سوندار بيتشاي.. الهندي الشاب رئيس غوغل
قصي المبارك – دبي:
تلقّى أبناء الهند خبر اختيار الهندي سوندار بيتشاي رئيسا تنفيذيا لشركة غوغل بالكثير من السعادة ومشاعر الفخر، وذلك عقب التغييرات التي أعلنت عنها الشركة الأميركية في شهر أغسطس من عام 2015، والتي شملت أيضا وضع "لاري بيج" في منصب الرئيس التنفيذي للشركة الأم التي حملت اسم "ألفابت" وأصبحت غوغل جزءاً منها.
ولا يبدو اسم بيتشاي، الذي يبلغ من العمر ثلاثة وأربعين عامًا، غريبًا عن غوغل التي بدأ عمله فيها قبل ما يزيد عن أحد عشر عامًا، ودرس هندسة المواد وأشباه الموصلات أي كانت دراسته مرتبطة بمكونات العتاد والأجهزة، بعكس خلفية لاري بيج وسيرجي برين الدراسية التي تتصل بعلوم الحاسوب.
وتدرجت مسؤوليات بيتشاي من تطوير شريط أدوات غوغل في متصفحات الإنترنت، لتشمل أغلب المنتجات المهمة للشركة مثل “الخرائط” و”جي ميل” و”أندرويد”، ورسخ سمعته كتمُحدث هاديء يصفه أقرانه بالتواضع وإنكار الذات، ويثنون كثيرًا على مهارته في تكوين فرق العمل، والتعامل مع المنازعات.
وُلد بيتشاي في الهند في عام 1972، ومر فيها بمراحل الدراسة المختلفة وصولاً إلى تخرجه في المعهد الهندي للتكنولوجيا في مدينة كراجبور عام 1993، وتوجه في العام نفسه إلى الولايات المتحدة لدراسة الماجستير في جامعة ستانفورد، حتى التحق بالعمل في غوغل في عام 2004، وحقق نجاحات متتالية.
وقدم اختيار بيتشاي، الذي بدا الخيار المنطقي الأفضل أمام مسؤولي غوغل، دليلاً جديداً على إنجازات المهاجرين الهنود في الولايات المتحدة وغيرها، وتشترك الهند مع مثيلاتها من الدول النامية في روح الاعتزاز بإنجازات أبنائها المغتربين، لكن هذا الشعور له بالفعل ما يُبرره في الهند.
وعاشت أسرة بيتشاي، التي تتألف من الوالدين وسوندار وشقيقه الأصغر، في شقة من غرفتين، ولم يحظ سوندار بغرفة مستقلة، واعتاد وشقيقه النوم في غرفة المعيشة، كما لم تمتلك الأسرة تلفزيون أو سيارة، واعتمدت في تنقلاتها على الحافلات المزدحمة، أو دراجة نارية يتولى الأب قيادتها ويجلس سوندار أمامه، بينما يحمل المقعد الخلفي الأم والشقيق الأصغر.
وفي حين تولى بيتشاي، المُحب للشطرنج، منذ عامين مسؤولية نظام التشغيل “أندرويد”، الأكثر استخدامًا في الهواتف الذكية في العالم، لم تمتلك أسرته هاتفًا أرضيًا قبل بلوغه سن الثانية عشر.
وحينها كشف الهاتف للصبي جانبًا من الفوائد السحرية للتكنولوجيا، وإلى الآن يذكر بيتشاي صعوبات الحصول على خط هاتف ثابت في الهند، وانتظار العائلة لفترة تقترب من سبعة أعوام، وأسهم هاتف العائلة في اكتشاف بيتشاي والمحيطين به لملكته الفريدة في تذكر أرقام الهاتف التي يتصل بها.
أتم بيتشاي تعليمه في مدارس مدينته، وتفوق في الدراسة كما قاد فريق الكريكيت في مدرسته خلال المرحلة الثانوية، وانتقل بعدها لدراسة هندسة المعادن في المعهد الهندي للتكنولوجيا في مدينة كراجبور، وتخرج فيه في عام 1993، ووصفه أحد أساتذته بأنه كان الألمع في دفعته، ودعاه آخر بأنه أشبه بالألماس غير المصقول.
ونال بعد تخرجه منحه للدراسة في جامعة ستانفورد الأمريكية المرموقة التي تخرج فيها الكثير من أبرز رواد التكنولوجيا، وحصل فيها على الماجستير في هندسة المواد وفيزياء أشباه الموصلات، وأقام في عامه الأول بصحبة عائلة مستضيفة.
وصل بيتشاي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1993 بعد رحلة ليست بالسهلة في جمع تكلفة تذكرة الطيران، وبعدما فشلت الأسرة في الحصول على قرض لتغطية النفقات في الوقت المُناسب، أقدمت على سحب ألف دولار من مُدخراتها، وهو مبلغ يتجاوز راتب الأب في عامٍ كامل، وعلق بيتشاي: “فعل والدي ووالدتي ما يفعله الكثير من الآباء في ذلك الوقت، ضحيا بالكثير من حياتهما، ووظفا الكثير من الدخل المُتاح للتأكد من تعلم أطفالهما”.
وفي البدء خطط بيتشاي للحصول على الدكتوراه من "ستانفورد" والانطلاق في مسار أكاديمي داخل الجامعة، لكنه قرر بعد فترة قصيرة الاتجاه إلى العمل كمهندس ما مثل مفاجأةً لوالديه، وعمل بيتشاي أولًا في شركة "أبلايد ماتيريلز" في وادي السيليكون في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
وبعدها نال الماجستير في إدارة الأعمال من "كلية وارثون للأعمال" في جامعة بنسلفانيا في عام 2002، وانتقل للعمل في الإدارة والاستشارات في شركة “ماكينزي”، ليصل إلى غوغل في عام 2004 بعدما ناقش أحد زملاءه في “ماكينزي” محاولًا إثناءه عن الانتقال إلى غوغل ، وبعدها أدرك بيتشاي وجاهة أسباب العمل في غوغل، وخاض بيتشاي مقابلة العمل في الأول من أبريل/نيسان سنة 2004، وهو اليوم الذي أطلقت فيه الشركة خدمة “جي ميل” للبريد الإلكتروني.
الوصول إلى غوغل:
قبل عامين من تعيينه كرئيس تنفيذي لغوغل، وصف لاري بيج بيتشاي في خطاب الإعلان عن ترقيته للإشراف على وحدة نظام التشغيل أندرويد بقوله: “لدى سوندار الموهبة لابتكار منتجات مُمتازة تقنيًا وسهلة الاستخدام، ويُحب الرهان الكبير، انظروا إلى متصفح كروم كمثال، في عام 2008 تساءل الناس عما إذا كان العالم بحاجة حقًا إلى مُتصفح آخر، واليوم لدى كروم ملايين المستخدمين السعداء.
ويدين بيتشاي بنجاحه في غوغل إلى عمله على جعل مُنتجات الشركة أسهل في الاستخدام، ومن ثم أكثر شعبية، وهو ما جذبه إلى المشروعات المهمة والصعبة.
فقصة متصفح كروم بدأت عندما اقترح بيتشاي أن تقوم الشركة بتطوير متصفح إنترنت مُستقل لا تُواجه فيه تهديدًا لمحرك البحث الخاص بها، وهي فكرة لاقت قبولًا من مُؤسسي الشركة، سيرجي برين ولاري بيج، في حين عارضها الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك، إريك شميدت، مُعتبرًا أن خوض غوغل في حرب مُتصفحات الإنترنت تشتتًا كبيرًا لعملها.
وبالفعل كان متصفح "غوغل كروم" خطوة رابحة بكل المقاييس، ووفقًا لبيانات "ستات كاونتر" يُعد كروم المتصفح الأكثر استخدامًا في العالم سواءً على الحواسيب المكتبية أو الأجهزة المحمولة، بعدما استحوذ في عام 2009 على نسبة 1% فقط من سوق متصفحات الإنترنت.
وأسهم متصفح "كروم"، في زيادة انتشار محرك البحث "غوغل" ومعه الإعلانات التي تُعد مصدر الأرباح الأول للشركة، ودونهما ربما لم تكن غوغل لتصبح بشعبيتها ونجاحها الحالي، كما أشرف بيتشاي على تطوير نظام تشغيل "كروم" للحواسيب الدفترية وهو نظام يعتمد على تخزين مختلف البيانات في الخدمات السحابية عوضًا عن الاحتفاظ بها على الحواسيب، ويلقى نظام كروم حاليا رواجًا واسعًا ولاسيما في المدارس الأمريكية، ويستحوذ على 21% من سوق الحواسيب في العالم.
وتوسعت مهام بيتشاي لاحقًا لتشمل بعض من أهم خدمات غوغل مثل الخرائط والملاحة والبريد الإلكتروني "جي ميل"، وخدمة التخزين السحابي "غوغل درايف"، ليُضاف إليها في مارس/آذار من عام 2013 إدارة وحدة نظام التشغيل أندرويد خلفًا لأندي روبين الذي انتقل حينها إلى قسم تطوير الروبوتات.
ويُستخدم أندرويد في 78% من الهواتف الذكية المستخدمة في العالم، وأشرف بيتشاي على ثلاثة إصدارات منه شملت "جيلي بين" و"كيت كات" و "لولي بوب"، وخلال مؤتمر غوغل للمُطورين I/O الأخير كشف عن إصدارات من أندرويد للسيارات والمنازل الذكية. وقال حينها: “ننقل الحوسبة إلى ما يتجاوز المحمول”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول سنة 2014 أصبح بيتشاي رئيسًا للمُنتجات في غوغل، وبالتالي تولى العمليات اليومية في الشركة، واقترب أكثر من معرفة أهم خدمات غوغل وأشرف على إطلاق "غوغل فوتوز" وتطوير المساعد الشخصي الذكي "غوغل ناو”.
بيتشاي رئيساً تنفيذيا لغوغل:
رغم كل نجاحاته وإنجازاته خلال مسيرته في غوغل، يُواجه بيتشاي في منصبه الجديد العديد من التحديات منها إقبال مُستخدمي الهواتف الذكية على تخصيص الوقت الأكبر للتطبيقات بما يفوق البحث على الإنترنت، وبالتالي يُؤثر على أرباح غوغل من الإعلانات، بالإضافة إلى مواجهة شركة “أمازون” التي تُتيح للمستخدمين الشراء بخطوات أقل، و”فيسبوك” التي تسمح لها شبكتها الاجتماعية بجمع قدر ضخم من البيانات عن المستخدمين وعلاقاتهم واهتماماتهم، وتستعين بها لتوجيه الإعلانات، ويُضاف إلى ذلك الخلافات والمنازعات القضائية مع الاتحاد الأوروبي حول الخصوصية ومزاعم تفضيل غوغل لمنتجاتها.
وبطبيعة الحال ومع هذه المهارة، سعت شركات أخرى إلى إقناع بيتشاي بالانتقال إليها، وورد اسمه ضمن المرشحين لتولي منصب الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت خلفًا لستيف بالمر قبل أن يتولّاه مواطنه ساتيا ناديلا.
كما تلقى بيتشاي عرضًا من تويتر عام 2011 للإشراف على المنتجات، وجاء اسمه مُؤخرًا ضمن القائمة القصيرة لشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة التدوين المُصغر. ولذلك يرى البعض أن من أسباب اختيار بيتشاي لمنصبه الجديد محاولة الإبقاء عليه في “غوغل”.