لماذا تتم ترقية من لا يستحقون الترقية بشكل دائم؟
الحياة غير عادلة، أمر يعرفه الجميع ولكن الغالبية تميل الى خداع النفس ومحاولة تصديق أن المعادلة «الحياتية» غير العادلة يمكن عكسها حين يتعلق الأمر بالحياة المهنية. من الناحية النظرية من يعمل بجد ويضع قلبه وروحه في عمله من المفترض أن تتم ترقيته، بينما الذي يمضي وقته وهو لا يقوم بالحد الأدنى المطلوب منه أو الذي يعتبر من الشخصيات السامة في العمل أو حتى الذين لا يملكون المهارات الكافية من المفترض الا تتم ترقيتهم. ولكن الواقع مغاير، فالذين لا يستحقون الترقية هم الذين يحصلون عليها بشكل دائم.
غالباً ما يتم الحديث عن المدير السيء في العمل، والذي هو السبب في مغادرة عدد كبير من الموظفين، المدير السيء هذا وصل الى منصبه لانه منح ترقية وبالتالي الترقية منحت لشخص لا يستحقها.. والنتيجة كانت مدير سيء. الترقيات التي تمنح لمن لا يستحقونها تنسحب على كل المناصب، فما الأسباب الكامنة خلف هذه القرارات الغريبة؟
الخوف على المناصب
هي حلقة مفرغة، شخص في منصب متقدم في العمل لا يمكنه أن يقوم بترقية شخص يملك المهارات لانه يشعر بأن الشخص هذا يمكنه وبكل سهولة الحصول على منصبه لانه سيجعله يظهر على حقيقه. هو يخاف على منصبه وبالتالي عليه أن يحيط نفسه بمجموعة من المديرين الذي يخافون بدروهم على منصبهم والذي لا يملكون المهارات وبالتالي يتخلصون من قلق وخوف خسارة المنصب. رغم انه من الناحية المادية توظيف أصاحب المهارات أفضل للشركات على كل الأصعدة، ولكن جميع الأبحاث والدراسات التي أجريت والتي سنعرض بعضها لاحقاً، أظهرت بان سيناريو توظيف أصحاب المهارات لا يطبق في الشركات حول العالم. خوف أصحاب المناصب العليا ليس من فشل العمل، وليس من الخسائر المالية بل من وجود شخص يقوم بتحديهم أو بإظهار واقع انهم بالفعل لا يملكون ادنى فكرة عما يحدث. إنه الغرور والذي هو أقوى وأكبر من الخوف من فشل العمل.
الموظف السيء تتم ترقيته من قبل مدير سيء والذي بدوره حصل على ترقية من مدير أعلى منه سيء.. وهكذا تستمر الحلقة المفرغة.
الشركات القائمة على بيئة الخوف هذه وعادة وخلال الإجتماعات التي تجمع «الكبار» الحديث يكون إيجابي حول كل شيء. ولكن في الشركات التي هي ابعد ما يكون عن بيئة الخوف المواضيع تتم مناقشتها والمشاكل تطرح والمدير السيء يحاسب.
يملكون المهارات السياسية
في مقال تحليلي نشرته مجلة هارفرد بيزنس للبحث في دراسة حديثة حول سبب ترقية من لا يستحقون الترقية تم تعريف هؤلاء بإنهم إما شخصيات متلاعبة، أو مندفعة، أو تلك التي تعاني من الانا المتضخمة وعقدة الفوقية. أي شخص يملك صفة من هذه الصفات يملك شخصية سامة يمكنها إتخاذ قرارات غير أخلاقية مهنياً.. وهؤلاء عادة يمنحون الترقيات. في دراسة شملت مجموعة من الموظفين حول العالم يعملون في مجالات مختلفة تبين بان الذين لا يستحقون الترقية وحصلوا عليها يملك المهارات السياسية. المهارات السياسية تعرف بأنها مهارات إجتماعية تمكن الشخص من بناء شبكة من العلاقات العامة والتأثير بالاخر من خلال الدهاء والفطنة والظهور وكأنهم صادقين تماماً للاخرين.
وفي النتائج أيضاً تبين بان الذين سجلوا نسبة متدنية في مجال الصدق والتواضع وأخلاقيات العمل حصلوا على تقييمات عالية من المديرين أما الذين يملكون أخلاقيات بالفعل حصلوا على تقييمات متدنية وذلك لناحية الاداء المهني.والسبب هو مهارات تلك الشخصيات السامة السياسية التي خدعت الجهات العليا.
مع الإشارة هنا الى أن ليس كل شخصية سامة يتم ترقيتها، فقط الشخصيات التي تملك المهارات السياسية.
كيف نجح لويد بلانكفين في النجاة بسفينة جولدمان ساكس في خضم الأزمة المالية العالمية؟
الشركات أحياناً تحتاج الى هكذا شخصيات
كما قلنا من لا يستحق الترقية يحصل عليها من خلال مهاراته السياسية ولكن الجهات العليا قد تكون على دراية تامة بما هو عليه ومع ذلك تمنحه الترقية على حساب شخص اخر يملك مهارات أفضل وأخلاقيات عمل عالية.. والسبب هو ان الشركات تحتاج الى هكذا شخصيات في مناصب محددة. الجهات العليا في الشركات تحتاج الى مدير سيء نرجسي وانتهازي ومنحه الترقية خطوة ذكية كي يقوم بمهام لا يمكن لاصحاب الاخلاقيات القيام بها .المقاربة الذكية هذه والتي تطبقها بعض الشركات هو ترقية من لا يستحق الترقية ومنحه السلطة في المجالات التي يريدونه ان يقوم بدروه المحدد له والحد من سلطته في مجالات أخرى وذلك للحد من الأضرار التي يمكنه أن يتسبب بها.
منهجية خاطئة لسياسات الترقيات في الشركات
في دراسة أجرتها مؤسسة غالوب تبين بان غالبية الشركات تملك عدداً كبيراً من المديرين الذين لا يستحقون مناصبهم وأن الخيارات هذه تؤدي الى بيئة عمل سامة وإنتاجية سيئة وبالتالي خسارة كبيرة للشركة والتي قد تحدث على المدى القصير أو البعيد. المشكلة التي تحدثت عنها الدراسة هي ان الخلل يكمن في منهجية الشركات الخاطئة حين يتعلق الامر بالترقيات. الترقية تتم من خلال مكافئة الموظف على خبرته السابقة ثم منحه منصباً يتطلب منه دوراً مختلفاً تماماً وفي ٨٠٪ من الحالات المقاربة هذه كانت نتيجتها سلبية.
المسار «المعروف» في كل الشركات هو موظف بارع عمل لوقت طويل في الشركة عليه ان يصبح مديراً.. ولكن ان كان بارعاً في مجال البيع مثلاً فهذا لا يعني انه بارع في الإدارة. والمشكلة هي ان الشركات تشجع هكذا مسارات وتدعم هكذا منهجية وبالتالي تحول من كان موظفاً بارعاً الى مديراً سيئاً. وهكذا تبدأ الحلقة المفرغة بحيث يقوم هو بإحاطة نفسه بموظفين سيئين.
هذه الدولة سكانها الأغنى في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي لعام 2017