بالصور..."بروج" و"غانت" ... جوهرتا بلجيكا التاريخيتين!
بلجيكا: مايا مشلب
إن كنت قد مللت من مواسم الحر وتحتاج الى تمضية إجازة قصيرة تكسر فيها الرتابة والملل، وتبتعد عن كل ما يمت للمكيّفات والمخازن التجارية بصلة. فحان الوقت لتحجز مقعدك حالا الى بلجيكا حيث يمكنك التعرف الى اثنتين من أجمل المدن الصغيرة التي تنتمي الى القرون الوسطى والتي لا تزال تحافظ على عراقتها وإرثها التاريخي الذي لم تشوهه نيران الحرب العالمية الثانية ومدافعها.
نتحدث هنا عن مدينتي بروج وغانت الواقعتين في إقليم الفلمنكي الناطق باللغة الهولندية. الواقع ان التجول في هاتين المدينتين أشبه بالسفر بعيداً في الزمن والتاريخ اللذين ينقلانك الى بيئة فريدة، لا تمت الى حاضرنا بصلة، لا تشبهانه في أي من وجوهها. هنا يمتزج مفهوم المدينة بالطبيعة غير المشوهة. التنزه في أرجاء المدينتين، يثير في الذهن الكثير من علامات الاستفهام. كيف نجح الاسلاف في تشييد مدن رائعة كهذه من دون تلويث طبيعتهم او هدمها؟ كيف نجحوا في تنفيذ تصميم عمراني رائع الى هذه الدرجة، خال من أي شائبة ومنسجم الى هذا الحد وقادر على تحدي الزمن؟ المدينتان أشبه بأيقونتين، كيفما تنقل نظر الزائر فيهما، يجد ما تدهش له العينين. أما لماذا نجمع مدينتين في تقرير واحد، فلأنه يمكن زيارتهما في رحلة واحدة، إذ لا تفصل بينهما أكثر من ساعة في السيارة او القطار.
الواقع ان الصدف قادت "الرجل" الى غانت، إذ ان الزيارة كانت مخصصة، أساساً، لمدينة بروج الاكثر شهرة. فالحديث مع السكان يمكن ان يحمل الكثير من المفاجآت والمعلومات الشيّقة. وهذا كان حالُنا.
في البداية، لا بد من التذكير ان الزيارة تترك طابعا مختلفاً تبعاً لتوقيتها. فإن زرتموها في هذا الموسم أي خريفاً ستشعرون بتلك الهالة التي تحيطها وتغلفها بالغموض، وكأن هاتين "المدينتين – الجوهرتين" تدعوكما الى فك الكثير من الألغاز المخبأة وسط الضباب الذي يزحف بين شوارعها وأزقتها ويخفي الكثير من قلاعها وقصورها. أما إن شئتم أن تؤجلوا الزيارة الى الربيع او الصيف أي ابتداءً من شهر أبريل / نيسان، فستشعرون بأن المدينتين تكتظان بالسياح والزوار الذين يتوافدون من كل حدب وصوب. وهذا الامر يولد أيضا جوا رائعا من الفرح والسرور، خصوصا ان الشوارع تمتلئ بعربات الخيل والمهرجين والعديد من الشخصيات التي يؤديها هواة ومحترفون. الخيار لكم.
لمحة عامة:
تعد مدينة بروج البلجيكية المرفئية، عاصمة مقاطعة فلاندر الغربية في الإقليم الفلامندي وأكبر مدنه. وهي تقع في شمال غرب البلاد وتمتد صعودا حتى تلامس البحر. وقد أدرجت مدينة تاريخية على موقع التراث العالمي لليونسكو. ومعلوم انها قد اضطلعت بدور مهم في العصور الوسطى حين وصل كبار التجار في المدينة بحر البلطيق بالبحر المتوسط. وبفضل قربها من العاصمة البجيكية بروكسل، باتت مقصدا ليلياً للراغبين في تمضية اوقات بعيدا من الزحمة.
أما غانت فتقع في المقاطعة نفسها. بدأ تشييد المدينة في أواخر القرون الوسطى بفعل التقاء نهري شيلدت ولاي، حتى باتت اليوم واحدة من أكبر مدن شمال أوروبا وأغناها. كما انها تمثل لوحة تشكيلية تاريخية لا متناهية، إذ ان الزائر يمشي بين القصور والكاتدرائيات الضخمة والاثرية. وتعتبر مدينة "مشاكسة" إذ انها، وفي آن واحد، مفعمة بالحميمية وتزخر بالحيوية، بفضل جامعاتها وصروحها التعليمية التي تستقطب الطلاب من بلجيكا وخارجها. أما سكانها فيلقبون بـ"حملة الحبال" والسبب تلك الروح الثائرة في داخلهم التي لا ترضى بالطغيان والاحتلال. فقد ثاروا مرات عدة، على الامبراطور الروماني وعلى الملك الاسباني شارل الخامس في العام 1539. لكن الاخير تمكن من سحق الثورة، وأراد أن يذل السكان فألبس الرجال قمصان داخلية بيضاء وربط عنوقهم بحبال وجعلهم يمشون في كل أرجاء المدينة. اما اليوم فلا يزال هناك تمثال مشهور جدا يخلّد هذه الواقعة، كما تحمل العديد من المطاعم والامكنة اللقب نفسه.
على أي حال، نقدم لكم في ما يلي لائحة بأهم الامور التي من المستحسن الا تفوّتوها، حتى وإن كانت زيارتكم قصيرة.
مشهد بارونامي:
في كل من غانت وبروج، يمكن الاستمتاع بمشهد بانورامي خلاب يخطف الانفاس، ويشرف على كامل الارجاء وما تحتويه من أبنية وساحات. كل ما عليكم فعله هو التوجه في غانت، الى القصر المعروف في وسط المدينة الذي يرجع أيضا الى العصور الوسطى. اما في بروج، فهناك برج يرتفع 83 مترا ويحتوي على نحو 50 جرساً بإيقاعات مختلفة. خلال صعود السلالم، يمكن اخذ وقت استراحة للاطلاع على "خزنة المدينة" التي تضم العديد من الوثائق والاختام واموال القرون الوسطى. بعد 366 درجة، ستنعم بمشهد يستحق كل هذا العناء!
التجول:
إن كان وقتكم ضيقا، فمن الامور الرائعة التي يمكنكم الاستفادة منها هو استقلال مركب للقيام بجولة في أقنية المدينتين، خصوصا في بروج التي تفيض رومنسية. كيف لا والمياه تحوّلت أشبه بلوحات تشكل امتدادا لما فوقها من أشجار منسدلة الاغصان وبيوت الحجر العتيقة التي تشبه بهندستها تلك التي تحكي قصص الاميرات! يمكن الاستعانة أيضا بعربات الخيل التي تملأ الشوارع. اما ان كنتم من هواة التكنولوجيا وترغبون في جولة خاصة تعرف بـ" segwaytours" توفرون فيها عناء المشي ساعات، عبر استئجار نوع خاص من الدراجات الكهربائية.
الطعام:
مما لا شك فيه ان اسم بلجيكا يقترن بالمحار التي تقدم مع البطاطا المقلية. وهذا الطبق يعد تقليديا ويتوافر بنكهات عدة، منها صلصة الكريما البيضاء او بالاعشاب او "بروفنسال" ويتخلله الفلفل بألوانه الثلاثة مع شرائح من الفطر الطازج. كما ان بعض المطاعم تقدم ايضا بيرة خالية من الكحول. اما إن كنتم تبحثون عن أطباق اخرى، فهناك قائمة لا تحصى من المطاعم. كل ما عليكم القيام به هو الاطلاع على لائحة الطعام قبل الدخول للتأكد من ان طلبكم موجود. إن كنتم تزورون المكان في طقس بارد، ينصح بتذوق الشوربات إذ هناك مجموعة واسعة منها، حتى ان شوربة الطماطم لها مذاق مختلف في تلك البلاد وذاك الطقس.
الشوكولا:
تشتهر بلجيكا عالمياً بالشوكولا، ليس لانها تزرعه بل لانها تجيد أسرار تحضيره. تنتشر في أزقة بروج على نحو لافت العديد من المتاجر الصغيرة التي تبيع قطع الشوكولا التي تبدو أشبه بالمجوهرات. لكل منها تصميم ولكل تصميم مذاق ولكل مذاق سرّ، لا يملك مفتاحه غير صانعه! تكفي رؤية تلك النظرة التي تطبع وجوه كل الزوار. الدهشة عنوانها والابتسامة التي ترتسم على الشفتين لا تستأذن أحداً. هنا، في هذه الامكنة الصغيرة، يعود المرء أيضا طفلا صغيرا يشتهي الحلوى الموضوعة على رف عالٍ! لمَ هذا التشبيه؟ لان تذوّق كل ما تشتهيه العين أو شرائه يتطلب رصد ميزانية كبيرة، خصوصا ان كنتم من النوع الذي يعاني ضعفا تجاه الشوكولا!
الحلويات:
ليس الشوكولا العنوان الوحيد لمحبي الحلويات. إذ تنتشر في المدينتين الكثير من الانواع الاخرى الشهية: الشوكولا الساخن شتاء وحلوى الغوفر (لياج وبروكسل) مع الشوكولا أو السكر الناعم والفاكهة. من الامور التي يجب الا يفوتها السائح أيضا هو المثلجات على اختلاف مذاقاتها من الشوكولا والفانيليا مرورا بكل انواع الفواكه.
متحف الشوكولا:
يحكي "شوكو- ستوري" (Choco- Story) قصة الشوكولا ابتداءً من حضارة المايا والفاتحين الاسبان، وصولا الى متذوقي الشوكولا وأهم صناعه في يومنا هذا. خلال التنقل بين طبقات المتحف، ستدهش للكثير من المعلومات الشيقة المعروضة هناك. يجمع المتحف أيضا الكثير الصور والاغلفة وعلب توضيب الشوكولا من قرون فائتة وباتت اليوم أشبه بلوحات فنية قيّمة. باختصار، يعتبر المتحف وجهة تستحق الزيارة، إن كان لديكم الوقت الكافي. قبل الخروج، يتسنى للزائر التعرف الى طريقة صنع الشوكولا على يدي شيف اختصاصي وتذوق إحدى النكهات المحضرة مباشرة في المحترف. وقبل المغادرة، لا تنسوا التوقف في متجر المتحف. رغم صغره، يحتوي على الكثير من الشوكولا المستقدم من نواحي مختلفة في العالم. بعد التجربة، هنا المكان الامثل لشراء الهدايا التذكارية اللذيذة!