شركات عملاقة أفُل نجمها في سماء صناعة التكنولوجيا
قصي المبارك –دبي:
بالنظر إلى التحولات الكبيرة التي طالت سوق صناعة التكنولوجيا، خلال العقد الماضي، يتبيّن أن هناك قانوناً حتمياً يحكم مجريات هذه السوق، وهو فقدان عدد من الشركات الرائدة في هذا المجال، مركزها لاعباً أساسياً في هذه الصناعة.
شركة بلاكبيري الكندية (Research In Motion) سابقاً، ليست استثناءً من هذا القانون؛ الشركة التي كانت في يوم من الأيام تمتلك نصيب الأسد من سوق الهواتف المحمولة، باتت اليوم على شفير الانهيار التام، تتقاذفها أمواج صفقات الاستحواذ ورياح تغيير رؤسائها التنفيذيين، علّه يأتي من يمتلك كلمة السرّ لطوق النجاة.
أُسست شركة بلاكبيري عام 1984، تحت اسم " Research In Motion " كشركة استشارات تقنية، ولم تفكر الشركة الكندية بدخول مضمار المنافسة في سوق الأجهزة الذكية إلا في مطلع التسعينات، وكان الجهاز المسمّى "بيجر" هو أول الأجهزة المحمولة التي تطلقها الشركة وكان ذلك سنة 1997 تحديداً، وفي العام التالي قررت الشركة تخلّيها عن تسمية "RIM" إلى تسمية أخرى تمثّل علامة مميّزة للشركة ومن هنا كانت ولادة اسم "بلاكبيري" نتيجة للشبه الذي يجمع أزرار لوحة المفاتيح في أجهزة بلاكبيري ببذور التوت الأسود.
ولعل أبرز ميزة بنت عليها بلاكبيري استراتيجيتها التسويقية والتقنية كانت رسائل البريد الإلكتروني، وطريقة إدارتها والتعامل معها، فاستحدثت بلاكبيري خاصية اسمها "Push Mail" التي أضحت ميزة تنافسية كبيرة آنذاك. وفضلاً عن هذه الميزة بدأت الشركة في ذلك الوقت بتوفير مزايا أمنية كبيرة في أجهزتها الذكية، لدرجة جعلت الحكومة الأمريكية تتبنّى تلك الأجهزة في عدد من مؤسساتها الحكومية.
أول هاتف ذكي أطلقته الشركة حمل اسم "بلاكبيري 5810"، وكان ذلك سنة 2003 تحديداً، وهي سنة الانطلاقة المميّزة لها، ففي تلك الأثناء قدمت الشركة ميزة جديدة قلبت الموازين حينها، وهي ميزة التراسل الفوري BBM التي وصل عدد مستخدميها إلى 4 ملايين، عام 2005. ونظراً للنجاح الكبير الذي حققته ميزة BBM، بدأت الخدمة تحصل على إعلانات ودعاية مجانية من نجوم هوليوود وحتى من رؤساء دول حول العالم، وكردة فعل على الإقبال الكبير الذي حظيت به الخدمة، بدأت الشركة بتنويع سلّة أجهزتها الذكية، لتطرح هواتف محمولة بتصميمات وتسميات مختلفة.
قصة فشل بلاكبيري بدأت عندما راهنت الشركة رهاناً خاطئاً وركّزت جهودها على الشركات والحكومات، دون أن تولي أدنى اهتمام بالعميل المستهلك، والتركيز على متطلباته، ظناً من القائمين على الشركة، أن لا خوف على قطاع المستهلك، لأنه سينمو بشكل ثانوي، وهذا كان خطأها الأكبر.
في سنة 2007، سطع نجم العبقري ستيف جوبز بكشفه عن الإصدار الأول من هواتف آيفون الذكية، وقدم الهاتف حينها للمستخدمين تجربة مذهلة غير مسبوقة، بشاشة تعمل باللمس، وتقنيات تتوافر للمرة الأولى في هاتف محمول، ولم تستجب بلاكبيري حينها لهذا التحوّل، وأبدت ردَّ فعل بطيئاً جداً لا يلبي السوق المتسارع في نموه وتنافسيته، على الرغم من أنها كانت تمتلك مركزاً قيادياً في السوق حينها.
استمرت بلاكبيري باستراتيجيتها الخاطئة، بالتركيز على مزايا قطاع الشركات والأعمال في منتجاتها، دون البحث عن المزايا التي يرغب فيها المستهلك، إلى أن دخل لاعب جديد إلى مضمار المنافسة سنة 2008، قلب الموازين وغيّر قواعد اللعب، العملاق "غوغل" الذي أعلن عن إطلاق نظام التشغيل "أندرويد".
لغاية تلك اللحظة لم تشعر بلاكبيري بالخطر الكبير، وبلغت حصتها السوقية سنة 2009 نحو 20% من إجمالي السوق العالمية، واستمرت في تحقيق مبيعات وأرباح قياسية، حتى نهاية 2010، ولكن في منتصف سنة 2011، بدأ انحدار الشركة وانخفضت حصتها السوقية بشكل مفاجئ إلى 1.1% نهاية 2012، ويعزى ذلك إلى المزايا الكثيرة التي كانت توفرها هواتف "أندرويد" و"آبل"، آنذاك، فضلاً عن أن خبراء كل من غوغل وآبل خلقوا ما عرف باقتصاد البرمجيات الذي سمح بتوفير كم هائل من التطبيقات الذكية على هواتف كل من الشركتين. وفي تلك الفترة أيضاً، برز تطبيق المراسلة الفورية "واتساب"، ليحل مكان خدمة BBM التي عوّلت عليها بلاكبيري كثيراً بوصفها ميزةً تنافسيةً، ولكنها لم تعد تواكب تغيّرات السوق.
بعد أن أدركت بلاكبيري مصيرها الحتمي في قرب انهيارها، وابتعادها بشكل كبير عن إمكانية مجاراة المنافسين، أرادت الإبقاء على شيء يحفظ لها بعضاً من بريقها، وأتاحت في سنة 2013 خدمة BBM على هواتف آيفون، وتلك الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد، لكي لا تبقى الخدمة مقتصرة على هواتف بلاكبيري فقط، التي لم تعد في متناول سوى 1.5% من إجمالي مستخدمي الهواتف الذكية في العالم، ولكن لم تفلح بلاكبيري في ذلك، وكانت تلك اللحظة هي بداية النهاية الفعلية للشركة الكندية العريقة. ويقول الخبراء إن قصة الفشل لن تتوقف هنا، فمن المتوقع أن تبلغ حصة بلاكبيري السوقية 0.3% من سوق الهواتف الذكية بحلول عام 2018.
بلاك بيري..لماذا تلاشت بلاكبيري؟
1. تركيزها المفرط على تقنياتها الخاصة، دون الالتفات إلى رغبات المستهلك وتغيّرات سلوكه وتوقعاته.
2. ولادة اقتصاد البرمجيات (Application Economy): أدى ذلك إلى إزاحة الشركة عن مضمار المنافسة، ووضعها على هامش السوق وهامش اهتمام المستهلكين، فهواتف أندرويد وآبل باتت توفر الكثير من التطبيقات الذكية التي لم توفر بلاكبيري أياً منها.
3. ضعف استراتيجية التسويق: لم تبذل بلاكبيري أي جهد يذكر في الإعلان والتسويق لمنتجاتها الجديدة، على غرار ماتفعل شركات منافسة مثل آبل وسامسونغ وحتى نوكيا؛ وكان كل تركيزها على المزايا الخاصة التي تتمتع بها هواتفها، من نواحي الأمن والحماية ومزايا البريد الإلكتروني.
4. التمسّك بلوحة المفاتيح: ظن كثيرٌ أن إطلاق بلاكبيري لنظام التشغيل BB10، سيمثل طوق نجاة للشركة، ولكن الأخيرة أصرّت على التمسك بميزة هواتف ذكية بلوحة مفاتيح فعلية، الأمر الذي لم يعد يلائم المستخدمين، مع انتشار الهواتف الذكية ذات الشاشات اللمسية وبأسعار منافسة، علماً أن الشركة أطلقت حينها هاتفاً ذكياً بشاشة لمسية، إلا أنه كان دون مستوى التوقعات.
5. ضعف متجر التطبيقات: متجر تطبيقات بلاكبيري، كان من أكثر نقاط ضعف الشركة تأثيراً في مصيرها؛ فظهور نظام أندرويد المفتوح المصدر، أفسح في المجال لتطوير عدد هائل من التطبيقات الذكية الملائمة للشاشة اللمسية، والأمر ذاته ينطبق على هواتف آبل الذكية، ما أبعد بلاكبيري عن ركب المنافسين ووضعها على هامش السوق.
6. عدم وجود نظام متكامل من المنتجات: أحد أهم أسباب نجاح شركات مثل آبل و سامسونغ، هو امتلاكهم لنظام متكامل من المنتجات؛ بمعنى أنه إلى جانب هاتف آيفون الذكي نجد هناك تلفزيون آبل الذكي، وبذلك يحصل المستخدم على نظام متكامل من الأجهزة الذكية الترفيهية، والأمر ذاته ينطبق على سامسونغ وغوغل، بينما تفتقد بلاكبيري لمثل هذا الابتكار، فماذا تستطيع أن تفعل مع جهاز يمكنه إجراء الاتصال فقط ولا يقترن بجهاز آخر؟
نوكيا...كيف انهارت نوكيا ؟
شركة نوكيا الفنلندية الرائدة في صناعة الهواتف المحمولة، وهي أيضاً واحدة من أكبر قصص النجاح التكنولوجي في أوروبا، خسرت حصتها في السوق في غضون بضع سنوات، ولم تكن استثناءً من قانون خسارة القادة لمراكزهم القيادية.
قصة انهيار شركة نوكيا بدأت سنة 2012، أي بالتزامن مع سقوط بلاكبيري، عندما فقدت الشركة لأول مرة لقب أكبر شركة مصنعة للهواتف في العالم، وبدأت مبيعاتها بالانخفاض بشكل حاد، ما اضطر الشركة إلى إغلاق مصانع والتخلص ممّا يزيد على 40 ألف عامل، أي ما يعادل أكثر من ربع عمالتها، لتقليل النفقات، حيث تمتلك الشركة كمّاً هائلاً من العمالة ومصانع ذات قدرة إنتاجية أكبر من حاجة السوق لأجهزتها.
قد يكون من المؤسف بالنسبة لنوكيا، أنها امتلكت روح الابتكار، ولكن تبدو أنها لم تستغلها بالشكل المطلوب، ويشير أحد تقارير "وول ستريت جورنال" إلى أنه قبل 7 سنوات من إعلان ستيف جوبز عن أول هاتف آيفون، قام فريق نوكيا بالكشف عن تخيّل لهاتف ذي شاشة ملونة تعمل باللمس أسفلها يوجد زر واحد فقط!
ولم تكتف نوكيا بتقديم صور مستقبلية للهواتف الذكية، ولكنها سعت إلى تقديم تقنيات لأول مرة، مثل حسّاس الدوران الذي يقوم بتدوير الشاشة مع دوران الهاتف، وتقنيات أخرى تتعلق بكفاءة كاميرا الهاتف وجودة التصوير، ولكن ماعجزت عنه نوكيا هو تقديم الكثير من هذه التقنيات بالكفاءة المطلوبة.
هنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال، على الرغم من امتلاك نوكيا لهذا الفكر الإبداعي والتخطيط الاستراتيجي، لماذا انهارت، ووصلت حصتها في سوق الهواتف الذكية إلى أقل من 1% في بعض الدول؟
الواقع أن ما أدّى بـ"نوكيا" إلى هذا المصير، كان سلسلة من القرارات التي اتخذها ستيفن إيلوب في منصبه رئيساً تنفيذياً للشركة الذي شغله في أكتوبر/ تشرين الأول 2010.
فمع مرور كل يوم قضاه إيلوب على رأس شركة نوكيا، كانت القيمة السوقية للشركة تنخفض بنحو 23 مليون دولار، الأمر الذي يجعله، كما تؤكد الأرقام، واحداً من أسوأ الرؤساء التنفيذيين في التاريخ.
كان الخطأ الأكبر الذي ارتكبه إيلوب، اختيار نظام تشغيل ويندوز مايكروسوفت، بوصفه المنصة الوحيدة لهواتف نوكيا الذكية، في الوقت الذي كانت تلجأ فيه الكثير من الشركات المصنّعة إلى غوغل لتثبيت نظامها "أندرويد" على هواتفها الذكية.
يبدو أن إيلوب كان يستشعر بسقوط شركته، إذ شبّه نوكيا برجل يقف على منصّة حفر نفطية تحترق في البحر، ويواجه الموت حرقاً أو القفز إلى بحر هائج؛ وكان على حق في أن العمل كالمعتاد يعني الموت المحقق لنوكيا، ولكنه أخطأ عندما اختار مايكروسوفت طوقَ نجاة للشركة، ولكن بالتأكيد لم يكن ستيفن إيلوب الشخص الوحيد على خطأ، فقد قاوم مجلس إدارة شركة نوكيا التغيير، الأمر الذي جعل من المستحيل أن تتكيّف الشركة مع التحولات السريعة التي طرأت على الصناعة.
وعلى وجه خاص، كان غورما أوليلا الذي قاد تحول نوكيا من تكتل صناعي إلى عملاق في عالم التكنولوجيا، مغرماً بنجاح الشركة السابق في إدراك التغيير الذي كان مطلوباً لتمكينها من الحفاظ على قدرتها التنافسية.
كما شرعت الشركة في تنفيذ برنامج يائس لخفض التكاليف، الذي تضمّن إلغاء آلاف الوظائف.
وقد أسهم هذا التمشّي في تدهور ثقافة الشركة الحماسية النشطة التي حفزت موظفيها لخوض المجازفات وتحقيق المعجزات، فاضطر قادةٌ مَهَرة إلى ترك الشركة، آخذين معهم حسّ الرؤية والاتجاه الذي كانت تتمتع به شركة نوكيا، ولم يكن من المستغرب أن يترك الشركة أيضاً عددٌ من أصحاب المواهب في التصميم والبرمجة؛ بيد أن العائق الأكبر الذي حال دون تمكين نوكيا من خلق ذلك النوع من خبرة الهاتف الذكي البديهية السهلة التطبيق التي قدمتها أجهزة "آيفون" و"أندرويد"، كان رفضها لتجاوز الحلول التي دفعت نجاحاتها في الماضي.
على سبيل المثال زعمت نوكيا، في مستهلّ الأمر، أنها لا تستطيع أن تستخدم نظام تشغيل أندرويد، من دون ضمّ تطبيقات غوغل على هواتفها، ولكن قبل استحواذ مايكروسوفت على الشركة مباشرة، قامت نوكيا فعلياً ببناء خط إنتاج للهواتف التي تعمل بنظام أندرويد، وأطلقت عليه اسم "نوكيا إكس" الذي لم يشمل تطبيقات غوغل، لكنه استخدم بدلاً من ذلك خرائط نوكيا ومحرك مايكروسوفت للبحث.
هنا يمكن التساؤل: لماذا رفضت نوكيا اختيار أندرويد في وقت سابق؟ الإجابة هي: المال؛ فقد وعدت مايكروسوفت بدفع المليارات من الدولارات لنوكيا كي تستخدم هاتف الويندوز حصرا، ولأن غوغل توزع برنامج أندرويد مجاناً، فإنها لن تتمكن من مجاراة هذا العرض، ومع ذلك لا تستطيع أموال مايكروسوفت إنقاذ نوكيا، فمن غير الممكن بناء نظام بيئي صناعي بالمال وحده.
وكإجابة ثانية عن سبب تدهور نوكيا، هو أن تلك الأفكار الإبداعية توقفت عند مرحلة التخيّل ولم تحوّلها نوكيا إلى واقع عملي وفعلي، وشعرت بالاسترخاء، لكونها تقود صناعة الهواتف في العالم، فما الذي يستدعي التغيير وبذل مجهود كبير من أجله؟
وعلى غرار تجربة بلاكبيري، جاءت آبل وقلبت سوق الهواتف في العالم وانتبهت سامسونغ إلى هذا الأمر مبكراً، وأسرعت في تغيير هواتفها بشكل جذري، وبسرعة خسرت نوكيا ما يقارب من 90% من قيمتها وأصبحت شركة تمتلك فقط براءات اختراع تقدر قيمتها السوقية بـــ 6 مليارات دولار، علماً أن قيمة نوكيا السوقية 6.5 مليار دولار آنذاك.
حاولت نوكيا أن تلحق بالركب، وبدأت تغييراً جذرياً في أجهزتها، فأطلقت عائلة "لوميا" الشهيرة، بالتحالف مع شركة مايكروسوفت أملاً منها باللحاق بالسوق العالمي، وبدأت إعادة هيكلة كاملة للشركة، ولكنها لم تفلح بالإمساك بكرسيّها السابق، وحتى منتصف عام 2015، بلغ نصيب نوكيا من سوق الهواتف الذكية 2.6% فقط.
ومن الواضح أن انهيار نوكيا جاء بسيناريو مشابه تماماً لانهيار بلاكبيري، ففي عام 2007 كانت نوكيا تمثل أكثر من 40% من مبيعات الهواتف المحمولة في مختلف أنحاء العالم، ولكن تفضيلات المستهلكين كانت في طريقها بالفعل إلى التحول نحو الهواتف الذكية التي تعمل باللمس، فما أن جاء هاتف آيفون إلى المشهد، حتى تقلصت حصة نوكيا في السوق بسرعة، وتراجعت إيراداتها بشدة، وبحلول عام 2013 انتهى المطاف بنوكيا العريقة إلى بيع صناعة الهواتف لشركة مايكروسوفت، وفي عام 2014 أعلنت الشركتان عن إتمام الصفقة مقابل 9.4 مليار دولار.
السؤال الكبير؟؟؟؟هل ستسير آبل وسامسونغ على خطى بلاكبيري ونوكيا؟
يجب على الشركات الكبرى التي تتزعّم السوق حالياً، مثل آبل وسامسونغ وغوغل (المطوّرة لنظام أندرويد)، أن تأخذ العبر من تجربتي بلاكبيري ونوكيا، وألا تركن إلى الاسترخاء، فكما حدث مع نوكيا في صناعة الهواتف المحمولة - ناهيك بمصير مايكروسوفت وشركة آي بي إم في صناعة أجهزة الحاسوب - سوف تفقد هذه الشركات مركزها القيادي، مع الإقرار بوجود خطوات يمكنها أن تتخذها لإطالة أمد نجاحها، إذ يتعيّن أولاً على هذه الشركات أن تستمرّ في الإبداع والابتكار، من أجل تحسين فرص ظهور تكنولوجيات فائقة التطور من داخلها، وإذا نفّذ رواد السوق نظاماً لاكتشاف ورعاية الأفكار الجديدة، فسوف يكون بوسعهم البقاء على قمة صناعاتهم المتطورة.
كما يتعيّن على الشركات الكبرى، أن تحتفظ بسجل تتبّع للمبدعين الناشئين، وبدلاً من تشكيل شراكات مع شركات أصغر حجماً تناسب نماذج أعمالها الحالية، ينبغي على الشركات الكبرى، أن تعمل مع الشركات البادئة المبدعة التي تحمل إمكانات خارقة مخلة بالنظام القائم.
ورغم أن الشركات الناجحة لا بدّ أن تبدع على نحو مستمر، فعليها ألّا تخاف من التقليد؛ فلو بدأت نوكيا على الفور بتطوير منتجاتها على غرار آيفون، مع معالجة القضايا المرتبطة ببراءات الاختراع بشكل فعّال، فإن صناعة الأجهزة المحمولة كانت تبدو مختلفة للغاية اليوم، وتحمل تجربة نوكيا أيضاً درساً مهماً للقائمين على التنظيم، وخاصة في الاتحاد الأوروبي.
إن محاولة إخماد التكنولوجيات المخلة بالنظام القائم وحماية الشركات من خلال حملات مكافحة الاحتكار على سبيل المثال ليست بالخيار الوارد.
والواقع أن هذا النهج من شأنه أن يلحق الضرر بالمستهلك في نهاية المطاف، سواء من خلال إعاقة التقدم التكنولوجي أو القضاء على منافسة الأسعار، كتلك المنافسة من أجهزة سامسونغ التي تعمل بنظام أندرويد، ما أرغم آبل على خفض أسعار أجهزة الآيفون.
هنا يكمن الدرس الأكثر أهمية، المستفاد من سقوط نوكيا، فشركات التكنولوجيا لا يمكنها تحقيق النجاح ببساطة، من خلال إرضاء مجالس إداراتها أو حتى عقد صفقات بملايين الدولارات مع الشركاء.
إن الشركة القادرة على إسعاد المستهلك - سواء كانت راسخة متعددة الجنسيات، أو ديناميكية بادئة - سيكون الفوز من نصيبها، أما الشركات التي تغفل عن هذه الحقيقة، فمصيرها أن تفشل في النهاية.
وفي الختام، لا بدّ من الإشارة إلى أن غياب بعض اللاعبين عن ساحة المنافسة، في سوق صناعة التكنولوجيا يوازيه بالمقابل دخول لاعبين آخرين يسطع نجمهم يوماً بعد آخر؛ "هواوي" الصينية خير مثال على ذلك، فمنذ دخولها للمنافسة تسير الشركة بخطى واثقة نحو مجاراة كبار المنافسين، وأضحت من أقوى المنافسين الآن لعملاقي السوق آبل وسامسونغ.
وتشير بيانات هواوي في أواخر 2015، إلى صعود مبيعاتها من الهواتف الذكية، لتصل إلى 27.4 مليون جهاز، مرتفعة بذلك بنسبة 63% على أساس سنوي، وبذلك تكون مبيعات الشركة الصينية قد بلغت ذلك العام 100 مليون هاتف ذكي، بمعدل نموّ بلغ 33%، مقارنة بعام 2014، لتكون قد تجاوزت مبيعات آبل ولينوفو و"شيومي".
كما ضاعفت "هواوي" عائداتها من مبيعات الهواتف الذكية في الصين في النصف الأول من 2015، لتتحدى تباطؤ النموّ الذي أصاب منافستَيْها "سامسونغ" و"شيومي" في أكبر سوق للهواتف الذكية. وبالرغم من كل هذا النجاح الذي تحققه "هواوي"، فإنها بحاجة إلى دخول السوق الأمريكية أيضا، وإثبات نفسها فيه، حتى تكون منافساً قوياً لـ "سامسونغ" و"أبل" في العالم.