين دور الأعمال الخيرية؟
للأعمال الخيرية دور مهم وأساسي في حياتي، حيث حرصت على القيام بالكثير من الأعمال، ومنها بناء 14 مسجداً في مختلف البلدان: مصر، والفلبين، وبنغلادش، وماليزيا، واليمن، وإندونيسيا، وبعض الدول الإفريقية. وهناك مركز لتحفيظ القرآن في اليمن وبنغلاديش ومؤسسة لتعليم الطلاب في اليمن.
هل من قرار ندمت عليه؟
في الحقيقة لم اندم طوال حياتي على شيء، وأتعامل بقاعدة عدم الندم على ما فات أو ما خسرت، وأبدأ في مجال تصحيح الأخطاء، لأن الحياة مدرسة، وكل يوم نتعلم منها وفيها وأن تلك المصاعب أكسبتني نظرة إلى المستقبل. وهذا ما أعلّمه لأبنائي.
ما فلسفتك في الحياة؟
الصدق وحسن المعاملة، حتى أنني في العمل لا اشعر العاملين بأني رئيس لهم، بل أخ وصديق، وتربطني بهم علاقات وطيدة، وهذا سرّ نجاح مجموعة الكاظم؛ فمهما كسبت من المال لا يساوي حب الناس. فحب الناس نعمة وكنز كبيران. وأحبّ ان اسرد قصة عامل بدأ معي منذ 30 عاماً، وعندما كبر رفضت مغادرته البلاد ليعيش معنا. وبعد مرضه رفض الرجل الانتقال إلى بلاده ولا يزال موجوداً بيننا وأعدّه بركة المجموعة، وهذا سرّ الحب بيني وبين العاملين معي.
رفضت ان اكون عضواً بمجلس ادارة الغرفة بالتعيين او التزكية، وخضت الانتخابات لأربع دورات انتخابية. وعقيدتي أن التاجر لا بدّ أن يختاره التجار، بدلاً من أن يهبط من أعلى.