الشيخ صالح المغامسي : نحتاج الى خطاب إسلامي معتدل وواقعي
لم يقف في صف من يحرمون الموسيقا تحريماً مطلقاً، طرح الكثير من الاراء الاشكالية، ما جعله عرضة لهجوم عنيف من خصومه، ذنبه أن "جَسر على قول ما لم يجسر عليه العلماء من قبله"، فوصفوا انفتاحه على الاخر بالشرك، واجتهاده بالباطل، لا بل طلبوا إليه التوبة.
رجل لا يجيد لغة الاقصاء، منفتح على الاختلاف، يرفض ان يكون مقلداً لأحد، مهما علا شأنه، يمتلك جرأة اللسان وعقل المؤمن العارف، ولا يكترث لخصومه، يقيم مسافات دقيقة بين النصوص المقدسة وأحكام وضرورات الدهر.
الشيخ الداعية صالح المغامسي، إمام مسجد قُباء في المدينة المنورة، في حوار شامل مع "الرجل"، كان عسيراً عليه أن يتحدث عن نفسه، لأن "أسوأ أحوال المرء وهو يتحدث عن مناقبه". ووجد أن افضل ما يمتدح به نفسه شعوره بأنه "قريب جداً من الناس"، عادّاً هذا معيناً على فهمهم والتماس العذر لهم.
ولد المغامسي في قرية الخيف، ثم انتقل مع اسرته وهو في الثالثة من عمره، الى المدينة المنورة، ولا يذكر من تلك الأيام شيئاً، لكنه يستدرك بالقول "ربما يصح أن يقال تبقى أشياء تتشكل في العقل والجسد، لأثر الزمان والمكان، ولو لم نذكرها".
بعد مغادرة القرية سكن مع عائلتة في حي "باب الكومة"، أسفل جبل سَلْع من الناحية الجنوبية، ويرى أن لهذا المكان "أثرٌ كبير جداً في شخصيتي، ففيه اختلاف الأعراق" ويذكر بالاسم الكثير من العائلات: بيت العجلان، بيت الأكراد، بيت الجداوي، بيت الشنقيطي، بيت الفارسي، بيت الزهراني، وغيرها من بيوت قبلية وحضرية ووافدة كريمة.
يكشف المغامسي، انه في تلك المرحلة المبكرة من حياته، من سن الثالثة حتى العشرين، تشكلت لديه "عملياً وحياتياً ثقافة الاختلاف العرقي والمذهبي الفقهي، وكيف يتقبل المسلم أخاه، ويسمع منه ويتسامح معه ويألفه، مهما كان سبب الاختلاف ومنشؤه، كانت الأفراح تجمعنا وكأننا أسرة واحدة، والأحزان تلمّ شعثنا، وكأن المصاب واحد، لم أعرف في تلك السنين ممن شرفت بأن نشأت بين ظهرانيهم شيئاً من لغة الإقصاء".
ما تشربه في صباه ترسخ في شخصيته فيما بعد، فيوضح "فلمّا عقلتُ وأضحى لي عند الناس بفضل الله قدرٌ، كانت آثار حي باب الكومة مع آداب القرآن والسنة من قبل، تمنعني من إقصاء مسلم أو نبذ ذمي".
كسر حاجز رهبة المنبر
وعن بداياته مع المنابر وأول خطبة له، يكشف أنها "كانت في مسجد السلام بأرض الكردي، وهو حيّ لا يبعد كثيراً في مجمله عن حيّ باب الكومة، من حيث اختلاف الأعراق، وإن كان السواد الأعظم منه من قبيلة حرب، وكان ذلك في محرم عام 1408هـ.
وقد حظيتُ نيابة عن إمام المسجد وخطيبه آنذاك، وهي أول خطبة ألقيتها وكانت بحمد الله ارتجالاً، وعلى ذلك سرت، وموضوعها عن مفهوم العبودية لله".
للمنبر رهبته وللكلام وقعه، يوضح المغامسي "بحمد الله كنت واثقاً جداً بنفسي، إذْ إنني كنتُ ألقي كلمات بعد الصلاة، منذ كنت طالباً في المرحلة الابتدائية في المدرسة الناصرية، وكانت مدرسة مميزة بخيار المدرسين، ولم يكن يوم ذاك للأحزاب والجماعات حضور في التعليم، كان المعلمون والآباء والطلاب على الفطرة السوية، مع إجلالي لكل من تعلمتُ منهم وتأثرت بهم".
براغماتية التلميذ وجرأة المعلم
تمتدح أعلاماً في العلم الشرعي، مثل الشيخ محمد الامين الشنقيطي وغيره من المشايخ، فمن ترك الاثر الاكبر في نفسك، ومن تعدّه أستاذك؟
ليس هناك أحدٌ يمكن أن يقال عنه إنه "أستاذي"، بالمفهوم الضيق للكلمة، وإلا لأصبحت نسخة منه تماماً.
نعم لي أساتذة لا يحصون، تعلمت منهم ما يغلب على ظني أنه ينفعني، وقطعاً تجنبت منهم ما أرى أنه لا يجعلني إلا شخصاً مُقيداً مُقلداً.
تأثرت بهيبة الشيخ عبد العزيز بن صالح، وبسعة علم الشيخ عطية محمد سالم، وبصلابة الألباني مع خصومه وعدم اكتراثه بهم، وبمروءة الشيخ محمد محمد المختار.
أنا أحاول أن أستفيد من الجميع ما أمكن، لكن ليس ثمة أحد أجدني مشدوداً إليه كليةً، محلياً ولا عربياً، لكن من السابقين المعاصرين الشيخ محمد الخضر حسين، والإمام محمد أبو زهرة، هاتان قامتان علميتان موسوعتان يبخل الدهر بمثلهما كثيراً.
ومن قرأ مجموع مؤلفات محمد الخضر حسين، يتعجب كثيراً من سعة علمه وجليل ثقافته وكريم خصاله، وذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء" .
كيف تجري على لسانك كل هذه الطلاقة دون ان تستعين بورقة او قلم، من أين تغرف؟ ما سرّ هذه الملكة التي تجتذب مريديك ويحسدك عليها خصومك؟
نشأت، بحمد الله، محباً للغة العربية، قارئاً للشعر العربي، وكنت في الصبا أقرأ الأبيات بصوت عالٍ، وأقيّم نفسي في الإلقاء، وأسعى لحفظ الأبيات والمنثورات الأدبية، وأقرأ كثيراً في أمهات كتب الأدب، وقبل ذلك في كتب التفسير والفقه والمناظرات.
واطلعتُ قديماً على المحضر الذي صاغه المستشار محمد نور، وهو مصري، كان قائماً على محاكمة طه حسين، بعد كتبه المثيرة للجدل، وكان المحضر في الغاية من الدقة القانونية واللغوية، ونشر في هامش كتاب لا أذكره الآن، وكنت أقرأ هذا المحضر كثيراً، وهو متعدد الصفحات، تظهر فيه بجلاء مفرداتٌ ومعانٍ قلما تجتمع روعة وعرضاً واستبياناً ونتيجة، وكنت أدعو للمستشار محمد نور في صلاتي .
اليوم انت تعتلي منبر أول مسجد بناه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فماذا تعلمت من قدسية المكان؟ ولماذا اختاروك لتكون بهذا المقام دون الآخرين؟
الخطابة في مسجد قباء فأل حسن، ومسؤولية عظيمة، وطريق موصول إلى الله، لمن رزقه الله الإخلاص والتوفيق، فالناس يؤمّون هذا المسجد لفضله وعظيم أجر الصلاة فيه، ويحسن لمن رقى درجات منبره، أن يعلم اختلاف مشارب الناس، فلا يفرض عليهم رأياً، ولا يشعر من نفسه بالوصاية عليهم، إن احترام الخطيب لمن يشهد الصلاة معه أول طرائق التوفيق التي يكتبها الله للعبد في خطبته.
يقول الناس إنني أحسن الخطابة، ولعل هذا ما شعر به سعادة الشيخ عبد الرحمن المويلحي، مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمدينة آنذاك، وجعله تكرماً منه يستدعيني ويخبرني بقراره تكليفي خطيباً في مسجد قباء.
وهو أولاً وأخيراً، فضل من الله عليّ، والحق أنه لم يكن من أمانيَّ أن أكون إماماً أو خطيباً لهذا المسجد المبارك.
فيديو|المغامسي يجهش بالبكاء على الهواء لهذا السبب
ألا تحن نفسك لتتقلد الامامة في المسجد النبوي الشريف؟
الإمامة في المسجد النبوي شرف كبير ومقام عالٍ، تشرئب إليه الأعناق بلا ريب، لكنني أراه قيداً من وجهة أخرى، لطبيعته الرسمية البحتة، علماً بأنني لست معدوداً في القرّاء، ولكن قد أوفق لو كنت خطيباً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قادة المملكة من منظور الإمامة
من موقعك داعيةً وعالماً في ديننا الحنيف، كيف تنظر الى الملك سلمان في إدارة ملكه؟
الملك سلمان بن عبد العزيز، قامة معروفة لدى الشعب منذ أكثر من نصف قرن، ذو هيبة ضافية تزخر وراءها معرفة بالتاريخ ودراية بالناس، وعلم تام بقوام الملك وآلة السياسة، لا ينفك عن مخاطبة من يصافحهم بكلمات تناسب حال كل فرد منهم ومقامه واهتمامه، أما حضوره الدولي فالقمة الإسلامية في تركيا، والقمة الأخيرة التي عقدت في الرياض أظهرتا الحضور الشخصي القوي له حفظه الله، فبه البلاد تفخر وتشرف.
التقيت الامير محمد بن سلمان كيف كان لقاؤك معه؟
نعم؛ شرفت بالالتقاء بحضرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد مرات عدة، وهو رجل موسوعي المعرفة، وتلك أهم صفات القادة الناجحين المؤثرين الكبار وأعظمها، يمضي معك في الحديث في أي وادٍ تختاره، ذو همة عالية وعزيمة ماضية، وهذا ما يجعل سموه الكريم قادراً على الالتقاء بالجميع، سواء كانوا من دهقان السياسة أو من رجال الحرب أو من ذوي الاختصاصات الاقتصادية والأدبية والاجتماعية والفكرية.
وأنت تلحظ أن سموه الكريم، إذا تبنى أمراً لا يوكله إلى أحد من الوزراء أو الإعلاميين نشره وبثه، بل يخرج هو للناس، فيذكر الأمر وأبعاده ولمَ عزم عليه، وما سيكون فيه، وما يُرجى أن ينجم عنه بحول الله، وهذا كله يبين لك أنك أمام قامة سياسية تقدح من زنادها وتسقي غيرها من حياضها، ما يزيدك طمأنينة إلى تلك الرؤى التي يتبناها والمشاريع التي يبتكرها والموفق الله .
وسموه كذلك يَسمع من محدثه، ويقبل ما يغلب على ظنه أنه صواب، ويعد فيفي بوعده، وما أعرفه عنه بوجه خاص حرصه التام على الإحسان إلى الفقراء والمساكين والمعوزين، وتقديم العون لهم عبر طرائق مختلفة متعددة، تقبل الله منه.
الحنان من أبي والصبر من أمي
الشيخ المغامسي كيف يقضي يومه؟
الأيام تمليها الأحداث، وأنا لست شخصاً منظماً، ولكن الأمر الثابت في جدولي اليومي، الالتقاء بالوالدة الكريمة، حفظها الله.
بكى بعض من سمع خطبتك، وأنت تحثّ المصلين على إكرام الام والسعي لإسعادها والاحسان اليها، ما سرّ علاقتك بوالدتك ووالدك؟
وجدت من أبي، رحمه الله، حناناً عليّ وعلى إخوتي، قلّما يكون في والد نحو أبنائه، جعلنا جميعاً نحن أبناءه وبناته نشعر بالتقصير معه، مهما بذلنا له رحمه الله رحمة واسعة، ووجدت في والدتي، حفظها الله، صبراً على ما كلفتْ به، وإن تعاظم وكثر مع ثقة بالله، وكنت أسمعها، منذ الصبا، دائماً تقول عند كل نازلة بها أو بمن حولها "يَامَا عند الله من عِوض".
الى اي مدى كان انهماكك في شؤون شخصيتك العامة، على حساب الاهتمام بالأولاد؟
الحق أنني لا أشعر بالتقصير كثيراً، لأنني التزمت معهم بالتعويض عن الغياب، بشدة قربي منهم روحياً، وهم، ولله الحمد، بررة محبون مقدرون لوضع أبيهم.
ما فلسفتك في تربيتهم؟
يجب أن يعطى الأبناء خيارهم في تكوين حياتهم واختيار طريقتهم، وأن نكون قريبين منهم، فيما يختارونه لأنفسهم، بالإرشاد والدعم بشقيه معنوياً ومادياً، وأعظم ما تقدمه لهم "الحنان"، فالصلة الروحية العاطفية أعظم الصلات وأزكاها وأينعها ثمرة.
ومع ذلك كله، نبقى على الأمر الأجل، ألا وهو تعظيم الله جلّ جلاله في قلوبهم، فالله تعالى أعظم شهيد وأقرب حفيظ.
هل تحظى بإجازات عائلية خارج المملكة؟
قمت بذلك مرتين فقط، ولا أظنّني أقدر على الثالثة.
ماذا تفعل لو رغبت بالترويح عن نفسك؟ اي الهوايات تمارس؟
ليس لي هواية شخصية أكثر من القراءة، وأجد راحتي في أي مجلس يضمّ رجالاً يملكون عقولاً تفقه وقلوباً لا يخالطها حسدٌ ولا بغضاء، وهذا عزيز وهو ما يتعبني.
المدينة قدري وقلبي بالرياض وجدة وأبها
ماذا تنتظر، أكثر مما أنت عليه، من المدينة المنورة؟ ولماذا إصرارك على العيش فيها؟
المدينة المنورة قدري الذي اختاره الله لي، أسأل الله أن يرزقني فيها حسن الجوار مع الحبيب الشفيع المختار صلى الله عليه وسلم.
وأنا فخور جداً بحب أهلها لي ودعائهم لي كثيراً، وأعظم ما أرجوه من الله أن أموت فيها شهيداً، وأن أقبر في البقيع ولله الحمد، أنا أدعو بدعاء عمر رضي الله عنه "اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وموتة في بلد رسولك، صلى الله عليه وسلم".
بعد مكة والمدينة، ما أحب المدن إلى قلبك؟
أحب في الرياض تنوع الثقافات النخبوية، وفي جدة سماحة أهلها وبساطتهم، وفي بريدة تقديرهم للعلم وأهله، وفي أبها والباحة كرم أهلهما وشهامتهم، وهكذا في حائل والشمال وجيزان ونجران والشرقية، خصال تجبرك على حب أهلها ومودتهم.
قطيعة مع التأليف وجفاء مع المواقع
لقد سبقت الكثير في منابر الخطابة والمشافهة، لكن ماذا عن الكتابة والتأليف، ألا تشعر أنك تاخرت كثيراً؟
أنا والتأليف في نبأ عجيب، حيناً أقدم وحيناً أحجم، ولست بالشخص المتردد، لكن في هذا الأمر، نعم، ولا أدري ما الحكمة وما العلة، لكن كثير من المؤلفات اليوم لا يساعد على المشاركة في التأليف.
انفوجراف| الشيخ صالح المغامسي شخصية مجلة «الرجل».. مسيرة عطرة ومواقف مشرفة
لا إمامة إلا بجرأة
جرأتك تثير زوبعة من حوالك، لقد أجزت دخول غير المسلمين الى المدينة المنورة، وموقفك من الموسيقا ملتبس وغير واضح، كيف ترد على منتقديك؟
من الأقوال الذائعة عند أهل العلم: لا إمامة إلا بجرأة، ولا يقصدون الجرأة المجرودة من العلم والحكمة والخشية، لكن قطعاً إذا كان العالم يهاب الكثير ممن حوله، فيحتفظ بآرائه، فلن يُعرف ولن يستطيع أن يُغير الخطأ الذي يراه.
ولا بدّ مع الجرأة، القدرة على مواجهة الخصوم من غير فجور في الخصومة، ولا تلبس بالباطل، وقد أرشد الإمام أحمد، رحمه الله، في بعض أقواله إلى شيء من هذا.
أما الحديث عن المعازف، فإن النصوص التي يعتمد عليها القائلون بالتحريم المطلق، لا ترقى عندي إلى ما ذهبوا إليه، ولا بدّ من إعادة النظر في كثير من قواعد الاستدلال التي دونها الأئمة الكبار السابقون وطرقه، والخطاب الفقهي المعاصر بالغ كثيراً في مسألة المعازف، وهذا الخطاب معذور لأنه ولد في بيئة كانت هي الأخرى تنزلق كثيراً في ما يصحب الغناء من منكرات أضحت جزءاً لا يتجزأ من الغناء نفسه، وهنا تكمن عقدة الفرس، وكان الأولى معالجة الأمر بإنصاف.
مع يقيننا أن الغناء، بوضعه الحالي، لا ريب في حرمته، ولا بدّ من التفريق بين استخدام المعازف لشأن ما، والغناء بصورته المجملة القائمة حالياً.
أما مسألة دخول غير المسلمين إلى المدينة، فليس في كتاب الله ولا أحاديث رسول الله، عليه الصلاة والسلام، ما يحرم دخولها لغير المسلمين، وإن كنّا نشكر لولاة أمرنا، منعهم غير المسلمين من دخولها مساواة بمكة نظاماً، وفي هذا منافع كبرى لا تحصى، لكن ثمة فرق كبير بين المحرم شرعاً والممنوع نظاماً.
قلت ان بعض الفتاوى قد تكون للاجيال القادمة، واستشهدت بفتوى صدقة والبر والارز، ما حجم مسؤوليتك إماماً وعالمَ دين في تقديم اراء قد يراها المجتمع نافرة عمّا اعتاد عليه؟
نعم؛ ليس لزاماً بل ولا معتاداً أن تسود فتوى لعالم في زمانه وهو حيّ، إلا في حالات معدودة في تاريخ الفقه الإسلامي، فمثلاً فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، أن طلاق الثلاث في مجلس واحد، يعد طلقة واحدة، كانت هذه الفتوى منه، في حينه، أمراً منكراً، رده علماء عصره وسجن بسببها. واليوم هذه الفتوى هي الفتوى المعتمدة إلى حد كبير في بلادنا، إذن لم تكن هذه الفتوى لجيل ابن تيمية وأهل عصره، بل كانت لمن بعدهم.
لا بدّ أن نكون أقوياء أمام الرأي العام الذي تشكل عبر سنين، لكن بالحكمة والرأفة بالناس، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
المرأة ضحية صراع الجهلاء
هل تعتقد بأن المرأة المسلمة تعاني ظلماً ما اليوم في التعاطي معها، من حيث العمل او التعليم ام العكس؟ هل ترى بحق المرأة في الدخول الى جميع جوانب الحياة ؟
يظهر لي أن المرأة في أغلب أحوالها، ذهبت ضحية صراع بين منتسب للعلم لم يعرف فقه الشريعة حقاً، ومفتون
بالغرب وحضارته الواهية، والحق أنا لست مع من يرى إقحامها جميع جوانب الحياة بلا استثناء، الأصل أن البيتَ
مقامها الأول وركنها المتين.
لا إعلام إذا أغلقت باب المباحات
هل تعتقد ان الاعلام الحديث سهّل على الداعية الوصول الى اكبر شريحة من الناس، أم انه سهّل الوصول إلى المبغضين والاقصائيين والأعداء الافتراضيين أيضاً؟
الإعلام الحديث فتح الباب على مصراعيه للجميع، والناس شهداء الله في أرضه، وكما أنّ المورد العذب كثير الزحام،
فإن العرب قالت أيضاً: "لكل ساقطة لاقطة".
أين نحن اليوم فيما يتعلق بالإعلام الإسلامي الذي يخاطب المسلمين بالخطاب المناسب لهذا الزمان؟ وهل تعتقد بوجود بذرة نشاط إعلامي إسلامي منظم، أم أن كلاً يغرّد على ليلاه؟
الأمة تحتاج إلى خطاب إسلامي معتدل واقعي، يتأمل أكثر في سيرة نبيّنا، صلى الله عليه وسلم، ويحسن قراءتها دون
سابق فكرة، فالمصاب الأعظم في الخطاب الإسلامي اليوم، أن السيرة العطرة نفسها لا يتورع أقوام من الحيدة بها إلى ما
تمليه الجماعة أو الحزب أو الدولة، ثم يقول لك بصوت عال: كيف لا تقبل سيرة نبيك وهدي رسولك؟ ومثل هذه
الطرائق أصبحت دعاوى متعددة كل فرقة تدعي أن الإسلام الحق محصور فيها.
نعم؛ هناك جهود ومحاولات، لكنها لا تخلو من قصور في الفهم أو عدم انقياد للحق، فلن يكون هناك إعلام إذا أنت أغلقت
باب المباحات، وقيّدت ما قَبِله الدين من عادات، وفرضت رأيك كأنه نص شرعي، لا أنه فهم للنص. وبين الاثنين فرق
كبير؛ فالخطاب الشرعي قرآناً أو سنة خطاب مقدّس منزّه، أما فهمنا لهذا الخطاب فهذا اجتهاد قابل لأن يكون صواباً أو
أن يكون خطأ.
ما المهام المطروحة على الاعلام الاسلامي، وسط حملة عالمية على الإسلام لا تخطئها عين ؟
نعم؛ خطأ بعض المسلمين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وفكرياً، جعل الإسلام نفسه عرضة لكثير من الحملات المغرضة
التي كان يمكن ألاّ تقع لو أحسن بعضنا التمسك بهدي ديننا.
وعليه، نحتاج إلى خطاب إسلامي عالمي حقاً، وهذا لا يكون ارتجالاً، لا بدّ أن تقف وراءه جامعات ومؤسسات
تعليمية متخصصة، ورجال أكفاء فقهوا نص الشريعة وروحها، وأدركوا مقاصدها، ولهم تواصل مع العالم اليوم، جابوا
الأقطار وعرفوا الثقافات، وعلموا حاجات الناس، فالإعلام صنعة وليس طريقاً ممهداً يستطيع كل أحد أن يمشي فيه.
هل تنظم خطبك ولقاءاتك ضمن منصة إلكترونية تسهّل لمن يستهوي فكركم الرصين التجديدي الوصول إليه؟
ثمة موقع اسمه "الراسخون في العلم"، يحتوي الكثير من دروسي العلمية ومحاضراتي وبرامجي التلفازية، وهو منظم إلى
حدٍ معقول، والقائمون عليه يبذلون جهداً كبيراً؛ جزاهم الله عني خير الجزاء.
ما دوركم علماءَ دين وأئمةَ مساجد في التصدي للحملة العالمية التي ربطت الارهاب بالإسلام؟ وهل لديك أفكار جماعية في هذا السياق؟
نعم؛ هناك حملات متعددة إعلامياً، لا تنفك تربط الإسلام بالإرهاب، مع أنّ العالم لم يتفق إلى الآن على تعريف موحد
لمصطلح الإرهاب.
لكنّ القوم جرّأهم صنيع بعض أبناء المسلمين، فلم يفرقوا بين المسلم الذي لم يتقيد بتعاليم دينه، والإسلام نفسه، وقد أحسن
من قال :
فكمْ يُعزى إلى الإسلام ذنبٌ وكلّ الذنب ذنبُ المسلمينا
وأعتقد أننا نحتاج إلى خطوات علمية وميدانية متفرعة، لصدّ مثل هذه الحملات، تقوم في المقام الأول على تمثل الخطاب الديني القرآني المتسامح، مع غير المسلم عملياً، سواء كان ذلك في أرض الإسلام أو في الدول التي لا يعتنق أهلها هذا
الدين الحنيف. ويجب مخاطبة الشباب المسلم الذي يعيش في الغرب، خاصة أنّه ليس من الدين والمروءة، التطاول على دماء قوم، قبلوا أن تعيشوا بينهم، وأموالهم وأعراضهم، وتظهرون دينكم وتصلون فرضكم وتصومون شهركم، ثم تجازفون بقتلهم
وتخريب دورهم وممتلكاتهم، هذا كله أبعد ما يكون عن الدين وتعاليمه، وعن هدي الرسول وأحاديثه.
ما هو هدفك؟ وما حلمك؟
والله – ثلاثاً – ليس لي غاية أعظم من أن تجتمع كلمة المسلمين، وأن يرتفع عنهم هذا التحارب والتنازع والاقتتال والتكفير والتبديع. ومن أجل هذه الغاية سأبقى، بإذن الله، في الساحة العلمية والدعوية أرفع راية الاعتدال.
ما الأفق الذي ينتظر الأمة اليوم وسط كل هذه الأجواء الملبّدة؟
صدقت في وصفك لها بأنها أجواء ملبّدة، وقد مرّ بأمة الإسلام ما هو أشد منها، ثم فرجها الله، لقد كان يوم أحد يوماً عصيبا على الإسلام وأهله، قتل فيه الأخيار من الصحابة، وشجّ فيه وجه رسول الله عليه الصلاة والسلام، ونادى صوت العدو"اعل هبل"، ثم كشف الله الغمّة
ونصر الأمّة وجمع الفرقة، والأمة المحمدية أمة مرحومة ولن يتركها الله. نسأل الله أن يستعملنا في طاعته، ويجعلنا من أنصار دينه.
من هو صالح المغامسي
صالح بن عواد المغامسي العمري الحربي (17 أكتوبر 1963)، داعية إسلامي سعودي، ولد في قرية خيف الحزامي في وادي الصفراء في محافظة بدر، غرب المدينة المنورة. عضو هيئة التدريس في كلية التربية بجامعة طيبة. إمام وخطيب مسجد قُباء، وأمين لجنة الأئمة في المدينة النبوية، والمدير العام لمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة سابقاَ، ومُفسّر وعالم وأديب. يُكنى بأبي هاشم؛ نسبة لابنه الأكبر.
هكذا اتعامل مع مواقع التواصل
في علاقتي مع مواقع التواصل الاجتماعي أسير بحذر، فأنا شئت أم أبيت شخصية عامة، ولا بدّ أن يكون لي حضور، والإعلام مثل النار ينبغي للعاقل أن يأخذ منها نورها ودفئها لا اشتعالها.
ولا أعتقد أنه من الصواب الرد على التعليقات أو الإجابة عن الاستفسارات أو المسايرة في المجاملات، ولا يلزم أن يكون لنا رأي في كل قضية.
وبعض القضايا لا بدّ أن يكون الإنسان حاضراً فيها، وبين هذا وهذا طريق شائك والحافظ الله، أما ما يعرف بـ"سناب شات"، فأنا أجزم أنه ليس من الحكمة الدخول فيه، ويجب أن يترفع عنه ذوو الهيئات وأهل الفضل.
الربيع العربي تسمية خادعة
"الربيع العربي" تسمية خادعة لحالة عارضة، لم تُبنَ على دين ولا عقل؛ فالاحتكام إلى الشارع من أعظم المهالك، والحفاظ على المكتسبات من أعظم أمارات الهدى والبصيرة، وما وقع كان جرحاً دامياً تحمّس له البسطاء وطمع في ثمرته الأخفياء، ولم يوفق فيه بعض الدعاة والعلماء. قد يكون للبعض منهم نية حسنة، لكن الأمر الذي يؤدي إلى أن تخسر الأمة من الدماء والأموال والأعراض والممتلكات، شيئاً كثيراً، لا تشفع فيه النية الحسنة، فلا الدين يأذن بمثل هذا، ولا العقل يُرشد إليه، ولذلك عد العلماء أن من مقاصد الشرع حفظ الدماء وتسكين الدهماء، وما وقع تحت مسمى الربيع العربي، كان على الضد من ذلك كله، نسأل الله لنا وللمسلمين العافية.