هاشم عبده هاشم يفتح كنز أسراره لـ «الرجل».. الحوار الكامل
الممتع في تجربة الدكتور هاشم أنها محرضة على الابداع، وهي محفزة في خلاصتها لجيل الصحفيين الجدد الذين يمكن لهم الاستفادة من رصيد هذه التجربة والعبر التي يستخلصونها.
في منزله الانيق في جدة، كان لقاؤنا معه، وكان من الواضح أنه يعيش أسلوب حياة يبحث عنه منذ زمن. قضاء وقت مع الاسرة وكما يقول إن اجمل اوقاته هي التي يقضيها مع احفاده. ومكتبته التي دعانا اليها وتصور مكتبة باحث، وهو ما كشفه لنا، عبر عمله حالياً على تأليف ثلاثة كتب في وقت واحد. ويقول هذه الكتب هي خلاصة تجربتي في رحلتي العملية والحياتية.
والدكتور هاشم، مثل أي شخصية ناجحة له محبوه وخصومه، وهناك من يعجب به وآخرون يختلفون معه. ولكنه في الحوار كان متقبلاً لكل سؤال أو اتهام. وكما هي عادة شخصيته المتوازنة كان بعيداً عن الانفعال حريصاً على اختيار الفاظه بدقة. مستنداً الى ذاكرة جيدة وابتسامة هادئة، وكان هذا الحوار:
تبدو اليوم، وبعد نصف قرن تقريباً من العمل الصحافي، أنك تعيش لحظات استمتاع بحياتك الخاصة، كيف هذه التجربة حتى الآن؟
استغرب من بعض من يتكلمون عن التقاعد بشكل مفرط في التشاؤم، جاء الوقت الذي يجب أن تتفرغ فيه لنفسك وتهمتم بأبنائك، بل وبأحفادك أيضاً، وتشعر بالمتعة بأن كل فرد من أبنائك، بلغ موقعاً وظيفياً متميزاً.
ولكن اعتدت أن تكون مشغولاً طوال حياتك،فكيف تقضي وقت فراغك في فترة ما بعد التقاعد؟
أقضيه في القراءة والكتابة، أعمل حالياً على كتابة ثلاثة كتب، أكتب أحدها وأجمع مصادري اللازمة للكتابين الآخرين؛ الأول اسمه "الطريق إلى الجحيم"، يتناول رحلتي في العمل الصحافي على مدى 50 عاماً، بما فيه من مواقف ومحطات ومشكلات وأزمات.
أما الكتاب الثاني "(الأسماء مبدئية وأتمنى الموافقة عليها) اسمه "ملوك وأمراء وزعماء وآخرون في حياتي"، ويتناول مواقف مرت بي مع عدد من الشخصيات البارزة التي عاملتها أو أجريت حوارات مهمة معها، مثل الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس السوداني السابق جعفر نميري.
بينما الكتاب الثالث، فخطرت لي فكرته وأنا أعمل على الكتابين السابقين؛ بدا لي أن هناك رواداً في العمل الصحافي لم ينالوا حقهم، ولم تبرز من أسمائهم سوى قلّة، لا تزيد على خمسة أو ستة.
ما مدى الشفافية التي اعتمدتها في تأليفك لهذه الكتب، خصوصاً أن كتبك جميعها في "السيرة الذاتية"؟
استفدت في كتابتها من تجربتي الطويلة في العمل الصحافي، فكما تعرف العمل الصحافي يعوّدك على موازنة الأمور، وكما كنت أقول لزملائي: لا يوجد شيء لا يمكن نشره، وإنما المهم هو كيف يكتب، كيف تعالج هذه القضية أو التحقيق أو المقال.
كان لديك أيضاً مسار في مجال البحوث والدراسات؟
صحيح، هذا كان في فترة التقاعد الأولى، بدأت حينها بالعمل في مكتب متخصص في هذا المجال، لكن عندما خرجت من صحيفة "عكاظ"، وبدأت فترة تقاعدي الثانية، قررت أن أعيش، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
عشت حياة طويلة وحافلة بدأت من جازان وقادتك الاقدار الى مدينة جدة، كيف كانت بداياتك؟
كما تعرف جازان منطقة نائية، تصور أن البريد السيار كان يصل إلينا مرة واحدة كل 15 يوماً، وكنا نذهب إلى مدخل المدينة، لأن موزع البريد كان يحضر إلينا الصحف والمجلات المصرية واللبنانية، التي كنا نستقبلها بفرحة كبيرة. كما واصلت دراستي في ظروف صعبة.
والدك كان يعمل في الجمارك، ومن هنا بدأت حياتك العملية في جمارك جازان، أليس كذلك؟
صحيح؛ والدي كان يعمل في الجمارك بميناء جازان، وفي هذه الفترة كنت حين أخرج من المدرسة أمر به في مقر عمله، وبدأت أشتغل وأدرس في آن معاً، وأكملت الثالث المتوسط والمرحلة الثانوية، بنظام المنازل حتى انتقلت إلى جدة وبدأت الدراسة الجامعية، إذ اندمجت في العمل وانشغلت به. عملت أعمالاً بسيطة في البداية، وأولها وظيفة "مشدّي" أي مراقب عمال، وكنت أتقاضى 120 ريالاً، كنت أستمتع بها، (ضاحكاً) وأمارس نوعاً من الهيمنة المبكرة على الآخرين. وبعدها تغير عملي إلى "وزّان" للبضائع، ثم إلى كاتب آلة كاتبة، وعندما انتقلت من جمارك جازان إلى جمارك جدة عملت بوظيفة مشابهة.
بدأت عملك في الجمارك في سن 14، لكنك استصدرت حفيظة نفوس تفيد بأن عمرك آنذاك كان 18 عاماً، لتتمكن من الالتحاق بالعمل، هل هذا صحيح؟
صحيح، كانت هناك عفوية في الأمور في ذلك الوقت، كنت شاباً صغيراً وأريد أن أعمل، والدي كانت لديه فلسفة "اعتمد على نفسك في العمل.. العمل يجعلك رجلاً". وعلى رغم أنه لم يكن محتاجاً، فإنه كان لديه ذلك الهاجس، العمل أولاً.
لما اندمجت في العمل كنت دون 18، اشتغلت وزّاناً في سن 14، وصادف أن أرسلت الجمارك مندوبين للتفتيش على الإدارات التابعة لها في المناطق، ومنها جمارك جازان، وشاهد المندوبون هذا الولد الصغير يعمل، وكنت حينها أعمل كاتباً على الآلة الطابعة، واكتشفت حينها أنه لا يمكنني أن استمر في العمل، إلا بحصولي على "حفيظة نفوس"، ورتبوا لي ذلك وحصلت عليها.
ومتى بدأ اهتمامك بالعمل الصحافي؟
بدأت ميولي الصحافية مبكراً مع صحيفة المدرسة، ففي المرحلة المتوسطة أوجدنا أنا وثلاثة من زملاء الدراسة، هم علوي الصافي، والقاضي حالياً محمد الدريبي، والشاعر محمد مسرحي – رحمه الله – صفحة اسمها "الجنوب"، وتنشر مرة واحدة في الأسبوع في صحيفة "الندوة".
كنا نرسل عددين أو ثلاثة منها إلى الصحيفة بالبريد. وبالأمس كنت أقرأ كتاباً للأستاذ محمد القشعمي تناول هذه البدايات.
وبعد انتقالي إلى جدة، تعرفت إلى الأستاذين عبدالفتاح مدين، ومحمد سعيد باعشن، وصادف في ذلك الوقت ان طلبا ترخيصاً لإصدار صحيفة "الأضواء" الأسبوعية.
كان ذلك قبل صدور نظام المؤسسات الصحافية؟ أليس كذلك؟
نعم، قبل صدور هذا النظام، ودخلت صحيفة "الأضواء" متفرجاً، ثم أصبحت متدرباً.
لكن قبلها كنت أراسل مجلة "المنهل"، وهي شهرية، ونشرت ذات مرة قصة فيها، وكانت سبباً لمغادرتي منطقة جازان، إذ تناولت قصة خمسيني تزوج فتاة في سن 13 عاماً، وتعرضت بسببها لتهديدات بالقتل من الرجل نفسه.
هل واصلت علاقتك بالعمل الصحافي أثناء عملك في الجمارك؟
أثناء الدراسة كنت أتعاطى مع الإذاعة والتلفزيون أيضاً، فعند انتقالي إلى جدة، بدأت العمل في إدارة الإحصاء التابعة للجمارك، وكانت هذه الإدارة تقع في منطقة تسمى "فينكو" في حي البغدادية، وتضم مقرات مؤسسة النقد العربي السعودي، وإدارة إحصاء الجمارك، والإذاعة.
كان العمل في إدارة الإحصاء قليلاً ولديّ وقت فراغ كبير أستغله في الذهاب إلى الإذاعة، وفيها تعرفت إلى الأستاذ بدر كريم وبعض المذيعين العاملين في ذلك الوقت.
ترددي على الإذاعة يسّر لي بناء علاقات مع العاملين فيها، أمثال بدر كريم، وغالب كامل، ومحمد صبيحي.
ماذا كنت تعمل فيها؟
في البداية كنت أحضر إلى الإذاعة زائراً، ثم بدأوا بإسناد بعض البرامج إليّ، منها برنامج مسائي أقدم فيه مختارات شعرية جميلة، وبعدها أوكل إليّ برنامج آخر اسمه "1 من 3"، اختار فيه ضيفاً وأطرح عليه ثلاثة خيارات يختار أحدها للحديث عنه.
بعد ذلك تطورت علاقتي بالإذاعة بتقديم برنامج اسمه "دعوة الحق"، وهذا البرنامج ظهر في ظل توتر العلاقات السعودية – المصرية في ذلك الوقت، والهجوم الذي كانت تتعرض له المملكة من الإعلام المصري على لسان المذيع أحمد سعيد وآخرين، ومثل البرنامج موقفاً سياسياً للمملكة تجاه الأحداث السياسية في المنطقة، كنت حينها أبلغ من العمر 18 أو 19 عاماً.
تطورت العلاقة مع الإذاعة لاحقاً بإعطائي برنامجاً آخر اسمه "حدث وحديث"، يذاع بعد نشرة أخبار الثالثة ظهراً ومدته خمس دقائق، وكنت أتولى إعداده فيما يقدمه بالصوت الأستاذ بدر كريم في البداية، ثم تولى تقديمه المذيع عبدالله راجح.
ومتى بدأت دراستك الجامعية؟
تأخرت في الالتحاق بالجامعة لثلاث أو أربع سنوات، إذ انشغلت بداية بترتيب أموري بعد انتقالي إلى مدينة جدة، وكذلك بالعمل الجمارك والإذاعة ثم بالصحافة.
كيف كان وضع الصحافة السعودية عندما انتقلت إلى جدة وبدايتك في العمل الصحافي فعلياً؟
بدأت العمل الصحافي في نهاية عهد صحافة الأفراد، وبداية عهد المؤسسات الصحافية عام 1383هـ (1963م)، وهي فترة شهدت حراكاً ومشكلات كثيرة وشكاوى.
كانت الأمور في الصحف السعودية تمضي على سجيتها، فمثلاً صحيفة "عرفات" التي أسسها حسن عبدالحي قزاز، كانت تضم في هيئة تحريرها أعضاء مثل أحمد صلاح جمجوم، وأحمد زكي يماني، ومحمد عبدالقادر علاقي، وعبدالعزيز الرفاعي، ومحمد سعيد العوض، ثم انضمت إليهم مجموعة أخرى كبيرة، منها الشاعر طاهر زمخشري.
ماذا كنت تتوقع من هذه المجموعة وفيها القانوني ورجل الأعمال والأديب وغيرهم؟
في كتابي الثالث الذي أعمل على تأليفه الآن، أقول إن صحيفة "عرفات" المدرسة التي خرجت الوزراء، خرج منها للوزارة كل من أحمد صلاح جمجوم وأحمد زكي يماني، ومحمد عمر توفيق. استمرت هذه الصحيفة لمدة سنة فقط وبعدها توقفت عن العمل.
لكنها تجربة صعبة في الجمع، اذ كنتَ تعمل في الإذاعة وتتواصل مع الصحف، وفي الوقت نفسه تعمل في الجمارك؟
نعم. كنتُ أجمع بين العمل في الجمارك، والتعاون مع الإذاعة والكتابة في الصحف. وبدأت العمل كذلك، في صحيفة "الرائد"، وهي صحيفة أسسها زميلي في الجمارك الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين، بعد أن أغلقت صحيفة "الأضواء" التي أسسها مع زميلنا الآخر في الجمارك الأستاذ محمد سعيد باعشن.
كانت بين "الأضواء" وبين شركتي أرامكو والكهرباء، مشكلات كثيرة بسبب التقارير التي تنشرها عن الشركتين، وفي النهاية أوقفت عن الصدور بسبب نشرها تقريراً عن قضية حقوقية.
بعد إغلاق "الأضواء"، أصدر أبو مدين صحيفة جديدة هي "الرائد" الأسبوعية، وكان من مؤسسيها أيضاً الأستاذ محمد عارف، وبدأت العمل فيها محرراً رياضياً في الفترة المسائية، وأيامها ظهر الدكتور عبدالله مناع الذي كان يدرس الطب في الإسكندرية، وبدأ الكتابة في الصحيفة، كما كان يكتب فيها الشاعر طاهر زمخشري "بابا طاهر"، ومجموعة أخرى كبيرة من الكتاب.
صحافة الأفراد كانت صحافة غنية، ولاعتبارات معينة دمجت تلك الصحف واستُبدلت بها المؤسسات الصحافية بعد إقرار نظامها.
من كان يعمل معكم في الصحيفة أيضاً؟ وماذا كنت تعمل فيها؟
من أسماء الذين عملوا معنا وليست معروفة الآن، الأستاذ عبد العزيز فرشوطي، الذي انتقل لاحقاً للإقامة في مدينة تبوك، وكان مديراً لتحرير الصحيفة، ومسؤولاً عن مكيانيكية العمل فيها، وكلف الأستاذ بدر كريم – رحمه الله – بالرياضة، والأستاذ صالح جلال بالفن، غادر بدر كريم الصحيفة لفترة وكلفت مكانه بالقسم الرياضي، وعندما عاد، كانت صحيفة "الرائد" أغلقت وغادرناها جميعاً.
لماذا اخترت العمل في الصحافة الرياضية في بداياتك؟
لم اختر الرياضة، ولكن مسؤولي الصحيفة اختاروني، وبعدها بدأت بالعمل في الرياضة وتوسعت في هذا المجال.
عندما انتقلت لاحقاً للعمل في صحيفة "المدينة" في عهد المؤسسات الصحافية، عملت مع السيد محمد علي حافظ؟
نعم، السيد محمد علي حافظ هو المدرسة المهنية الأولى التي تعلمت فيها، أتذكره الآن واقفاً أمامي على رأس رسام الكاريكاتير اللبناني يعطيه الأفكار. كما كان السيد محمد يشرف على إخراج الصفحات، ويتابع العمل بنفسه. كان طاقة مذهلة، وبعد فترة جاء الأستاذ محمد صلاح الدين وتولى الجانب الإشرافي على التحرير، وأصبح "دينامو" الصحيفة.
بدأنا أنا وأحمد محمود وسباعي عثمان، العمل في صحيفة "المدينة" في الوقت نفسه تقريباً، أنا في القسم الرياضي، وأحمد محمود في "السياسي"، وسباعي عثمان في "الثقافي".
عملت في "المدينة" وسط أسماء كبيرة، وعشت تجربة غنية، كيف ترى تلك المرحلة؟
اعتقد أن "المدينة" كانت الأساس لبناء المؤسسات الصحافية، نتيجة العمل المهني الذي كان يقدمه السيد محمد علي حافظ حينها، فقد كان يمتلك حساً صحافياً عالياً، ويمتلك الناحية العلمية بعد تخرجه في القاهرة، وجاء منها برفقة سباعي عثمان.
كنت أشعر أمام السيد محمد أنني امام معلم، كان في الحقيقة رجلاً بسيطاً يحب أن يعمل، ولا تشعر أنه فعلاً رئيس تحرير، بسبب اندماجه الكامل في العمل، ولكنه كان يبهرك بالحركة الدائمة، وإعطاء الأفكار، والمتابعة المباشرة معك والإشراف على التنفيذ، وكنا نحن في ذلك الوقت شباناً صغاراً.
أما الأستاذ محمد صلاح الدين فكان "طاحونة" الصحيفة، ومسؤولاً عن صياغة المواد الصحافية والمتابعة. وكان معنا أيضاً رجل توفي رحمه الله، اعدّه مظلوماً فلم يذكره أحد، اسمه عدنان طاشكندي، كان مسؤولاً عن النواحي الفنية، وتعلمنا على يديه صف الحروف وتركيبها.
بعد أن استقر العمل في "المدينة" حصلت على إعارة لمدة سنة من عملي في الجمارك للتفرغ للعمل الصحافي، واكتشفت أنه لا يطعم خبزاً.
بحكم عملك في القسم الرياضي آنذاك، كيف كان الوضع الرياضي حينها؟ هل كان التنافس بين ناديي الوحدة والاتحاد؟
كانت تتنافس في ذلك الوقت فرق الوحدة، والاتحاد، والهلال البحري، والثغر الذي أصبح فيما بعد النادي الأهلي، نادي الهلال البحري تلاشى ويكاد يكون اندمج في نادي الاتحاد. التنافس الفعلي كان بين ناديي الوحدة والاتحاد، أما الثغر فكان أقل منهما مرتبة.
في ذلك الوقت كان للمحرر الرياضي مكانته، هذا الكلام لست أنا من يقوله، كان يقوله حسن سلطان، الذي كان مدرباً لنادي الوحدة ثم نادي الاتحاد، كان وهو مدرب يحضر الصحف الصادرة في يوم المباراة بين الوحدة والاتحاد، ويقرأ التحليلات الصحافية عن المباراة على اللاعبين ويطلعهم على ملاحظاتنا نحن الصحافيين على أدائهم، ويتفق معنا في أغلب التحليلات.
كان لاعبو الكرة يهربون منا، إذ كنا نشكل لهم "بعبعاً"، الصحافة كانت مبتدئة ومحترمة في ذلك الوقت. وكانت مسافة تفصلنا نحن الصحافيين عن اللاعبين، وعن المدربين، وكذلك الإداريين. لكن كان لتلك المسافة عيوبها، إذ لم تكن تسمح لنا بالوصول إلى العمل ومعرفة الكثير من التفاصيل.
ماذا عن أندية الوسطى، الهلال والنصر والشباب؟
لم يكن يوجد في الوسطى سوى ناديي الهلال والشباب، نادي النصر كان يلعب في الدرجة الثانية، وكان عندنا في جدة ناد اسمه "التسامي"، وكنت أتولى رئاسة مجلس إدارته، ينافس كذلك في الدوري المشترك لأندية الدرجة الثانية.
كانت ثلاثة فرق من جدة تنافس على دوري الدرجة الثانية، هي الشعب، ورضوى وأغلب لاعبيه من أبناء مدينة ينبع المقيمين في جدة، إفضلاعن فريق التسامي.
مجموعة كبيرة من لاعبي التسامي انتقلوا لاحقاً إلى النادي الأهلي، ومنهم حارس الفريق الأستاذ أحمد عيد، الرئيس السابق للاتحاد السعودي لكرة القدم.
كنا نتغلب كثيراً على نادي النصر الذي يترأسه الأمير عبدالرحمن بن سعود، لكنه النادي الوحيد الذي استطاع الاستمرار والصعود للمنافسة مع الفرق الكبيرة، أما بقية الفرق فتلاشت.
نعود إلى حياتك الصحافية، بعد انتهاء إعارتك لمدة سنة من الجمارك لصحيفة "المدينة"، هل استمررت في عملك الصحافي؟
نعم، استمررت في العمل متعاوناً، ولكني أصبحت مسؤولاً عن الشؤون المحلية ومشرفاً على المكاتب. "المدينة" كانت مدرسة حقيقية، وهي أول صحيفة تفتح مكاتب فعلية لها في المناطق ولا تكتفي بالمراسلين، كان معنا علي الشدي، وهو شخصية معروفة، ومحمد الطيار، من الرياض، وعلي حسون، مدير مكتب الصحيفة في المدينة المنورة.
عندما تحولت الصحافة السعودية من مرحلة الصحافة الفردية إلى نظام المؤسسات الصحافية، كانت مرحلة تأسيس جديدة، والمحاذير كثيرة، وخضعت الصحف حينها للرقابة الفعلية، وكان يوجد ممثل لوزارة الإعلام في كل صحيفة.
وفي الحقيقة، كانت تمرّ الكثير من الأمور من دون أن ينتبه إليها الرقيب، بل كنا احياناً نحن من ينبهه إليها، فيما كنا نمرر في أحيان أخرى ما نريد تمريره من دون أن ينتبه، فكان آخر من يعلم.
هل تذكر قضايا وأحداثاً محلية مهمة تابعتها صحيفة "المدينة" آنذاك.؟
"المدينة" أول صحيفة نزلت فعلياً إلى الشارع، صحيح أن "عرفات" سبقتها ببعض الاجتهادات لحسن قزاز، لكن عملياً بداية الاهتمام الحقيقي بالمواطن انطلقت من "المدينة"، ويعود الفضل في ذلك إلى الأستاذين محمد علي حافظ ومحمد صلاح الدين.
كنا نكلف بأعمال ميدانية، وبعد ان توسّعت الصحيفة، أصبحنا نعدّ ملاحق متنوعة في المناسبات، مثلاً كنا نعدّ ملحقاً خاصاً بشهر رمضان من ثماني صفحات، وأذكر أننا كنا نجهز رصيداً من المقابلات الرمضانية، نعيش فيها في منزل سفير من سفراء الدول الإسلامية المقيمين في جدة، ألتقي أنا السفير، فيما تلتقي إحدى الزميلات زوجته، ونعدّ صفحتين كاملتين عن تلك الزيارة.
في ذلك الوقت بدأنا الصحافة الحية بالتفاعل مع الناس، ونخرج في جولات ميدانية، زرنا مثلاً حي "الكرنتينا" الذي كان مصدراً للجريمة والمشكلات المختلفة، كنا نؤدي دور الصحافي الخفي بارتداء أزياء تنكرية تخفي شخصياتنا الحقيقية، ولذلك كنا نتعايش مع أنماط مختلفة من الحياة والناس.
كان لصحيفة المدينة دور مهم في تأسيس جامعة الملك عبدالعزيز، أليس كذلك؟
هذا صحيح، فكرة الجامعة بدأت بمقال للسيد محمد علي حافظ في الصحيفة، وبعد ذلك اجتمع عدد من رجالات جدة المعروفين وبدأ تأسيس الجامعة.
وما ظروف انتقالك من العمل في "المدينة" بعد أن قضيت فيها نحو سبع سنوات؟
حصل اختلاف في وجهات النظر، فبعد أن ازدادت الأعباء طُلب إليّ التفرغ للعمل في الصحيفة، وصادف ذلك بداية دراستي الجامعية، بعد أن تركت عملي في الجمارك إثر إتمامي دراسة المرحلة الثانوية في ثانوية الشاطئ الليلة بجدة.
وبدأت حينها الدراسة الجامعية في أول قسم للمكتبات والمعلومات، وكان من الصعب عليّ ترك الجامعة حينها والتفرغ للعمل في الصحيفة، خصوصاً أنّني كنت قد حددت لنفسي أهدافاً معينة أسعى لتحقيقها.
هل انتقلت من صحيفة "المدينة" إلى صحيفة "البلاد" مباشرة؟
لا؛ انتقلت أولاً إلى مجلة "اقرأ"، انضممت إلى المجلة بعد صدور أعدادها الخمسة الأولى مديرَ تحرير، وعملت فيها لمدة سنة.
من كان رئيس تحرير المجلة حينها؟ ومن تذكر من العاملين فيها؟
كان رئيس تحريرها الدكتور عبدالله مناع، وأذكر من العاملين فيها الأستاذ عبدالله الجابري، وهو سياسي يمني جنوبي، وكان يكتب تحليلات سياسية عن الوضع في اليمن والجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي، واستمر في ذلك حتى ظهرت ملاحظات عليه، أفضت إلى إيقافه عن الكتابة فيها.
وكيف كانت ظروف العمل في "اقرأ" أثناء عملك فيها؟
كانت المجلة تعمل بروح جديدة، يغلب عليها طابع التحليل السياسي وفق اهتمامات رئيس تحريرها الدكتور عبدالله مناع، أنا كنت أغطي الجوانب المحلية التي لم يكن لديه اهتمام بها، وكانت هناك مراوحة بين ما هو سياسي وثقافي، وما هو محلي، ومضت الأمور على هذه الحال. لكنني والدكتور مناع كنا ننتمي إلى مدرستين مختلفتين، ولم تكن بيننا "كيمياء".
عندما قررت الالتحاق بالجامعة، لماذا اخترت الدراسة في قسم المكتبات والمعلومات وليس في قسم الإعلام مثلاً؟
لم يكن في الجامعة الحديثة التأسيس قسم للإعلام. مؤخراً كنت أتحدث إلى مدير الجامعة الحالي الدكتور عبدالرحمن اليوبي، عن بدايات الجامعة، وكيف أنها كانت تتألف من مبنى واحد اسمه المبنى (37)، وتقع كل كلية، كالطب والآداب، في غرفة من غرفه، وكيف تحولت الآن إلى غابة من المباني الحديثة.
أعود لأقول إنه لم تكن متاحة لي دراسة الإعلام، وكان قسم المكتبات والمعلومات مستحدثاً حينها وهو الأقرب للإعلام، ولم تكن لدي اهتمامات بالعلوم المختلفة أو الرياضيات، كنت أكره الرياضيات تماماً.
من تذكر من أساتذة القسم آنذاك؟
أذكر الدكتور عباس طاشكندي، كان هو الأستاذ السعودي الوحيد في القسم، أما بقية الأساتذة فكانوا مصريين.
لكنك لم تتوقف تماماً أثناء دراستك الجامعية عن العمل الصحافي؟
في ذلك الوقت انتقلت إلى صحيفة "البلاد"، بعد أن تحدث إليّ الأستاذ عبد المجيد شبكشي، وبدأت العمل فيها، كان العمل في الصحيفة خفيفاً وبسيطاً، وبدأنا مشواراً طيباً في العمل.
وبالمناسبة، الأستاذ عبدالمجيد شبكشي، ظلم كثيراً في الوسط الصحافي، كان ينظر إليه كـ"شرطي الصحافة" بسبب خلفيته السابقة في العمل مديراً لشرطة مكة المكرمة قبل تفرغه للعمل الصحافي.
عملت في "البلاد" مديراً للتحرير؟
نعم، كنت أعمل في "اقرأ" مديراً للتحرير، وانتقلت إلى البلاد بالمسمى الوظيفي نفسه، وكان نائب رئيس التحرير في البلاد الأستاذ عبدالغني قستي، من أنبل الناس، رجل "طاحونة" في العمل، تولى مسؤولية العمل الداخلي في الصحيفة بالقراءة وإجازة المواد الصحافية، وأنا كنت متفرغاً لإنتاجها، وبدأت بجمع مجموعة من المحررين الشبان، منهم الدكتور أيمن حبيب، والدكتور عبدالعزيز النهاري، والدكتور خالد باطرفي، وجميعهم شغلوا بعد ذلك مناصب قيادية في الصحف السعودية.
كم استمررت في صحيفة "البلاد"؟
بقيت فيها سنتين، وعندما تخرجت في الجامعة، سافرت في بعثة إلى الولايات المتحدة، وكان من المفترض أن أبقى فيها لسبع سنوات حتى الحصول على شهادة الدكتوراه، لكني عجزت عن الاستمرار في الحياة في أمريكا، إذ وصلت إليها برفقة زوجتي وطفلين صغيرين في ذروة فصل الشتاء، وعجزت عن احتمال البرد الشديد، البرد هو عدوي، وإلى الآن أرفض السفر في فصل الشتاء، وعدت إلى المملكة بعد ستة أشهر فقط.
لما سافرت إلى أمريكا كنت قد ترقيت فعلاً إلى منصب نائب رئيس تحرير "البلاد"، ولما عدت شغلت المنصب نفسه أيضاً، وبدأت كذلك إعداد رسالة الماجستير في جامعة الملك عبدالعزيز، وكنت أشارك في التدريس مع أحد أعضاء هيئة التدريس أيضاً، وبعد حصولي على الماجستير سجلت الدكتوراه في جامعة القاهرة.
وما سيناريو انتقالك هذه المرة من "البلاد" إلى "عكاظ"؟
هكذا أرادوا؛ اتصل بي وزير الإعلام آنذاك الدكتور محمد عبده يماني، هاتفياً، وأبلغني أني مطلوب فوراً لمقابلة مدير مؤسسة عكاظ الشيخ علي شبكشي، لأتسلّم رئاسة تحرير صحيفة "عكاظ" في اليوم التالي مباشرة.
أنا لم أكن أفكر مسبقاً، خصوصاً انني بدأت فعلاً برنامج الدكتوراه، وملتزم بساعات معينة لأدائها، كنت أستطيع ترتيب وقتي بين العمل الصحافي والجامعي أثناء عملي في "البلاد"، وعندما طلب إليّ تسلم رئاسة تحرير "عكاظ"، كنت فعلاً على وشك إتمام رسالة الدكتوراه، وأبلغت الوزير يماني بذلك، وأنني بحاجة إلى شهرين أو ثلاثة لإتمامها ومناقشتها، فردّ بأن لديه توجيهاً في هذا الشأن، ولا يملك إلا تنفيذه.
هل كانت صحيفة "عكاظ" تعاني مشكلات حينها تستدعي تعيينك رئيساً لتحريرها بقرار حكومي؟
تعرفون أنه في بداية عمل المؤسسات الصحافية حدثت مشكلات كثيرة من الناحية المالية، وانعكست تلك المشكلات على العمل في الصحف، فضلاً عن التداخل بين الإدارة والتحرير، نتيجة عدم وجود هيكلة واضحة جداً في تلك المؤسسات، ومنها مؤسسة عكاظ، مع أن الشيخ علي شبكشي، المدير العام للمؤسسة، والأستاذ رضا لاري، رئيس التحرير كانا من عائلة واحدة.
وحدثت كذلك، مشكلات أخرى في الصحيفة بسبب مواد صحافية معينة نشرت وقتها، عكاظ في ذلك الوقت كانت تتبع سياسات تختلف، بشكل أو بآخر، مع توجهات المملكة ودول الخليج، وكان ذلك واضحاً جداً في مانشيتاتها الرئيسة، وإلى حد كبير تبنّت مشروع "التطبيع" مع إسرائيل، بعد توقيع اتفاقية "كامب ديفيد"، وهذا يختلف تماماً مع توجهات المملكة.
إذن كانت عكاظ تعاني مشكلات داخلية، أضيفت إليها توجهات سياسية معينة، ولذلك توليت رئاسة تحريرها في خضم معركة، وسارت الأمور.
وهل تحدث الوزير يماني حينها إلى الشيخ علي شبكشي بشأن تعيينك رئيساً لتحرير عكاظ؟ وكيف كان لقائك الأول بشبكشي؟
يبدو أنه تحدث إليه، وأبلغه بتلقيه توجيهات بتغيير رئيس التحرير وتعييني بدلاً منه. وكان اللقاء الأول بيننا حميمياً (قالها ضاحكاً)، وسارت الأمور سيراً حسناً في البداية، لكن ذلك لم يستمر طويلاً، حدثت بعدها مشكلة معينة.
عندما دخلت عكاظ كنت أحمل توجهات واضحة، وأعرف ما هي التوجهات والسياسات التي يجب أن تتبعها الصحيفة، ووجدت أني سأواجه صعوبة بالانتقال بالصحيفة من توجهاتها السابقة إلى توجهات وطنية تتفق مع توجهات وسياسات الدولة.
لم يكن في الصحيفة وقتها سوى اثنين إلى أربعة سعوديين فقط، أذكر منهم الأستاذ علي مدهش، والأستاذ حمدي باشويه. البقية كانوا من الصحافيين المصريين المتحمسين للسياسات السابقة القريبة من سياسات بلادهم حينها.
وحتى أغيّر سياسات وتفكير ومنهجية صحافية بجهاز قوي ومتمسك بموقف سياسي معين، واجهت تحديات كبيرة، ولذلك حصل إرباك في الصحيفة، وأنهيت خدمات الكثير من الصحافيين في فترة معينة.
بدأت عملك في عكاظ بمجزرة صحافية؟
نعم، كانت مجزرة صحافية، اتخذ القرار في ذلك ليس من طرفي وحسب، وإنما من الشيخ علي شبكشي، الذى رأى أن الأمور لم تكن مناسبة وتستدعي القيام بتغييرات. ولأنه هو من أحضر العاملين في الصحيفة فقد تولى مسؤولية تسريحهم.
في ذلك الوقت سافرت إلى القاهرة، للتعاقد مع محررين جدد، بدلاً من الذين سرحوا، على أن يكونوا من فئة معينة أضمن فيها توافر المهنية والتوازن في العمل، وفوجئت يوم وصولي، بمقال منشور في الصفحة الأولى من صحيفة "الأخبار" المصرية، لجلال الدين الحمامصي، يهاجم فيه صحيفة عكاظ، متهماً إياها بتسريح المصريين وإهانتهم، وتضمن تحريضاً شديداً على الصحيفة.
وعلى رغم مفاجئتي بالمقال، فإنّني لم أعطه اهتماماً كبيراً، ورتبت للاجتماع ببعض الزملاء المصريين لبحث استقطابهم للعمل في عكاظ، وفي المساء فوجئت بمجموعة من الأشخاص يطلبون مني مرافقتهم، وانتهت الأمور بأن أبعدت إلى جدة في الليلة ذاتها، من دون توضيح السبب.
تطورت الأمور بين البلدين، وعرفنا لاحقاً أن أجواء الصحيفة انعكست في مصر، ومرت هذه المرحلة على خير.
وبدأت إعادة غربلة جهاز الصحيفة والالتفات إلى بعض الصحافيين الشبان، حيث نقلت مجموعة منهم من "البلاد" إلى "عكاظ".
لماذا لجأت في البداية إلى استقطاب صحافيين عرب، ولم تلتفت إلى استقطاب شبان سعوديين وتدريبهم؟
أولاً، كان عدد النسخ التي توزعها عكاظ يومياً في ذلك الوقت، نحو تسعة آلاف نسخة فقط، ولا يزيد عدد صفحاتها على 16، كانت المرحلة الأولى مرحلة تأهيل وتدريب، نقلت مجموعة من المحررين الشبان من البلاد إلى عكاظ، وانضموا إلى الأستاذ حمدي باشويه، وهو رجل متزن متخصص في العلوم السياسية، وتولى مسؤولية القسم السياسي، والأستاذ علي مدهش، وكان أحد العناصر الذين سرحوا من الصحيفة قبل مجيئي إليها بفترة وجيزة، واسترددناه، وبدأنا تكوين جهازنا الجديد.
كيف سارت الأمور في صحيفة عكاظ في تلك الفترة؟
كنا أمام مشكلة بين أن نغير جهاز الصحيفة وسياستها، وأن نكسب القارئ، ونحافظ على علاقاتنا مع المسؤولين في الدولة الذين بدأنا للتوّ علاقات معهم أو على الأقل المحافظة على ثقتهم.
كانت البداية صعبة، لكن حظينا بقبول من الدولة ودعمها، فعلى سبيل المثال فور طلبنا لقاءً مع ولي العهد آنذاك، الأمير فهد بن عبدالعزيز، الذي أوكل إليه الملك خالد، رحمه الله، إدارة شؤون الدولة، استجاب إلى طلبنا على الفور، فانطلقنا بقوة منذ البداية.
أجريتم ذلك الحوار مع الملك فهد، بعد تقديمه لمبادرته الشهيرة للسلام في قمة فاس. ماقصية هذا الحوار؟
نعم؛ عقدت قمة فاس بعد شهر فقط من تعييني رئيساً لتحرير عكاظ، وكان الأمير فهد حينها ولياً للعهد وينوب عن الملك خالد في كثير من القمم والمؤتمرات الخارجية.
فكرة الحوار كانت لها أهداف، الصحيفة تريد تأسيس صورة ذهنية معينة في ذهن القارئ، تريد ان تقول إنها تحظى بدعم من رأس السلطة، وأن تبدأ قوية. وسعى وزير الإعلام آنذاك الدكتور محمد عبده يماني، في الترتيب للحوار، وخلال ثلاثة أيام فقط من طلبنا، كنا قد التقينا الأمير فهد، وأجرينا معه حواراً موسعاً تناول القضايا والأحداث المهمة في ذلك الوقت.
وكيف كانت ردود الفعل؟
طبعاً كان الحوار من الحوارات النادرة مع كبار المسؤولين في الدولة في ذلك الوقت، أذكر أن الأستاذ حسن عبد الحي قزاز، أجرى قبل ذلك بسنوات حواراً مماثلاً مع الملك فيصل رحمه الله، وكان للحوار مع الأمير فهد تأثير مماثل إن لم يكن أكبر، لأن طبيعة الأحداث في عهد الملك خالد والأمير فهد كانت شديدة، وكان الحوار قريباً من حادثة احتلال جماعة جهيمان للحرم المكي الشريف.
بمناسبة حادثة جهيمان، هل كنت حينها في صحيفة "البلاد"، وما ذكريتك عنها؟
اعتقد ذلك، أذكر أنه لما تم تحرير الحرم، كلف وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف في ذلك اليوم، وزير الإعلام في حينه، الشيخ إبراهيم العنقري بتغطية تحرير الحرم إعلامياً.
واستُدعيت أنا، وبدر كريم من الإذاعة، و خالد المعينا من صحيفة عرب نيوز، وكلفنا هذه المهمة، وطلب منا تقديم الحدث على الهواء مباشرة، وقتها كانت القوات السعودية قد نجحت في تحرير الحرم.
وصلنا إلى التلفزيون بعد المغرب مباشرة، كانت تلك الليلة عصيبة، وهي ليلة تحرير الحرم من جهيمان وجماعته، واستمررنا نحن الثلاثة في البث المباشر حتى الرابعة صباحاً، أنا أعدّ النص مستعينا بلقطات الفيديو والصور الموجودة أمامي، وبدر كريم يلقيه بصوته، فيما يترجمه خالد المعينا إلى الإنجليزية.
نعود إلى حوارك مع الأمير فهد، كان صاحب القرار يعطيكم بهذا الحوار الشرعية، أليس كذلك؟
هذا الحوار أعطانا الدعم والقوة، هاجسي في ذلك الوقت كان أنه بقدر سعادتي بهذا الحوار، هو كيف يمكن التوفيق في العلاقة مع المسؤول والعلاقة مع القارئ، وبالتالي لم تكن هناك مشكلات في السير في هذا الاتجاه، لكن كان التحدي في كيفية إيصال وجهة النظر للقارئ وأن تجد القبول عنده.
اشتغلنا أولاً على خطة نفذناها في الأشهر الثلاثة الأولى، عنوانها: "كيف نبني علاقتنا بالمسؤول"، وبدأنا بسلسلة من اللقاءات مع المسؤولين، بدأت باللقاء مع الأمير فهد، وشملت لقاءات أخرى مع كبار المسؤولين والوزراء.
وفي الأشهر الثلاثة التالية، بدأنا العمل على كسب الشارع، وفي هذه الفترة نزلنا إلى الشارع، واهتممنا بنقل صوت المواطن إلى المسؤول.
في المرحلة الأولى سارت الأمور سيراً حسناً، لكن في المرحلة الثانية ظهرت تحديات جديدة، لأننا بدأنا نرفع صوتاً آخر مقابل صوت المسؤول، وبدأت تثار أسئلة المسؤولين: ما الذي حدث؟ إلا أننا استطعنا السير في هذا الطريق مع الزملاء.
وهنا بدأت عكاظ تحقق النجاح، لأنها كسبت المسؤول في البداية، وهذا سهل مهمة الاتجاه إلى الشارع والأخذ برأيه والوصول إليه، وسهل عليها كذلك الجمع بين وجهتي نظر في منطقة وسط. استغرق ذلك منا نحو تسع سنوت.
إلى احتلال العراق للكويت ووقوع حرب الخليج الثانية،وأعتقد أنها كانت نقطة تحول مهمة للصحفية؟
نعم؛ ودخلت عكاظ حينها في اختبار حقيقي، عملنا سلسلة من التقارير الصحافية أظهرت شبكة علاقات وثيقة بين كل من صدام حسين، وقيادات دول عربية منها اليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن.
كانت سلسلة التقارير تلك مدعّمة بمعلومات في غاية الأهمية، وهذا عزز مكانة الصحيفة لدرجة أن بعض السفراء كانوا يزورونها، للسؤال بطرق مختلفة عن مصادر تقاريرنا، حتى وصلت بهم القناعة في وقت من الأوقات إلى أن عكاظ تمثل وجهة النظر الرسمية للمملكة، وهذا كان اجتهاداً منهم.
وهل حصلت عكاظ على تلك المعلومات المهمة باجتهاداتها الخاصة، أم من مصادر رسمية سعودية؟ خصوصاً أن وجهة نظر الشارع في تلك الفترة اتجهت إلى ان عكاظ تحولت إلى صحيفة حكومة وليست مجرد صحيفة محلية كغيرها من الصحف؟
لم تكن صحيفة حكومة بالضبط، ولكن كونها تقدم معلومة ورأياً وصورة متميزة، فمن حق القارئ أن يؤوّل ويفسّر ذلك باي طريقة، ولكن تلك التقارير التي نشرناها في سلسلة من 18 حلقة، معززة بالمعلومات، أعطتنا في النهاية قوة وقيمة وصدقية ودعّمت مركزنا، لأنها كشفت عن حقائق فعلاً.
وهل كانت جميع الصور التي نشرت في ذلك الوقت أيضاً، من أرشيف الصحيفة؟
هذه الصور من اجتهادات الصحيفة، أذكر أننا نشرنا في الصفحة الأولى صورة التقطت أثناء القمة الإسلامية التي عقدت في مكة المكرمة، وظهر فيها ياسر عرفات وهو يربط خيط حذاء الرئيس العراقي صدام حسين؛ انظر إلى وقع الصورة في ذلك الوقت.
نعود إلى الحديث عن السنوات الأولى من رئاستك لتحرير صحيفة عكاظ، وهي فترة كما أوضحت كانت ملأى بالتحديات، واجتازتها الصحيفة لتحقق مكانة كبيرة في الصحافة السعودية، كيف نجحتم في ذلك؟
ساعدني تحصيلي العلمي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه كثيراً في رسم منهجية العمل داخل عكاظ، أول مهمة كانت هيكلة جهاز التحرير، وإيجاد الأقسام واختيار العناصر وتوزيع الأدوار ومنع التداخلات وهكذا. ثم بعد ذلك عملنا على صهر جميع تلك العناصر واتجاهاتها ضمن سياسات معينة.
استفدت من دراستي العلمية في توافر عنصر المنهجية وتطبيقه في الصحيفة بشكل جيد، وكذلك استعنت بأستاذين للإعلام، أحدهما من جامعة الملك عبدالعزيز، والآخر من جامعة القاهرة لعمل أكثر من استبانةعن اتجاهات القراء في تلك الفترة، وتناول: من هم القراء؟ وما أعمارهم؟ ونسبة الرجال للنساء، والصغار للكبار.
توصف بأنك كنت مركزياً في عملك في تلك الفترة؟
في البداية لابدّ أن أكون مركزياً، لأنّني كنت أعمل في فترة انتقالية، وأريد أن أؤسّس لمنهجية جديدة، وأن أدمج مجموعة كبيرة من الأشخاص في تلك المنهجية.
في منتصف الطريق بدأت باختيار مجموعة لهم أفكار مختلفة، ركزت في اختيارهم على جانب الحداثة وفتح المجتمع والاهتمام بقضايا، مثل المرأة وحقوق الأفراد.
في تلك المرحلة، استقطبنا الدكتور عبدالله الغذامي، والدكتور سعيد السريحي، وهاشم الجحدلي، وعبدالمحسن يوسف، وعبده خال، ومجموعة أخرى، وكان التحدي في صهر توجهات هؤلاء الشباب وقناعاتهم في بوتقة العمل.
أنا أسمّي هذه المجموعة بـ"العصاة"، ولم تكن عملية جمع كل هذا الشتات وصهره في منهجية واحدة، مع الحفاظ على فكر كل فرد وقدراته سهلة. كل منهم احتفظ برأيه وموقفه، لكن داخل الصحيفة ومن خلال ما يكتب فيها، التزموا جميعاً في إطار التوجهات؛ المنهجية مهمة جداً في أي عمل.
اتُّهمت عكاظ بأنها تمثل صوت الليبراليين، ألم تواجهوا ردود فعل مضادة رافضة؟
كنا نستقبل وفود المعارضين باستمرار، لا يمرّ شهر من دون أن نستقبل من 40 إلى 60 شخصاً ومجموعات كبيرة ممّن يتهمون الصحيفة بأنها أصبحت ليبرالية،وتدعو إلى التفسخ، طبعاً صمدنا كثيراً وواجهنا مشكلات متكررة، لكنها كانت مرحلة ضرورية لبروز الصحيفة.
وقتها غادر الشيخ محمد عبده يماني وزارة الإعلام، وحلّ مكانه الفريق علي الشاعر، تجربتا الرجلين مختلفتان، كيف عايشتهما؟
لاشك أن التجربتين مختلفتان؛ الدكتور يماني كان رجلاً منفتحاً، في المقابل أخذت عن الوزير الشاعر صورة سلبية بأنه "عسكري الإعلام". طبعاً هذا بحكم عمله السابق قبل توليه الوزارة، لكنه كان رجلاً عاقلاً يحترم الجانب المهني ويبحث عن الصدق، وعندما تجلس إليه وتصارحه وتنقل له مشاعر الناس، وتشرح له ما الذي ينبغي حيالهم، كان يتقبل ذلك.
أنا أرى أن العمل الصحافي عمل سياسي قبل أن يكون مهنة، فإذا التقيت الرجل في هذا المسار، فإن الكثير من الأمور التي يتوقع الناس أن يقع فيها اصطدام بين رئيس التحرير ووزير قادم من خلفية عسكرية تزول.
وما كان دوره –وزيراً - في إدارة علاقاتكم مع الوزراء والمسؤولين في الدولة في تلك الفترة؟
طبعاً هو بحكم قربه من الملك فهد، كان صاحب قرار. وأذكر أن الصحف دخلت في فترة من الفترات في إشكالية مع وزارة الإعلام، لأن كل وزير كان ينظر إلى كل ما ينشر في عكاظ أو في غيرها من الصحف، بأن الصحيفة أو الإعلامي يريد أن يمسّ البلد وأمنه.
واستطعنا أن نفك الاشتباك ونغيّر الفهم عن طريق الوزير الشاعر، بعد اقتناعه أن النقد الموجه إلى أي وزير لا علاقة له بالدولة، بل بأداء الوزير نفسه، فحاول أن يقف معنا في نقل تلك الصورة وإيضاحها لصاحب القرار، وأن ما نقدمه يصب في مصلحة الدولة والمجتمع.
وبدأت الدولة في عهد الملك فهد تستوعب هذا الفهم، وتطور في عهد الملك عبدالله، وأصبحت القضايا الإعلامية تنظرها لجنة النظر في المخالفات الإعلامية في وزارة الإعلام، بدلاً من القضاء والمحاكم، وهذا التطور كان للوزير الشاعر دور كبير فيه.
بعد تقاعد الوزير الشاعر، عُيّن الدكتور فؤاد فارسي وزيراًللإعلام، وعاصرته في كل مرحلته، فكيف عهده؟
الوزير فارسي كان رجلاً لطيفاً وذا ذهنية منفتحة، وكان حائزاً على ثقة الملك فهد، لاحظ أنه تولّى الوزارة خلفاً للوزير علي الشاعر، الذي كان من أقرب الوزراء إلى الملك فهد، وعندما تقرر تقاعد الوزير الشاعر جميعنا توقعنا أن يخلفه الدكتور فؤاد فارسي، لقربه في ذلك الوقت من الملك فهد، وهو ما حدث فعلاً.
كان رجلاً لبقاً يجمع بين السياسي والإعلامي، وفترته كانت فترة هدوء، وفي عهده جمعتُ بين منصبي رئيس التحرير والمدير العام.
كيف كانت علاقتك – رئيساً للتحرير - بالملك فهد رحمه الله؟
في ذلك الوقت، كان الملك فهد شخصياً بمنزلة وزير إعلام، وحاضراً معنا على الدوام، كان يرفع سماعة هاتفه ويتحدث ويلاحظ ويبدي رأيه في ما ينشر.
الملك فهد كونه مسؤولاً أولَ ومشاغله كثيرة، لم تتح لنا الفرصة لنلتقيه كثيراً، لكن كنا نشعر أن رسائلنا تصل إليه، وفي المقابل يصل إلينا ما يريده بشكل أو بآخر. علاقتي المباشرة كانت مع الأمير نايف رحمه الله. وكان عاملاً مساعداً في وصول الرسائل بسرعة متناهية إلى الملك فهد، وكان يفهم فكرنا الإعلامي، وساعد هذا في أن نعيش مرحلة فيها الكثير من الفهم المتبادل.
الأمير نايف كان يرأس المجلس الأعلى للإعلام، كيف كانت علاقتكم به وبالمجلس؟
المجلس الأعلى للإعلام هو القناة الطبيعية التي كان يتمّ التواصل عبرها مع وسائل الإعلام، أذكر أنه في آخر لقاء عقدناه مع الأمير نايف في الرياض كان صريحاً. وفي كثير من الأوقات كنت أتواصل معه شخصياً. بابه كان مفتوحاً ويحرص على الاستماع، ونسمع في المقابل منه كلاماً واضحاً ومحدداً وتوجيهاً مباشراً، هذا المستوى من التواصل كان متاحاً لي وللأستاذ تركي السديري، رحمه الله، ولا أعرف عن بقية رؤساء التحرير.
قضية إبعادي من مصر التي ذكرت تفاصيلها سابقاً، كانت هذه القضية بداية تواصلي معه، وكان له دور مباشر في حسمها على مستويات عليا مع الأشقاء في مصر. واستمرّ التواصل معه بعد تعييني عضواً في مجلس الشورى، حيث التقيته وسمعت منه توجيهات كثيرة، كان لابدّ من لقائه حينها وسماع تلك التوجيهات.
أنا والأخ تركي السديري، رحمه الله، وزملاء آخرون التقيناه أيضاً عندما كان في مرحلة الاستشفاء التي قضاها في سويسرا قبل وفاته رحمه الله.
بعد حرب الخليج بفترة وجيزة، أقرت الحكومة السعودية الأنظمة الأساسية للدولة، وشكلت أول مجلس للشورى في عهده الجديد، وعُيّنت عضواً فيه؛ هل كان ذلك التعيين مكافأة للدور الذي أديته من خلال موقعك رئيساً لتحرير صحيفة عكاظ خلال حرب الخليج؟
هل تقصد أن ذلك التعيين كان ثمناً؟
لا طبعاً، لو تابعت معايير الاختيار لأول مجلس شورى، فستجد أنها مختلفة عن المعايير الحالية. وأذكر أن الملك فهد لما سئل عن ذلك أجاب: "احترت لما اخترت".
المملكة كانت ملأى بالكفاءات ورشح نحو ثلاثة آلاف اسم، واختير منها ستون فقط، هذا يعني أن الأسماء أخضعت لمعايير دقيقة، وتمّ من خلالها التوفيق بين أمور عدة، أولها تغطية جميع مناطق المملكة، وثانيها تغطية مختلف التخصصات، خصوصاً أنه ترد إلى المجلس أنظمة وقوانين وتشريعات في مجالات مختلفة، وهذا يتطلب وجود أعضاء قادرين على تغطيتها، من إعلام واقتصاد وحقوق وقضاء وتعليم وصحة وغيرها، هذه المعايير أسهمت في اختياري.
من دخلوا المجلس في دورته الأولى - إعلاميين - كانا اثنين فقط، أنا والدكتور فهد الحارثي، أما على أساس المنطقة، فكنت أنا والشيخ عليمديش من المنطقة الجنوبية، وهنا توافر لدي معياران أساسيين، التخصص والمناطقية.
كيف تبلغت بقرار تعيينك عضواً في مجلس الشورى؟
كنت حينها أقضي إجازة في باريس، وتلقيت اتصالاً من مستشار الملك فهد الشيخ إبراهيم العنقري، أبلغني فيه أن الملك فهد اختارني عضواً في المجلس.
شغلت أثناء عضويتك في المجلس وظائف عدة في وقت واحد، يقال إنك حصلت على استثناء خاص لذلك، هل هذا صحيح؟
قبل تعييني بسنوات، كنت حصلت على استثناء يسمح لي بالجمع بين عملي في عكاظ وعملي أستاذاً جامعياً، وصدر في ذلك توجيه نقله وزير الإعلام الدكتور محمد عبده يماني إلى مؤسسة عكاظ.
وبعد ان عُيّنت عضواً في مجلس الشورى، استفدت من وجود مادة في نظام المجلس تسمح بالجمع بين عضويته وعمل العضو، بشرط موافقة وليّ الأمر، وجمعت خلال الدورة الأولى بين عضويتي في المجلس والعمل الجامعي ورئاسة تحرير عكاظ في الوقت نفسه، لكني لم أستطع تحمّل ذلك، فتوقفت عن العمل الجامعي، وأصبح الاستثناء في الدورة الثانية مقتصراً على عضوية المجلس ورئاسة تحرير عكاظ.
كان مجلس الشورى في ذلك الوقت إضافة جديدة لمؤسسات الدولة، كيف بدأتم العمل فيه؟
مجلس الشورى مظلوم؛ الناس تظلمه كثيراً بينما هو يقوم فعلاً بدور حقيقي وضخم سواءٌ في التشريع والرقابة في حدود صلاحياته، كتبت رأيي هذا أكثر من مرة، وقلت إن شيئاً واحداً لوعُدّل، لاكتملت كل شروط المؤسسة الشورية ومقوماتها، وهي المادة (15) الخاصة بوظائف المجلس، تعديل بسيط لهذه المادة يعطي المجلس نفاذاً لقراراته، لاحظ أن المجلس يصدر قرارات وليس توصيات، الناس يعتقدون أن المجلس لا يملك سلطة إصدار قرارات.
جرى تعديل للمادة (23) من نظام المجلس في عهد الملك فهد، وكانت تنصّ على أن كل مشروع أو نظام أو قانون يقترحه عشرة من أعضاء المجلس،يُرفع إلى وليّ الأمر لاستصدار الموافقة عليه، عُدّلت هذه المادة في عهد الملك عبدالله، فيما اعتقد، وأصبح رئيس المجلس يبتّ في هذه المسألة، وأصبحت القرارات والأنظمة توضع وتسنّ في المجلس وترسل بعد إقرارها.
طبعاً هذه الأنظمة تطبقها السلطة التنفيذية ممثلة بالوزراء الذين يملكون حق الموافقة أو الاعتراض، وهنا يحدث الاصطدام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويعطل تنفيذ بعض قرارات المجلس، لكن تعديل المادة (15) سيجعل قرارات المجلس نافذة وغير قابلة للتعطيل.
بعض المراقبين يقولون إن الدور الفعلي في مجال التشريع تؤديه هيئة الخبراء التابعة لمجلس الوزراء، وليس مجلس الشورى، ما تعليقك؟
غير صحيح، هيئة الخبراء كانت وظيفتها الأساسية إعداد الأنظمة والتشريعات، لكن منذ تأسيس مجلس الشورى أصبح يتولى هذا الدور بشكل شبه كامل، فقط تبقت جزئية صغيرة، وهي أن الأنظمة تعدّ في الوزارة أو الجهة الحكومية المعنيّة، ثم تحال من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى، وبموازاة ذلك يملك المجلس صلاحية تشريع الأنظمة أو القوانين.
هاتان العمليتان تسيران بالتوازي، الأخذ والعطاء بين المجلسين يكون في النوع الأول، أي الأنظمة التي تقدمها الوزارات والجهات الحكومية، أما النوع الثاني فسلطة الملك هي التي تقرر حيال النظام الناشئ في مجلس الشورى وليس الوزير.
كنت أتمنى أن يركز وزراء الدولة لشؤون مجلس الشورى على هذه التفاصيل الصغيرة في العلاقة بين المجلسين، لتقريب المسافة بين السلطتين.
بالعودة إلى رحلتك الصحافية، جمعت بين منصبي المدير العام لمؤسسة عكاظ ورئيس التحرير، هل حاولت بذلك سدّ الفجوة بين المنصبين التي تعانيها أغلب الصحف السعودية؟
على الأقل تجربتي أنا، اعتقد أنها أفادتني وأفادت المؤسسة كثيراً. باختصار شديد عندك نفقة وفي المقابل إيراد، إذا توليت المنصبين معاً فأنت تعرف ما إيرادك وما النفقات الضرورية للصحف التابعة للمؤسسة، سواءٌ عكاظ أو سعودي غازيت، أو النادي، أو مجلة رؤى، ساعد الجمع بين المنصبين في إحداث توازن دقيق جداً بين الإيرادات والنفقات، قبل ذلك كان مسؤولو التحرير في الصحف الزميلة يشكون في بعض الأحيان من نسيان احتياجاتهم.
كنت حريصاً - مديراً عاماً -أن أنمّي الإيرادات من دون أن ألجأ إلى الحدّ من الإنفاق، لأن الحدّ منه يضعف هذه الصحف، وأظن أننا نجحنا إلى حد ما، لأننا أوجدنا بعض مصادر الدخل، منها رفع أسعار الإعلانات، واعتمدنا سياسات معينة لتنمية الاشتراكات، وبناء المقر الحالي، وهو مبنى ضخم، وأوجدنا مطابع حديثة مستمرة في العمل حتى الآن بكفاءة عالية.
كيف بدأت قصة الدمج بين المنصبين؟
سبقت قرار الدمج استقالة الأستاذ إياد مدني من إدارة المؤسسة، لظروف معينة، وحلّ مكانه نائبه الأستاذ محمد الحسون لفترة انتقالية، بعد ذلك اختار مجلس الإدارة رئيس تحرير صحيفة سعودي غازيت الأستاذ رضا لاري – رحمه الله – ليشغل منصب المدير العام، فضلاً عن استمراره رئيساً للتحرير، وكان أول من جمع بين المنصبين فعلياً لمدة شهر واحد فقط، ورفعت خلال تلك الفترة أسماء ثلاثة مرشحين إلى وزارة الإعلام لاختيار أحدهم مديراً عاماً للمؤسسة، هم رضا لاري ومحمد الحسون وأنا، ووقع الاختيار عليّ لشغل المنصب.
ما الأهداف التي سعيت إلى تحقيقها خلال جمعك للمنصبين؟
حددت أهدافاً واضحة تركز على تحويل صحف المؤسسة إلى صحف منافسة على مستوى المملكة، طبعاً كانت عكاظ حينها الصحيفة الأولى في المنطقة الغربية، وهذا لا يكفي.
ولتحقيق هذا الهدف وبناء المبنى الجديد وإيجاد المطابع، وتأسيس كوادر جديدة احتجنا إلى زيادة رأس المال، فضاعفناه من 100 إلى 200 مليون ريال. وحتى نغير الصورة الذهنية عن عكاظ من أنها صحيفة مناطقية إلى صحيفة تغطي جميع مناطق المملكة، وأن تصبح الصحيفة الأولى في جميع المناطق، ضممت أعضاء جدداً في الجمعية العمومية للمؤسسة يمثلون مختلف مناطق المملكة، للإسهام في زيادة رأس المال.
استفدت في ذلك الوقت من عضويتي في مجلس الشورى، وعلاقاتي التي كونتها مع الأعضاء الذين يمثلون مختلف مناطق المملكة، لضمّ الأعضاء الجدد للجمعية العمومية للمؤسسة، كما استفدت من موقعي في عكاظ وعلاقاتي في إدخال ثمانية وزراء أعضاء في الجمعية العمومية، لتحقيق أكثر من هدف، أولها زيادة الاشتراكات في مطبوعات المؤسسة، وتشجيع هؤلاء الوزراء على إيثار صحف المؤسسة بالمعلومات، ومبادرتها بالاهتمام.
إذن، كوّنا رأس مال قوياً، وأدخلنا أعضاء جدداً في الجمعية العمومية، ورفعنا عدد أعضائها من 36 إلى 85، حسبما أذكر. وبعد ذلك أدخلنا مجموعة من الأعضاء الجدد في عضوية أول مجلس إدارة للمؤسسة، وكانوا ينتمون إلى مختلف مناطق المملكة، وهكذا انطلقنا.
ألم يشكل دخول الوزراء في عضوية المؤسسة تضارباً في المصالح؟
لا طبعاً، نحن مسؤولون أمام قارئ، ولا مجال لهذا التضارب، بل على العكس عندما تحصل على خبر أو سبق صحفي خاص، يستفيد منه الطرفان، المسؤول الحكومي والقارئ، في الوقت نفسه.
وهل أطلقتم في ذلك الوقت مشروع الطباعة المتزامنة؟
لا؛ مشروع الطباعة المتزامنة سبقني إليه الدكتور إياد مدني، حينما كان مديراً عاماً للمؤسسة، هو صاحب الفكرة مع الأستاذ محمد الحسون، وأوجدوا مبنيين في أبها والمنطقة الشرقية، ونواة مبنى ثالث في الرياض.
لكن بعد تعييني مديراً عاماً للمؤسسة، ركزنا على مشروع الرياض وأوقفنا مشروعي أبها والمنطقة الشرقية، لأنهما كانا يستنزفان المال كثيراً، إذ لم تكن الحاجة قائمة للطباعة سوى لساعة أو ساعتين يومياً فقط، وتبقى المطابع متوقفة عن العمل نحو 22 ساعة، فلم توجد أي جدوى من الناحية الاقتصادية للمشروعين، رغم أنهما كانا مغريين إعلامياً.
أوقفنا في تلك الفترة بعض المشاريع السابقة، وواصلنا بعضها الآخر، منها مشروع الرياض الذي دشنه الملك سلمان بن عبدالعزيز، حينما كان أميراً لمنطقة الرياض.
مادام هذا الجمع أفاد الصحيفة – كما تؤكد – لماذا لم يستمر؟ أليس صحيحاً ما يقال إن إدارتكم للمؤسسة تسببت في رفع الإنفاق بشكل كبير، ما أدى إلى تراجع أرباح أعضاء الجمعية العمومية؟
ما دامت المؤسسة تحقق إيراداً جيداً، فما المانع من زيادة الإنفاق؟ وعموماً هذا الكلام عن زيادة الإنفاق وأثره في المؤسسة قيل وسمعته كثيراً، ولكن عملياً نحن بنينا مبنى جديداً وأنشأنا مطابع حديثة، وانتشرت الصحيفة توزيعياً، فما الذي يمنع زيادة الإنفاق على التحرير، ورفع قدرات مركز المعلومات؟
نعم زاد الإنفاق، ولكن بنسبة وتناسب، إذ زدنا قيمة الإعلان في الصحيفة، ورفعنا قيمة الصفحة الإعلانية الواحدة من 40 إلى 70 و80 ألف ريال، وارتفع الطلب على الإعلان مع ذلك، حتى اضطررنا إلى توفير "فولدرات" جديدة للألوان وزيادة عدد الصفحات الملونة من 24 إلى 52 صفحة، وهذا وفر موارد كبيرة للمؤسسة.
انتُقدت بسبب اختيارك مقر الصحيفة داخل حي سكني، وليس له أي ميزة استثمارية؟
هذا المبنى أنشئ على الأرض التي كانت متاحة في ذلك الوقت، وهي قريبة من المبنى السابق للصحيفة، إذ يفصل بينهما شارع واحد فقط. في ذلك الوقت أتيحت لنا أرض أخرى في طريق المدينة مساحتها 30 ألف متر مربع، لكن أعضاء مجلس الإدارة رأوا أنها بعيدة جداً، وفشلت جميع محاولاتي لإقناعهم بمناسبتها، علماً أن سعر المتر الواحد لهذه الأرض كان 250 ريالاً فقط، وتقع إلى جوار مطار الملك عبدالعزيز الدولي، ولوا اقتنعوا برأيي في ذلك الوقت لأدركوا جدوا تلك الأرض اليوم.
وعموماً، من الناحية الاقتصادية انتعشت المنطقة التي أقيم فيها المبنى الحالي للمؤسسة، وارتفعت قيمة الأراضي المحيطة، إذ تضاعف سعر المتر الواحد من نحو 800 إلى ثمانية آلاف ريال.
وكيف انتهى الجمع بين المنصبين، وتركت منصب المدير العام؟
استمررت في الجمع بين المنصبين لسبع سنوات، كان رئيس مجلس الإدارة في فترة الدمج الدكتور عبدالوهاب عبدالواسع، وبعدها تغير مجلس الإدارة.
ووصلت تلك السنوات السبع إلى خيار من اثنين، إما الاستمرار في الجمع بينهما أو التخلي عن منصب المدير العام. عكاظ كانت قد انطلقت في ذلك الوقت، وعقد لقاء لمجلس الإدارة ونوقش هذا الموضوع من زاوية المحافظة على استمرارية وقوة المؤسسة، واتفقنا على ذلك.
هل كانت ضرورة الفصل بين المنصبين وجهة نظرك أم وجهة نظر مجلس الإدارة؟
كانت وجهة نظر مجلس الإدارة، وشخصياً وجدت أنني أنجزت فعلاً أقصى ما أستطيع خلال إدارتي للمؤسسة، ولو استمررت بعد ذلك في منصب المدير العام، فلم أكن لأستطيع العمل بالقوة نفسها، وما كنت أريد تحقيقه تحقق فعلاً.
ميزة الدمج، فضلاً عن أنها تحقق رؤية أوسع لكيفية توفير الموارد وكيفية إنفاقها بشكل متوازن، وتحقق في الوقت نفسه إنجازات من دون وقوع أية مشكلات أو صدامات بين الإدارة والتحرير، إذا إن سلطة إصدار القرار في الجانبين موحدة، ولذلك كانت مرحلة الدمج مرحلة هدوء بالنسبة لي، مع أن عبء المنصبين لسبع سنوات حملٌ كبير جداً.
ومن تولى منصب المدير العام بعدك؟
تولاه الأستاذ وليد قطان، ولا يزال يشغل المنصب إلى اليوم. كان قبل شغله لهذا المنصب مسؤولاً عن التسويق وتنمية الموارد. كما أنه دخل المؤسسة بعدما توليت رئاسة تحرير عكاظ بنحو شهرين فقط.
هل عاد الصدام بين التحرير والإدارة بعد انتهاء فترة الدمج؟
لا؛ على العكس، لم أعش أي صدام مع الإدارة، سواءً قبل فترة دمج المنصبين أو بعدها، وكل ما هنالك احتكاكات طبيعية للعمل بين الطرفين، نتيجة اختلاف في وجهات النظر حيال بعض الأمور، لكن بقي الاحترام سائداً، وفي النهاية "تمشي" كلمة التحرير.
من خلال تجربتك رئيساً للتحرير، كيف تنظر إلى العلاقة مع الإدارة، ليس في صحيفة عكاظ فقط، وإنما في جميع المؤسسات الصحافية في المملكة، التي أثر النزاعات بين طرفيها في تطور الصحف المحلية؟
نظام المؤسسات الصحافية غير واضح في تحديد الصلاحيات وتوصيف الوظائف، لابدّ أن يفصل النظام فصلاً حاداً وحاسماً بين وظيفتي الإدارة والتحرير وصلاحياتهما، النظام أقر تراتبية معينة، رئيس مجلس الإدارة، ثم المدير العام، ورئيس التحرير.
تلقائياً يؤخذ الانطباع أن الأمور تسير بهذه التراتبية، بينما في الواقع من يتحمل المسؤولية في أي مؤسسة صحافية هي الصحيفة ورئيس تحريرها، الصحيفة هي من تصنع المؤسسة وسمعتها ومواردها ومكانتها، وما ينتج من ذلك من أرباح أو خسائر.
إذن التراتبية مختلة، لذلك لابدّ من إعادة النظر في نظام المؤسسات الصحافية من جديد، لتزول أسباب الصدام والاحتكاك واختلاف وجهات النظر بين الإدارة والتحرير.
وكيف كانت علاقتك بمجالس إدارة مؤسسة عكاظ ورؤساء تلك المجالس خلال عملك رئيساً للتحرير ومديراً عاماً للمؤسسة؟
في البداية كان الشيخ علي شبكشي يتولى إدارة المؤسسة، ثم خلفه الأستاذ إياد مدني، ولما غادر مدني المؤسسة، رشح الدكتور عبدالوهاب عبدالواسع، لرئاسة أول مجلس إدارة للمؤسسة، وضمّ المجلس في عضويته الشيخ صالح كامل، والأستاذ عمر فقيه، والشيخ علي بن مسلم رحمه الله، والمهندس بكر بن لادن.
كان الشيخ عبدالوهاب عبدالواسع، رجل دولة منظماً وغير مركزي، وإذا اقتنع بمشروع أو عمل يعطي الصلاحيات بلا حدود، وإن كان من نجاح تحقق في عهدي، فله فضل كبير في تحقيقه. كنت أنا عاملاً مساعداً في طرح الأفكار ومتابعتها، ولولا دعمه كان من الصعب تحقيق تلك النجاحات.
ولاحظ أننا خلال تحقيقنا لتلك الإنجازات لم نقترض ريالاً واحداً من المصارف، كل مشاريعنا نفذت من السيولة المتوافرة في المؤسسة.
للأستاذ إياد فضل ودور كبير في تطور المؤسسة، التحق بها بعد تعييني رئيساً للتحرير بنحو شهر أو شهرين، بترتيب من وزير الإعلام آنذاك الدكتور محمد عبده يماني، الذي اختاره لشغل منصب المدير العام، وتعاونا كثيراً.
إياد ينتمي إلى مدرسة وأنا أنتمي إلى أخرى، لكن مهنياً استطعنا أن نشكل ثنائياً متعاوناً.
وهل بقيت علاقتك به بعد تعيينه وزير للإعلام ؟
علاقتنا في المؤسسة كانت ممتازة، وإنما، هو مديراً عاماً وأنا رئيساً للتحرير، كنا نتفق ونختلف في أمور معينة، لكن كان بيننا تفاهم بشكل عام، وبقي لكل منا موقفه الخاص من الناحية السياسية أو المهنية.
وكل اختلاف وقع بيننا في اثناء عملنا في المؤسسة كان اختلاف عقلاء، ولم يصل إلى ما يمكن اعتباره صراعات كما كان يتردد ونسمع به.
أما بعد تعيينه وزيراً، فأظن أنني عاصرته فترة بسيطة أثناء توليه الوزارة، إذ تركت عكاظ، في المرة الأولى في فترة وزارته.
هل كان له دور في مغادرتك لعكاظ في المرة الأولى؟
بوصفه وزيراً لا يستطيع أن يفرض إقالتي، قرار الإقالة يتخذه مجلس الإدارة، لكن يستطيع التأثير في ذلك من موقعه.
ما ملابسات مغادرتك لمنصب رئيس تحرير عكاظ في المرة الأولى؟ هل كان قراراً منك أم من المؤسسة؟
كان قراراً شخصياً مني، في المرة الأولى وكذلك في المرة الثانية، لأن طبيعتي أن أغادر إذا وجدت أن الأفق لم يعد مفتوحاً أمامي للعمل والإنتاج، وأفضل دائماً الانسحاب من دون صدام أو خلاف أو صراعات، لا أحب هذه الأجواء، لذلك كانت مغادرتي دائماً للمنصب في كلتا المرتين ناتجة من قناعة شخصية تامة.
إذن لمحت بوادر صدام قادم وقررت الانسحاب؟
لا، لأنها كانت مراحل متغيرة، في المرة الأولى كان الأخ ساعد العرابي الحارثي، رئيساً لمجلس الإدارة، وفي المرة الثانية كان الأخ عبدالله صالح كامل، يشغل المنصب ذاته.
عندما عدت إلى رئاسة تحرير عكاظ للمرة الثانية، ترافق ذلك مع تعيين عبدالله صالح كامل رئيساً لمجلس الإدارة، جئناً معاً للمؤسسة في ظروف معينة مشتركة.
عندما غادرت كانت ظروف المؤسسة الصحافية تتغير، وكذلك النواحي المالية والإدارية، والهيكلة، وشعرت أن الأمور لم تعد مناسبة لاستمراري رئيساً للتحرير.
هل غادرت بسبب تدخلات من مجلس الإدارة في عملك؟
لا؛ أساساً أنا كنت عضواً في مجلس الإدارة، وكنت الوحيد من رؤساء تحرير الصحيفة الذي شغل عضوية المجلس، ولم يدخله بعد سوى رئيس التحرير الحالي الأستاذ جميل الذيابي، بقية رؤساء التحرير عملوا في المؤسسة موظفين.
ظروف المغادرة في المرة الأولى سببها تغير المنهجية وطريقة التفكير والعمل، لكن الصحيفة كانت في ذروة نجاحها في ذلك الوقت، ووصل وزيعها اليومي إلى نحو 170 ألف نسخة في نهاية عام 1427هـ عندما تقدمت باستقالتي.
وماذا عملت في السنوات الخمس التي فصلت بين استقالتك منصب رئيس التحرير في المرة الأولى وعودتك إليه في المرة الثانية؟
أنجزت ثلاثة كتب خلال تلك الفترة، وحاولت أن أوجد فهماً معيناً للدور الإعلامي في المؤسسات الخاصة،عبر تقديم الاستشارات الإعلامية، واتصلت بأكثر من قطاع، ووجدت أن رأس المال له طريقته المختلفة في التفكير، ولم استمر في هذا المجال.
بدأت في تلك الفترة مشروعاً لتأسيس صحيفة جديدة في منطقة جازان؟ ما قصة هذا المشروع؟ ولماذا لم ينجح؟
نعم، حدث هذا في السنتين الأخيرتين من تلك السنوات الخمس، طرحت فكرة الصحيفة، وتم التنسيق مع أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز، وكلفت مؤسستي بعمل دراسة شاملة للمشروع تتناول الجانب المهني والجدوى الاقتصادية، وحاولت كذلك استمزاج رأي الدولة تجاه المشروع عبر وزير الإعلام في ذلك الحين، وحظيت الفكرة بموافقة الأمير نايف، لكن عندما أردنا جمع المال المطلوب وهو 500 مليون ريال لإطلاق الصحيفة بالمواصفات التي أرادوها، وجدنا أن جمعه صعب.
كما أن إصدار صحيفة إقليمية، كان سيتعرض لصعوبات كبيرة على غرار الصعوبات التي واجهتها صحيفة الوطن، أبرزها صعوبات التوزيع، عندما تطبع الوطن في أبها وترغب في توزيع أعدادها اليومية في مدينة الرياض مثلاً، فلن تتمكن سوى من توزيع طبعتها الأولى فقط، ما قيمة الطبعة الأولى من الحدثية والمهنية مقابل بقية الصحف الصادرة في الرياض وتوزع طبعاتها الثانية والثالثة والرابعة أحياناً.
وبالتالي، لن تستطيع أي صحيفة تصدر في منطقة نائية أن تجاري بقية الصحف، فوجدنا أن مشروع صحيفة جازان خاسر 100 في المئة قبل أن يبدأ.
عدت مرة أخرة لرئاسة تحرير عكاظ، ما ظروف عودتك ؟ هل جاءت نتيجة لاستقالة رئيس التحرير الأستاذ محمد التونسي، بعد نشر الصحيفة مادة عُدّت مسيئة لأهالي منطقة جازان، أم لأسباب أخرى؟
لا علاقة لعودتي للصحيفة بتلك الحادثة البتة، المصادفة، وحدها، جمعت بين عودتي ونشر تلك المادة الصحافية.
وفي الحقيقة، قبل ذلك التوقيت بأربعة أشهر تلقيت اتصالاً هاتفياً أبلغت فيه بقرار اختياري رئيساً للتحرير، لكني كنت حينها أستعد للسفر إلى الولايات المتحدة لمرافقة حفيدي في رحلة علاجية، وفعلاً سافرت إلى أمريكا، وعندما عدت من السفر باشرت عملي مجدداً رئيساً للتحرير.
هل اتخذ مجلس الإدارة قرار عودتك إلى المنصب؟ أم بقرار من الدولة كما في المرة الأولى؟
يبدو أن مجلس الإدارة رشح ثلاثة أسماء لشغل المنصب كنت أحدهم، بعد أن وصل الخلاف بين المؤسسة ورئيس التحرير آنذاك الأستاذ محمد التونسي للذروة، وكثرت المشكلات بين الإدارة والتحرير.
أتصور أن الأستاذ محمد التونسي وصل إلى قناعة باستحالة استمراره في منصبه في تلك الظروف، فقرر الاستقالة ولم يجبر عليها.
أبلغني الأستاذ وليد قطان بقرار مجلس الإدارة اختياري رئيساً للتحرير، وخلال الأشهر الثلاثة التي قضيتها في أمريكا، عكفت على إعداد خطتي للعمل في الصحيفة، وكانت مكونة من 137 صفحة.
وفور عودتي ومباشرتي العمل بدأت العمل بتنفيذها تحت شعار: "عكاظ ضمير الوطن.. وصوت المواطن". كانت الخطة بأكملها تتمحور حول هذا الشعار.
عند عودتك كانت هناك متغيرات كثيرة في صناعة الاعلام والاعلان، وبالتالي فرضت معطيات مختلفة؟
نعم السوق تغيرت في تلك الفترة، كما أن تراكمات خمس سنوات دفعتني لإعادة البناء من جديد، مشكلتي في المرتين الأولى والثانية أنني جئت إلى عكاظ في ظروف معينة، تعاقب على رئاسة تحرير عكاظ خمسة رؤساء تحرير في خمس سنوات.
عكاظ لم تتغير، أُسساً، لأنه من الصعب أن يأتي رئيس تحرير على بناء أنجز في 27 عاماً ويغير فيه تغييراً جذرياً، لاسيما أن الفريق بقي نفسه تقريباً، لكن حدثت تغييرات شكلية لم تمسّ المنهجية وطريقة التفكير والتوجهات السياسية، حصل بعض التغيير في طريقة التنفيذ والمتابعة، لذلك وجدت صعوبة في البداية، المشكلة بالنسبة لي كانت في الانضباط والحضور، أنا حاد في هذا الجانب لأبعد الحدود.
أريد كذلك أن تبدأ المبادرة من المحرر، هو الذي ينبغي أن يفكر، وعندما عدت وجدت أن المحرر لا يفكر، وأن الميزة التي تولدت عنده من قبل قد زالت، وأصبح أسير عملية يومية روتينية عادية، من الصعب أن تحرك فيه الحسّ المهني وتوقظه من جديد، وجدت صعوبة في ذلك خلال العام الأول.
يعنى ما يقال كان صحيحا بإنك كنت تعد يومياً قائمة طويلة بالتكليفات توزع على جميع المحررين لتنفيذها، هل هذا صحيح؟
أولاً أفخر بكل الشباب العاملين في عكاظ، وانا كنت أقول لهم أن الصحيفة يجب أن تصدر غداً، فالسؤال: ماذا يريد منا القارئ غداً؟ كنا نعمل في هذا الجانب يوماً بيوم، فمع وجود خطة مركزية كنا بحاجة إلى أفكار يومية.
في البداية كان لابدّ أن ننقذ الموقف بشيئين: استئناف الاجتماعات الصباحية لتنتج الصحيفة، يعقد الاجتماع الصباحي في التاسعة، وهذا يعني ضرورة الحضور إلى المكتب في الثامنة، لقراءة الصحف الأخرى، واستكشاف ما تميزت به عن صحيفة عكاظ، وما أوجه النقص لدينا، ومناقشتها مع المحررين.
بمرور السنة الأولى أصبحت آلية العمل تسير سيراً طبيعياً، وكنا بحاجة إلى مد الصحيفة بأفكار، لكن في السنة الثانية كان المحررون عادوا إلى الأجواء الحقيقية للعمل الصحافي، واستأنفوا عملهم يخططون ويفكرون بشكل طبيعي.
خلال السنوات التي عدت فيها إلى الصحيفة، كانت الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بصحيفة عكاظ قد تغيرت، كيف أثرت عليك هذه المتغيرات؟
كما تعرف، العمل في الصحافة عمل سياسي قبل أن يكون مهنة، لكنك تحتاج في وقت من الأوقات إلى الجمع بين الجانبين. فعلاً الظروف الداخلية والخارجية تغيرت بشكل أو بآخر، كان علينا أن نعيد تشكيل منهجيتنا في العمل ومراجعتها.
وبين أن نعالج هذا الموضوع وأن نعالج المتغيرات التي حدثت من ظروف اقتصادية، وهبوط في التوزيع، وغياب القارئ، ومشكلات أخرى، وصلت إلى قناعة بأن العمل لم يعد مجدياً، وإما أن تستطيع أن تواجه كل هذه الظروف المختلفة لتعيد إلى الصحيفة مكانتها وقدرتها أو عليك أن تغادر، طبعاً وجدت أن الظروف لم تكن مواتية لمواجهة تلك الظروف، سواء من الناحية المادية والموارد المتاحة، أو الأجواء والسياسات القائمة حينها.
عندما استقلت في المرة الثانية لم تكن الصحيفة في مستوى النجاح نفسه، أليس كذلك؟
نعم، في المرة الثانية كنت أرى أن جميع الأمور في المجال الصحافي لم تعد تغري بالاستمرار، حينها كنت أشاهد حالة الانهيار ولا أستطيع أن أفعل شيئاً لإيقافها، في ظل المنافسة الشديدة من مواقع التواصل الاجتماعي للصحف، والوضع الاقتصادي العام، وتغير نظرة المعلنين، ما أدى إلى نزول مخيف في التوزيع.
في المرة الثانية واجهت تراجعاً في معدلات توزيع الصحيفة، إلى كم نسخة يومياً انخفض توزيعها؟
اسأل المؤسسة، أنا تغيبت عن عكاظ خمس سنوات؛ قبل مغادرتي كان توزيعها اليومي قد وصل إلى 170 ألفاً، وعندما عدت كان هذا الرقم قد تراجع إلى نحو 50 ألف نسخة يومياً فقط.
كان من الواضح أن التوزيع سيستمر في هذه المعدلات، لأنك إذا فقدت قارئاً فمن الصعب أن تستعيده، تستطيع أن تحصل على قارئ جديد بجهدك المهني.
لكن هناك ظروف غامضة لخروجك، ما حقيقتها؟
تحدثت إلى مجلس الإدارة بان الأمور تسير في عكاظ سيراً حسناً، وفيها من الخير ما يطمئن إلى الاستمرار، وأنا في البداية والنهاية عضو في الجمعية العمومية للمؤسسة، طبعاً فقدت عضويتي في مجلس الإدارة بمجرد قبول المجلس لاستقالتي من منصب رئيس التحرير.
بصراحة، أبا أيمن، ألا تشعر أنك استعجلت في قرار الاستقالة؟
لا،مطلقاً؛ كما قلت لك في البداية، أنا أفضل إما أن أكون في القمة أو أن أغادر. العمل الصحافي ليس وظيفة.
عندما أبلغت مجلس الإدارة بقرار الاستقالة، كيف كانت ردة فعله؟
كانت علاقتي مباشرة وشبه يومية مع رئيس مجلس الإدارة الأستاذ عبدالله كامل، وأبلغته بقراري نظراً لصعوبة الوضع، واعتقد أنه لو كان الأمر بيده، لغادر هو أيضاً في ظل تلك الظروف، لكن اعتقد أنه فضل الانتظار.
أنا أشفق على العاملين الآن في الصحافة، عندي إحساس أن الجانب المهني بدأ يختفي كثيراً، وانعدم نزول الصحافيين إلى الشارع، واستسلمت الصحف أمام مواقع التواصل الاجتماعي.
بينما أنا أؤمن أن الـ140 حرفاً لا تسمن من جوع، وما وراء الخبر هو المهم.
الصحافة تعيش الآن حالة أسميها حالة ذهول، إدارات الصحف استسلمت بشكل كامل لمواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي لا تبحث عن مصادر جديدة وتنويع مصادر الدخل.
إذا فقدت القارئ فعليّ أن أدخل مواقع التواصل الاجتماعي وأن أحقق فيها نجاحاً ما، البديل عن مواقع التواصل الاجتماعي لم يتوافر، وبالتالي الثغرة أصبحت كبيرة بين المقروء والمرئي، ولم تتوافر أيضاً المهنية في المؤسسات الصحافية لمواجهة هذه المتغيرات، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن. المؤسسات الصحافية بحاجة إلى إعادة تكوين من جديد بما ينسجم مع طبيعة المرحلة.
لابد من الاستعانة بمتخصصين يمتلكون القدرات التقنية مع المهارة الصحافية، فالمؤسسات الصحافية تعاني من مشكلة في هذا الجانب، أعضاء مجالس إداراتها وإداراتها الوسطى وعناصر العمل فيها هم أصلاً غير مهنيين، ومن هنا يبدأ الهاجس لمواجهة هذه التحديات، علماً ان المادة الصحافية موجودة، والأداة موجودة، واستعداد الناس لتلقي المعلومة أكبر ووعيها أفضل من السابق.
تنتقد الصحف المحلية بضعف اهتمامها بتدريب كوادرها الصحافية، وتأهيلهم واعتمادها بشكل كبير على الصحافيين المتعاونين؟
أولاً، تغير مفهوم صحيفتي عكاظ والرياض منذ فترة حيال الاعتماد على الصحافيين المتعاونين، وأصبح أغلب طاقم العمل في الصحيفتين من المتفرغين، ولهذا الأمر تكلفته العالية على المؤسستين. تفريغ عنصر بشري يفكر لك ويعمل معك ويخطط من أجلك أمر صعب.
فيما يخص التدريب، أذكر أننا في عكاظ أرسلنا ثلاث مجموعات للتدريب في أمريكا، منهم الدكتور سعيد السريحي، وهاشم الجحدلي، وزملاء آخرون.
زرت صحف "لو سوار" الفرنسية و"الاندبندنت" البريطانية، و"لوس انجلوس تايمز" و"الواشنطن بوست"، ورتبت مع تلك الصحف التعاون في ثلاثة مجالات: إرسال مجموعة من صحافيي عكاظ للتدريب فيها، والمشاركة في خدمات الوكالات والمواد الخاصة، وتبادل فتح مراكز توزيع، وهذا المجال الأخير كان من الصعب تحقيقه، فتلك الصحف كانت توزع أعدادها في صناديق منتشرة في الشوارع، وهذا غير موجود عندما، فضلاً عن افتقادنا للقراء باللغة الإنجليزية، وبالتالي فإننا لا نستطيع خدمة تلك الصحف.
في الفترة الأخيرة لعملي في الصحيفة، بدأنا برنامجاً لتعليم اللغة الإنجليزية، وابتعثنا الزميل عبدالله عبيان، وكان مديراً للتحرير، وهو أديب وشاعر وصحافي ناجح، إلى أمريكا، وقضى فيها سنة كاملة، وعاد بلغة إنجليزية ممتازة، وفور عودته عينته مساعداً لرئيس التحرير، وأسندت إليه مسؤولية مكتب الصحيفة في الرياض، ولتدريب شخص واحد فقط تحملت الصحيفة نحو مليون ريال.
بعد مغادرتك عكاظ هاجمك بعض تلاميذك السابقين في الصحيفة، هل شعرت بقلة الوفاء والخذلان من أولئك التلاميذ؟
قلت لكم إني انضباطي أكثر من اللازم، وشديد وصعب المراس في التعامل، وصدور ردة فعل معينة من شخص أو اثنين أمر طبيعي جداً. لكن ولله الحمد، أحصيت في كتابي الجديد 12 من الشبان الذين عملوا معي وصلوا إلى مراكز جيدة بعد ذلك.
هؤلاء اشخاص عرفتهم ولك التعليق؟
الدكتور عبدالعزيز خوجة؟
أنا اسميه الوزير الإنسان، طيّب، واعتقد أن الإعلام يحتاج إلى شخصية لا أقول إنها حادة، وإنما قادرة على المواجهة. والدكتور خوجة مهذب لأبعد الحدود، وبتهذيبه استطاع الاستمرار مد طويلة في منصب الوزير، لكن الوسط الإعلامي وسط مزعج، وأغبطه على تحمله لأوساطنا خلال فترة توليه الوزارة.
الأستاذ إياد مدني؟
قوي، له هوية واضحة ومحددة، لكنه دائماً كعهد البشر، لديه مصادر قوة، ومصادر ضعف أحياناً، ومصادر الضعف هذه تقود الإنسان لبعض الأخطاء.
تركي السديري؟ (السؤال قبل وفاته رحمه الله، وحرص الدكتور على المشاركة بكلمة عن الفقيد)
مهني مثقف، ويعامل كل من عمل معه أو رافقه أو زامله معاملة الأب لابنه، وإن قساعلى الكثيرين، لكنها قسوة أب ورجل مسؤول.
خالد المالك؟
مهني بلا شك، وتاريخه معروف في هذا المجال، شخصيته تختلف عن شخصية تركي السديري، وعن شخصيتي أيضاً، لكن يكفي أن نقول إنه "معمر" بدليل أنه مازال رئيساً للتحرير إلى اليوم.
عبدالله صالح كامل؟
رجل أعمال ناجح.
محمد التونسي؟
مهني جيد، لكنه كان يحتاج إلى مزيد من الصبر لتحمل البلاء.
عبدالعزيز النهاري؟
رجل مكافح، حاول أن يحقق الكثير من النجاحات في مجال الإعلام، ووجد صعوبات كبيرة في هذا المجال.
جميل الذيابي؟
ممتاز مهنياً، لكنني اختلف معه في تحليلاته السياسية.
محمد الفال؟
ثقافته عالية، ثقافة رجل رزين ورصين، يبدو أن جانبه الثقافي والفكري طغى على الجانب المهني.
أيمن حبيب؟
مهني جيد، لكنه يحتاج أيضاً إلى الصبر كبعض الزملاء، والتحمل.
قينان الغامدي؟
قينان من المهنيين أيضاً، ومن أبناء عكاظ الذين تتلمذوا في مدرستها، ولكني اعتقد أنه بحاجة إلى "شوية كنترول"، قناعاته نهائية، ولا يوجد في هذه الحياة ما هو نهائي ويستحق الصدامية.
ما الصحيفة التي تبدأ بها يومك في هذه الفترة؟
حقيقة، لا أجد في صحافة اليوم ما يشجع على القراءة، ولو كنت أجد فيها ما يشجع لاستمررت رئيساً للتحرير.
لا أقول هذا لأنه الآن في موقع السلطة، وهو صاحب قرار منذ أن عرفناه، لكن أنا شخصياً كثيراً ما شكوت إليه حالي، وكثيراً ما وجهني لأمور في غاية الأهمية، ولفت نظري وساعدني وأعانني ووسع مداركي لطبيعة العمل أو المهنة.
ولي مع الملك سلمان مواقف كثيرة، منها أني أوقفت عن العمل لمدة 24 ساعة، قبل نحو 15 عاماً، بسبب مقال للكاتب محمد الحساني، وكان للملك سلمان آنذاك دور في كبير ورئيس في عودتي إلى العمل.
وكلما كنت أواجه مشكلة أو قضية، أقصده مباشرة، وأجد أبوابه مفتوحة على الدوام، وتشعر بمتابعته وقراءته المستمرة للصحف، ولاحظنا في رحلاتنا الأخيرة أنه وهو قادم من قصره إلى مكتبه يقرأ الصحف، وبالتالي تشعر أنه معك، لذا كنا نفكر فيه أكثر من تفكيرنا في أي مسؤول آخر.
هل تشعر أن هامش الحرية في الصحافة السعودية تطور للأفضل في الفترة الأخيرة؟
أرى أن ما كان محاطاً بكثير من المحاذير أصبح تناوله متاحاً لأبعد الحدود، حسب علمي لم يوقف أي إعلامي في السنتين الأخيرتين على الأقل.
وعموماً، اعتقد أن الإنسان يمكنه الاستمرار في موقعه لفترة طويلة إذا استوعب الأبعاد المختلفة للعملية الصحافية.
ما شعورك الآن في فترة التقاعد والابتعاد عن العمل الصحافي؟
أنا الآن في مرحلة استمتاع وجني لثمار كثيرة، سعيد بأن أبنائي حققوا النجاح الذي خططت له من البداية، حتى أصبحوا اليوم في مواقع المسؤولية. ابني الأكبر أيمن يعمل موظفاً في أرامكو السعودية مسؤولاً عن تقدير الخسائر في الشركة، وعبدالعزيز يعمل سكرتيراً ثانياً في السفارة السعودية في أذربيجان، ويعتمد عليه في أعمال كثيرة في السفارة، وبعده الدكتور معتز، ويعمل وكيلاً لكلية الطب في جامعة جدة للتطوير، تخرج منذ أربع سنوات، عمل سنتين في مستشفى الملك فيصل التخصصي بعد تعاقده مع المستشفى خلال فترة ابتعاثه، وعندما عاد استمر في العمل فيه، ثم انتقل إلى جامعة جدة حيث يعمل الآن.
ابنتي سماهر في المراحل النهائية لاستكمال دراستها في مجال الطب في الولايات المتحدة، وتدرس تخصص صدرية، وتخصصاً دقيقاً في العناية المركزة.أما عبدالرحمن، وهو آخر الأبناء، فبدأ دراسة الطب في مدينة ليون الفرنسية، ويدرس حالياً اللغة ليتم دراسته إن شاء الله.
أنا سعيد بهذه الثمار، وبأحفادي، فعلاً متعة حقيقية أن يسعد الإنسان بأبنائه بأن كلاً منهم يعيش في الوضع الذي تمناه له. أما أنا فلا توجد لدي بعد تقاعدي أي طموح تجاري، وليس عندي رأس مال أو عمل تجاري.
تدون سيرتك الصحافية في كتاب عنوانه "الطريق إلى الجحيم"، لماذا اخترت هذا الاسم؟
كما تعرف، العمل الصحافي شاق، عشت الكثير من المواقف والأزمات التي مررت بها بعد انخراطي في العمل الصحافي لمدة 40 أو 45 عاماً، واعتقد أن العمل الصحافي طريق من المعاناة، طريق غير آمن، طريق إلى الجحيم، ربما يكون في هذا الوصف مبالغة، لكن في الواقع العمل الصحافي معاناة دائمة، فعلى استمرار أنت لا تعرف ماذا سيحدث غداً في عملك الصحافي.
هل لو استقبلت من أمرك ما استدبرت كنت غيرت طريقك المهني؟
لا أظن؛ فأنا منذ الصغر أميل إلى العمل الصحافي، وعندي مقالات كتبتها مبكراً، كنت أراسل إذاعة لندن، أتذكر أنها كانت تبثّ برنامجاً إذاعياً تقدمه مذيعة اسمها ليلى طنوس، اسمه "بريد المستمعين"، كنت أتواصل معها وأرسل بعض المقالات، واحتفظ بشيك من إذاعة لندن عمره أكثر من 45 عاماً مقابل بعض المشاركات.
كتبت مقالات أخرى وعمري 14 عاماً، كنت حينها أراسل مجلة "الأحد"، كما احتفظ بقصاصات لمشاركاتي الصحافية القديمة.
أذكر في كتابي الثاني "ملوك وأمراء وزعماء وآخرون في حياتي" حادثة طريفة، بعدما عُين الشيخ الدكتور محمد عبده يماني مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، كنت في ذلك الوقت طالباً في الجامعة وأعمل في صحيفة البلاد، سمعته يتحدث في مكالمة هاتفية، فهمت منه أنه وجهت إليه الدعوة لحضور استقبال رسمي في الديوان الملكي في ضيافة الملك فيصل، وطلبت منه مرافقته لحضور ذلك الاستقبال، فطلب بدوره إذن وزير التعليم العالي في ذلك الوقت، الشيخ حسن آل الشيخ، لكن الوزير رفض في البداية كوني طالباً وصحافياً في الوقت نفسه، وخشيته أن أتسبب في حدوث مشكلة، فأقنعه الدكتور يماني، وقال لي بطريقته يرحمه الله: "لقافة ما أبغى، تحضر مسجل، تمسك قلم، تكتب كلمة، ممنوع"، فوافقت على ذلك.
لكن عندما ذهبت معهم للقاء الملك فيصل سمعت ما يقال ولا يسكت عنه، ولم استطع الوفاء بالتزامي للدكتور يماني، وخذلته، ونشرت صفحة كاملة في اليوم التالي في صحيفة البلاد تضمنت كامل تفاصيل اللقاء.
كانت هذه أول "مصيبة" أو "ورطة" لي في العمل الصحافي، فقد كان اللقاء مهماً جداً، خاصة أن الجامعة كانت في مرحلة تأسيس في فترة انتشار تيارات فكرية قوية في ذلك الوقت.
كان نشر الحوار في ذلك الوقت جنوناً مبكراً،وأفادتني العلقة التي تلقيتها في ذلك الوقت طوال الأربعين سنة التالي في عملي الصحافي.
وأحرجت الدكتور يماني؟
طبعاً، ولكنه كان رجلاً حكيماً وصبوراً، وإذا تورطت في مشكلة يخدمك بنفسه ويواجه الكثير من أجلك، وكثيراً ما واجه مشكلات كثيرة؛ نفتقد أمثال هولاء.
أنت بقيت في منصب رئيس التحرير لنحو ثلاثة عقود، ورؤساء تحرير آخرون أمضوا فترات مماثلة أو أطول في المنصب، ألا يسبب هذا جموداً في العمل الصحافي؟
بعض الناس يرون ان بقاء رئيس التحرير في منصبه 30 أو 35 سنة كثير جداً، لكن في الحقيقة بقاؤه في هذا المنصب لهذه الفترة الطويلة يخلق تراكماُ مفيداً، خصوصاً إذا استطعت بجهدك الذاتي وثقافتك وقراءتك وتحركاتك سماع الشارع، والجلوس إلى الناس، والتواصل معهم.
يقال إنك كنت تتطلع إلى منصب وزاري قبل تقاعدك، هل هذا صحيح؟
أبداً، أنا أشفق على أي وزير، الوزارة ليست مطمحاً لأي إنسان، سواء وزارة الإعلام أو غيرها. اسأل الله أن يعين الوزراء، فالأمور اختلفت، والظروف أصبحت أكثر صعوبة وأشد تعقيداً.
الوزير ليس فرداً، وإنما مجموعة من العاملين معه، فإذا نظرت إلى أي وزارة وجدت أن كفاءاتها أقل قدرة على استيعاب ما يدور خارج نطاق الوظيفة. الوزير لا يعمل وحده، فهو يحتاج إلى فريق قوي حتى يكون قادراً على العمل والتطوير وإصدار القرارات وإعداد الأنظمة، وربط الدولة بالمجتمع، وكذلك ربطها بالدول الأخرى؛ إذن العملية معقدة جداً.