هدى الجريسي:أنا سر أبي وهو قدوتي
الرياض - أفراح الطيار:
لم تكن الإصابة بالشلل عائقًا أمامها بل على العكس، كانت محفزًا ودافعًا لها لإتقان ما يتقنه الآخرون، ولم تعتمد على اسم عائلتها أو ميراثها في مزاولة نشاطاتها. حصدت أعمالها وأقوالها وسام «الفارسة» الذي جرت تقاليد قصر الإليزيه، أن يقدمه رؤساء فرنسا لكبار الشخصيات في دول العالم، منحها إياه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. إنها سيدة الاعمال السعودية والفائزة في المجلس البلدي في الرياض هدى الجريسي.
تعدّ تجربتها فريدة، حيث أصيبت بشلل الأطفال، وعمرها أربعة أشهر، ما اضطر والدها إلى أخذها إلى لبنان للعلاج الذي لم يقتصر على العمليات الجراحية فقط، بل تبعتها جلسات طويلة من العلاج الطبيعي المكثف، امتدت أكثر من عقد من الزمن.
وأكدت الجريسي في حوارها مع "الرجل" معاناتها وألم وطول العلاج وحرمانها من حنان الأبوين وعطفهما، إضافة إلى شعوها بالوحدة، لفراقها والدها الذي كان يعمل بكل مشقة لتأمين نفقات علاجها الكبيرة، ووالدتها التي ذاقت مرارة الصبر لبعدها عنها. وهنا تفاصيل الحوار:
* بداية حدثينا عن طفولة هدى الجريسي؟
البداية كانت مع قضاء الله وقدره سبحانه، بإصابتي بشلل الأطفال في الشهر الرابع من عمري، ما اضطر والدي، بعد تفكير عميق لأخذي إلى لبنان للعلاج الذي لم يقتصر على العمليات الجراحية فقط، بل تبعتها جلسات طويلة من العلاج الطبيعي المكثّف، امتدت أكثر من عقد من الزمن، عانيت كثيراً ألم العلاج وطول مدّته، وحرماناً من حنان الأسرة.
درست إلى الصف الخامس الابتدائي في لبنان، ونشبت وقتها الحرب الأهلية 1975، فعدت إلى المملكة، ومكثت سنة كاملة، ولما طال أمد الحرب، اضطر والدي للذهاب بي إلى سويسرا. أكملت دراستي في سويسرا حتى حصلت على درجة البكالوريوس في الترجمة (فرنسي، إنجليزي، عربي) من جامعة جنيف عام 1409، من ثمّ عدت إلى أرض وطني، ونظراً لاعتيادي حياة المجتمع الغربي، خلال فترة دراستي، لم يكن اندماجي في مجتمعي السعودي سهلاً، لأنني من خلاله بدأت حياتي المهنية، وهي البحث عن وظيفة؛ وبحثي عن الوظيفة كان إثباتاً لوجودي، وتحدياً للإعاقة، وإثباتاً للآخرين أنه لا مستحيل مع الإرادة.
* ما الذي تختزنه ذاكرتك عن أيام الطفولة؟
العيش في الغربة عادة ما ترتبط ذكرياته بكل التفاصيل، ولله الحمد ذكرياتي عن تلك الفترة، أنها كانت تجربة جيدة، رغم بعدي عن أسرتي ووطني، وهذا جعلني أتأقلم مع محيطي الصغير آنذاك، وأبني علاقتي بمن حولي بشكل جيد. وكانت طبيعة حياتنا جعلتني أنا وزميلاتي وفريق الإشراف، أشبه بالأسرة الواحدة، فقد كان برنامجنا اليومي مترابطاً، نبدأ يومنا في قاعة الدرس، ونتناول وجباتنا الغذائية في غرفة واحدة، وكذلك كنا ننام في غرفة واحدة كبيرة، تضم 15 سريراً، وكنا كذلك نمضي بعض وقتنا في صالة الاستراحة التي أذكر أنها كانت تحوي تلفزيوناً واحداً، وكنا نتفق على ما نرغب في مشاهدته، وكانت أجواء الأخوة والمحبة هي السائدة.
* ماذا يمثل الرجل في حياة هدى الجريسي؟
الله سبحانه خلق الرجل والأنثى ليكمل أحدهما الآخر، وفيهما تعمر الحياة وتستمر، والرجل خصّه الله بخصائص، وكذلك المرأة. وإذا كان الرجل يمثل للمرأة الأمان والقوة والسند، فالمرأة تمثل له الأم والأسرة والبيت والمربية لأبنائه، والنجاح في الحياة هو شراكة بين الطرفين قد تحمل أوجهاً وصوراً متعددة.
* من الرجل الذي كان له أبلغ الأثر في مسيرة حياتك؟
والدي، يحفظه الله، أعدّه مثلي الأعلى الذي يمثل الأمان والسند والدعم، فالوالد بالنسبة لي هو المربّي والمعلم والناصح، وكان ولا يزال خير معين لي. وسأبقى فخورة بوالدي وبسيرته العصامية. ولا شك كذلك أن شريك حياتي زوجي ذر البدري، قدم لي الكثير من التشجيع والدعم والتحفيز. والحمد لله فأنا أرى ترجمة نجاحي في عيون أبنائي الذين يشاركونني النجاح داعمين وفخورين بي.
* هل تؤمنين بمقولة خلف كل عظيم امرأة؟
اعتقد بصحة هذه الحكمة أو المقولة إلى حدّ كبير، ولكن هذا لا يعني أن نهمل الكفة الأخرى من الميزان، فنجاح المرأة أيضاً غالباً لا يغيب عنه الرجل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولعل أقلّ الدعم ألا يكون الرجل عثرة في طريق نجاحها.
* ماذا عن مسيرتك العلمية ؟
مبدئي الأساسي في الحياة، أن الإنسان لكي ينجح، يجب ألا ينقطع عن التعلم وتطوير ذاته، وبسبب ارتباطاتي ومهامي المتعددة، أهتمّ بالجانب العلمي عن طريق الالتحاق بالدورات وورش العمل سنوياً. في عام 1988، حصلت على بكالوريوس في الترجمة (فرنسي/ إنجليزي /عربي) من جامعة جنيف في سويسرا.( وكنت في عام 1985، درست في أكسفورد في بريطانيا لمدة 6 أشهر لتقوية اللغة الإنجليزية. في عام 1975، اتجهت إلى سويسرا وأكملت مرحلتي المتوسط والثانوي باللغة الفرنسية، في كل من لوزان وجنيف مع دراسة اللغة الإنجليزية كلغة ثانية واللغة الإيطالية كلغة ثالثة.درست المرحلة الابتدائية في لبنان.
* ومسيرتك العملية؟
المسيرة العملية طويلة، وفيها كثير من الخبرات والتجارب وتعتمد في السنوات الأخيرة على العطاء التطوعي في مجالات مختلفة، ويمكن أن ألخّصها، بانني عملت مستشارة معهد ريادة الأعمال، وعضو مجلس أمناء منتدى الرياض الاقتصادي بالغرفة التجارية الصناعية في الرياض، ورئيسة المجلس التنفيذي لفرع السيدات بالغرفة التجارية الصناعية في الرياض. كذلك شاركت في معارض نسائية لتعريف السيدات بالحاسب الآلي وفوائده، باسم مركز أبل، ثم مركز الأريبة للمهارات النسائية. ودورات تهدف إلى توطين الوظائف النسائية باسم مجموعة الجريسي، ومركز الأريبة للمهارات النسائية من عام 1992م. وفي نهاية عام 1992م، قدمت استقالتي من مركز الأبحاث الوطني، وتوليت إدارة مركز أبل للسيدات حتى عام 1999م. في بداية عام 1991م، عملت في القطاع الخاص (مركز أبل للسيدات) في مجالات متتالية، مثل السكرتارية والتسويق والمحاسبة في الفترة المسائية لمدة ستة أشهر، ثم كإعارة بدوام كامل لمدة سنة. في نهاية عام 1989م، عملت لدى مركز الأبحاث الوطني محللة لأخبار العالم لمدة سنة ونصف. في نهاية عام 1988م، عملت لدى ديوان الخدمة المدنية / مكتب التوظيف النسوي مترجمة لمدة سنة وشهر على بند الأجور.
أما الآن فأنا عضو المجلس البلدي في الرياض للولاية الثالثة.وعضو المجلس التنسيقي لعمل المرأة في مجلس الغرف السعودية، وعضو اللجنة الوطنية للتدريب الأهلي، وعضو لجنة السعودية لسوق العملفي المجلس. وعضو مجلس أمناء مركز الرياض لتنمية الأعمال الصغيرة والمتوسطة في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض. ورئيسة لجنة الاستثمار من المنزل في الغرفة. وعضو المجلس الاستشاري لكلية الآداب في جامعة الملك سعود. ونائبة رئيس لجنة التدريب الأهلي بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض. وعضو المجلس التوجيهي في وزارة العمل.
* دخلت في عضوية المجالس البلدية كيف تقيّمين هذه التجربة؟
اعتقد أن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية كانت تجربة مهمة، كونها منحت المرأة حق المشاركة في خدمة الوطن، من خلال خدمة المواطن، لأن الشأن البلدي ذو مساس مباشر بحياة المواطن. والمرأة قادرة على التفاعل مع هذا الجانب الخدمي بشكل كبير، والأمر الآخر أن هذه الانتخابات وكونها الأولى التي تشارك فيها المرأة، حققت نجاحاً كبيراً في قبول المرأة رسمياً وشعبياً في خوضها مضمار المسابقة الانتخابية، وهو ما أكدته نتائج الانتخابات في معظم مناطق المملكة التي شهدت فوزاً للمرأة، وهذا الفوز هو خطوة أولى والأهم هو أن تشارك بفعالية في خوض العمل البلدي، وأن تكون لها بصمة في تعزيز تجربة المجالس البلدية التي نعتقد أنها في طور النضوج.
* كيف نظر إليك المجتمع امرأةً تجتمع إلى طاولة واحدة مع الرجال؟
نحن ولله الحمد في مجتمع مسلم له تقاليده التي نحترمها، ولا تمنع مشاركة المرأة وفق الضوابط المعمول بها في أنظمة البلاد، وأعتقد أن المرأة السعودية سواء في مجلس الشورى أو في أي عمل قيادي آخر، حققت نجاحات كبيرة، بل حتى على المستوى الدولي، لأنها متسلحة أولاً بدينها وثانياً بعلمها وثقتها، وبلادنا ولله الحمد مع كل عمل ناجح فيه خدمة للوطن.
كادر
فلسفة النجاح والفشل
* هل شعرتِ يوم ماً بالفشل؟
الفشل هو مرحلة قد لا ينجو منها أحد، لكن الأهم هو عدم الوقوف عند عثرات الفشل، ولا اعتباره المحطة الأخيرة، فكل فشل هو محطة تعلّم وانطلاق أخرى، وإذا ما كان النجاح هو الهدف، فإن كل ما يعترض الطريق ليس إلا مرحلة من مراحل تحقيق النجاح، وليس هناك عمل سهل، فلكل منجز صعوبات ومراحل، وكلما كان النجاح صعباً، كان طعمه ألذّ ومحفزاً لمراحل أخرى من النجاح.
* ما سرّ نجاحك في أعمالك؟
توفيق الله قبل كل شيء، ثمّ حبّي لكل عمل أقوم به، وحرصي على إتقانه، ودراسة مشاريعي بشكل متأنٍ ومحاولة وضع الخطط الواضحة، سواء من حيث مراحل التنفيذ أو وضع البرنامج الزمني وإدارة الوقت بشكل مثمر، كذلك الاستفادة من كل تجاربي واستشارة من أثق بهم وبتجربتهم، والعمل بروح الفريق الواحد مع كل طاقم العمل الذي يشاركني التنفيذ، ورصد السلبيات وتحويلها إلى إيجابيات ودروس مستفادة من خلال المعالجة الواقعية.
* ما الذي تطمحين إليه ؟
الطموح لا حدود له، والعمل في خدمة وطني يختزل جزءاً ليس قليلاً من مساحة الطموح التي تتوزع على أكثر من جانب، ففي المجلس البلدي أتمنّى أن يتحقق طموحنا في تعزيز الخدمات البلدية للمواطن، وأن تكون جهودنا في مستوى ثقة من صوتوا لنا، وعلى مستوى قطاع الأعمال فأنا طموحة إلى مواصلة جهودي في خدمة قطاع الأعمال النسائي، وتذليل ما يعترضه من معوّقات، وعلى المستوى الشخصي والعائلي، طموحي أن يكون النجاح والتوفيق رفيق كل فرد من عائلتي.
* كيف تقضين يومك؟
يومي مقسّم بين التزاماتي العائلية والعملية والتطوعية، وكذلك واجباتي تجاه المجلس البلدي الذي نحن في بداياته، وهو ما يتطلب جهوداً مضاعفة في وضع خططه وآليات عمله، بالمشاركة مع زملائي وزميلاتي أعضاء المجلس، وجزء من وقتي أيضاً لمتابعة أعمالي الخاصة.
* كيف توازنين بين أسرتك وعملك؟
أنا حريصة جداً على ألّا يطغى جزء من التزاماتي على الأجزاء الأخرى، وأسرتي بالتأكيد لها وقتها الذي تستحقه، والحمد لله، أن كل أفراد عائلتي مدركون لطبيعة التزاماتي، ومع هذا فأنا حريصة على تخصيص الوقت والاهتمام المناسبين لأسرتي، فالتوازن يتمّ بمهارات إدارة الوقت ووضع الأولويات.
* هل ترين أن المرأة السعودية خصوصاً والعربية عموماً حصلت على حقوقها أمام الرجل، أم أن الطريق مازال طويلاً؟
اعتقد من المهم أن نتجاوز قضية أن الرجل والمرأة متنافسان، وكما ذكرت في إجابتي السابقة بأن العلاقة تكاملية، وإذا ما استوعبنا هذه العلاقة على هذا النحو، فستكون الأمور على ما يرام.
* هل تصنفين ضمن أغنى نساء السعودية؟
لم أفكر في مثل هذا التنصيف، ولا اعتقد انه سينال اهتمامي في يوم من الأيام، فالقضية ليست مجرد جمع أموال والتباهي بها، فالغنى غنى النفس والقناعة بما يكتبه الله لنا من رزق، وأن نحمد الله سبحانه ونشكره على نعمه التي لا تعدّ ولا تحصى.
* كيف جمعتِ ثروتك؟
مسمّى ثروة قد يوحي بما هو أكبر من الواقع؛ نعم لديّ استثماراتي الخاصة التي أديرها وفق إمكاناتي، وأسعى إلى تحقيق النجاح والعمل على تنميتها والتوسع بها بطريقة متدرجة، وفقاً لواقع ومعطيات السوق، كما أنني لا أنسى دعم الوالد لي في كل المجالات.
* ما أول عمل تجاري قمتِ به؟
إنشاء مركز عصر الأريبة للتدريب عام 1992، وهو يسير ولله الحمد بشكل جيد.
* ما آخر منصب تعملين فيه الآن؟
آخر منصب هو عضوية المجلس البلدي، فضلاً عن أنني عضوة مجلس أمناء مركز الرياض لتنمية الأعمال الصغيرة والمتوسطة ورئيسة لجنة الاستثمار من المنزل بغرفة الرياض، ومديرة مركز عصر الأريبة للتدريب.
* ما رؤيتك لمستقبل المرأة السعودية خصوصاً في مجال المشاركة في صنع القرار؟
المرأة السعودية أصبحت تأخذ مكانة مناسبة في المشاركة في صنع القرار، ولعل من أبرز صور ذلك، وجودها في مجلس الشورى وفي المجالس البلدية، وهذه خطوة رائدة في موقع المرأة السعودية ونحن على ثقة بأن حكومة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، لا تألو جهداً لمنح المرأة المشاركة في خدمة الوطن في كل مجال مناسب لها.
* هل من وصية أوصاكِ بها الوالد وبقيت راسخة في نفسك؟
والدي دائماً ناصح لنا، والصدق والأمانة في التعامل، ومعاملة الناس بالحسنى دائماً تكون على لسانه، وأنا استفدت كثيراً من نصائحه وتوجيهاته وسيرته الناجحة التي أعدّها دروساً مهمة في الحياة.
* كيف يتعامل معك زوجك بعد تعيينك في المجالس البلدية؟
حياتي الأسرية، ولله الحمد، مستقرة، وليست متأثرة بالمنصب أو غيره، وزوجي دائماً داعم ومشجّع لي وأستفيد من نصائحه وآرائه، وبشكل عام من الأفضل أن تكون الحياة الأسرية لها خصوصيتها وبعدها عن مؤثرات العمل.
* ما أبرز المعوّقات التي تقف أمامك؟
المعوّقات في مجال الاستثمارات النسائية، شهدت بعض الحلول مؤخراً، وبقي منها ما نأمل بأن نسعى إلى حله، في إطار التنسيق والتواصل الدائم مع الجهات الحكومية.