حمدة العنزي : الرجل في حياتي هو الأمان والحنان والقوة
جدة - أفراح الطيار:
تتحفظ على مقولة "خلف كل رجل عظيم امرأة" شكلاً، وتوافقها في المضمون. والصياغة الحقيقية في رأيها ينبغي أن تكون "إلى جوار كل رجل عظيم امرأة". في مسيرتها تؤكد أن كل فترة من حياتها كان هناك رجل له أثر فيها.
إنها الدكتورة حمدة العنزي رئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية والشباب في مجلس الشورى السعودي، التي اختيرت قبل أيام في هذا المنصب، مترئسة عدداً من الرجال في لجنتها. في طفولتها كانت ترى في سعادة في قدوم أبيها، وتنتظره؛ أما حمدة الشابة، فإنها رأت في أخيها الأكبر الشاب المتفتح المتحدث اللبق والحنون والقوي معاً، فكان يشجعها ويشدّ من أزرها. أما حمدة الأم والزوجة فتدين بالفضل لزوجها في دعمها ومساندتها في خطواتها العلمية والعملية.
حمدة من مواليد الرياض؛ في صغرها كان يناديها والدها بالدكتورة، وقد كانت رغبة والدها حافزاً قوياً على صقل شخصيتها، فأبت إلا أن تحقق هذه الرغبة، فاستمرت في تفوقها الدراسي وحصلت على بكالوريوس اللغة العربية من كلية التربية للبنات في الأحساء بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ثم حصلت على ماجستير الدراسات الادبية من كلية الآداب في الدمام، لتثبت للمجتمع السعودي أن المرأة السعودية قادرة على العطاء والتحدي. توّجت نجاحاتها بقرار خادم الحرمين الشريفين، لتصبح عضوة في مجلس الشورى، ولتكون فخراً لبنات وطنها. ولم يمنعها ذلك من أداء دورها الطبيعي في الحياة، زوجة وأماً وابنة بارة بوالديها.مع الدكتورة حمدة كان هذا اللقاء:
* حدّثينا عن طفولة الدكتورة حمدة.
طفولتي كانت مختلفة قليلاً، فقد كانت نافذتي الأولى على الوطن، إذ قضيتها متنقلة بين مدن الوطن نظراً لطبيعة عمل والدي، فقد تنقلنا بين الدمام، والهفوف، وحفر الباطن، وكان لهذا التنقل دور في صنع شخصيتي، طفلةً قادرةً على إدراك الفوارق التي تراها بين المدن، فكنت أسأل وأستفسر. وكان لهذا دور في تعويض خسارتي المتتالية لصديقات طفولة مؤقتات، بأصدقاء دائمين وجدتهم في القصص والمجلات، ما وجهني مبكرا للاطلاع والقراءة والغوص في عالم الكتب. وأستطيع القول إن طفولتي شابها كثير من الجدية وقليل من المرح.
* ما الذكريات الباقية في ذاكرتك من أيام الطفولة؟
- لعل مشاهد الحزن هي الأكثر رسوخاً في ذاكرتي؛ فما زلت أذكر بكاء والدتي بحرقة علي رحيل الملك فهد، كما أذكر بكاءها بعد ذلك بشدة على أخي الراحل. كما أن مشاهد الفرح لها حظها في الذاكرة، فما زلت أذكر سعادتنا ببائعات "الآيس كريم"، وهن ينتظرن خروجنا من المدرسة، ومشاهد احتفالات المدرسة البسيطة الجميلة.
* والمسيرة العملية ؟
تخرجت في جامعة الملك فيصل في قسم اللغة العربية، ثم تدرّجت وظيفياً من معيدة الى أستاذة مساعدة، ثم حصلت على الماجستير والدكتوراه في الأدب العربي القديم، من فرع الجامعة في الدمام، وأصبحت رئيسة قسم اللغه العربية، فوكيلة لكلية الآداب، ثم انتقلت الى مجلس الشورى.
* كيف تلقيتِ خبر تعيينك في مجلس الشورى؟ ومن أول المهنّئين؟
تلقيت الخبر صبيحة يوم جمعة، باتصال من رئيس الديوان الملكي في عهد الملك عبد الله رحمه الله، الذي بلغني بتشريفي باختياري لعضوية المجلس. وزوجي كان أول المهنّئين.
* قبل أيام تم تعيينك رئيسه للجنة الشؤون الاجتماعية والشباب، كيف تم الاختيار؟
اختياري كان من أعضاء اللجنة والزملاء والزميلات بالترشيح، وقد أسعدتني ثقتهم وحسن ظنهم، وأسأل الله التوفيق.
* حظيتِ بمسمّى عضوة مجلس الشورى، مادلادت القرار؟
له دلالة عامة وأخرى خاصة، العامة هي ثقة وليّ الأمر بالمرأة السعودية وبقدراتها وطاقتها وعملها، وأنها أصبحت تحتل مكانها الحقيقي الذي تأخرت عنه فترة من الزمن. أما الخاصة فهي في أنها تقدير شخصي وعملي، وثقة بما أحمل من فكر وعلم.
* ماذا عن دوركن أنت عضوات شورى اليوم، في عهد الملك سلمان حفظه الله؟
- لم يختلف مطلقاً عنه في عهد الملك عبد الله، رحمه الله، فما زلت أقدم المنوط بي من مسؤولية وطنية عظيمة في مسيرة وطننا تحت ظل مليكنا الحازم خادم الحرمين الشريفين، سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله.
*هل وجود المرأة في مجلس الشورى السعودي صوري؟
- بالطبع لا؛ كيف يكون وجود 30 سيدة قيادية وأكاديمية وعالمة ومفكرة صورياً؟ أعتقد أن متابعة دقيقة لجلسات المجلس وقراراته وإنجازاته وأنشطته، خلال هذه الدورة، تكشف بدقه عن منجزات المرأة ودورها القوي الفعّال والمميّز.
* كيف ينظر المجلس لمداخلات العضوات؟
- المجلس لا يميّز بين اعضائه، رجالاً أو نساء، وفي كل أعماله، سواء المداخلات أو أعمال اللجان أو النشاطات البرلمانية، فالجميع سواسية.
* ماذا عن الرجل في حياة حمدة العنزي؟
- الرجل في حياتي هو الاب، والأخ، والزوج، والابن؛ الرجل يمثل الأمان والحنان والقوة عند كل النساء، وأنا واحدة منهن.
* من الرجل الذي كان له بالغ الأثر في مسيرة حياتك؟
- في كل مرحلة من حياتي كان هناك رجل له أثر فيها، فحمدة الطفلة كانت تراه في الأب المحب وتنتظر قدومه، أما حمدة الشابه فرأته في أخيها الكبير ذاك الشاب المتفتح المتحدث اللبق والحنون والقوي معاً، فكان يشجعها ويشدّ من ازرها. أما حمدة الزوجة والأم، فتدين بالفضل لزوجها في دعمها ومساندتها في خطواتها العلمية والعملية.
* من هو الرجل المثالي في رأيك؟
- هو الرجل الحكيم {من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً }.
* هل تؤمنين بمقولة "خلف كل رجل عظيم امرأة"؟
- أتحفظ على صياغة المقولة، أما المضمون فأوافقه تماماً والصياغة التي أراها ينبغي أن تكون "إلى جوار كل رجل عظيم امرأة". إذ ينبغي ألّا نغفل دور المقومات الاساسية في الشخصية كالقدرة والموهبة والذكاء والاجتهاد، في صنع رجل وامرأة عظيمين.
* وماذا عن الأبناء ؟
- لدي ولله الحمد أربع بنات وخلفهن ولد. أعيش معهم ما أسمّيه صراع الأجيال، ابنتاي الكبريان في آخر مرحلة من الثانوية، والصغيرتان في الصفوف الاولية، ولك أن تتصوري كيف أستطيع أن أوفق بين رغبات جيلين، يشغلني كثيراً الآن المستقبل التعليمي لهن، و هن اهتمامي الأول.
* هل راودك الفشل يوماً ؟
- لا أستخدم كلمة فشل في أحاديثي، وأراها لفظة محبطة ومعيقة، ولم انظر لأي عائق وقف في طريقي يوماً على انه فشل، بل كنت اراه صعوبة ومشكلة، تحتاج إلى حل أو تغيير مسار، وهذا ما أعدّه سر نجاحي، وأحاول دوماً أن أعزز هذا في بناتي.
* ما الذي تطمحين إليه ؟
- طموحي عام يخصّ بنات جنسي كلهن، فأنا أطمح إلى أن أري المرأة السعودية، واقفة إزاء الرجل، وحصلت على حقوقها الكاملة التي كفلتها لها الشريعة والدين، وحرمها منها المجتمع، بالفقه القاصر والضيّق وتفسيراته غير الصحيحة للنصوص، وبالإرث الكبير من العادات والتقاليد التي قيّدتها كثيراً.
* كيف تقضين يومك؟
- نهاراً بين مكتبي في مجلس الشورى ومنزلي وسط أبنائي، ولأمي وأبي حقهما اليومي عليّ من الزيارة والاطمئنان. ومساءً، اتفرغ لملفاتي وأوراقي. ولا انسى أن أعطي لنفسي حقها من الزيارات الاجتماعية التي تبقيني على صلة بمشكلات المجتمع وهمومه.
* كيف ترين الدعم الذي حصلت عليه المرأة السعودية في عهد الملك سلمان؟
- بدأنا نرى تحولاً إيجابياً في كثير من قضايا المرأة ومشكلاتها بدعم حقيقي وشجاع وحازم من ولاة الأمر وعلى رأسهم سيّدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حفظه الله، ورأينا تحركاً لدعمها في ملفات كثيرة في الصحة، والتعليم، والإسكان، والعدل، والأحوال الشخصية وغيرها.
* كيف ترين نظرة المجتمع بعد تعيينك في المجلس وخاصة أنك تأتين من خلفية قبلية ربما يرفض أبناؤها عمل المرأة؟
- المجتمع بأكمله يتغيّر، فلم يعد هو ذلك المجتمع الذي كان يرفض عمل المرأة قبل 50 عاماً، بل كان يرفض حتى الإفصاح باسمها، ومجتمعي القبلي جزء من النسيج المجتمعي العام، وأصابه التغيير مثل غيره. وبالنسبة لي لم أجد من مجتمعي القبلي ( قبيلة عنزة ) إلا كل تأييد وتشجيع وثناء وفخر بابنتهم، بل تراني كثير من شاباتنا قدوة لهن للعمل من أجل المستقبل، ومن الطريف أنني رأيت الكثير من شابات القبيلة وبناتها ممّن يحملن الاسم نفسه، وهو منتشر في قبيلتي، وأخبرنني أنهن كنّ يرين أسماءهن ثقيلة وبدوية، ولا ينطقن بها إلا على استحياء، ولكن بعد تعييني في الشوري أصبحت الواحدة منهن تنطقه بفخر.
* هل من وصية أوصاك بها الوالد وبقيت راسخه في نفسك؟
- الوالد حفظه الله وأمدّه بالصحة والعافية، كان دائماً سنداً لي منذ طفولتي، وكان يناديني بـ"الدكتورة"، ما رسّخ في داخلي رغبة أكيدة في أن أكون كما أراد. أما الوصية فقد جاءت من الوالدة يحفظها الله، اذ قالت لي جملة لا أنساها وأتمثلها في معاملاتي كل يوم، وهي"اسمعي أكثر ممّا تتحدثين، ولا تردّي الإساءة بمثلها". وقد كان.
* كيف كان موقف زوجك بعد تعيينك عضوة في المجالس ؟
- زوجي رجل مثقف ومستنير الفكر، عرفته هكذا قبل "الشورى"، وبقي هو نفسه بعدها. يفتخر بي دوماً ويدعمني ويساندني.
* قضية المرأة غالباً ما يرافقها ضجيج كبير، وهذا ما يضرّ بها في الجانب الآخر، ما السبب في رأيك؟
- الضجيج، للأسف، هو محاولة لصرفها عن طلب حقوقها وتشتيتها وإضعافها، ولكن المرأة المستنيرة القوية الواعية لا يهمها الضجيج من حولها وتسير للإمام بخطى ثابتة.
* هل تعتقدين ان هناك من يحاول تسييس قضايا المرأة ؟
- أعتقد أن أي تسييس لقضايا المرأة السعودية، هو أغلبه محاولات خارجية لضرب اللحمة الوطنية التي من واجبنا جميعاً الحفاظ عليها. والمرأة الواعية تعرف مالها وما عليها، ونعبّر عن مطالبها من خلال منابرنا المحلية المفتوحة، وتقبل كل الآراء دون استثناء. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي قد فتحت باباً واسعاً للجميع رجالاً ونساءً ليمروا من خلالها ويعبّروا عن تطلعاتهم ومشكلاهم. نحن نعرف أن لنا الكثير من المطالب الخاصة، لكن يجب أن نصل إلى ولاة الأمر دون الاستعانة الدولية أو الاملاءات الخارجية.
* كيف ترين المرأة السعودية بين الأمس واليوم؟
المرأة السعودية اليوم ليست امرأة الأمس. نحن اليوم أمام امرأة مثقفة واعية متطلعة تعي حقوقها وواجباتها. بدأت تسجيل اسمها في الداخل والخارج، صانعة لبلادها تاريخاً مشرّفاً، وما زال الطريق أمامها طويلاً، كي تسجل مزيداً من الانجازات.
* نرى بعض النساء يعارضن منح المرأة حقوقها، فهل هي عدوة لنفسها؟
- هي ليست عدوة لنفسها بالمعني الحرفي للعبارة، ولكن ببساطة عدوة للفكر الطبيعي الذي ولدت به. فهي تشكلت فكرياً بإرادة غيرها، فأصبحت مقتنعة أن ما ينبغي أن تطالب به ليس من حقها، فلا تعارض من مبدأ العداوة، بل من منطلق قناعات فكرية غير صحيحة، وللأسف هذه النماذج تمتلئ بها مجتمعاتنا النسائية. وقد ساعد على ذلك الخطاب الفكري الايديولجي الذي ساد لفترة طويلة في مجتمعنا، وكان من أهم مبادئ هذا الخطاب تكريس دونية المرأة.
* تم اختيارك رئيسة للجنة الشؤون الاجتماعية، هل نراك يوماً ما وزيرة الشؤون الاجتماعية ؟
- أي مكان فيه خدمة لوطني لن أتردد لحظة في قبوله.
* في اللجنه الجديدة تترأسين عدداً من أعضاء الشورى، كيف ترين تجاوبهم مع ذلك؟
- زملائي في اللجنه لم أجد منهم سوى التقدير والتعاون؛ إنهم على مستوي عالٍ من الفكر والعلم والثقافة والمهنية، لذا تجاوزوا مسألة أن ترأسهم امرأة أو يرأسهم رجل. الهدف لدينا هو أن يسير العمل ويحقق أهدافه في خدمه الوطن. والحقيقه أن مجلس الشورى بأكمله ينظر الى كفاءة العضو وعمله ونشاطه، دون اعتبارات أخري، لذا قبلت ترشيح زملائي وثقتهم بي.
* ما الذي يضايق عضوات الشورى داخل المجلس؟
- المرأة الشورية يضايقها ما يضايق زميلها الرجل من الأمور المهنية البحتة العامة، فيما يخصّ التقارير، مثلاً عدم مشموليتها أو شفافيتها، والتأخير لبعض الانظمة التشريعية المهمة أو الانتصار الفكري لموضوع على آخر دون تغليب المصلحة العامة، أو القصور الإعلامي في توضيح دور الشورى والدفاع عن بعض اعضائه في حال تعرضهم لهجوم. أما حقوقها المهنية فهي تتساوي تماماً مع زميلها الرجل.
* هل تمنح العضوة الحرية الكاملة لطرح ما تراه؟
- نعم في المجلس نطرح آراءنا كاملة وبحرية دون قيود أو منع.
* يفتتح خادم الحرمين الشريفين أعمال السنة الجديدة للمجلس، ماذا يمثل خطاب الملك للعضوات؟
- خطاب الملك بالنسبة لنا جميعاً هو أولاً شرف متجدد بمقابلة والدنا وقائدنا خادم الحرمين الشريفين، والسلام عليه والاستماع له، وهو خارطة طريق لسنة شورية جديدة نستنير به، ويسير المجلس بأكمله علي الارشادات والتعليمات التي تضمّنها.
* ما الذي يمكن أن تضيفه حمدة العنزي في منصبها الجديد؟
- اناجزء من لجنة من أهم لجان مجلس الشورى وهي اللجنة الاجتماعية، وأي اضافة اضيفها من خلال رئاستي للجنة لن تكون مستقلة، بل ستكون بجهد مشترك مع الزملاء والزميلات، وإدارة أعمال اللجنة، فنحن نتابع تقارير وزارة الشؤون الاجتماعية ورعاية الشباب وما يتصل بها في عمل جماعي متكامل، نأمل بأن يعود بالنفع على الوطن والمواطن.
* هل كنت تتوقعين ان تكوني في هذا المنصب؟
- لم أتوقع ذلك على الإطلاق، وأذكر أنه حين أعلن الملك عبد الله، رحمه الله، نيته إشراك المرأة في الشورى، كنت في العاصمة الاردنية عمان وأبهجني الخبر وقتها، لكن لم أكن أتوقع أن أكون ضمن طلائع نساء الشورى.
* هل انصف الإعلام عضوات مجلس الشورى؟
- ليس بالقدر الكافي والمقابل لإنجازهن الحقيقي، فإنجازاتهن كثيرة ومتنوعة علي كل الصّعُد، وفي كل تقارير الحكومة تقريباً، بالرغم من ذلك لم يأخذن حقهنّ إعلامياً حتى يعرفهن الجميع.