حفر الموت شرك ينصبه سارقو الرمال للمتنزهين
إذا أردت أن تتنزه في بعض الأماكن الصحراوية في المنطقة الشرقية، خلال الإجازات وتمارس أي نوع من الرياضات مثل ركوب الخيل أو التطعيس، فعليك أن تكون حذراً جداً، لأنك لا تعلم أين ستصادفك حفرة عميقة، تتربص بك وبالمتنزهين وتهدد سلامتهم بعدما تسبب بها سارقو الرمال وتركوها من دون أي لوحات تحذيرية.
فلصوص الرمال في السعودية الذي يخلفون هذه الحفر التي تسمى في الشرقية «قص» وفي الوسطى «دركال»، لا يدركون أن جريمتهم تتعدى السطو على ثروات طبيعية، إلى التسبب بالقتل من خلال هذا الشرك الذي نصبوه ليبتلع المارة بمركباتهم. وآخر هذه الحوادث سقوط شابين مع حصانيهما في حفرة عمقها 40 متراً، فنفق الحصانان وأصيب الشابان إصابات بليغة، وفق ما أظهرت مقاطع وصور تداولها سعوديون على نطاق واسع.
وبحسب أنباء تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الشابين كانا يتسابقان على طريق الرياض - الدمام السريع من دون أن يدركا أن أمامهما حفرة عميقة خلفها سارقو الرمال، فسقطا فيها وهرع إلى إنقاذهما مواطنون كانوا بالقرب منهما ونقلوهما إلى أقرب مستشفى، حسب صحيفة الحياة.
وانتشرت صور الشابين المصابين بجوار حصانيهما اللذين نفقا، لتثير عاصفة من الغضب وتساؤلات عن أسباب استفحال الظاهرة بشكل مخيف في مواقع سياحية كثيرة ترتادها آلاف العوائل والأسر تعتبرها متنفساً لها، وتحولت إلى خطر يهدد حياتهم.
ولم يخف الغاضبون في وسائل التواصل، تضجرهم من أعمال سرقة تتم في وضح النهار، مطالبين بتطبيق عقوبة «القتل العمد» على سارقي الرمال. وسأل المغرد أبو سعد: «إلى متى وأهالي المنطقة يشتكون من سرقة الرمال ولا مجيب لشكاوينا». ووافقه شليويح القحطاني بالقول: «هذه عصابات سرقة الرمال بالليل والنهار على مرأى من مسؤولي البلدية والشرطة والجهات الأخرى يقبضون على كم سيارة»، مشيراً إلى أن غالبيتها تسرق بحرية، فيما كتب نواف المري «أن استفحال سرقات الرمال ستشعل الغضب المجتمعي على الشركات».
وانتقد فواز الحربي إمارات المناطق وحملها المسؤولية، وكتب «المفترض تحاسب إمارة المنطقة على هذه الفوضى ومعرفة من المتسبب». وأيده ناصر الحميداني، مغرداً «فوضى وفساد بلا حسيب ولا رقيب، حتى إن كان يملك صاحب الدركال تصريحاً فلا يجوز السماح له بتجاوز الشروط». وكتب آخر «رمالنا تسرق في وضح النهار وتباع وتنقل للبحرين كي يدفن البحر بها».
وأشار أبو نهار إلى «الثروات الهائلة التي حققها ناهلو الرمال»، فيما طالب مغردون بعدم الاكتفاء بتطبيق غرامات مالية فقط، مقابل فداحة الجرم الذي يرتكبه ناهلو الرمال، بتهديدهم حياة البشر، مشيرين إلى أن مخاطر تلك الحفر «مسؤولية مشتركة بين صاحب الدركال والبلدية والدفاع المدني».
وتعاقب لائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية الصادرة من وزارة الشؤون البلدية والقروية نقل الأتربة من غير الأماكن المخصصة لها بغرامة ألف ريال ولا تزيد عن ثلاثة آلاف ريال وحجز وسيلة النقل لأسبوع، فيما تصل غرامة عدم وضع لوحات تحذيرية عليها إلى عشرة آلاف ريال.
مواطنون يوثقون ويحذرون
وثق سعوديون في مقاطع مصورة انتشار الحفر العميقة التي يطلق عليها «الدركال» والتي تترك من دون أي إشارات تحذيرية أو لافتات للمارة أو المركبات، لتعرض حياة المتنزهين إلى الخطر، بينها مقطع نشره أحد المواطنين العام الماضي حذر فيه من خطورة «دركال» في بلدية المزاحمية من دون أي لوحات إرشادية أو إضاءة حول الموقع الذي أصبح عمقه عشرات الأمتار ويهدد حياة المارة ليلاً ونهاراً.
واستجابت بلدية المزاحمية مؤكدة صحة الفيديو. وأشارت في بيان إلى أن «الدركال» مصرح حكومياً، وحدث تلف في حواجزه، وقررت إغلاق الموقع إلى حين عمل حواجز حوله، وتأمين وسائل السلامة.
وفي مقطع آخر، أظهر أحد المواطنين «دركالاً» تركه مقاول من دون أي تنبيه لأعمال الحفر فيه، واكتفى بوضع حجر صغير لا يكفي إلى لفت انتباه المارة إلى وجوده.
وتكثر حوادث سرقة الرمال الناعمة في السعودية خصوصاً في المنطقة الشرقية، إذ رصدت بلدية غرب الدمام خلال حملات لها نفذتها أخيراً حوالى 240 شاحنة مخالفة تنهل الرمال في الدمام والظهران، وحصلت 714 ألف ريال من المخالفين. وكانت المخالفات المرصودة في مواقع خارج النطاق العمراني، مثل غرب طريق أبو حدرية، وطريق غرب شمال ضاحية الملك فهد، وشمال طريق الملك فهد، إضافة إلى طريق المطار، وغيرها من المناطق.
وضبطت أجهزة الأمن آلاف الشاحنات خلال السنوات الماضية في المنطقة الشرقية، كان نصيب مدينة الظهران في العام 2015 منها، حوالى 500 شاحنة ومعدة، فيما تجاوزت إيرادات تلك المخالفات خلال الفترة نفسها 700 ألف ريال.
وقبل أكثر من عام، حذرت لجنة مراقبة الأراضي في إمارة منطقة جازان من خطورة عمليات «نهل الرمال»، التي تتم أسفل الجسور والكباري وفي مجاري الأودية، بعدما تسببت في أضرار لها.
وتزايدت خلال السنوات الأخيرة تحذيرات مسؤولين من انتشار ظاهرة سرقة الرمال الناعمة، وتداعياتها الاقتصادية والبيئية الخطرة، لافتين إلى أن مرتكبيها هم «عصابات منظمة تديرها أيادٍ سعودية، تضم عمال مخالفين، وتدرّ عليهم أرباحاً تفوق المليون ريال شهرياً»، بعدما كونت «سوقاً سوداء»، لبيع الرمل بأسعار باهظة.
وأكد مختصون أن عمالاً يعمدون إلى سرقة الرمال من أماكن متفرقة في المملكة تمتاز بوفرتها فيها، محققين أرباحاً كبيراً، موضحين أن «شيولاً» واحداً يعمل لـ100 سيارة، وتقدر كلفة السيارة الواحدة بـ20 ريالاً، لتحقق بذلك الحمولة الواحدة مكسباً بـ2000 ريال يومياً، لافتين إلى أن كلفة المتر الواحد 20 ريالاً للسيارة، ويتوقع تحميل 2000 سيارة يومياً، مقدرين بذلك المكسب الشهري لـ«الشيول» الواحد بـ1.2 مليون ريال.
وحاولت المملكة وضع حلول لسرقات الرمال، فخصصت مواقع محددة للنهل منها مجاناً، لكن ذلك لم يشبع جشع التجار والمقاولين، الذي يعمدون إلى نهل الرمال من دون تراخيص رسمية ومن أماكن غير مصرح فيها من الجهات الرسمية، بات معها الاستثمار في الرمال «استثماراً خفياً» تجني من ورائه الشركات والمقاولون أرباحاً خيالية.