الدكتور هاشم عبده هاشم لـ"الرجل" لهذه الأسباب غادرت "عكاظ"
الدكتور هاشم عبده هاشم،اسم أصبح بصمة في تاريخ الصحافة السعودية المعاصرة. قصة نجاح وكفاح صنعها رجل مغامر أخذه الشغف بعالم التغيير والاكتشاف من مدينته الصغيرة جيزان، ليصنع في جدة رحلة تميز رغم الانكسارات، إلا أنها الإرادة والرؤية والإصرار التي قادته الى الوصول الى اعلى المراتب في الصحافة رئيساً لتحرير واحدة من أهم الصحف اليومية السعودية وهي "عكاظ"، فضلاً عن أدوار متعددة، سواء عضو مجلس شورى من الدورة الأولى واستاذاً جامعياً.
الممتع في تجربة الدكتور هاشم أنها محرضة على الابداع، وهي محفزة في خلاصتها لجيل الصحفيين الجدد الذين يمكن لهم الاستفادة من رصيد هذه التجربة والعبر التي يستخلصونها.
في منزله الانيق في جدة، كان لقاؤنا معه، وكان من الواضح أنه يعيش أسلوب حياة يبحث عنه منذ زمن. قضاء وقت مع الاسرة وكما يقول إن اجمل اوقاته هي التي يقضيها مع احفاده. ومكتبته التي دعانا اليها وتصور مكتبة باحث، وهو ما كشفه لنا، عبر عمله حالياً على تأليف ثلاثة كتب في وقت واحد. ويقول هذه الكتب هي خلاصة تجربتي في رحلتي العملية والحياتية.
والدكتور هاشم، مثل أي شخصية ناجحة له محبوه وخصومه، وهناك من يعجب به وآخرون يختلفون معه. ولكنه في الحوار كان متقبلاً لكل سؤال أو اتهام. وكما هي عادة شخصيته المتوازنة كان بعيداً عن الانفعال حريصاً على اختيار الفاظه بدقة. مستنداً الى ذاكرة جيدة وابتسامة هادئة،وكان هذا الحوار:
تبدو اليوم، وبعد نصف قرن تقريباً من العمل الصحافي، أنك تعيش لحظات استمتاع بحياتك الخاصة، كيف هذه التجربة حتى الآن؟
استغرب من بعض من يتكلمون عن التقاعد بشكل مفرط في التشاؤم، جاء الوقت الذي يجب أن تتفرغ فيه لنفسك وتهمتم بأبنائك، بل وبأحفادك أيضاً، وتشعر بالمتعة بأن كل فرد من أبنائك، بلغ موقعاً وظيفياً متميزاً.
ولكن اعتدت أن تكون مشغولاً طوال حياتك،فكيف تقضي وقت فراغك في فترة ما بعد التقاعد؟
أقضيه في القراءة والكتابة، أعمل حالياً على كتابة ثلاثة كتب، أكتب أحدها وأجمع مصادري اللازمة للكتابين الآخرين؛ الأول اسمه "الطريق إلى الجحيم"، يتناول رحلتي في العمل الصحافي على مدى 50 عاماً، بما فيه من مواقف ومحطات ومشكلات وأزمات.
أما الكتاب الثاني "(الأسماء مبدئية وأتمنى الموافقة عليها) اسمه "ملوك وأمراء وزعماء وآخرون في حياتي"، ويتناول مواقف مرت بي مع عدد من الشخصيات البارزة التي عاملتها أو أجريت حوارات مهمة معها، مثل الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس السوداني السابق جعفر نميري.
بينما الكتاب الثالث، فخطرت لي فكرته وأنا أعمل على الكتابين السابقين؛ بدا لي أن هناك رواداً في العمل الصحافي لم ينالوا حقهم، ولم تبرز من أسمائهم سوى قلّة، لا تزيد على خمسة أو ستة.
ما مدى الشفافية التي اعتمدتها في تأليفك لهذه الكتب، خصوصاً أن كتبك جميعها في "السيرة الذاتية"؟
استفدت في كتابتها من تجربتي الطويلة في العمل الصحافي، فكما تعرف العمل الصحافي يعوّدك على موازنة الأمور، وكما كنت أقول لزملائي: لا يوجد شيء لا يمكن نشره، وإنما المهم هو كيف يكتب، كيف تعالج هذه القضية أو التحقيق أو المقال.
كان لديك أيضاً مسار في مجال البحوث والدراسات؟
صحيح، هذا كان في فترة التقاعد الأولى، بدأت حينها بالعمل في مكتب متخصص في هذا المجال، لكن عندما خرجت من صحيفة "عكاظ"، وبدأت فترة تقاعدي الثانية، قررت أن أعيش، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
عشت حياة طويلة وحافلة بدأت من جازان وقادتك الاقدار الى مدينة جدة، كيف كانت بداياتك؟
كما تعرف جازان منطقة نائية، تصور أن البريد السيار كان يصل إلينا مرة واحدة كل 15 يوماً، وكنا نذهب إلى مدخل المدينة، لأن موزع البريد كان يحضر إلينا الصحف والمجلات المصرية واللبنانية، التي كنا نستقبلها بفرحة كبيرة. كما واصلت دراستي في ظروف صعبة.
والدك كان يعمل في الجمارك، ومن هنا بدأت حياتك العملية في جمارك جازان، أليس كذلك؟
صحيح؛ والدي كان يعمل في الجمارك بميناء جازان، وفي هذه الفترة كنت حين أخرج من المدرسة أمر به في مقر عمله، وبدأت أشتغل وأدرس في آن معاً، وأكملت الثالث المتوسط والمرحلة الثانوية، بنظام المنازل حتى انتقلت إلى جدة وبدأت الدراسة الجامعية، إذ اندمجت في العمل وانشغلت به. عملت أعمالاً بسيطة في البداية، وأولها وظيفة "مشدّي" أي مراقب عمال، وكنت أتقاضى 120 ريالاً، كنت أستمتع بها، (ضاحكاً) وأمارس نوعاً من الهيمنة المبكرة على الآخرين. وبعدها تغير عملي إلى "وزّان" للبضائع، ثم إلى كاتب آلة كاتبة، وعندما انتقلت من جمارك جازان إلى جمارك جدة عملت بوظيفة مشابهة.
بدأت عملك في الجمارك في سن 14، لكنك استصدرت حفيظة نفوس تفيد بأن عمرك آنذاك كان 18 عاماً، لتتمكن من الالتحاق بالعمل، هل هذا صحيح؟
صحيح، كانت هناك عفوية في الأمور في ذلك الوقت، كنت شاباً صغيراً وأريد أن أعمل، والدي كانت لديه فلسفة "اعتمد على نفسك في العمل.. العمل يجعلك رجلاً". وعلى رغم أنه لم يكن محتاجاً، فإنه كان لديه ذلك الهاجس، العمل أولاً.
لما اندمجت في العمل كنت دون 18، اشتغلت وزّاناً في سن 14، وصادف أن أرسلت الجمارك مندوبين للتفتيش على الإدارات التابعة لها في المناطق، ومنها جمارك جازان، وشاهد المندوبون هذا الولد الصغير يعمل، وكنت حينها أعمل كاتباً على الآلة الطابعة، واكتشفت حينها أنه لا يمكنني أن استمر في العمل، إلا بحصولي على "حفيظة نفوس"، ورتبوا لي ذلك وحصلت عليها.
ومتى بدأ اهتمامك بالعمل الصحافي؟
بدأت ميولي الصحافية مبكراً مع صحيفة المدرسة، ففي المرحلة المتوسطة أوجدنا أنا وثلاثة من زملاء الدراسة، هم علوي الصافي، والقاضي حالياً محمد الدريبي، والشاعر محمد مسرحي – رحمه الله – صفحة اسمها "الجنوب"، وتنشر مرة واحدة في الأسبوع في صحيفة "الندوة".
كنا نرسل عددين أو ثلاثة منها إلى الصحيفة بالبريد. وبالأمس كنت أقرأ كتاباً للأستاذ محمد القشعمي تناول هذه البدايات.
وبعد انتقالي إلى جدة، تعرفت إلى الأستاذين عبدالفتاح مدين، ومحمد سعيد باعشن، وصادف في ذلك الوقت ان طلبا ترخيصاً لإصدار صحيفة "الأضواء" الأسبوعية.
كان ذلك قبل صدور نظام المؤسسات الصحافية؟ أليس كذلك؟
نعم، قبل صدور هذا النظام، ودخلت صحيفة "الأضواء" متفرجاً، ثم أصبحت متدرباً.
لكن قبلها كنت أراسل مجلة "المنهل"، وهي شهرية، ونشرت ذات مرة قصة فيها، وكانت سبباً لمغادرتي منطقة جازان، إذ تناولت قصة خمسيني تزوج فتاة في سن 13 عاماً، وتعرضت بسببها لتهديدات بالقتل من الرجل نفسه.
هل واصلت علاقتك بالعمل الصحافي أثناء عملك في الجمارك؟
أثناء الدراسة كنت أتعاطى مع الإذاعة والتلفزيون أيضاً، فعند انتقالي إلى جدة، بدأت العمل في إدارة الإحصاء التابعة للجمارك، وكانت هذه الإدارة تقع في منطقة تسمى "فينكو" في حي البغدادية، وتضم مقرات مؤسسة النقد العربي السعودي، وإدارة إحصاء الجمارك، والإذاعة.
كان العمل في إدارة الإحصاء قليلاً ولديّ وقت فراغ كبير أستغله في الذهاب إلى الإذاعة، وفيها تعرفت إلى الأستاذ بدر كريم وبعض المذيعين العاملين في ذلك الوقت.
ترددي على الإذاعة يسّر لي بناء علاقات مع العاملين فيها، أمثال بدر كريم، وغالب كامل، ومحمد صبيحي.