جملة قالها السادات أنهت حربا كانت تعد لها إسرائيل
أنور السادات
أنور السادات، خلال خطابه التاريخي أمام مجلس الشعب المصري في 16 أكتوبر عام 1973 معلناً انتصاره في المعركة، قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات هذه الجملة التي لم يلتفت إليها أحد سوى إسرائيل، وأنهى بها حربا كانت تعد لها.
الفقرة الكاملة التي وردت بخطاب السادات، وبها تلك الجملة تقول "وربما أضيف لكي يسمعوا في إسرائيل أننا لسنا دعاة إبادة كما يزعمون ثم كررها"، "إننا لسنا دعاة إبادة كما يزعمون" إن صواريخنا المصرية عابرة سيناء من طراز ظافر موجودة الآن على قواعدها مستعده للانطلاق بإشارة واحدة إلى أعماق الأعماق في إسرائيل ولقد كان في وسعنا منذ الدقيقة الأولى للمعركة أن نعطي الإشارة ونصدر الأمر خصوصا أن الخيلاء والكبرياء الفارغة أوهمتهم بأقدر مما يقدرون على تحمل تبعاته لكننا نقدر مسؤولية استعمال أنواع معينه من السلاح ونرد أنفسنا بأنفسنا عنها وإن كان عليهم أن يتذكروا ما قلته يوما وما زلت أقوله" العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق"، حسب العربية.
الجملة كانت واضحة وفهمتها إسرائيل وهي أنها لو شنت حرب مدن وقصفت أهدافا مدنية واستراتيجية في المحافظات المصرية والعمق المصري فمصر قادرة على المواجهة والرد بعنف والوصول لقلب المدن الإسرائيلية، لكن لماذا قال السادات تلك الجملة؟
اللواء نصر سالم الخبير العسكري يقول لـ"العربية.نت" إنه كانت هناك شواهد ومعلومات استخباراتية وصلت القيادة السياسية والعسكرية المصرية تؤكد أن إسرائيل تعد لحرب مدن وقصف وضرب أهداف مصرية استراتيجية بعد خسائرها المتلاحقة على الجبهة، بهدف خلخلة الروح المصرية وتشكيك الشعب في انتصار جيشه وتخفيف القتال على الجبهة وإجبار الجيش المصري على القبول بوقف إطلاق النار.
وأضاف أن من الشواهد التي سبقت تلك المعلومات هي معركة المنصورة الجوية في 14 أكتوبر 1973 حيث حاولت القوات الجوية الإسرائيلية تدمير قواعد الطائرات في طنطا، والمنصورة، والصالحية، لكي تحصل على التفوق في المجال الجوي مما يمكنها من تحقيق انتصار معنوي تخفف به حدة خسائرها وتوقف التفوق الجوي المصري، وبعدها تنفرد بقواتنا على الأرض حيث لن يكون هناك حماية جوية لها في محاولة منها لتكرار ما حدث في يونيو 67 .
ويقول إن المفاجأة التي أذهلت إسرائيل أن القوات الجوية المصرية تصدت لهذه الهجمات ببسالة واستدرجت الطائرات الإسرائيلية لمعارك فوق البحر منعا لسقوط طائرات على المدن والمدنيين في المناطق التي توجد بها القواعد وحتى لا تحقق إسرائيل ما تتمناه بتحويل المعركة للمدن.
ويضيف أنه استنادا لمعلومات موثقة فقد اشتبكت في تلك المعركة 180 طائرة مقاتلة في آن واحد، معظمها تابع لإسرائيل وأذاع راديو القاهرة البلاغ رقم 39 والذي جاء فيه " لقد دارت اليوم عدة معارك جوية بين قواتنا الجوية وطائرات العدو التي حاولت مهاجمة قواتنا ومطاراتنا وكان أعنفها المعركة التي دارت فوق شمال الدلتا ودمرت خلالها قواتنا للعدو 15 طائرة، وأصيب لنا 3 طائرات كما تمكنت وسائل دفاعنا الجوي من إسقاط 29 طائرة للعدو، وبذلك يكون إجمالي خسائر العدو من الطائرات في معارك اليوم 44 طائرة.
ويقول الخبير العسكري إن السادات كان يقصد بتلك الجملة الرد على ما حاولت إسرائيل تحقيقه في معركة المنصورة وتحويل الحرب لحرب مدن وقصف في الأعماق وكان يرد أيضا بهدف الردع حتى لا تلجأ إسرائيل لضرب منشآت مدنية كما فعلت في حرب الاستنزاف عندما قصفت مدرسة بحر البقر وقتلت عشرات الطلاب الصغار وقصف مصنع أبو زعبل ومقتل عشرات العمال، مضيفاً أن المعلومات الاستخباراتية التي وصلت للسادات أكدت أيضا عزم إسرائيل تعويض خسائرها باللجوء لحرب مدن.
ويشير الخبير العسكري إلى أن القوات المصرية كانت لديها الأدوات والوسائل اللازمة لردع إسرائيل وتخويفها فقد كان لدينا صواريخ أرض تستطيع الوصول لقلب إسرائيل واستهداف محطات كهرباء ومياه ومستشفيات وقواعد ومبان سكنية لكن السادات كان يحذر على أمل أن تسمع إسرائيل وتتجنب ذلك مؤكدا أن السادات لم يكن ليلجأ لمثل هذا التهديد الصريح إلا إذا كان لديه بالفعل وسائل ردع ينفذ بها تهديده فقد كان لديه مجموعة من الصواريخ جاهزة للانطلاق وقصف قلب إسرائيل.
الخبير العسكري هشام الحلبي يؤكد لـ"العربية.نت" أن السادات قصد من تهديده منع إسرائيل من شنّ حرب مدن كانت تعتزم خوضها بعد توالي نزيف خسائرها فمهمة أي جيش في العالم، هي صدّ أي اعتداء على أرض بلاده والثانية هي إجبار العدو على عدم التفكير مطلقا بشن أي هجمات ويتحقق ذلك من خلال ما يعرف بالردع الاستراتيجي والمقصود به أن يعلم العدو وعن يقين أن خصمه لديه الوسائل والأدوات والقوة اللازمة للردع والرد، وبالتالي يتوقف تفكيره ونيته في مجرد شن هجمات أو البدء باعتداءات.
ويضيف أن الجيش المصري لم يخض حرب أكتوبر إلا بعد أن اطمأنت القيادة السياسية والعسكرية أنه مكتمل الإعداد والتدريب والتسليح وقادر على خوض المعركة مهما طال زمنها وحتى يتحقق الهدف المرجو منها، وهو استعادة الأرض مضيفا أن قادة حرب أكتوبر العظام كانوا على علم مسبق بنوايا وتكتيكات إسرائيل ولذا استعدوا لها جيدا وكان الدليل هو تفوق مصر في معركة المنصورة الجوية وحماية المنشآت المدنية والحيوية كالسد العالي وغيرها من خلال قوات الدفاع الجوي، وكان تهديد السادات بضرب العمق الإسرائيلي رسالة تحذير انتبهت لها إسرائيل وأجبرتها على عدم اللجوء لقصف العمق المصري.