راغب علامة أصبحتُ مشتّتاً نفسيّاً
راغب علامة
راغب علامة، لحظة ضحك فيها راغب علامة من قلبه وتلقى تهنئة كل من كان حوله، ثم بكى وانهمرت دموعه. كان يتمنى ان يكون هناك حيث جاءت ولية العهد ليضمّها الى حضنه. الان اصبح راغب ابا، في الوقت الذي قرر فيه الانفصال عن زوجته، انها اجمل لحظة مرت بالمطرب الطائر وأقساها .
في جناح فاخر يطلّ على نيل القاهرة في أحد فنادقها الكبرى، كان يقيم راغب علامة الذي إليها في زيارة سريعة لإحياء بعض الحفلات وتسجيل اغنيات البومه الجديد. وبين مشكلاته الشخصية، وارتباطاته الفنية، اتى لقاؤنا معه ليرصد بالصورة والكلمة يوماً في حياة هذا الفنان.
من أنت في كلمات بسيطة؟
مطرب عربي من مواليد 1962 بلبنان. يعشق عمله جدا وإنسان ألوف يحب الناس جميعاً. أرتبط دائماً بالمكان الذي أقيم فيه ولو اعتدت عليه اجد صعوبة كبيرة في ان افارقه، ولكن بحكم عملي اسافر الى خمسين او ستين بلداً في السنة.
رغم انك من أسرة بعيدة عن الفن، فإنك اصبحت كثير السفر، فهل سبب لك ذلك نوعاً من التشتت العائلي؟
لا، ولكنه نوع من التشتّت النفسي، فأنا اصبحت مشتتاً نفسياً، لي اصحاب في كل انحاء الدنيا ولكنني لا اجد ملجأ لقلبي. وحين اخلو الى نفسي اجدني وحيداً.
ضريبة النجاح كبيرة ويجب ان لا يتوانى الفنان عن دفعها فالقلق موجود. وانا أعدّ هذه المرحلة من اصعب المراحل، فالوصول الى القمة صعب ولكن الحفاظ عليها اصعب. القلق صديقي لا يفارقني في اختيار اللحن الجديد والكلمة وبالتالي الاغنية، قلق وحيرة ولا بدّ من الاختيار.
متى تستيقظ صباحا عادة؟
حسب ظروف العمل. في يوم اجازة استيقظ مبكرا على عكس يوم سهرت فيه للفجر، فلا استطيع الاستيقاظ قبل الواحدة ظهرا.
أول شيء تفعله بعد الاستيقاظ؟
التمارين الرياضية، فهي تعطيني النشاط والحيوية حتى استطيع الصمود ليوم جديد مملوء بالعمل.
البداية...
كيف بدأت حياتك الفنية؟
كنت ارى ابي يعزف العود ويغني لعبد الوهاب. كنت اجلس إلى جانبه وانا صغير احاول التعلم.. لماذا يحرك يده الشمال هكذا ويده اليمنى هكذا والاصابع ماذا تفعل؟ كان وقتها كل شيء واي شيء ممنوعاً سوى الدرس والمدرسة. والحل الوحيد كان حين يخرج ابي امسك بالعود وبطريقة مضحكة وأحاول العزف عليه. اول جملة لحنية اخرجتها هي "اعطني الناي وغنّ" وكانت على وتر واحد. وكنت احفظ بعض الاغاني لعبد الحليم حافظ مثل "كل ما اقول التوبة". في سنّ 13 غنيت "أيّ دمعة حزن لا". كل هذا وأهلي لا يعلمون شيئاً عن حبّي للغناء، فقد اخفيت حلمي بداخلي حتى رأيت طفلا مثلي يبلغ 15 سنة يقف ويغني في التلفزيون "خدود حلبية". وهذه الاغنية صعبة جدا وكان ذلك الصبي يغنيها بشكل جيد فأعجبت به جدا. وهنا صممت لأول مرة على ان اغني مثله و"خدود حلبية" وكان عمري 14 سنة.
وعلّمني العود ان اغني النغمة الشرقية مئة في المئة كما يضبط العود الصوت على الربع. كما كنت اسمع موسيقى كثيرة جدا للتعلم وليس للترفيه.
حين وصلت إلى سن18، كنت ادرس في البكالوريا، وسمعت في التلفزيون اعلانا يقول: كل من يرى في نفسه موهبة في الغناء، عليه التقدم للامتحان. وبدون أن يعلم احد بما انوي عليه لأتحاشى الجدل.
وماذا فعلت يوم الامتحان؟
أسمعت احد الحاضرين صوتي، وفورا قال: انتهينا..موعد التسجيل يوم كذا اي بعد شهرين..ماذا تريد ان تغنّي في ذلك اليوم؟ سألني الرجل، فأجبته: "خدود حلبية" فقال: يابني انت صغير جداً على هذه الاغنية. أنا اعرف انك ستؤديها جيداً ويمكن ان تنجح ولكنك لن تعمل بعد ذلك. ستجلس في المنزل، لأن هذا اللون غير مطلوب. فعدت الى المنزل وقصصت عليهم ما حدث، ولكنهم رفضوا رفضاً باتاً، وصرخت امي في وجهي، ولكنني صمّمت على تكملة المشوار. وحين قرأت موعد التسجيل، وجدته في يوم امتحان البكلوريا نفسه، فوجب الاختيار فاخترت الغناء.
هل نجحت؟
كان نجاحي في الاختيار. ولكن بعد النجاح امام اللجنة ماهو الطريق؟ لا اعرف حتى جاء مدير ملهى ليلي في باريس يريد اصواتا جديدة. وفعلا سافرت الى باريس بعد ان اقترضت مبلغ تذكرة الطائرة من خالي. وهناك انقلبت حياتي. فبعد النوم في السابعة مساء اصبحت انام السابعة صباحاً. وكنت اغنّي في اول البرنامج للموائد الفارغة. اكثر عدد رأيته 2 او 3 اشخاص، لأني كنت اغني في ساعة مبكرة. فلم احتمل اكثر من 6 اشهر وعدت الى لبنان.
هل بارك أهلك مشوارك الفني بعد نجاحك؟
نعم. فالوالدة ندمت ان وقفت في طريقي يوماً وعارضتني. الآن سعادتهم لا توصف. بل ان والدتي تذهب معي الى بعض الحفلات لتسمعني وتباركني.
ما آخر أغنياتك؟
اغنية تقول كلماتها:
بحبك زي ما انت لا..لا
بحبك بحبك وجنونك
غيرتي او ماغيرتي لا..لا
عجباني يا حبيبي
اعتقد انها ستنجح، وعملت اغنية اخرى تقول: "انا بنسحب". وستصدر في الشريط الجديد في هذا الشهر بإذن الله.
هل تشعر بأنك ما زلت هاوياً أم أن الاحتراف يسيطر عليك؟
اكيد الغناء حرفتي ومهنتي. ولكن بعد مدة معينة اشعر بأنني هاو..وأسأل نفسي كثيراً: ماذا سأختار؟ هذه الكلمة ام تلك، هذا اللحن ام غيره؟ خوف وقلق وحيرة. ولكن من موقع اكبر الآن اصبحت المادة لا تهمني بقدر مايهمني النجاح والحفاظ عليه. قد اشتري 20 أغنية ثم اتركها وأبحث عن اخرى. احب المال فقط من هذه الناحية..المال يشتري الكلمات والاغاني، والاغنية تاتي بالنجاح، وهكذا دائرة متصلة.
لا أحب المال...!
بمناسبة الحديث عن المال، ألم تغيّرك النقود؟
انا لا احب المال، فعندي اصحاب مليارديرات كثُر، لا احسدهم ولا احب ان اكون مثلهم. فلا فائدة من كثرة المال. اهم شيء النجاح وفني.
أول مبلغ حصلت عليه؟
كان 100 ليرة وأعطيتها كلها لأمي.
هل صادفك الفشل؟
الحمدلله لم اصادفه منذ زمن طويل، ولكني صادفته حين كنت اغني في باريس للموائد الفارغة. ولكن بعد هذا الفشل صممت على المواصلة. تعذبت وبكيت اياماً وليالي طوالاً. دائماً يقولون على الانسان الناجح ان يفتخر ببدايته ولا ينكرها ويقصّها على الآخرين. ولكن سامحوني كلما تذكرتها أتألم وأتعذب.
الآن، هل كنت تتوقع هذا النجاح؟
كنت أتمنّاه. كان حلماً في داخلي. شيئاً لا بدّ أن احققه، ولكن ليس كل ما يتمنّاه المرء يحصل عليه.
هل تتضايق من صعود جمهورك على المسرح اثناء غنائك؟
لا..لا أشعر بضيق حين تقف الفتيات امامي على المسرح. ولكن الشيء الذي يضايقني فعلاً، ان لا يراني جمهوري من خلف هؤلاء الفتيات. وما عليّ وقتها الا ان أهدّئ الجوّ بان اردّد أغنيات هادئة وبدون ايقاع.
تحب أغاني عبد الحليم حافط، فأين كنت في تلك الايام؟
في البيت؛ ضربتني والدتي، لأنّني كنت شقياً ولا أراجع دروسي كما ينبغي. كنت صغيراً. ففي سنة 1968 او 1969 حضر عبد الحليم الى لبنان، ليصوّر فيلم "أبي فوق الشجرة" مع نادية لطفي. ومرّ من امام بيتنا بسيارة مكشوفة، وكان عمري وقتها نحو ست سنوات أو سبع. فركضت خلفه وكنت مبهوراً به. وحين عدت ضربتني والدتي، ومُنعت من الخروج، مدّة. للعلم أنا اعشق عبد الحليم.
إذن لماذا لا تمثل وتكون مثل عبد الحليم؟
يصعب أن يوجد مثل عبد الحليم، فهو فريد في ذكائه وشخصيته. يوجد في صوت عبد الحليم سحر خاص. قد نجد من يفوق صوته في امكاناته وطبقته، ولكن لن يتكرر عبد الحليم آخر.
المرأة وابنتي
اثناء الحوار دخل سكرتيره الخاص، ليقول له: أستاذي.. تليفون مهم من باريس. فجرى راغب على التيلفون ووجهه مملوء بالدهشة والخوف. والتفّ حوله كل من في الحجرة: اخوه، وسكرتيره، وبعض الاصحاب. وسمعت تهليلاً من الغرفة المجاورة: "الف مبروك ياراغب تهانينا لك يا فنان". ثم عاد راغب ممتلئاً بالمشاعر المتناقضة. وقال: لقد رزقت بطفلة.
هل تحب الأطفال؟
بالتأكيد اعشق الاطفال وأريد ان انجب 30 طفلاً. ثم غطّت وجهه علامة حزن شديد، وقال: للأسف يسمح القانون الفرنسي للمرأة بأن تكتب اسم طفلها على اسمها بدون ذكر اسم الاب، وقد يحدث هذا بمنتهى السهولة، لأنها تحمل الجنسية الفرنسية.
ولكن هل يمكن أن تفعل هذا؟
لا؛ فهي سيدة محترمة وتعطي كل ذي حق حقه. والمشكلات الاسرية لا تؤثر في الحق.
هل تحب أن تراها الآن؟
(صمت طويلاً، وردّ بدمعة على خديه..وظهر عليه الحزن).
لنعد مرة اخرى إلى حديثنا..ماذا تعني لك المراة؟
تعني لي الكثير، فهي المركز لعطائي، وحبّي وأحاسيسي وكياني. لا استطيع العيش بدون امرأة. الآن لست في حالة حب، ولكن وجود امرأة إلى جانبي ارتاح إليها، يكفي. ولكن لفترة..فأنا احيا بالحب واترك له نفسي. اشعر بقيمة المرأة اكثر حين افقدها. قمة سعادتي وأنا في حالة حب تحتويني المرأة بحنانها.
ما نقطة ضعفك امام المرأة؟
حنانها وعطفها عليّ. احب المرأة المعطاءة التي لا تنتظر شيئاً من حبيبها. كنت احب فتاة منذ فترة بعيدة لا اعلم منها انها غضبت من موقف معيّن الا بعد شهور.. وليس عن طريقها، فهي دائما ما تعطي وتضحك في وجهي مقدرة ظروف عملي.
هل تستطيع ان تقول انك تحب المرأة الام؟
ليست الام فقط، ولكن التي تقوم بدور الحبيبة والصديقة والأم والأخت.
هل يحب راغب علامة بقلبه أم بعقله؟
بالاثنين، فانا احب من تعطي الروح والحياة للمنزل، عاقلة ولكن شقيّة وحيوية ايضاً.
ما أجمل ما في المرأة؟
ما تقوله عيناها. لا اقصد جمال العينين، ولكن ما تنقله العين من مشاعر وأحاسيس. افضل المرأة الانيقة المهتمة بنفسها ولكن بطبيعية دون تكلف. احبها ترتدي الجينز ولكن بشياكة. وأنا في لبسي الخاص احب الجينز جدا وأحبه على المراة أكثر من فستان السهرة.
من السيدة التي أثرت في حياتك؟
بالتاكيد أمي، إذ إن90% من شخصيتي من امي.
قلت في اول حديثنا إنك رجل ألوف تحب الناس والمكان، اين عائلتك من هذا؟
احب عائلتي بالدرجة الاولى. اول ما منّ الله عليّ بالعطاء، بنيت بيتاً كبيراً (بيت عائلة) عمارة تتكون من ادوار عدة، ليسكن فيها أهلي وإخوتي. ولكن للأسف لا اراهم كثيراً. اطول مدة استطيع البقاء معهم لا تتعدى 15 يوماً.
أين اخترت مكان هذا المنزل؟
انا انسان الوف كما ذكرت. اقمت عمارتي في المكان الذي ولدت فيه نفسه. وللعلم هذه المنطقة تعدّ شعبية ولكني لن اترك الناس الطيبين واذهب الى مكان راق وسط طبيعة خلابة.
يوم في الإجازة
يوم إجازتك ماذا تفضل ان تفعل فيه؟
انا عاشق للبحر اذهب فورا اليه. ولكن في عملنا هذا لا توجد اجازة، فأنا آخذ معي هاتفي. وللعلم لقد أسّست مكتباً جديداً، لأدير فيه اعمالي، ولكني لا استطيع ان اعمل في المكتب، وأفضل ان اعمل وانا في حالة استرخاء على البحر او على المركب الخاص بي. فأنا لا ادخل مكتبي سوى عشرة ايام في السنة.
ما الشيء الذي تتركه يوم الإجازة؟
حقيبة ملابسي. فأنا اكره حقيبة الملابس. مللت من الملابس ولا احب التغيير. وكثيراً ما اسافر بسروال قصير وقميص عادي.
من تسمع من المطربين الجدد؟
اسمعهم جميعاً، وأحب اغاني لطيفة، ومصطفى قمر، وأحب صوت الفنانة اصالة جداً.
ما الذكرى الملحّة التي تأتيك دائماً؟
رأيت فتاة منذ زمن بعيد، وتمنيت ان تكون حبيبتي. كان عمري 15 سنة. لم ارها ثانية ولم اعرف من هي او الى اين ذهبت. اعتقد انها أجمل فتاة رأيتها في حياتي.
ما العادة السيّئة التي لا تستطيع التخلي عنها؟
تعذبني عادة النسيان. ارى شخصاً لفترة وأنساه، ويعتقد هو انني اتذكره، ولكن للأسف اسأله من انت؟ تعذبني هذه العادة، لأنها ضد شخصيتي..فأنا احب الناس بشدة وأعيش لهم وبهم.
هل تحب القراءة؟
طبعاً، لكن ليس لي صبر ولا استطيع ان اقرأ كتاباً بأكمله. احب قراءة اشياء عامة او قصيدة او جرائد او مجلات او قصص او كتب عن الطب، الاقتصاد، اختراعات تكنولوجيا، احب قراءتها كثيراً.
وراء عينيك انطباع بالحرب والدفاع عن النفس.
من الطبيعي ان النجاح لا يرضي الآخرين. فلكل ناجح اعداء. والشيء الذي اعتمد عليه هو محبة الناس لي. فدائماً ما اجد حروباً وشائعات مدمّرة.
ألم تؤثر فيك تجربة الزواج السابقة؟
لا لم تؤثر فيّ، لأنها كانت من الاساس محكومة بالفشل. كان كل من حولي، حتى اهلي، متنبّئين بفشلها، ولكننا صمّمنا على الزواج. كنا لا نصدق هذا الكلام برغم انها كانت نتيجة شبه مؤكدة.
هل حدث تغيّر في حياتك بعد فشل الزواج؟
نعم. فأنا احببت الحياة الزوجية الى اقصى درجة. ما احلى الرجوع الى المنزل "اقصد الفندق"، وتجد من هو بانتظارك.
هل زواجك يؤثر في معجباتك؟
ليست كل معجباتي وإنما قد يؤثر في قلة منهنّ فقط.
هل تنزعج من المعجبين الذين قد يثقلون عليك؟
لا؛ لم انزعج يوماً. لقد تزوجت في يوم من الايام من واحدة منهن. فقد تعرفت إلى زوجتي في احدى الحفلات وصار النصيب. فأنا دائماً أردّ على معجبي، ولكن وقت العمل والتلحين ارفع السماعة.
كل كلامك عن التلحين والغناء، ولكن مباشرة المشاريع لماذا لا تتكلم عنها؟
لو كنت متفرغاً، لأصبحت ناجحاً جداً في ادارة المشاريع. ولكن لا يوجد عندي الوقت الكافي لمباشرة اعمالي، ولا اسمح لمشاريعي ان تأخذني من فني.
ما المبدأ الذي تسير عليه؟
اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.