الرجل بعد الستين...إكتئاب وملل؟!
الرجل: دبي
هو التقدّم في العمر وما يحمله من مشكلات نفسية متعددة تُرافق الرجال والنساء على حدٍ سواء. وإحدى هذه المشكلات "الكآبة". إذ يميل الرجل إلى الكآبة، ويشعر بأنَّ رحلة الحياة وصلت إلى النصف، وبأنَّ النهاية قد تكون قريبة. والاكتئاب بحسب ما تُعرِّفه الاختصاصية بعلم النفس العيادي فرح مقدِّم في حديث لـ"النهار" هو "حال مزاج متدنٍ، يرافقه على الصعيد الصحي اضطراب بوظائف النوم، وتوقف عن تناول الطعام، وتدنٍ في الوزن. أما على الصعيد النفسي فيتمثل بتلاشي الحياة الاجتماعية والعزلة، وعدم الرغبة في الخروج من المنزل ولقاء الناس، مع تراجع في الإنتاجية، وانعدام غريزة الحياة. وفي الستين عادةً يراجع الرجل حساباته معيداً النظر بمسيرة حياته التي تقارب النصف قرن ونيِّف. فيفكر بالضغوطات التي مرَّ بها، وبالحروب والأزمات التي عاشها وأثرت فيه، مروراً بالوظيفة التي لا زال يشغلها منذ زمن، لينتقل للتفكير بعلاقته بزوجته التي ضربها الروتين، أو كيف تأثرت هذه العلاقة بعد خسارة شريكة الحياة التي أسس معها المنزل وربَّى الأولاد، وكيف تطورت علاقته بالأولاد. ليكتشف بعد كل ذلك أنَّه لم يعش الحياة التي رغب فيها، قائلاً: "ما عملت شي بحياتي، معقول أنا ما بستاهل"، وترافق عوارض الاكتئاب أسباب متعددة تتمثل إما بخسارة العمل، أو مرض أحد أفراد العائلة أو الأقارب، أو خسارة فرد من العائلة، ما يشكِّل حادثاً مفجراً يعقبه حالُ حِداد تتشابه عوارضه والاكتئاب. وتلفت مقدَّم إلى أنَّه "إذا انتهت فترة الحداد ولا زالت العوارض موجودة يكون ذلك تكريساً لمرض الاكتئاب الذي قد يصل إلى نقطة خطرة وهي الانتحار، بحيث يرغب الرجل في وضع حدٍ لحياته. هذا يتطلب تدخلاً فورياً لطبيب نفسي أو معالج كي يصف له دواءً بعد أن تتراكم الشروط الحاضنة والمساعدة لإنتاج الاكتئاب. ويتأسس الإكتئاب لدى الشخص بعد مروره بصدمة في الصغر أي قبل سن الخمس سنوات. إلا أنه لا يجب أن يعتبر أي إنسان يمرُّ بلحظات صعبة أنه يعاني من الإكتئاب بل تكون تصرفاته رد فعل فيزيولوجي على عوامل نفسية يخضع لها وتسبب له ضغطاً عصبياً طبيعياً يتجلَّى في القلق، وكثرة الأكل أو قلَّته، أما الاكتئاب كي يبرز فيجب أن تكون صدمة (trauma) ما قد أسست له. وهذه الصدمة هي عبارة عن حادث غير متوقع قوي يترك حالاً انفعالية سلبية. وترتبط الصدمة الحالية المؤسسة للاكتئاب بحادث مفجِّر يشبه الصدمة التي أثَّرت به في الصغر وبقيت لسنين طوال مخفية أو مستترة. ووصل إلى مرحلة ما لا يعود بمقدوره التماسك نفسياً، فهناك من يضعف في سنّ العشرين أو الأربعين أو الستين، فهذا مرتبط بمدى قوة الجهاز النفسي"، وتتابع مقدِّم لافتةً إلى أنَّ "الرجل يمرُّ بضغوطات أكثر من المرأة لا يستطيع التعبير عنها، على عكس المرأة التي تعبر أكثر بجسمها ودموعها. والسبب يرتيط بالتربية الشرقية التي تخنق الرجل وتضغط عليه، مانعةً إياه من التعبير. وغالباً ما تشكو المرأة من أنَّ زوجها غير حنون عليها وعلى أولادها قائلةً: "ما بيعرف يحب أولاده أو يحن عليهم" متناسية أنَّه لم يعتاد على "التعبير". وهذا أكيد، إذ لم تعلمه والدته التعبير عن مشاعره ولم تشجعه عليه، فكيف له أن يعرف كيفية تقديم الحنان، وهو الذي يكبر على جملة "أنت رجل يجب أن لا تعبِّر، أن لا تبكي... وإذا ما عبَّرت فأنت ضعيف". وهذا ما يؤكد أنَّ الرجل مظلوم، ولهذا يموت كثيرٌ من الرجال بأمراض القلب والضغط نتيجة تراكم مشاعر مكبوتة لا مكان لإفراغها والتعبير عنها. وهناك كلمات في اللغة الفرنسية تصف الوضع جيداً، فمن يشعر بجهد (préssion)، إذا لم يفرغه من خلال التعبير أي (expression)، سيتجمَّع غضبه ويكبر ليصل إلى ضغط (compression)، ما يؤدي إلى اكتئاب (dépression)"، كما تشير مقدِّم إلى أنَّ "الحياة حلقة دائرية، فيها عائلة مؤلفة من أب وأم وأولاد، ولكل منهم دوره. إلاَّ أنَّ أي خلل بالأدوار بين الأب والأم سيؤثر في الأولاد إن لم يكن بطريقة مباشرة فحكماً سيؤثر بطريقة غير مباشرة. فالأب هو مصدر السلطة والقواعد الاجتماعية، هو الحامي، والأم هي الحنان، والرعاية، والحضن الدافىء، وكاتمة الأسرار التي تهتم بالحاجات الأساسية للأولاد، وأول نافذة اجتماعية لهم على المجتمع. وعموماً تتأثر شخصية الولد بتربية والدته، فإذا عرفت كيف تحبه وكيف تعامله سيشعر باكتفاء من الحب والعاطفة، وإذا ما حضنته أقل مما يلزم سيشعر بنقص في الحب وسيعاني من كآبة تختلف أنماطها من شخص لآخر. فالحقيقة النفسية أي هي "كيف عايشتُ أنا الصدمة وكيف عايشها شقيقي أو شقيقتي"، تختلف تبعاً للتربية ولرد فعل الشخص المختلف عن بقية أفراد الأسرة. وإذا ما كانت الأم تهمل ابنها لن يتعلم أن يكون حاضناً، بل سيظن أنَّ الحب يكمن في الإهمال، إذ إن هذا ما مرَّ به وأحسَّه من خلال التربية. أما إذا كان هذا الرجل- الطفل متعوداً على اهتمام المرأة - الأم، ولم يجد مستقبلاً خلال حياته الزوجية هذا الاهتمام سيشعر بأنه غير مرغوب وسيصاب باكتئاب"، وتشير مقدِّم إلى أنَّ هذا الاكتئاب مع التقدم في العمر، قد يظن البعض وخصوصاً الأولاد أنه بإمكانهم تعويضه، إلاَّ أنَّ الشراكة الزوجية تفترض أموراً حميمة لا يستطيع أن يعوِّضها إلا الشريك نفسه. وإذا غابت الشريكة المرأة وحاول الأولاد تسمية الحفيد باسم الأم الغائبة، فهذا لن يعوِّض النقص العاطفي والاهتمام. وقد يبحث الرجل عن كيفية ملء الفراغ الذي سببه الغياب من خلال اقتناء الحيوانات، أو العمل لساعات أكثر، وذلك للحصول على توازن نفسي يكون فعالاً في أحيان وغير فعال في أحيان أخرى، إذ ترتبط كآبته بتاريخه الشخصي والنفسي".
العلاج النفسي: وتلفت مقدِّم إلى أنَّ "قليلين هم الرجال الذين يزورون الطبيب في عمر الستين للتعبير عن اكتئابهم"، مؤكدةً على أهمية "دور علم النفس وفعاليته، فالرجل الذي يشعر باكتئاب عليه استشارة اختصاصي قد يساعده في مواجهته وتخطيه ويكون العلاج محفزاً له. أما إذا كان اكتئابه حاداً، نطلب منه التنفيس عبر الإفصاح عما يخالجه وسرد الأحداث التي مرَّ بها في حياته. فالحادث المفجر له جذور نعود بها لماضي هذا الرجل بعد جلسات عدَّة تتراوح بين الـ12 جلسة وصولاً إلى الـ 6 أشهر أو أكثر، حيث نسأله "ماذا حدث معك؟ كيف كان رد فعلك؟" للبحث عن الخسائر التي تعنيه وردود أفعاله ودور محيطه. وعندما يعي الواقع نقدَّم له نصائح التنفيس عن هذا الإكتئاب تتمثِّل في تحديد ساعات وأن يكون توقيت نومه في الوقت عينه كل يوم، وتنظيم نوعية طعامه وتوقيته، وممارسة رياضة المشي 45 دقيقة مدَّة 3 أيام في الأسبوع. أما إذا كان هناك أناس من حوله يسببون له الإزعاج والإكتئاب فيمكننا استدعاؤهم بناءً على طلبه وموافقته لمعرفة ما إذا كانوا يؤثرون فيه بطريقة سلبية".