«فوربس»... مجلة الأغنياء كيف أصبحت فقيرة؟
08 مارس 2014
الرجل-دبي:
بحكم نشأتي في الغرب الأوسط، فإنّ فكرتي عن الثراء كانت تتجلى بطبيب الأسنان الذي كان يقطن على بعد شارعين منّا ويمتلك منزلاً مؤلفاً من طابقين هو الأكبر بين منازلنا جميعاً وسيارة «كاديلاك» تجدها مركونة في ممر منزله. وخلال جلوسي مرةً في عيادته وقعت بين يدي نسخة من مجلة «فوربس» لأكتشف في تلك اللحظة وجود مستوى مختلف من الثروات، يتخطى جميع خيالاتي.
بعد مرور بضعة عقود من تلك الحادثة، انتهى بي الأمر أعمل في مجال النشر في نيويورك خلال ثورة الويب في 2001. وكانت «فوربس» لا تزال تؤرخ لعمالقة جدد من خلال أعداد أسبوعية محشوة بقصص بطولية وإعلانات مربحة.
وعلى الرغم من أنني تعلمت التشكيك بالأثرياء، إلّا أنني لم أكن يوماً محصناً ضد إغراءات الثروة، لذلك لم أتردد لحظة في تلبية دعوة حضور حفل على متن «هاي لاندر»، وهو يخت عائلة فوربس. فقد كان ستيف وتيموثي أبناء مالكوم فوربس، اللذين يتوليان إدارة المجلة، يقيمون دوماً حفلات على متن اليخت للصحافيين والمعلنين والمديرين التنفيذيين.
وفي إحدى هذه الحفلات وبالتحديد في العاشر من سبتمبر 2001 سنحت لي فرصة القيام بجولة بالطائرة فوق نيويورك، وكانت واحدة من أجمل ليالي حياتي.
للأسف، جميع الأمور الجميلة تصل إلى نهايتها، حتّى بالنسبة للأثرياء، ففي وقت ما هذا الشهر، ستنتقل ملكية «فوربس» من سلطة العائلة إلى سلطة شركة أجنبية.
وقد تمّ تسريب معلومات أن التحالف الصيني «فوسن الدولي» عرض شراء المجلة بنحو 250 مليون دولار، غير أنّ مقربين من الصفقة، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، لفتوا إلى صعوبة وقوع الاختيار على التحالف لتدني السعر المقدم. وتتضمن قائمة المشترين الأجانب شركة الاستثمار العالمي «سبايس» السنغافورية فضلاً عن «أكسل سبرينجر» الألمانية. وبغض النظر عن جميع هذه العوامل ففي وقت ما هذا الشهر ستباع مجلة كانت ترمز يوماً للعظمة والرأسمالية الأميركية مقابل مبلغ بسيط لمستثمر أجنبي.
وتأمل عائلة فوربس أن تحصل على 400 إلى 500 مليون دولار مقابل المجلة والموقع الإلكتروني، وليس من الصعوبة معرفة السبب. ففي 2006 باعت العائلة حصة صغيرة لشركة «إليفيشن وشركاه» مقابل 264 مليون دولار، ما يعني أنّه بعد إتمام الصفقة وتقسيم المبلغ لن يتبقى الكثير للعائلة (قد يكون هذا السبب وراء نشر الوسائل الإعلامية لأخبار مفادها ان العائلة ستحتفظ بحصة بسيطة بعد إتمام صفقة البيع).
وبحسب المحلل الإعلامي كن دكتور الذي اطلع على وثيقة عرض البيع، فإنّ السعر المرتفع كان يعتمد على استنتاجات وردية وغير واقعية حول الكلفة والعائدات الإعلانية. كما أنّ تصميم «فوربس» على تشغيل موقع مجاني، في الوقت الذي يزيد فيه اعتماد منافسيها على عائدات اشتراكات الموقع يبدو أمراً خطيراً. كما أنّ عدم وضوح خطة التطور قد تكون السبب الذي دفع مؤسسة «تايم» وغيرها من شركات الإعلام الأميركية إلى التغاضي عن هذه الصفقة بعد اطلاعها على سجلاتها المالية العام الماضي. ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّ مجلة «بيزنس ويك» التي كانت تعاني من خسائر مالية ضخمة بيعت مقابل 5 ملايين دولار في 2009.
التأسيس
في المقابل تعتبر «فوربس» علامة عالمية قوية، ولكن من كان ليتوقع أنّ المجلة التي يقودها ستيف فوربس، الرجل الذي ترشح للرئاسة بالاعتماد على القوة الساحرة للرأسمالية الأميركية، يمكن أن تباع لشركة أجنبية؟
بداية، تم تأسيس «فوربس» على يد الجيل الأول من عائلة فوربس، بي سي فوربس، ولكن تمّت الاستفادة منها لأقصى درحة من قبل الجيل الثاني المتمثل بمالكوم. فقد شكل مالكولم أحد عمالقة الإعلام مع كل ما يتطلبه ذلك من نمط حياتي فاخر وجزر وقصور وطائرات خاصة جسدت علامة «فوربس». وتحت سلطته، شكلت صيغة «فوربس» كيف تصبح ثرياً وتحافظ على ثروتك ميزة مثالية في ذلك الوقت.
وبعد وفاة مالكولم في 1990، استمر ازدهار المجلة لأكثر من عقد من الزمن. فقد نجحت المجلة في أن يكون لديها فريق قوي من المراسلين، وفي بداية تسعينات القرن الماضي لعبت دوراً ريادياً في فضح جوردان بلفورت الذي جسد دوره ليوناردو دي كابريو في فيلم «ذئب وول ستريت».
وعند بدء ثورة الويب، برزت ضغوط جديدة تمثلت في كيفية إدارتها مجلة منفردة. وخلال الثورة التكنولوجية الأولى أنفقت شركات على غرار (AOL)
و«ياهو» أموالاً طائلة للإعلان عن نفسها على صفحات مجلة «فوربس» لضمان حصولها على المصداقية وجذب المستخدمين. ولكن بعد مرور عقد من الزمن، توقفت هذه الشركات عن الإعلان في «فوربس» وإنما بدأت تنافسها على جذب الإعلانات. وقد أدت زيادة المنافسة وهروب القراء من الوسائل الإعلامية المطبوعة نحو الإنترنت إلى طرد الموظفين وإجراء تغييرات مستمرة في الاستراتيجيات والشراكة مع «إليفيشن».
بدء الانهيار
بعد وفاة مالكولم فوربس بدأت مرحلة الانهيار فباعت عائلته مجموعته الثمينة من بيض فابرجي، وركنت اليخت جانباً، وباعت الطائرة وتخلصت من المقر التاريخي للشركة في الجادة الخامسة في نيويورك، ووصل الأمر بهم اليوم إلى حد بيع المجلة نفسها. فمن اليوم لن يكون هناك جولات جديدة فوق مانهاتن.
وعلى غرار غيرها من العائلات مثل بانكروفتس وتشاندلرز، فقد واجهت «فوربس» مع مرور الوقت العديد من التحديات التشغيلية وتدني أرباحها ما شكل في كثير من الأحيان امتحانات صعبة للروابط العائلية. ولا تعتبر عائلة «فوربس» استثناء عن هذا. فقد أنفق ستيف فوربس نحو 70 مليون دولار للترشح للرئاسة مرتين، دون تحقيق أي تأثير باستثناء التسبب بامتعاض أفراد العائلة.
إلى ذلك، فقد شمل تأثير الويب الوسائل الإعلامية المطبوعة كافة، غير أنّ مجلتي «بزنس ويك» و«فورتيون» كانتا تتمتعان بميزة أنهما جزء من مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً، في حين كان يتوجب على مجلة «فوربس» مواجهة ما يحدث وحدها. وقد أنفقت المجلة بقوة على استراتيجيتها الإعلانية الرقمية وفتحت منصتها لآلاف من المساهمين، ما ساهم في زيادة عدد مستخدمي الموقع، ولكنه في الوقت نفسه خففت من قيمة المجلة. وفي سياق المبيعات المحلية، رأى البعض أنّ الاستراتيجية فشلت في إخفاء قباحة الوضع.
ففي حال نزلت قيمة «فوربس»، غير أنها لم تدمر، فلطالما كان للاسم قيمة عالمية وذلك بسبب قائمة أثرياء فوربس 400، فضلاً عن استمرار شعبية قمة فوربس الآسيوية وتحقيقه أرباحاً مالية.
في هذا السياق، يعتبر شراء المجلة من قبل إحدى شركات الاقتصادات الناشئة منطقياً جداً. فالشرق الأدنى ليس فقط مصنعاً للكثير من منتجات العالم، وإنما للثروات كذلك التي تزداد بمعدلات غير مسبوقة. وقد تشكل المجلة جائزة جيدة لمشتر أجنبي كطريقة للإعلان عن وجوده وأهميته. ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتم شراء مجلة من منطلق الغرور بدلاً من تحقيق الأرباح.
أمّا في الولايات المتحدة، فهناك اتجاه متزايد نحو الانفصال أكثر عن مجلات الأعمال السردية، فعالم العمالقة الذي عاش فيه يوماً مالكولم فوربس لم يعد جاذباً جداً. فالمزيج بين الجشع والتهريج الذي أدى إلى بدء الأزمة المالية في 2008 قضت على صورة رجال الأعمال الأبطال. كما أنّ عبارة بي سي فوربس أن «الأعمال تؤسس من أجل إنتاج السعادة» باتت مقولة تجاوزها الزمن، ولاسيّما بسبب وحشية الاقتصاد الجديد، الذي لا يزال ينتج ميليارديرات يتم إدراجها ضمن قوائم «فوربس» لأثرياء العالم، دون أن تتمكن في المقابل من إنتاج وظائف جديدة.
(دايفيد كار - كاتب في «نيويورك تايمز»)