رجل الأعمال السعودي علوي تونسي: لا استحي من اي عمل شريف
مكة المكرمة - علي المقبلي :
تصوير أحمد حشاد
من أهل مكة ومن اشهر رجال الاعمال في المملكة وعضو في جمعية الأمير ماجد بن عبد العزيز الخيرية، تحمل المسؤولية وهو صغير، بعد وفاة والده، ليعول عائلته المكونة من 11 شخصاً. بدأ حياة المال والاعمال في دكان والده، حيث كان يتلمس الخطوات الاولى وفي ذات المكان جاءته الفرصة لتغيير وجهته من العطور الى التوريد، ثم ما لبث ان اتجه الى المقاولات قبل ان ينطلق في عدد من المجالات. فلسفته "لا تستحي من أي عمل ما دام شريفاً"، ويقول في هذا الشأن : انا لا استحي من أي عمل فكل شيء مشروع وشريف تجدني فيه، فعلى كورنيش جدة تجد عربة البليلة والسندويتشات مكتوباً عليها اسم مؤسستي.
"الرجل" التقت السيد علوي أسعد تونسي، أحد اشهر رجال الأعمال في المملكة الذي ترك الدراسة وهو في الصف الثاني الثانوي، ليحمل لواء المسؤولية بعد وفاة والده، إلا انه عوض ما كان يتمناه من تحصيله العلمي في ابنه الذي تخرج بتفوق، حتى بات مطلباً للمؤسسات الامريكية.
التونسي دعا الشباب الى الدخول في المشاريع الصغيرة ومتابعتها بأنفسهم، مؤكداً انهم سينجحون في نهاية الطريق، كما ابدى بتشرفه واعتزازه ببناء اول مبنى لكسوة الكعبة المشرفة، وتحدث عن تجربته التجارية وكيف بدأت تجارته في مجال المقالات، وجنى الارباح من مشروع الجبال الذي استعان فيه بشراء الحميرلتحمل الرمل إلى قمة الجبل وهنا تفاصيل الحوار:
- علوي تونسي أحد أبرز رجال المال في السعودية وبالأخص في مكة المكرمة حدثنا عن خطواتك الأولى في دنيا التجارة والأعمال؟
كان والدي تاجراً في مجال العطور، حيث يستوردها من الهند ومن شرق آسيا، وكنت اجلس معه في الدكان خلال اوقات الفراغ، واساعده في ترتيب المحل وعمل بعض الخلطات، وخلال وجودي كنت اراقب كيف يستطيع التفريق بين الانواع الاصلية والمقلدة، خاصة أن مهنة العطور فيها مجال كبير للغش ويتطلب الامر خبرة.
- كيف كانت نقطة التحول في حياتك التجارية ؟
- خلال فترة جلوسي مع والدي في الدكان، التقيت الشيخ عبدالله بن مليح، وهو من منسوبي الاوقاف في ذلك الوقت، ووجد لدينا في الدكان حنابل (فرشات للمساجد)، وطلب مني توريد مجموعة من لوازم المساجد منها الفرش والأباريق ومغارف وأغطية الشراب، وفعلاً قمت بتأمينها في وقت سريع، وحصلت قرابة 300 ريال في هذه العملية، وكان مردوداً مرضياً كثيراً بالنسبة لي، وبعدها تمّ تكليفي بتأمين مستلزمات اخرى بمبلغ أكبر، وكانت عملية التوريد باستقلالية تامة عن الوالد، وكانت نقطة تحول حقيقية في تغيير اتجاه عملي، حيث بدأت بعدها في المقاولات التي وجدت نفسي فيها.
- من التوريد إلى المقاولات، حدثنا عن قصة هذا التحول ؟
- كان عمي جميل تونسي، رحمه الله، مقاولاً، وفي أحد الأيام سافر وطلب مني اخذ مكانه في الاشراف على مشروعين له، وبعد عودته من السفر وجدني قد أنجزت العمل بالشكل المطلوب وفوق ما كان يتوقع، وأعجبني العمل في مجال المقاولات لأنّني أحببته كثيراً، وعلى الفور طلب مني العمل معه شريكاً ولم أوافق، وفضلت ان اعمل لحسابي، وفعلاً تحولت بعدها من مورّد إلى مقاول، وفتحت سجل مقاولات في عام 1378هـ، وكانت هذه بدايتي الحقيقة في دنيا المال والاعمال.
الحمير وأول مشروع
- كانت أمانة العاصمة تعمل درجاً في الجبال، وكانت كلفة المشروع الإجمالية تقدر بين 2000 إلى 3 آلاف ريال للدرجة الواحدة، وكان مكسبها من 200 إلى 300 ريال، وبدأت بثلاثة آلاف وأربعة آلاف، ولم يكن لي منافس في هذه المشاريع، وفي يوم من الأيام فكرت البلدية في أن تطرح مناقصة الدرج كمجموعة تقدر بنحو 50 درجة، وتحتاج إلى ضمان بنكي ورأس مال كبير لتمويل المشروع، ولم يكن بمقدوري توفير هذه الشروط رغم علمي بالمكسب الكبير في هذه المناقصة، فجاء عمي بكر تونسي، وقال أنا أكفل علوي وأي مبالغ يحتاجه أعطوه من حسابي، وبناءً عليه تشجعت ودخلت في المناقصة وأخذتها وبعدها زعلت، لأنّني عندما كنت اخذ الدرج فرادى، كانت الواحدة تكلف ما بين ثلاثة الا اربعة الاف ريال كما اسلفت، وحينما كبرت العملية لم يكن بمقدور صغار المقاولين دخولها، وأصبحت حكراً على كبار المقاولين في تلك الايام، وكان المقاولون لا يأخذون الدرجة بسعري نفسه، بل يأخذونها بين 2000 الى 2500، وأنا عقليتي ان الدرجة مازالت بأربعة آلاف أو خمسة على اكثر الفروض، فدخلت المناقصة بمئتي الف ريال، وغيري دخلها بنصف مليون ريال، ورست المناقصة عليّ، رغم انني كنت رابحاً بالمبلغ الذي قدمته، ولم اكن ادرك وقتها ان كبار المقاولين لا ترضيهم الارباح الصغيرة. وكانت هذه المناقصة مفترقاً حقيقياً في تكوين ثروتي، حيث ربحت على هامشها مبالغ اخرى.
- كيف أنجزت هذا المشروع، رغم ضعف الإمكانات خلال تلك الفتره ؟
- إيصال مكونات إنشاء الدرج إلى الجبال كان بوساطة الحمير، وكانت قيمة الحمار 10ريالات، وفكرت في ان أشتري حميراً، وفعلاً نزلت بنفسي إلى السوق، وذهبت لشخص اسمه حسن ليمونية، رحمه الله، وكان شيخ حراج بيع الحمير، واشتريت الحمير ووفرت ثلاثة ريالات عن كل حمار، كما أن الحمار بعد شهر ينحني ظهره ولا يستطيع ان يصعد إلى الدرجات لإيصال "الرمل" وعندما ينحني ظهره كنت أبيعه بـ10ريالات، ونشتري غيره آخر نشيطاً، وهذا مكسب زيادة لم يكن في الحسبان عندما دخلت المناقصة.
- اليوم تعدّ مؤسستكم رائدة في أعمال المقاولات على مستوى المملكة، ما المشروع الذي تفتخر به؟
- المشروع الذي افتخر به، هو مشروع اخذته من الاوقاف وبنيته وهو مبنى كسوة الكعبة، وهو شرف لي ان أكون اول من قام ببنائه للتاريخ، وفي السنوات الاخيرة أنجزت مشاريع متعدده لخدمة ضيوف الرحمن، مثل ابراج منى السكنية وإنشاء أكثر من اربعين الف دورة مياه في المشاعر المقدسة، التي استفاد منها حجاج بيت الله الحرام.
- تنوعت أعمالك التجارية، ولديك ثلاث مدارس لتعليم القيادة حدثنا عن دخولك هذا المجال؟
- يعود الفضل بعد الله في هذا الامر، إلى الدكتور عبد الجليل السيف، الذي كان مختصاً بتنظيم إدارة المرور بالنسبة للطرق، وقال لي نحتاج إلى عمل مدرسة في مكة لتعليم القيادة، وإذا كان لديك الاستعداد اكتب لنا "معروضاً"، واشرح فيه كل الامكانات والطريقة التي ستقدم فيها المشروع. وبعد ايام قدمت الطلب، وتمّت الموافقة من وزارة الداخلية على انشاء المدرسة، والحمد لله اليوم لدي ثلاث مدارس لتعلم القيادة في مكة المكرمة والباحة والقنفذة.
- رغم امتلاكك لمشروعات ضخمة، فإن البعض يستغرب استمرارك في المشاريع الصغيرة، ما فلسفتك في هذا الامر؟
- انا لا أستحي من أي عمل؛ فكل شيء مشروع وشريف، تجدني فيه؛ فعلى كورنيش جدة تجد عربة البليلة والسندويتشات مكتوباً عليها "مؤسسة علوي تونسي"، وهذا ليس عيباً، وعلى الشباب أن يجربوا تلك المشروعات الصغيرة، وسينجحون بقدرة الله، لو تابعوا عملهم بأنفسهم.
- في عالم المال والأعمال هناك مشاريع تعلق في الذاكرة، حدثنا عن مشروع ما زال في ذاكرتك؟
ـ دخلت مناقصة لتنفيذ ستة أبراج في مشعر منى، وكنت في التوصيف ثالث مقاول في المناقصة، فنسيت المشروع، وبعد فترة فوجئت أن شركة منى قررت أن تزيل الفرش من المشروع، فأزالته من كل المقاولين، وأنا كنت متقدماً بمبلغ، وغيري بمبلغ، والثالث بمبلغ آخر، وعندما حسمت الشركة مبلغ العفش من الشركات الثلاث، بناءً على ما قدمته كل شركة، جاء ترتيبي في المركز الأول.
- ما بين جمع المال وتربية الأبناء، هناك أيام لاتنسى، حدثنا عن أهم يوم في حياتك ؟
- هناك أيام كثيرة فرحت بها، لكن يوم تخرج ابني الوحيد أسعد في الجامعة بتفوق، كان هو أسعد أيامي، حيث طلبته بعض الشركات الأمريكية للعمل معها بحكم تفوقه، لكنه فضل العودة ليخدم وطنه وأبناء وطنه.
- في المقابل الحياة ليست كلها سعادة، هل من خبر حزين ما زال في الذاكرة؟
- أثناء تفقدي لأحد المشاريع التي أشرف عليها، تعرضت لحادث توفي فيه ثمانية أشخاص أفارقة، فتم توقيفي ثلاثة ايام، وكان الأمير فواز بن عبد العزيز أميراً لمنطقة مكة المكرمة وقتها، فأمر بإطلاقي بكفالة، لا تتعطل مشاريع حيوية كنت أنفذها لمصلحة الأمن العام، وبعد الحج أحضرت أهل الميتين وعوضتهم وأعطيتهم حقوقهم، والمفارقة انني كنت وقتها عضواً في لجنة التبرعات للمساجين.
- اليوم بعد هذا العمر، دعنا نعود بك إلى سنوات مضت، ماذا بقي في ذاكرتك من أيام الطفولة؟
- هنالك الكثير من الذكريات، فعندما كنا نريد ان نلعب الكرة نبحث عن الشقاق الخاص بالوالدة (والشقاق هو شراريب النساء الطويلة والسميكة)، فنقوم بحشوها بالقطن والقماش حتى تصبح مثل الكرة. وكانت هنالك ألعاب كثيرة كانت معروفة منها (كبت، وبربر والمدوان، والمصراع).
- هل نجاحك التجاري جعلك تترك المدرسة؟
- أكملت الصف الثاني الثانوي، وتوفى والدي وترك لي 11 من الإخوة والأخوات، ووجدت نفسي مسؤولاً عنهم، لأني انا اكبرهم، وكان لزاماً عليّ اعالتهم والبحث لهم عن لقمة العيش، فخرجت لمعركة الحياة وعمري 22عاماً، كما انني كنت متزوجاً وعمري وقتها 18عاماً.
- هل لك تواصل مع زملاء الدراسة بعد طول هذه السنوات؟
- كثير أذكر منهم محمد صالح باخطمة، وكان برتبة سفير احيل للتقاعد، الأستاذ عبد الله عبدالرحمن الجفري، محمد سعيد طيب، محمود سفر، درويش جستنيه، صالح جستنيه، خالد فطاني، عبد العزيز النافع، عبد العزيز العوهلي ، وكنا زملاء صف واحد.
- أنت من جيل مخضرم بصراحة ما الفرق بين أصدقاء الأمس واليوم؟
- في وقتنا الحاضر المادة طغت على كل شيء وأصبحت اغلب العلاقات تحكمها المصالح بعكس السابق، حيث لم يكن للمادة أي أهمية حتى أننا في المدرسة وقت الفسحة الكبيرة نجتمع اربعة او خمسة اصدقاء، كل واحد يدفع القرش الذي معه، ونشتري بها جميعاً التميسة والجبنة والشاي، لأن القرش الواحد لا يكفي لشراء كل تلك الاشياء فكنا نجمع مصروفنا مع بعض ونشتري بها ونأكل.
- كم كان مصروفك اليومي أيام الدراسة؟
- المصروف المدرسي كنت اخذه في الصباح، وكان قرشاً، وكان هنالك هللتان بعد الظهر، وكنت اشتري بها الحلوى.
- أنشأت مستشفى علوي تونسي في مكة الذي يعدّ الأبرز بين مستشفيات القطاع الخاص، حدثنا عن فكرته ومستقبله ؟
كان هناك حاجة لدى اهل مكة الى مستشفى يضمّ تخصصات متعددة، حيث كان كثير منهم يذهبون إلى جدة للعلاج، ومن هنا جاءت فكرة المستشفى ومستقبله لدينا رؤية، لنصبح شركة عالمية رائدة في مجال الرعاية الصحية المتكاملة، وأن تكون المكان المفضل لتقديم الرعاية الصحية لسكان منطقة مكة المكرمة، ونحقق أعلى مستويات الجودة في مجال الرعاية الطبية وإرضاء المرضى، ولذلك حرصنا على أن نقدم أرقى أنواع الرعايه الطبية، من خلال فريق من الأطباء المتخصصين الذين يكرسون وقتهم و جهدهم لخدمة المرضى، كما نسهم مع المريض في تحسين خدماتنا، لأن أهدافنا مشتركة، فنوفر عناية صحية ممتازة ومتساوية إلى الكل، بغض النظر عن العمر أو الجنس أو اللون، وخدماتنا تقوم على الأحترام المتبادل بين الأفراد و العملاء. ونحن نفخر بأننا نقدم أرقى رعاية طبية لمرضى من مختلف أنحاء البلاد، والحرص على سلامتهم من خلال تطبيق أفضل الممارسات، وتحسين التكنولوجيا، والرعاية الطبية السريرية، وزيادة إشراك المريض في خطة الرعاية الصحية. وتوّج المستشفى بحصوله على شهادة اعتماد الهيئة المشتركة الدولية، كــأول مستشفى في منطقة مكة المكرمة يحصل على هذه الشهادة بالنظام الجديد نظام تتبع خدمات المرضى، وتحقيق الأهداف الدولية للسلامة.
- إذن ما رؤيتك لما سيكون عليه المستشفى ؟
أن يكون مستشفى علوي تونسي الرائد في تقديم الرعاية الطبية و الدعم الصحي للمرضى والمجتمع، ويصبح الأسبق في تقديم المستويات العالية من الرعاية الصحية للمرضى في منطقة مكة المكرمة، ونعمل بروح الفريق الواحد لنصل إلى أهدافنا ونطمح دائماً إلى الجودة في العمل واحترام العاملين والمرضى والمجتمع كله والإبداع والنظر إلى الأحسن دائماً، والإخلاص في العمل بما يمليه علينا ديننا الحنيف وقيمنا الإسلامية
- بعد مضي نحو 58 عاماً عن قيام مؤسستكم، أين تقف اليوم؟
تعدّ المؤسسة اليوم من المؤسسات العريقة والمتميزة في السعودية، حيث اشتهرت بدقة العمل والسرعة في الإنجاز، ولديها الجهاز الإداري والفني ذو الخبرة العالية، الذي قام بتنفيذ عدد من المشاريع المهمة والمميّزة في المملكة، وفق التصاميم والمواصفات والمقاييس العالمية، كما تمتلك جميع المعدات اللازمة لتنفيذ الأعمال الموكلة إليها، وتمدّ جذورها قرابة 58 عاماً وقد سعت دوماً للتطوير، ما جعلها تجمع بين الأصالة والخبرة الطويلة التي انتقلت من جيل إلى جيل، حيث أرسخ في أبناء العائلة النهوض بهذه المؤسسة، وكذلك التطور واستخدام أحدث أساليب البناء والتكنولوجيا. وتتضافر الجهود والاتصال داخل أسرة المؤسسة بين القيادة وجميع العاملين، المواطنين منهم والمقيمين، ممّن يتميّزون بالكفاءة والجدية، منتشرين في جميع أنحاء السعودية، للوصول إلى أعلى وأشمل أداء عن طريق المتابعة والتدريب المستمر وتطوير مهارات جميع العاملين في المؤسسة، كما تحرص المؤسسة على عامليها بتقديم أقصى وأرقى خدمات ممكنة، سواء طبية أو اجتماعية أو ترفيهية، ما يؤثر إيجابا في أداء العاملين، ويحافظ على شعورهم بالانتماء.