تلك النظرية التي تعرف باسم الاحتراق البشري الذاتي، لقد حيرت العلماء؛ وذلك لعدم قدرتهم على تفسير الحالات التي تتحدى الواقع.
وتحيط بتلك النظرية تفاسير مخيفة جدا تعيد ما حدث إلى المجهول، ولم يُفك طلاسمها بعد بشكل كامل، إنّما وضعت بعض النظريات التي تفسّر آلية حدوث ذلك الاحتراق وأسبابه.
وقد أضاءت على ظاهرة الاحتراق الذاتي الكثير من المجلات المتخصّصة، كما تناولته قناة "ناشيونال جيوغرافي" بشكل مفصل في أحد برامجها، جاءت بعض التعليلات لهذه الظاهرة الغريبة والمفزعة على النحو الذي سنفصله في السطور الآتية.
تعريف الاحتراق الذاتي
الاحتراق الذاتي يشير إلى وفاء الشخص مشتعلا بالنار دون مصدرا خارجيا واضحا لهذا اللاشتعال، ويعتقد أن نشأة النار تكون من داخل جسم الضحية.
هذا المصطلح "الاحتراق الذاتي" عُرض لأول مرة عام 1746 من قبل بول ROLLI في مقال نشر في المعاملات الفلسفية في المجلة الطبية البريطانية.
تعود أوصاف الاحتراق الذاتي إلى القرن السابع عشر، مع تسجيل عدد كبير من الحالات في القرن التاسع عشر وحفنة في القرنين العشرين والحادي والعشرين.
وكتب لاري أرنولد في كتابه عام 1995!، أنه كان هناك حوالي 200 تقرير مسجل للاحتراق البشري الذاتي في جميع أنحاء العالم على مدى فترة حوالي 300 سنة.
هو لغز لا يزال يحيّر العلماء، إذ قال السير آرثر سي كلارك المخترع والروائي البريطاني الذي توفي عام 2008: "هناك لغز واحد أسأل عن أكثر من أي شيء آخر وهو الاحتراق الذاتي الذي يبدو في بعض الحالات تحدياً للواقع، وتفسيره غير منطقي ويترك شعوراً مخيفاً وغير منطقي".
أسباب الاحتراق الذاتي: فرضيات ونظريات
• النظرية الأولى: منذ قرنين من الزمن فسر الاحتراق الذاتي بكثرة تناول الخمور التي تحتوي على نسبة عالية من الكحول القابلة للاشتعال، ليصبح الجسم مثل محرك محقون بتلك المواد وبمجرد حدوث شرارة ما يشتعل الجسم من الداخل ليتفحم، لكن هذه النظرية نفيت بعد تجارب عدة على بعض الحيوانات.
• النظرية الثانية: ربط فيها بعض العلماء الاحتراق الذاتي بوجود نسبة دهون عالية لدى البعض، مما يؤدي الى الاشتعال التام، لكن وجود بعض الأشخاص النحيلين فند النظرية تماماً.
• النظرية الثالثة: ربط البعض بين كهرباء الجسم الساكنة وحدوث نوع من توليد طاقة داخلية كبيرة نتيجة خلل ما وهو ما يؤدي إلى الاحتراق الذاتي.
• النظرية الرابعة: جاء تفسير حلل أن مجموعة من المواد وتفاعلات كيميائية التي تدخل في بعض الغذاء، تشجّع على حدوث الاحتراق الذاتي.
وكما قلنا فجميع تلك النظريات غير مثبتة ولم يُتأكد منها، وإذا أردنا أن نخوض أكثر في شرح آلية حدوث الاحتراق الداخلي، يجب أن نعلم أنه لا يرتبط بأي طريقة بالعوامل الخارجية أو مؤثر حراري خارجي، فالاشتعال يبدأ من الداخل أي من جسم الإنسان ويتصاعد حتى يجهز على الضحية.
وفي بعض الأحيان لا يحترق الجسم كاملا بل مناطق معينة، لكنها تتفحّم كليا بسبب حرارة تبلغ بعض الأحيان 3000 درجة مئوية، لكن كيف أتت النار وما مصدرها.
حالات من الاحتراق الذاتي
حدثت الكثير من حالات الاحتراق الذاتي عبر التاريخ وهذه الحالات لا تصيب الأشخاص في حالات السكون أو الكمون فقط، إنّما قد تصيب بعض الأشخاص في حالات الحركة، اي وهم يؤدون أنشطتهم اليومية، كما أنها تصيب الأطفال، إذ حدث في مستشفى في المملكة المتحدة أن احترقت طفلة بشكل كامل، وفي ما يلي بعض الحالات:
• من أقدم الحالات احتراق فرنسيّ مدمن للكحول رمى نفسه على فراشه وغط في النوم، ليتحول بعد دقائق إلى رماد بعد أن تفحّم تماماً، وهناك علماء كانوا ضمن شهود لحوادث احتراق أدت الى تفحّم ساق امرأة خلال ثوان معدودة.
• من الحوادث الأخرى التي وثقت ما حدث في عام 1938، في مقاطعة إنجليزية وأمام حشد من الناس، حيث احترقت فيليس نيوكومب بالكامل خلال دقائق ولم يستطع أحد أن ينقذها، حيث قال الشرطي الذي حقق في موتها إنه لم يسبق له أن عاين مثل تلك الحادثة فالنار قد التهمتها من الداخل بشكل كامل.
• قال الباحث إيفان ساندرسون مؤسس جمعية تقصّي المجهول في تقرير إن سيدة تدعى ماري كاربنتر اشتعلت فيها النار اثناء قيامها بنزهة، ولم يستطع أولادها وزوجها إطفاء النار حتى بواسطة مياه البحر.
• يشير موقع "ما وراء الطبيعة" إلى أنه على مدى 300 سنة تم تسجيل أكثر من 200 تقرير عن أشخاص يحترقون ذاتياً دون سبب معروف، وقد سجلت أول حالة عام 1637 ، عندما نشر الفرنسي يوناس دوبونت كتابه الذي يتضمّن مجموعة من الحالات والدراسات عن هذه الظاهرة، بعد تسجيل وقائع حادثة نيكول ميليت، حيث إنه اتهم الزوج بارتكاب جريمة قتل فيها زوجته، في حين أقنعت المحكمة أن الزوجة قتلت بفعل الاحتراق الذاتي، وتم العثور على رماد الزوجة على سريرها وهي من الباريسيات المفرطات في شرب الكحول، ولم يبق في جسدها سوى الجمجمة، والغريب أن ملاءة السرير لم تحترق إلا بشكل ضئيل، وكتاب يوناس أخرج هذه الظاهرة من الموروث الشعبي والإشاعات.
• في حالات أخرى وجدت غريس بيت المدمنة على شرب الكحول والبالغة من العمر 60 عاماً التي تسكن في مدينة أيبسويتش إنكلترا، ملقية على الأرض، كانت ابنتها أول من شاهدها وكان جسدها قد تحول إلى رماد عود محترق من الخشب، دون وجود لهب ظاهر على ملابسها الموجودة بقربها على الإطلاق.
• في عام 1951 أثارت حالة ماري ريسير اهتمام الناس مجدداً بتلك الظاهرة، حيث عُثر على ماري ريسير في شقتها صباحاً، بتاريخ 2 يوليو 1951، بشكل كومة من الرماد، عدا جمجمتها وكامل قدمها اليسرى، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت تلك الحادثة المرجع الأساسي لأي كتاب يتحدث ظاهرة الاشتعال الذاتي.
• في 18 مايو 1958، عُثر على الجسد المتحلل لآنّا مارتين البالغة من العمر 68 عاماً من غرب فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا، حيث لم يتبق سوى حذائها وجزء من جذعها، وتقرير الطب الشرعي تحدث عن حرارة تراوح بين 1700 و 2000 درجة مئوية.
• في 5 ديسمبر 1966، وجد رماد الدكتور ج. ايرفينغ بنتلي البالغ من العمر 92 عاماً ملقياً على أرض الحمام ومتفحماً بنسبة الثلثين، ووجدت ساقه منفصلة عن بقية جسده، فيما لم يتأثر دهان الحمّام.
• ربما تكون حالة ماري هاردي البالغة من العمر 67 عاماً الأكثر شهرة، وحدث ذلك في ولاية فلوريدا واشتعل جسدها فيما كانت تجلس على الكرسي في 1 يوليو 1951، في الصباح التالي لاحظت جارتها التي تسكن بجوار منزلها مقبض الباب الخارجي شديد السخونة، ثم انطلقت لطلب المساعدة ورجعت لتجد السيدة أو ما تبقى منها بشكل دائرة مفحمة يبلغ قطرها أربع أقدام، كان كل ما تبقى من جسم تلك المرأة التي تزن 79 كغ وكرسيّها وبطانة الكرسيّ من النوابض المسودة وجزء من عظام ظهرها وبقايا جمجمتها التي تبلغ حجم كرة بيسبول و 5 كلغ من الرماد المحترق.
في الختام
يبقى المجال مفتوحاً أمام مزيد من الدراسات، وربّما يكون أكثر من استفاد من هذا الموضوع كتّاب الخيال العلمي الذين ضجّت قصصهم بمثل هذه الأحداث.
وتبقى ظاهرة الاحتراق الذاتي مثيرة للجدل، إذ أن معظم العلماء يميلون الى إخفائها نظراً لعدم القدرة على تحديد التفسير العلمي الدقيق، ومع أن البعض قد فسّر الأمر بموجة من اصطدام الذرات نتيجة خلل ما، كما يحدث في التفاعل النووي.
المصادر: