المحامي الدولي صالح الطيار: لم اندم على قضية في حياتي
صالح الطيار
صالح الطيار، مجموعة شخصيات في شخصية واحدة، فهو المحامي الدولي والامين العام للغرفة التجارية العربية الفرنسية، ورئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي؛ هوالدكتور صالح بن بكر الطيار. في محيّاه ترى العزيمة والارادة، إرادة مواطن سعودي أصيل، ثم قانوني واقتصادي وناشط عاشق للعمل الاقتصادي.
منحه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الوسـام الفرنسي من الدرجـة الأولى، مكافأة له على ماقدمه لفرنسـا من خدمات، عزّزت علاقاتها التجـاريـة والسياسيـة مع شركائها من الدول العربيـة، خـاصة السعودية. تولّى مهمة الدفاع عن مصالح بعض الدول العربية والصديقة المعتمدة في المملكة. يتذكر الطيار أول قضية نجح فيها أمام التحكيم الدولي في فرنسا، وقد استمرت لمدة أربع سنوات، بين أحد رجال الأعمال السعوديين وشركة تأمين فرنسية، وقد نجح في إنهاء الخلاف فيها. وكان لـ"الرجل" معه هذا الحوار:
• محام واقتصادي ومحكم دولي؛ كيف تقدم نفسك؟
مواطن سعودي أولاً، ثم قانوني واقتصادي وناشط، وأعشق العمل الاستراتيجي ثانياً، وأحب الخير للناس. مَديني الأصل والمنشأ، من اهل طيبة الطيبة تربّيت في كنف والديّ، تعلمت منهما الكفاح والصلاح، وربّياني على الطموح ومعانقة اطيب الصروح في الدراسة والوظيفة .أترأّس اليوم المركز العربي الاوروبي للدراسات، والأمين العام للغرفة التجارية العربية. خادم لوطني ومليكي، سعودي أينما ذهبت وحيثما حللت، احمل راية التوحيد، وفي قلبي نشيد الوطن، وفي نفسي امانة المهمة ومسؤوولية المرحلة، ابناً بارّاً بوطنه، وسفيراً له في كل المحافل. أعتزّ به وأفتخر، أحنّ إلى ترابه وأعشقه، لأن وطننا ليس كغيره، فهو يسكننا قبل ان نسكن فيه.
* ماذا يتراءى في ذهنك من أيام الطفولة؟
المدينة المنورة، ذاكرة خالدة في ذهني، تتراءى لي أينما رحلت وحللت، بأزقتها، وبساطة أهلها، واحترام كبيرها لصغيرها، وتوقير صغيرها للكبير، وخلوّ البال من المشكلات والهموم، وأداء فروض الصلاة في الحرم النبوي الشريف، خلف المرحوم، بإذن الله، الشيخ عبد العزيز بن صالح، وقراءته المميّزة للقران الكريم، خاصة سورة الرحمن في عيد الفطر المبارك، ومصاحبتي لوالدي، رحمه الله، بخدمة زوار مدينة المصطفى، صلّى الله عليه وسلم، وبتشرّفي بتلقي المراحل الدراسية الأولى في المدينة المنورة.
*بعد هذه المسيرة، مَنْ صاحبُ البصمة الأوضح في حياتك؟
والدتي، حفظها الله، وأمدّ في عمرها ورزقنا برها، وحسن مصاحبتها، فهي أم صبرت وربّت وأحسنت التربية، فقد تعلمت منها الإحسان إلى من أساء، فكم مرة رأيتها تحسن إلى من أساء إليها، متوجهة بعملها إلى الله سبحانه وتعالى، وكذلك قوة شخصيتها وصبرها في مواجة مشكلات الحياة، دون تأفف أو اظهار معاناتها بالحمد والشكر، والذكر لا يفارق لسانها، موكّلة أمرها إلى الله في كل ما أصابها من خير أو سوء. فها هي اليوم نبراس لكل العائلة وليس لها عدو أو من يذكرها بسوء، فالجميع يحبّونها، وهذه بداية حصاد زرعها؛ فهي مثلي الأعلى من بعد الله، ثم رسوله المصطفى، صلّى الله عليه وسلم.
* حدثنا عن سيرتيك العلمية والعملية.
تلقيت تعليمي في المدينة المنورة ، حتى تخرجت في الثانوية عام 1977، ثم توجّهت إلى جامعة القاهرة التي كانت جلّ البعثات السعودية كانت إلى هناك، بنيّة دراسة العلوم السياسية، إلا أن حبّي للقانون أدى إلى تحريك رغبتي في الالتحاق بكلية الحقوق، رغم استغراب مجتمعي وأهلي ومعارضتهما لهذا التخصّص، إلا أن نظرتي المستقبلية ورغبتي في احداث شي جديد، وعلمي التام بأن التفرد هو أحد سبل النجاح، وبفضل الله بعد تخرجي في جامعة القاهرة، زادت رغبتي في القانون.
* حدثنا عن قصة دخولك مجال المحاماة.
بعد إنهائي لدراسة القانون في جامعة القاهرة، كنت أرى أنّه لا بدّ أن يكون في السعودية، مجال لمسيرة الدراسات القانونية، لتساير المجتمع الدولي، وأن أكون أحد رواد هذه المهنة، وبفضل الله وكرمه تحقق ما توقعته وأصبحت المملكة من مصاف الدول التي تملك تنظيماً قضائياً متنوعاً عالي الدقة والتخصص. فتوجهت إلى منبع القانون، الجمهورية الفرنسية، وبدأت في الدارسة والتحضير لمرحلة الماجستير، إلى ان حصلت على شهادة الماجستير الأولى، عام 1983، في موضوع العقود الدولية لنقل التكنولوجيا، وبعدها واصلت الدراسة وحصول على درجة ماجستير أخرى عام 1984، في موضوع التحكيم في عقود البترول، وأخيرا أكملت درجة دكتوراه الدولة في القانون الدولي الخاص، في أبريل عام 1987، في جامعة رين بفرنسا، في موضوع العقود الدولية لنقل التكنولوجيا التي حصلت عليها بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف.
أول قضية
كانت أول قضية أنهيتها أمام التحكيم الدولي في فرنسا، وقد استمرت أربع سنوات، بين أحد رجال الأعمال السعوديين وشركة تأمين فرنسية، وقد أنهيتها ودياً بين الطرفين ولله الحمد.
* هل من قضية دخلت فيها ولم تستطع إنجازها ؟
بفضل الله، لم أتراجع عن أي قضية دخلت فيها، وأي قضية أدخلها، التزام شرف لا بدّ من إنجازها، إلا إذا رغب الموكل في إيقافها، ولذا لا أذكر قضية لم أنجزها في حياتي.
* ما دور المرأة في حياتك؟
المرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة، فهي صاحبة أجمل انتاج للرجل، وأفضل سند له، وأفضل معلمة لأبنائه، فإن صلحت صلحت الأسرة، وإن صلحت الأسرة صلح المجتمع. إذا هي أساس لكل شيء؛ ارتميت في أحضان أمي، رضيعاً، ثم طفلاً، وتابعتني مراهقاً، وفرحت بي شاباً، وسعدت بي راشداً، وما زلت بين أيديها طفلاً، يحنّ إلى طفولته، وراشدا يعشق الجلوس امامها، ارى في عينيها ذكريات الطفولة وفي صوتها حنين العمر، وفي كلامها تفاصيل الحياة وفي نصائحها تفصيلات المحبة والمودة والرحمة. ثمّ تأتي زوجتي التي ساعدتني وكانت سراً للنجاح، ومكمناً من مكامن التميّز والتفوق، وأنظر اليها واحةً للإنجاز والامتياز، وبيئة للدافعية. ثمّ الأخوات والبنات، اللواتي أعاملهنّ برحمة، وأرى في حياتي معهنّ كل الخير والبركة.
* مسيرتكم العملية كانت حافلة بالعطاء, فاستحققتَ الأوسمة وشهادات التكريم, هلا سلطتم الضوء على بعضها.
منذ حصولي على دكتوراه الدولة في القانون التجاري الخاص من جامعة رين الفرنسية عام 1987، أشعر دوماً أنا المواطن السعودي، بأنني ممثل وسفير لبلدي، في كل ما أسعى إلى تحقيقه؛ من ممارستي لمهنة المحاماة والاستشارات القضائية، وعضويتي في الهيئات والجمعيات الدولية، أو ترؤسّي لمركز الدراسات العربي الاوروبي، وتعييني أميناً عاماً للغرفة التجارية العربية الفرنسية، هذا الشعور القوي كان الدافع الاول والاخير لي، لتخطي كل الصعوبات وحمل راية الولاء والحب والوفاء لبلدي الغالي؛ إذ إن هذا العمل كان أساسياً لكل أبناء المدينة المنورة منذ طفولتهم، وهم يخدمون زوار مدينة المصطفى، صلّى الله عليه وسلم، ومن ثمّ أثناء دراستي في جامعة القاهرة، كنت عضواً نشطاً في نادي الطلاب السعوديين في القاهرة، الى أن تخرجت وانتقلت إلى فرنسا، حيث أسهمت في إنشاء أول مركز دراسات في فرنسا يهتم بالقضايا العربية الفرنسية، فأسّست مركز الدراسات العربي الأوروبي في مارس 1992، بعد تحرير الكويت من احتلال العراق، وفي الوقت نفسه، بدأت بعض القضايا محامياً سعودياً، وبفضل الله كان منهجي حل القضايا عن الطريق التوفيق والمصالحة بين المتخاصمين، وقد وفقت في حل الكثير من قضايا رجال الأعمال السعوديين في فرنسا، وبعض قضايا لبعض رجال الأعمال والأنظمة السياسية لدول مختلفة. وكانت هناك قضايا لرجال أعمال سعوديين ضحية جهلهم بالأنظمة والقوانين الفرنسية؛ فعلى سبيل المثال، أذكر أن أحدهم، صدر بحق قرار من إدارة الضرائب الفرنسية، بتغريمه مبلغ 42 مليون فرنك فرنسي، إلا أنّني استطعت اقناع السلطات الفرنسية، بتفعيل اتفاقية الازدواج الضريبي الموقعة بين حكومة المملكة وفرنسا، وكسبنا القضية.
* كيف توفّق بين أعباء الأسرة، وأعباء العمل وهمومه؟
الزوجة والأبناء ليسوا عبئاً، بل إنّهم دافع؛ فبمجرد دخولي المنزل ورؤية أبنائي أمامي بخير ومبتسمين، أو حصول أيّ منهم على درجات النجاح والتوفيق والرضا، فهذا في حد ذاته ينسيني هموم العمل، ويكون الترياق الشافي لكل همّ. أما لو كان القصد بالسؤال التزاماتي تجاههم، فإن الإنسان قد خلق، وعليه التزام ابتداء لربه وخالقة لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، أما الالتزامات الأخرى تجاه العباد، ومن ضمنهم الزوجة والأبناء والأم والأخت والمسلمون، فما هي إلا وجه من أوجه العبادة.
* موقف لايزال في الذاكرة.
قرار الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، بمنحي الوسـام الفرنسي من الدرجـة الأولى، مكافأة على ماقدمته لفرنسـا من خدمات، نحو تعزيز علاقاتها التجـاريـة والسياسيـة مع شركاء فرنسـا من الدول العربيـة، خـاصة مع المملكـة العربيـة، كان خبراً سعيداً لم أكن أنتظره، وأهديته لكل مواطن مخلص لدينه ومليكه ووطنه.
* هل من محام تحرص على متابعته؟
أستــــاذي ومعلمي د. مفيد شهـاب، أحد فقهـاء القانون الدولي وأحد المحامين الدوليين، أسـهم بجدارة، في حل كثير من المسائل الدوليـة ذات الطابع الحدودي، وأبرز تلك القضايا جهده الحثيث مع زملائه، لإعادة طابا المصريـة التي كانت تحتلّها إسـرائيل، إلى السيادة المصريـة .
* هل أنت من أصحاب القرارات السريعة أم العكس؟
انا رجل استراتيجي وقانوني، لذلك من النادر الدخول في مغبة القرارات السريعة، لأنّني صقلت نفسي باكراً بصبغة الهدوء والتروي ودراسة الامور، حتى اخرج من عنق المهمه بقرار ايجابي.
* في وجه من تغلق بابك؟
في وجه كل من يعارض الدين والدولة والوطنية، وكل مختال فخور.
* ما أبرز قضية دولية استطعت إنجازها ؟
قضيــــة ضرائيبيـــة بين عدد من رجـال الأعمـال العرب والسلطات الضرائيبيـة في دولة مقر استثمـاراتهم، كما مثلت قضايا بعض الشخصيات العامة العربيـة، لأكون وسيطاً بينهـم وبين دولهـم التي خرجوا منها، نتيجـة الثورات التي شهـدتها تلك الدول، ووفقت في إعـادة كثير من الأموال التي خرجت بطريقـة غير مشروعـة إلى تلك الدول .
* هل أحد من أبنائك دخل مجالك ؟
لا أحد من أبنائي محام؛ فكل منهم اتّخذ قرار تخصصه دون اي تدخل مني، بل برغبته الكامله وقراره هو.
* ما الصفات التي على المحامي الناجح أن يتحلّى بها؟
الصدقة، والمثابرة، والمهنية، أهم موجبات النجاح في اي مهنة، خاصة المحاماة.
* ما القضايا التي تجذبك للترافع فيها ؟
نحن شركة محاماة، فيها محامون كثر متعددو التخصصات، لذا فإنّ عملنا القانوني متكامل، يغطي كل أوجه التخصصات القانونية دون تحديد ، وإن كنت اميل شخصياً إلى قضيا التوفيق والتحكيم التجاري والدولي، بحكم تخصصي وخبرتي.
* هل يمكن تحديد عدد القضايا التي نجحت في إنجازها خلال مسيرتك العملية؟
ثلاثون عاماً ونيّف من العمل، يصعب فيها تحديد عدد القضايا أو حصرها، لكن كما ذكرت، فإن رصيدي، بفضل الله وتوفيقه، غنيّ وكبير من القضايا التي شكلت محوراً من محاور المهنة لديّ، ووضعت اسمي على الخارطة المحلية والدولية، وتبقى بصماتها مسجلة في مسيرتي، وفي اذهان من ترافعت عنهم، افراداً أو جهاتٍ.
* أين يقع ترتيب المحامي السعودي بين المحامين في دول الخليج والعالم؟
المحامي السعودي تطور بشكل كبير، متماشياً مع التطوير القضائي في المملكه العربيه السعودية، ومع خطة المغفور له، بإذن الله، الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير القضاء التي بدأنا نحصد ثمارها اليوم، بفضل الله، على المواطن والقضاء.
* هل يمكن للمحامي أن يكوّن ثروة من مهنته؟
التوفيق والرزق والنجاح من عند الله. وأنا مع المثل القائل من زرع حصد،ومن عمل وجد، ومن سار على الدرب وصل.
* ما القضية التي تطلّبت أطول فترة زمنية لإنهائها، وما القضية المعاكسة؟
لا يمكن تحديد الأطول، فقد تصل بعض القضايا إلى سنين عدة. اما الأقصر ، فأذكر أنها بقيت يوماً واحداً فقط، انتهت صلحاً وتوضيح وجهات نظر .
* هل يملك المحامي الحصانة داخلياً أو دولياً؟
المحامي مواطن عادي، ليس له اي حصانة، ويحاسب محاسبة الشخص العادي، إلا أن خطأه المهني، حدّد له النظام لجنة خاصة للنظر والفصل فيه.
* قضية تفتخر بإنجازها.
كل القضايا التي توكّل إليّ، أعدّ إنهاءها انجازاً يضاف إلى رصيدي، طبعاً على اختلاف القضايا، فالمعقدة والقديمة هي الأكثر انجازاً
* هل من قضية ندمت على الترافع فيها ؟
لم أندم على أيّ قضية، فعند قبولي لقضيةٍ ما، فهذا يعني انه قرار مدروس، لذا لا يعقبه الندم لاحقاً.