روما .. تعيش في قلب زائرها إلى الأبد
روما - مايا مشلب:
ليست روما كأي مدينة كوسموبليتية تعجّ بحركة سكانها وزوارها، وتحتضن معالم أثرية في هذه الزاوية أوتلك، بل هي عنوان الجمال الخالص المجبول بالفن والحياة في آن واحد.
مدينة، يهيّأ للزائر أن سُكنَاها كان حكراً على الفنانين من نحاتين وتشكيليين. وكأنها، بعظمتها، مجلّدٌ ضخم، خُطًّت صفحاته بمئات آلاف الحجارة التي تخرجت تحت أزاميل ورِيَش عدد لا يحصى من الفنانين الذين انهمكوا طوال قرون في "نحت" هذه المدينة التي أرادوها خالدة.
يخبّئ هذا المجلّد بين صفحاته البهيّة باحات وشوارع وأزقةً تنبض الى اليوم بحياة...إنما من نوع آخر. ذاك النوع الذي يُنسيك العالم بأسره، لأنه – ببساطة - يشكل بوابة كبرى للتاريخ المشرق بحقبات متنوعة ومتباعدة، إنما منصهرة في جوّ من التناغم المطلق.
في روما، يتوقف مفهوم العدّ واللوائح التي يحضّرها عادة السائح المنظّم ليستفيد من وقته. فالتزام اللائحة يصبح مهمة شاقة، فكثيرة هي "المغريات" الاثرية التي يصادفها المرء في جولته.
في روما، دعك من المواصلات العامة، انتعل حذاءً رياضياً مريحاً واستَعِد ساقيك إذ ليس لك سواهما، لكي تتمكن من زيارة أكبر عدد ممكن من الصروح والمعالم الاثرية. في روما، احمل خريطتك وامشِ؛ فللجمال مفهوم آخر، للمذاقات طعم مختلف، للتحية ابتسامة مختلفة. فروما هي روما ولا تتشارك مزاياها مع اي مدينة أخرى. لذلك، يكفي ان تزورها مرة واحدة حتى تعيش في قلبك مدى الحياة. في هذا التقرير، جمعنا لكم أبرز المعالم التي يجب الا تفوّتوها حتى وإن كانت الزيارة خاطفة.
- الكولوسيوم: لا عجب إن رأيت جموعاً غفيرة، تنتظر ان يحين دورها لشراء تذاكر الدخول. إذا كان وقتك لا يسمح، ننصحك بشراء التذاكر مسبقاً عبر مواقع الإنترنت، لتوفر على نفسك ليس عناء الانتظار فقط ، بل هدر الوقت الثمين الذي يمرّ بخطى مستعجلة في هذه المدينة. قبل الدخول، احرص على أخذ السماعات لكي تستمتع بشرح مفصّل عن الطبقات والنواحي المختلفة لهذا الارث الحضاري. الكولوسيوم او المدرّج الروماني، كنا قد رأيناه في كثير من الافلام، مثل "غلادييتر"، للمخرج ريدلي سكوت.
على أي حال، تم ادراج الكولوسيوم ضمن لائحة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1980. وفي عام 2007، اختير من بين عجائب الدنيا السبع الجديدة، لما يعكسه من إرث شاهد على العمارة الرومانية. معروف انه كان يشكل صرحاً تقام فيه أهم الاحداث والمسابقات الجماهيرية، وتحديداً تقاتل المحاربين فيما بينهم، أو مع حيوانات ضارية.أما المدرجات الضخمة فكانت تسع نحو خمسين ألفاً، علماً ان هندستها تعكس طبقات المجتمع الروماني، إذ كان الاباطرة والملوك وأعضاء مجلس الشيوخ يجلسون في المقدمة، لتُترك الطبقات العليا لعامة الشعب. استمرت مراسم افتتاح هذا المعلم الاثري مئة يوم، لم تتوقف فيها إقامة الاحداث وألعاب القتال، حتى قضى المئات في سبيل "متعة الشعب وترفيهه". وكان يسمح للعامة بالدخول مجاناً، إذ إن الاحداث المنظمة آنذاك كانت في سبيل تعزيز شعبية الحكام وإلهاء الشعب.
- نافورة"تريفي" أو ما يعرف بـ"فونتينا دي تريفي": بوشر في بنائها عام 1732، لتُفتتح بعد ثلاثين عاماً، وتشكل الى اليوم أكبر نافورة تنتمي الى فن الباروك. تولّى تصميمها المهندس نيكولا سالفي، الا ان المهندس بييترو براتشي هو من أنجزها. لا تزال مقصدا أساسيا للسياح الذين يدأبون على رمي النقود الحجرية فيها، أملاً بتحقيق امنية أو بالعودة الى روما. بعد أعمال ترميم استمرت 17 شهراً، وبلغت كلفتها 2.2 مليون يورو، أعادت السلطات افتتاح النافورة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.
طبعت صورة هذه النافورة في الاذهان، بفضل ورودها في كثير من الافلام السينمائية، لعل اشهرها صورة الممثلة السويدية الايطالية أنيتا إكبرغ في فيلم "لا دولشي فيتا"، للمخرج فيديريكو فيلليني. على أي حال، لا تزال هذه النافورة مقصداً لكثير من الازواج والخطاب... أو من يبحثون عن الشريك للاعتقاد بأن الامنيات تتحقق عبرها.
- السلالم الإسبانية (Spanish Steps): تقع على مقربة من نافورة تريفي، تربط هذه السلالم، التي يبلغ مجموعها 135، بين ساحتي إسبانيا وترينيتا دي مونتي. تم إنجاز بنائها في عام 1725، وهي اليوم تشكل ملتقى للسياح المتعبين وسكان المدينة الذين يلتقون في هذا المكان الرحب. اللافت انها اقترنت بلقب "الاسبانية"، رغم انها بُنيت بتمويل فرنسي، لأنها تقع على مقربة من السفارة الإسبانية لدى الفاتيكان.
- الميدان الروماني: من أجمل المعالم الاثرية التي يمكن ان يقصدها الزائر، تشبه متحفاً مفتوحاً في الهواء الطلق. ورغم ما يتعرض له من عوامل مناخية، تراه معانداً صامداً. يتوسط هذا الميدان تلال بلاتين وكابيتولين. قديماً كان يشكل نقطة للتجمّع وانطلاق المسيرات وإلقاء الخطب العامة، كما كان موقعاً للشؤون التجارية.
يمكن اليوم رؤية أقواس سيبتيموسسيفير وسوتيتو ومعبد بيوس انطونيوس وفوستينا.
- الفاتيكان: احرص على تخصيص يوم كامل فيه. فإذا زرت روما ولم تقصد الفاتيكان، فستكون زيارتك حتماً غير مكتملة. لدى الوصول، من المفضّل ان تنضمّ الى إحدى الجولات التي تنظمها المكاتب السياحية، لأن من خلالها يمكن ان تختصر ساعات من الانتظار للدخول الى متحف الفاتيكان. بعد التجول في هذا الصرح الضخم الذي يحتوي على مئات المنحوتات واللوحات للكثير من الفنانين التشكيليين، تصل الى مسك الختام: "كابيلا سيستين" التي تعدّ من أعرق الكنائس وأشهرها على الاطلاق، لأنها ممهورة بتوقيع مايكل انجلو. يشكل سقف الكنيسة الذي استغرق العمل عليه 4 أعوام، أهم أعمال هذا العبقري وقمة الفن في عصر النهضة. فقد زيّن هذا الاخير السقف بأكثر من 300 رسمة مبهرة بتفاصيلها ودقتها، لتعكس في نهاية المطاف قصة الخلق.
- فيلا بورغيز: بساط أخضر يشتمل على عشرات الاعمال الفنية والابنية الفخمة والنوافير، فضلاً عن بحيرة. تمتد حدائق فيلا بورغيزعلى مساحة 80 هكتاراً، تقع على هضبة بانشيانا، ما يسمح بالاستمتاع بمشهد يخطف الانفاس، إذ إنه مفتوح على أفق روما بالكامل. يمكن الزائر أن يستأجر عربة صغيرة تعمل على الطاقة الكهربائية لكي يتمكن من زيارة المكان بحرية وبعيدا من التعب. كما يمكن استئجار دراجة هوائية للاستمتاع بنزهة بين الممرات المرسومة بعناية. تعدّ هذه الحدائق جديدة نسبياً، إذ ترجع الى القرن التاسع عشر، حين صمّمها المهندس فلامينيو بونيتسيو.
إذا كنتم برفقة أفراد العائلة، ينصح بزيارة حديقة حيوانات (بيوباركو) التي تقع ضمن المكان نفسه.
- البانتيون: يعدّ من أهم الصروح الاثرية في روما، ليس لقيمته الفنية فقط، بل لوضعه الذي يعدّ مقاوماً للزمن أيضاً. شيّد أساسا ليكون معبدا لكل آلهة روما القديمة ويمكن للعامة الدخول اليه، إذ آنذاك كان الدخول الى الصروح والمعابد حكراً على رجال الدين، ومن يجرؤ على كسر القاعدة فعقوبته الموت. لذلك شكل البانتيون خروجاً عن القاعدة. أما في القرن السابع فقد تحول كنيسة، ليتحوّل اليوم أقدم مبنى يتمتع بقبة في المدينة.
ارشادات عامة(ملاحظة للاخراج : ممكن وضع هذا المقطع ضمن كادر؟)
- إذا كان الوقت يسمح، فلا تفوّتوا التنزه على الجسورالتي تعلو نهر التيبر. ولا تفوتوا زيارة "لا بوكا دي لا فيريتا" (ثغر الحرية) أيضاً. كان يعتقد أن الكاذب اذا وضع يده في ذاك الفم فتُبتلع فوراً. من أطرف المواقف التي يمكن ان تصادفوها: أطفال يبكون ويرفضون وضع أيديهم.
- تناول المثلجات في بيازا نافونا التي تعدّ من أجمل ساحات روما الرحبة على الاطلاق.
- ارتشاف فنجان اسبريسو قرب نافورة"تريفي".
- لا تتناولوا دوماً فطور الفندق، إذ من المستحسن ألا تفوتوا عليكم تناول الفطور في أحد مقاهي روما.
- إذا كنتم تخشون اكتساب بضعة كيلوغرامات خلال زيارتكم، فخوفكم في محله. لذلك، من المستحسن ان تتّبعوا حمية لتخفيف الوزن؛ ففي روما، المغريات كثيرة من البيتزا المخبوزة على الحطب الى أنواع المعكرونة المطهوة بصلصات شهية، وصولاً الى الحلويات والمثلجات بأنواعها التي لا تحصى. وفي هذا الاطار، تذكروا اسم "Grom" الذي يعدّ العنوان الاهم في هذا المجال.
- إذا كنتم من هواة زيارة القصور والمتاحف، فخصصوا لها يوماً على الاقل، لأن روما تغصّ بها.
- كافئوا انفسكم بتناول عشاء شهيّ بعد يوم طويل من الزيارات. احرصوا اولا على تفقد التعليقات المكتوبة عن المطعم على بعض المواقع منها "Trip Advisor". صحيح ان لكل شخص ذوقاً، لكن من الافضل عدم المخاطرة.
- عندما تسددون فاتورة نقداً، كونوا متيقظين عندما يردّ لكم البائع.
- يمكنكم احتساب الإكرامية بنحو 10 في المئة.
- أفضل وقت لزيارة روما يراوح بين أبريل/ نيسان وأيار/مايو، ثم في سبتمبر/ ايلول، وأوكتوبر/ تشرين الاول. وذلك يعود الى سببين أولاً درجات الحرارة المعتدلة في هذه الفترة، وثانياً الانخفاض النسبي في عدد السيّاح الذين ترتفع اعدادهم بين يونيو/ حزيران وأغسطس/آب. كما ينصح بتفادي أشهر الحرّ، لأن الانتظار يصبح أمراً مزعجاً جداً.
- لدى زيارة بعض الصروح، خصوصاً "كابيلا سيستين"، احترموا الارشادات كالامتناع عن التصوير.
- إذا كانت أسعار الغرف الفندقية مرتفعة نسبة الى ميزانيتكم، فينصح باللجوء الى "الشقق السياحية"، منها "ByebyeRoma" التي تقع على مسافة 200 متر فقط من البانتيون. وهي كخيارات عديدة أخرى متاح حجزها على مواقع عدة منها "Booking.com".